أكذوبة نصر أكتوبر!
منذ حوالى ساعة
عدد القراءات: 683
عادت
أسطورة «نصر أكتوبر» لتملأ الشاشات: عادت صورة «بطل العبور» لتصيبنا
بالغثيان. إن الحملة الدعائيّة التي صاحبت حرب أكتوبر منذ إطلاق أوّل رصاصة
عام 1973 لم تتوقّف، وهي مُموّلة من أنظمة النفط والغاز، ودون معارضة من
أميركا. إن أسطورة حرب أكتوبر العربيّة جاءت لتسقط الحرب من الحسبان
العربي: هي الحرب من أجل السلم مع العدوّ. قل (أو قولي) هي الحرب التي أتت
لتنهي كل الحروب، وكان هذا هو الشعار الساداتي الشهير. لم يكن غرض التحرير
في الحساب. علمت قيادتا النظامين السوري والمصري أن الاستمرار في الحكم
مستحيل من دون الوفاء بوعد تحرير الأرض (كان هذا أحد عناوين انقلاب حافظ
الأسد على صلاح جديد، وكان هذا زعم أنور السادات بإكمال مسيرة عبد الناصر).
المناهج المدرسيّة العربيّة كلّها تحفل بأخبار انتصارات الجيوش العربيّة
في تشرين، ودون التحقّق من معاني النصر المزعوم.
وفي آخر حملة انتخابيّة لحسني مبارك، وفي مقابلات طويلة ومسهبة مع عماد
الدين أديب، كان الحديث عن «نصر أكتوبر» هو الحملة الانتخابيّة عينها. كان
عليك أن تستمع لمبارك يحدّثنا عن بطولات واهية له. وعندما أراد السادات أن
يُنشئ مجلّة أسبوعيّة تكون بوقاً أميناً له ولتصفية التركة الناصريّة أطلق
عليها اسم «أكتوبر» (وترأس تحريرها أنيس منصور)، كما أن النظام السوري له
جريدة «تشرين» اليوميّة. لماذا لا ينشئ النظامان مجلّة وجريدة باسم حطّين
أيضاً، لعلّ الشرعيّة السياسيّة تتوهّج أكثر؟
الحرب تُقاس بنتائجها وإن كان الأداء يُحسب في المعادلة. يمكن وصف حرب 1967
بأنها هزيمة محقّقة لا لبس فيها. ليس هناك من يجادل في حقيقة الهزيمة
(ربما باستثناء محسن إبراهيم الذي كتب في مجلّة «الحريّة» في الأسابيع التي
تلت الحرب دفاعاً عن عبد الناصر، وأخبرنا يومها أن عبد الناصر «لم
يُهزم»). لكن حرب 1973 كانت مختلفة. لا شكّ أن تحضيراً طويلاً ودؤوباً سبق
التحضير للحرب (سبق التحضير وليس الشنّ فقط)، ولا شك في أن الاتحاد
السوفياتي لعب دوراً هاماً في إعداد الجيشين السوري والمصري _ خصوصاً
الأخير (يلعب الكثير من العرب شعباً وحكومات دور ناكري الجميل إزاء الاتحاد
السوفياتي، مع أن قطاعاً من المتخصّصين العرب لم يكن لهم أن ينالوا شهادات
عليا لولا المنح المجانيّة من الدول الاشتراكيّة). لكن من الممكن الزهو
بأداء الجيشين المصري والسوري في الحرب.
إن القوى الصهيونيّة التي احتلّت فلسطين اعتمدت عسكريّاً منذ البداية على
معادلة مركّبة في التعامل مع الخطر العربي وفي فرض الاحتلال:
1) الإفراط في الوحشيّة من دون روادع أخلاقيّة أو اتفاقات دوليّة أو
معايير. وفي حرب تشرين، مثلاً، خرق العدوّ أوّل اتفاق لوقف النار كان قد
وافق عليه وبإشراف أميركا، كما أن العدوّ شنّ حرباً عدوانيّة في 1967،
بينما خاف الجانب العربي أن تتهمه أميركا بالاستفزاز والعدوانيّة فانتهى
مهزوماً ومحتلاً.
2) الاعتماد على الهجوم الاستباقي والحفاظ على عنصر المفاجأة والمباغتة والحيلة.
3) التعويل على مساهمات الاستخبارات خصوصاً من قبل الجواسيس العرب (الكبار
والصغار)، بمَن فيهم الأسرة الهاشميّة، وليس من المبالغة أبداً وصف دور
الملك حسين قبل حرب تشرين وأثناءها وبعدها بدور الجاسوس الدؤوب والمُتحمّس
في مهمة الجاسوسيّة لمصلحة العدوّ الإسرائيلي.
كما أن نشر الوثائق الإسرائيليّة عن مرحلة حرب تشرين لا يزال يتحفّظ كثيراً
عن نشر أي سرّ حول دور الملك حسين، حفاظاً على سمعته عند بعض العرب،
وللحفاظ على خدمات ابنه الجاسوسيّة. الملك حسين هرع نحو العدوّ مرّات عديدة
لتحذيره من «عدوان عربي» مُحتّم ضدّه، وعندما لم يصدّق قادة العدوّ الملك
الأردني، كرّر تحذيراته وزياراته حرصاً على أمن العدوّ.
4) التعويل على دعم أميركي مطلق (بعد 1967 خصوصاً) لا يضاهيه أي دعم خارجي
(سوفياتي أو صيني أو غيره) للجانب العربي. أعطت أميركا أحدث ما لديها من
تقنيّة عسكريّة لإسرائيل، بينما تحفّظ الاتحاد السوفياتي عن إعطاء أحدث ما
لديه لحلفائه العرب.
5) الإفراط في الحرب النفسيّة وزرع المبالغة في قدرات الـ«موساد» في الذهن
العربي من أجل نشر ثقافة التيئيس وتصوير العدوّ الإسرائيلي على أنه يعلم
بكل ما يدور في الشوارع والمخادع العربيّة. إن الحرب النفسيّة أثّرت في
الثقافة العربيّة (وساهمت فيها الصحف اليمينيّة الرجعيّة في مرحلة الحرب
العربيّة الباردة في الستينيات، مثل «النهار» و«الحياة») إلى درجة أن
الأسطورة المُحاكة عن دور مُبالغ به كثيراً للجاسوس إيلي كوهين (وربطه
بأمين الحافظ، الذي لم يلتق به في الأرجنتين) _ هناك كتب عدة وفيلمان
أميركيّان عنه.
6) الإصرار على نصر حاسم وقاطع في كل معركة مع العرب.
7) الإصرار على احتكار كل أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط.
8) تقويض أي تحالف عربي ضد إسرائيل وتحييد دولة أو أكثر من الدول المحيطة
بفلسطين المُحتلّة. (لبنان، مثلاً، حُيّدَ قبل غيره من الأنظمة العربيّة،
وهذا هو فحوى عقيدة فؤاد شهاب العسكريّة).
إن حالة من الإحباط والهزيمة سادت في أوساط العرب بعد 1967، ونشرت دعاية عن
قوّة هائلة لا تُقهر للعدوّ الإسرائيلي. ولقد نجحت حرب تشرين في كسر تلك
الهالة التي حاكها العدوّ بأعماله العسكريّة. من هنا، فإن لحرب تشرين مكاسب
حقيقيّة معيّنة:
1) هي بالفعل قضت على العقدة _ التي تحكّمت لأسباب كثيرة ساهمت فيها كل
الأنظمة العربيّة منذ 1948 _ التي نتجت من نظريّة أن الإسرائيلي لا يُقهر.
2) استعمل لأوّل مرة في الصراع مع العدوّ عنصر المفاجأة والمباغتة
والاستباقيّة، لكن هذا يجرّ إلى مساءلة الأنظمة عن سبب عدم استعمال هذا
العنصر من قبل ومن بعد.
3) استعمال التكنولوجيا الحربيّة الحديثة (في حينه والمُتوافرة للعرب) بصورة فعّالة.
4) اعتماد التخطيط والتحضير الدؤوبين.
5) اعتماد الحرب على أكثر من جبهة، وهذا أكثر ما يكبّل العدوّ، ولهذا نجح
العدوّ في كل حروبه اللاحقة استناداً إلى الطمأنة الذاتيّة بأن ليس هناك من
سيفتح عليه أكثر من جبهة. وما أعاق الحرب على أكثر من جبهة كان الالتزام
المُسبق بالملك الأردني أنه لن يخوض الحرب، وسيكتفي بالتهريج الحربي
والخطاب الحربي حفاظاً على عرشه _ وقد أبلغ العدوّ بذلك قبل الحرب.
6) الاستعانة بعناصر عسكريّة قياديّة فعّالة بناء على أسس عسكريّة مهنيّة
وليس على أساس المحسوبيّة والشلليّة، لكن هذا العنصر لم يكن كاملاً، لأن
الشلليّة والمحسوبيّة تعايشتا مع بعض ظواهر المهنيّة. بمعنى آخر ظلّ أنور
السادات يتدخّل في أمور إدارة الحرب (نحو الهزيمة) وظلّ مصطفى طلاس الذي لا
يصلح إلا في منصب مقدّم برنامج فن وألعاب وتسلية على فضائيّة محتفظاً
بنياشينه، وظلّ محتفظاً لسنوات بثاني أعلى منصب في الجيش السوري. السادات
مثلاً رفض نصيحة سعد الشاذلي لسحب «الجيش الثالث» قبل حصاره.
7) إظهار العدوّ كما لم يظهر أمام أنظار العرب من قبل: في موقع الذعر والهلع والارتباك والتخبّط.
8) مدّ الجندي العربي والجمهور العربي العريض بمعنويّات كبيرة وإن لم تستخدم الأنظمة العربيّة تلك المعنويّات بعد ذلك.
9) نجح العرب أثناء الحرب في الابتعاد عن مهزلة الإعلام العربي في حرب 1967
وإن كان إعلام السادات بعد المعركة قد استفاض في المبالغة والكذب
والانتصاريّة الزائفة.
10) قدّم الجيش العربي نموذجاً من الوحدات القتاليّة المتحرّكة وذات قدرات
المبادرة الفعّالة، مع أن هذا العنصر كما أشار كنيث بولاك في كتابه
الموسوعي عن الأداء العسكري للجيوش العربيّة، «العرب في الحرب»، كثيراً ما
أضعف الأداء العسكري للجيوش العربيّة لأن الجندي لا يتحرّك من دون أمر من
الضابط، والضابط لا يتحرّك من دون أمر من الضابط الأعلى رتبة، وهكذا
دواليك. أما في قوّات المارينز فهي تعتمد على فكرة أنه لو كان هناك جنديّان
فقط في موقع ميداني، فإن واحداً منهما يصبح قائداً تلقائيّاً. وهذا هو
المُعتمد في جيش العدوّ.
11) نجحت القوّات العسكريّة العربيّة في صهر بوتقة التعاون بين مختلف القطاعات والأجهزة العسكريّة.
كيف تقيس عنصر النجاح أو الفشل في حرب تشرين؟ هل تقيسه بعدد الأمتار
المُحرّرة؟ لو كان الأمر كذلك، فإن النصر لم يكن حليف الجيشين، لا بل إن
الجيش السوري خسر المزيد من الأراضي لأنه، وبعد أيّام فقط من الحرب، أصبحت
دمشق في مرمى مدفعيّة العدوّ، كما أن الجيش المصري تعرّض لحصار مُكبّل. لم
يُحرّر الجيشان أراضيهما المُحتلّة، وهذا هو العنصر الأساسي في الفوز
بالمعركة. أم تقيس الأمر بعدد الخسائر وعقد مقارنة بين خسائرنا وخسائرهم؟
لو كان الأمر كذلك، لكانت المقارنة في غير مصلحة العرب. ليس هناك حتى
الساعة تعداد تفصيلي دقيق لعدد خسائر الجيشين السوري والمصري في تلك الحرب،
ربما لأن كل ما يحيط بحرب تشرين في الإعلام المصري والسوري (والعربي
عامّة) يدخل في باب الدعاية وإنهاض المعنويّات على حساب الحقائق والأرقام؟
والخسائر في السلاح والعتاد هي مثلها مثل الخسائر البشريّة. يمكن على الأقل
السماح بإجراء دراسات رسميّة في مصر وسوريا وذلك لتقديم صورة واقعيّة عن
واقع تلك الحرب، لكن هذا من المستحيلات لأن النظام السوري والنظام المصري
الحالي لا يزالان يستخدمان حرب تشرين لأغراض الدعاية السياسيّة. ثم إن قياس
النصر والهزيمة في الصراع العربي _ الإسرائيلي كان أكثر طموحاً في بداية
هذا الصراع، إذ إن الهدف كان تقويض الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين. لم
تقدّم حرب تشرين أي مساهمة فعليّة ميدانيّة في تحرير فلسطين، ولم يسمح
الجيشان بإطلاق عمليّات مقاومة فلسطينيّة لرفد المجهود الحربي. على العكس،
ما إن عُقدت اتفاقات وقف النار حتى سارع النظامان إلى فرض رقابة قمعيّة
صارمة على تحرّك الفدائيّين (أحنّ إلى زمن تلك المصطلحات). أم نقيس حرب
تشرين بمقارنتها بسابقاتها في المواجهات مع العدوّ؟ لكن هذا لا يصلح في
تقويم الحروب خصوصاً إذا كانت تدور حول تحرير أرض محتلّة، حتى لو أهملنا
مصير فلسطين كما فعلت الأنظمة. لا يكفي أن يتحسّن أداء الجيوش إذا لم
تُحرّر الأرض ولم يهزم العدوّ، وخصوصاً إذا كان رابضاً على أرض وطنيّة
(فلسطينيّة وسوريّة ومصريّة وأردنيّة آنذاك. أما لبنان، فإنه وفق عقيدة
فؤاد شهاب العسكريّة سلّم أراضيه منحة للعدوّ كي يهنأ بها). هل يُقاس الفشل
أو النجاح بالقدرة على إرباك العدوّ، مع أن العدوّ عاد واستدرك وحشد قوّات
إضافيّة، وعكس الوضع الميداني في جبهتين وبعد يومين أو ثلاثة فقط، وبدعم
أميركي غير مسبوق عالميّاً، إذ إن الجسر الجوّي الذي أقامته إدارة نيكسون
لعون إسرائيل كان أكبر جسر جويّ حتى تاريخه _ تفوّق عليه حجماً الجسر الذي
أنشأته أميركا في التحضير لحرب الخليج الأولى. يروي ويليام كوانت في كتابه
«مسيرة سلام» أن نيكسون قال لمعاونيه في أوّل أسبوع من حرب تشرين: «أعطوهم
كل ما لدينا».
لكن هناك ما حكم بالفشل على حرب تشرين.
1) لم يكن أنور السادات في وارد المشاركة في حرب تحريريّة: التحريك لا
التحرير كان هدفه. والكتاب الذي صدر حديثاً في إسرائيل ليغال كيبنس (1973:
«الطريق إلى حرب»)، والمبني على وثائق إسرائيليّة لم تُنشر بعد يشير إلى أن
السادات حاول منذ عام 1972 أن يتوصّل إلى استسلام من نسق كامب ديفيد مع
العدوّ ومع التسليم بإخراج مصر كليّاً من الصراع العربي _ الإسرائيلي، لكن
قادة العدوّ والإدارة الأميركيّة لم تأخذاه على محمل الجدّ. كانت الحرب
محاولة منه للفت أنظار العدوّ إليه. ويروي زبغنيو بريجنسكي، في كتابه
«القوة والمبدأ»، أن الفريق المحيط بجيمي كارتر كان مولعاً بالسخرية من
السادات وطريقته في الحديث والتهريج حتى في زمن إدارة كارتر.
2) كان للعدوّ الإسرائيلي جواسيس في مواقع وثيقة الصلة بصانعي القرار: أشرف
مروان والملك الأردني. ليس من المبالغة القول إن الملك حسين خان _ بالمعنى
القانوني للكلمة _ الجيشين العربيّين واستحق أقصى عقوبة على فاحشته
السياسيّة تلك. كان الحسين هذا يتسقّط أخبار التحضير للمعركة (معتمداً على
واحد من جواسيسه في الجيش السوري) كي يوصلها وبسرعة قصوى وبواسطة مروحية
الى قوات العدوّ.
3) لم يكن دعم الاتحاد السوفياتي للعرب على مستوى دعم أميركا لإسرائيل. لم
يكن ذلك يوماً على أهميّة المساعدة السوفياتيّة في التحضير للحرب، وخصوصاً
في أجهزة بناء الجسور لعبور القناة.
4) كان النظامان السوري والمصري يشاركان في التحضير وفي شن الحرب وهما على خصام، ويساور الواحد الشكوك نحو الآخر.
5) كانت مصلحة النظام وبقائه تتفوق على مصلحة المعركة: النظام قبل الأرض في حساباتهما.
6) لم يكن دعم الدول النفطيّة مؤثّراً، لا في الدعم المالي للجيشين ولا في
مسرحيّة الحظر النفطي الذي لم يطل، والذي لم يوقف بيع النفط العربي للغرب
في السوق الفوريّة. كان بإمكان هذا العامل أن يغيّر من طبيعة المكاسب
السياسيّة التي حقّقتها إسرائيل بعد الحرب.
7) لم تكن القيادة العسكريّة للجيشين في منأى عن التدخلات السياسيّة: يكفي
أن مصطفى طلاس هو «بطل حرب تشرين» ويكفي أن كل أفلام حرب تشرين المصريّة
الرسميّة تظهر السادات _ كما هتلر في صور القيادة العسكريّة للجيش النازي
في الحرب العالميّة الثانية _ وهو منكبّ على دراسة الخرائط يصدر أوامره،
علماً بأن عبد الناصر قرّر بعد تجربة عبد الحكيم عامر المريرة أن يترك أمر
بناء القوات المسلحة وقيادتها للمحترفين في الجيش.
8) لم يكن في وارد النظامين المشاركة في حرب عربيّة شاملة لتحرير فلسطين،
ولم يُتح لمقاومة الشعب الفلسطيني أن تلعب دور المؤازرة الفعليّة للاستمرار
في حرب استنزاف كان بإمكانها أن تجيّش الشعب العربي برمّته.
9) لم يستمرّ زخم العمل العسكري العربي القاهر في اليومين الأوّلين للحرب،
ما سمح للعدوّ بدفع قوات الاحتياط وردّ القوّات السوريّة على أعقابها
ومحاصرة القوّات المصريّة في سيناء والتي لم يردها السادات أن تتقدّم.
10) وثق السادات (وبدرجة أقلّ النظام السوري) بالإدارة الأميركيّة، ما أدّى إلى تسويات سياسيّة مناسبة للعدوّ.
11) بذل النظامان جهوداً في الحروب العربيّة _ العربيّة أكثر بكثير مما
بذلاه في الحرب ضد العدوّ. و لم يبنِ أيّ من النظامين على مكاسب حرب تشرين،
بل اعتبراها آخر الجهاد.
ليست الديموقراطيّة هي الحلّ هنا أيضاً: ليس صحيحاً ما تروّج له أبواق
اللغو الديموقراطي الذين يقولون إنّ الهزيمة لحقت بنا لأن أنظمتنا غير
ديموقراطيّة. هل نسي هؤلاء أن الجيش الستاليني والجيش الألماني والجيش
الفيتنامي حققت انتصارات تاريخيّة من دون ديموقراطيّة؟ النصر له حسابه وله
شروطه وله معادلاته. لكن النصر ضد العدوّ الإسرائيلي يتطلّب إعداداً
ومجازفات لا تستقيم مع الهوس بالحفاظ على العرش.
قد يكون «نصر» أكتوبر أشدّ ضرراً وإيلاماً من «هزيمة» حزيران. الأول أعطى
جرعات مقوية للشرعيّة السياسيّة للنظامين السوري والمصري، كما أنه سمح
للنظامين بتطليق الحروب ضد العدوّ بالثلاثة. أما الهزيمة في 1967، فقد شحذت
الهمم وأطلقت مقاومة فلسطينيّة عربيّة لم تعمّر طويلاً بفعل مؤامرات
الأنظمة ضدّها وقيادة ياسر عرفات البائسة. ولكن كما أن تحويل الهزيمة إلى
نصر بات طقساً في السياسة العربيّة المُعاصرة، فإن الأنظمة العربيّة
السائدة حوّلت أكبر نصر عربي ضد العدوّ الإسرائيلي في حرب تمّوز إلى هزيمة.
لكن مَن قال إن تبيان الهزيمة من النصر يحتاج إلى قراءة مقال لكاتب في
جريدة هذا الأمير السعودي أو ذاك؟