كعك العيد بدماء محمد مرسي
بقلم: وائل قنديل
لم تعلن المؤسسة العسكرية المصرية عن توفيرها منتجات كعك العيد، بمواصفات لا تقبل المنافسة، كما هي العادة، حين كان عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع. لفت هذا الأمر انتباه أحد الأصدقاء، فاعتبر أن تغيراً استراتيجياً مهماً في عقيدة المؤسسة قد حدث، وكنت على وشك الانضمام له في هذه الفكرة، لولا أني وجدت لها إعلانات عن توفير نوعيات منافسة من لحم الرومي المبشور، فقلت الحمد لله على الاستقرار.
في السياق، يخطئ من يتوهم أن دخول حزب النور، السلفي، على خط المنافسة في مجال الكعك نوعا من التمرد على الحكم العسكري، فالحزب يحفظ واجباته الوطنية جيدا، باعتباره الذراع الدعوي لمشروع الانقلاب، فقد قرر ابتكار شيء يسد به الفراغ الناجم عن عدم الإعلان عن كعك العيد العسكري، فبادر إلى إطلاق حملة لطمأنة جموع المصريين بأن الحزب يوفر الكعك وجميع أنواع الحلويات الشرقية والغربية، بأسعار زهيدة، مع شرط واحد، هو أن يكون المستفيد حاملا لعضوية حزب النور.
فانتازيا الكعك تقود إلى ملهاة السياسة على الساحة المصرية، إذ يشتعل المجتمع بحالة من الرغبة في التحليلات وترجمة الإشارات، والتكهنات، يبدو أنها مصنوعة بحرفية شديدة، وكأن ماكينات إنتاج الكعك توقفت، متنازلة عن وقودها لتشغيل ماكينات رجرجة وهدرجة الرأي العام، لإغراق الجميع في خضم التكهنات والتوقعات، والتسريبات، فيما تمضي السلطة في طريقها المرسوم، لإكمال جريمتها، بقتل الرئيس محمد مرسي، ومن معه من الذين طاولتهم أحكام الإعدام.
يذهب الفريق سامي عنان إلى العمرة، فتنشط المخيلة المتعبة بسيناريوهات المستقبل الوردي. يقفز أحدهم من حافلة السلطة الانقلابية، فيقذفها بالحجارة، ويشتم قائدها، ويفضح ما يدور داخلها، ويعلن ندمه على أنه عمل يوماً على متنها، فيتم استدعاء آخرين، يشبهونه ويشبههم، ليتهموه بالخيانة والتأخون والعمالة والنذالة. وفي الجهة الأخرى، تجد من يفتح فمه ويفرك عينيه مندهشا، ومرتاحا، وكأن تصدعات حقيقية تحدث في بنية الانقلاب.
وأزعم أن العقلية الأمنية المخابراتية التي أنتجت دراما "الإرهابي التائب"، في ثمانينيات القرن الماضي، هي نفسها منتجة دراما "الانقلابي المرتد عن العقيدة السيسية" هذه الأيام، وهي كذلك التي خطفت الأبصار بعرض "حمادة المسحول" في أحداث الاتحادية، والذي تبين فيما بعد أنه أحد الجنود البواسل في معسكرات الدولة العميقة، إذ خدم في كل ألويتها وكتائبها، من "آسفين يا مبارك" إلى حملات عمر سليمان وأحمد شفيق، والآن في معسكر السيسي. على المستوى الشخصي، كنت واحدا ممن اهتزوا لدراما "مسحول الاتحادية"، حين ظهر عاريا، كما ولدته أمه، والجنود يطاردونه، ليلتها قلت إن على الرئيس مرسي أن يقيل وزير داخليته قبل طلوع النهار، وإلا فلا شرعية أخلاقية وسياسية لهذا النظام. فيما بعد، تبين أن "حمادة" ابن العميقة، بداخليتها وجيشها، يتألق الآن في كل المناسبات المقامة لدعم الفاشية ودعوات الإبادة والحرق لمعارضي حكم عبد الفتاح السيسي.
مثله مثل ذلك الشاب الذي كان يجسد دور"الإرهابي" في دراما إعلام مبارك في منتصف الثمانينيات، فيبدأ اللقاء التلفزيوني تكفيرياً متطرفاً متشدداً، لينتهي حملا وديعا تائباً عن الإرهاب والعنف، وبعد سنوات تجده نائبا برلمانيا أليفا، ورئيس حزب كرتوني "معارض"، ثم صاحب توكيل واحدة من أشهر ماركات الشيكولاتة الفرنسية، لتكتمل مسوغات انتمائه الشديد للدولة العميقة، مع أحداث "موقعة الجمل" لقتل المتظاهرين في ثورة يناير، حيث كان أحد المتهمين الرئيسيين. وأظن أنه لا ينبغي الاستغراق في متابعة ملهاة الحرب على المرتدين عن شريعة الانقلاب، فلا يليق بثورة أن تلدغ من جحر "حمادة" مرتين. ومهما كان العرض مبهرا، والإيقاع سريعاً متدفقاً، والإثارة متوفرة، وسخونة الألفاظ والاتهامات بالخيانة والأخونة والعمالة والتآمر على الأمن القومي، تظل الحكاية كلها مجرد حلقة جديدة في دراما إغراق المجتمع في مستنقعات السفسطة، حول أشياء جانبية، بينما قطار الجنون يمضي في طريقه، وأخشى أن يصحو الجميع على عيد، كعكه معجون بدماء أبرياء، يقبعون في السجون بملابس الإعدام الحمراء، بينما الأمة مشغولة بتفاصيل "صراع الحمادات". وساعتها ستكون الدماء لعنة على كل من شارك، ولو بالصمت، في جريمة حرق مصر، التي بدأت في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013.
نقلاً عن "العربي الجديد"