ما إن أحكمت عناصر الانقلاب في مصر قبضتها على مقاليد الحكم، لأسبابٍ لا مجال لذكرها هنا، حتى عادت أجهزة الأمن إلى سابق عهدها في العنف، ولكن بتعسف أشد، وشراسة أكثر انفلاتًا من ذي قبل.
انتقام العقرب
اليوم اتهمت منظمة هيومن رايتس مونيتور، إدارة سجن العقرب، بمنع 10 شباب متهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"خلية الظواهري"، من التوقيع على نقض حكم الإعدام الصادر بحقهم.
وقالت "مونيتور": إن "تعمّد إدارة سجن العقرب شديد الحراسة، المساهمة في حرمان عشرة شبان من حقهم في الحياة، يعد سابقة ترفضها جميع المواثيق والأعراف الدولية".
وفي حملة منظمة لانتهاك حقوق الإنسان والمواطن، اشتدت على أجهزة الأمن ضغائن الانتقام، لما أصابها من نقد علني لم تتعود عليه قبل الثورات، وألحت عليها الرغبة في التعويض عنه، عبر منع المحكومين ظلمًا بالإعدام من الدفاع عن أنفسهم.
ومن الواضح أنه، في غياب الشرعية والمحاسبة ، لا تتعلم أجهزة القمع من تجربتها، بل تزداد تمسكًا بمنطق القوة والقمع والبطش مع سبق الإصرار والترصد.
اعتراف
داخلية الانقلاب ومع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير 2011، تزداد شراسة وعنادًا وتمسكًا بالبطش والقمع والتعذيب، وتلخص الدرس الذي خرجت به من الثورة في أنها لم تستخدم ما يكفي من القوة والعنف في قمع الشعب وترهيبه!.
وفي اعتراف تأخر كثيرًا أكد ناصر أمين، مدير مكتب الشكاوى في المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن عمليات التعذيب داخل أقسام شرطة الانقلاب ممنهج وليست أخطاء فردية، كما زعم "السيسي" في لقائه بطلاب كلية الشرطة.
وأضاف مدير مكتب الشكاوى خلال مداخله له مساء أمس الجمعة لقناة "دويتشه فيله" أن أرقام التعذيب أكبر بكثير من الأرقام التي تعلن عن طريق وسائل الإعلام، أو منظمات حقوق الإنسان أو الشكاوى التي ترد للمجلس القوي لحقوق الإنسان.
وأكد أن الوضع في مصر فيما يتعلق بمعدلات التعذيب والعنف والقسوة أصبح أسوأ، مما كان قبل يناير 2011، وذلك بزيادة معدلات العنف والتعذيب، مشددًا على أن حل ظاهرة التعذيب يأتي من خلال إستراتيجية لمكافحة التعذيب وليس إنكارها، وإحالة بعض المتورطين فيها للتحقيق ولمحاكم الجنايات.
وأضاف أن تكرار ظاهرة التعذيب في أقسام الشرطة رفع مستواها من الحالات الفردية لمستوى الحالات المنهجية، موضحًا أن قصور آليات البحث الجنائي لدى المباحث الجنائية يدفع بالعاملين بالمباحث الجنائية لتعذيب المتهمين للحصول على معلومات.
شرعنة الظلم
وتشهد مقار الاحتجاز وسجون الانقلاب في مصر عمليات تعذيب ممنهج، للاعتراف بتهم وجرائم لا صلة للمحتجزين بها، ووثق العديد من منظمات حقوق الإنسان طرفًا من هذه الانتهاكات والجرائم الممنهجة، وبلغت حالات الوفاة نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي داخل سجون الانقلاب أكثر من 260 حالة منذ يوليو 2013، كان آخرها أمس للمعتقل "محمد عوف والي سلطان" مدرس 42 عامًا، نتيجة للإهمال الطبي المتعمد بسجن المنصورة العمومي.
والقوى الثورية استنتجت بعد الانقلاب، أنه لا يجوز أن تتسامح مع مرتكبي جرائم التنكيل والتعذيب، وأن أي ثورةٍ ديمقراطيةٍ لا بد أن تبدأ عملية الإصلاح الشامل التي يفترض أن تتبعها، بتغيير بنية جهاز الأمن وعقليته ووظيفته، وثقافة عناصره حتى كأفراد؛ وينطبق ذلك على الأجهزة التي تتستر على أجهزة الأمن، وتتواطأ معها، مثل جهاز العدل من نيابة وقضاء، والذي يعمل بسهولةٍ غير محتملة، كجهاز شرعنة الظلم وتحليله.
تجاوزت الإنسانية مرحلة العبودية، وأصبحت الكرامة ورفض الذل من مكوّنات شخصية المواطن، ولذلك، لا تقبل غالبية الناس العنف الجسدي وسيلة للتعاطي معها، ولا تتحمله على المدى البعيد، وهذا من أهم دروس ثورة 25 يناير2011، التي إن نسيها الجلادون، ولا يجوز أن ينساها الضحايا.