كشفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية عن “توترات جديدة في نظام السيسي، قد تنم عن حالة مقبلة من زعزعة الاستقرار. ورغم أن المحللين يكررون الإشارة إلى “الدولة العميقة” كما لو كانت كيانًا موحدًا مسيطرًا، إلا أنها في الواقع ائتلاف فضفاض لمراكز السلطة، يتضمن هيئات الدولة مثل الجيش والمخابرات والشرطة والقضاء – وأيضًا كيانات بخلاف الدولة، مثل العائلات القوية في دلتا النيل، والقبائل في الصعيد، ووسائل الإعلام الخاصة، ومجتمع الأعمال.
واشارت المجلة إلى وجود مصالح متنافسة لمراكز السلطة دائمًا (على سبيل المثال تنافست وزارة الداخلية والجيش في السنوات الأخيرة من حكم مبارك)، إلا إنها توحدت بعد انقلاب السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين، لسبب واحد شامل: رؤيتها للإخوان المسلمين بوصفهم تهديدًا لمصالح كل منها”.
وقالت المجلة الأمريكية، إن التهديد الحقيقي الذي يواجه السيسي ، الذي ينفذ إجراءات أمنية مشددة ، لا يأتي من احتجاجات الشوارع، وإنما من داخل نظامه حيث ظهرت توترات جديدة في الشهور القليلة الماضية.
وأضافت المجلة أنه في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي، وتراجع احتياطيات العملة الصعبة ، وارتفاع معدل التضخم، وبطالة الشباب المتزايدة، يشعر المصريون بالمعاناة، ويعبرون الآن عن شكواهم بوضوح أكبر من أي وقت آخر في السنتين الماضيتين.
ويعتبر التقرير أن تدهور علاقات السيسي مع مجتمع الأعمال مثال واضح على ذلك. فبينما كانت لبعض رجال الأعمال شكوك حول السيسي عندما تولى الحكم في منتصف 2014، إلا أن اعتقال رجل الأعمال صلاح دياب في بداية نوفمبر، بتهمة الفساد المالي وحيازة أسلحة دون ترخيص، أفزع مجتمع الأعمال بالكامل.
ونقل التقرير عن أحد رجال الأعمال المصريين قوله إن “المشكلة بالنسبة له لم تكن في اعتقال دياب، حيث يؤيد اتباع القانون، ولكن في الطريقة التي تم بها اعتقاله إذ اقتحم مسلحون تابعون لقوات مكافحة الإرهاب غرفة نومه في الخامسة صباحًا، وقيدوه وابنه، وسربت بعدها الصور إلى الصحافة”، حسب التقرير المصري.
وقال رجل أعمال اخر بعد اعتقال دياب، إن “ما حدث يعيد ذكرى أيام عبد الناصر عندما كان “زوار الفجر” يأخذون الناس من منازلهم فجرًا”.
ونقل التقرير عن رجال أعمال ترجيحهم أن اعتقال دياب يتطلب تصريحًا مباشرًا من السيسي، وبينما توقعوا جميعًا أن يهتم السيسي بالموضوع ويتدخل، وظهر بدلاً من ذلك كأنما ينذر مجتمع الأعمال أثناء كلمته في بورسعيد إذ سألهم “لماذا تقلقون؟ لماذا تتشككون؟ اشتغلوا وابنوا وعمروا.. مما تخافون؟
وأشار التقرير إلى علامات توتر بين السيسي والأجهزة الأمنية. وقال إن تلك الأجهزة تمارس نفوذًا من وراء ستار على شبكات وسائل الإعلام الخاصة بالبلاد، ومن المرجح أنها أجازت، إن لم تكن شجعت، النقد المتصاعد فجأة الذي واجهه السيسي في الشهور الأخيرة.
وفي ذات السياق، بعد اعتقال دياب وحسام بهجت ناشط حقوق الإنسان في أول نوفمبر، وجهت المذيعة لميس الحديدي اللوم إلى الحكومة إذ قالت مشيرة إلى ميل النظام إلى الاعتماد على نظرية المؤامرة لتبرير الإخفاقات المختلفة لسياسته “لا نحتاج مؤامرات خارجية، نحن المؤامرة نفسها. نتآمر بأنفسنا ضد أنفسنا!”. وبعد تحذير السيسي للمصريين من التظاهر في 25 يناير، انتقده المذيع عمرو أديب (زوج لميس الحديدي) مستخدمًا كلمات غير متوقعة. إذ قال على الهواء “مصر لن تموت إذا رحلت، يوجد كثير من الأبناء جاهزين لخدمة البلاد”.
وألمح التقرير أيضًا إلى وجود شواهد على التدافع بين أجهزة الأمن المختلفة، التي تنافس بعضها عادة على التمويل والنفوذ السياسي. ويدور بعض هذه الاحتكاكات في البرلمان المنتخب حديثًا. على سبيل المثال، انسحب على نحو مفاجئ الشهر الماضي حزب مستقبل الوطن، الذي كان نجاحه في الانتخابات الأخيرة منسوبًا إلى حد بعيد إلى جهاز الأمن الوطني، من الكتلة البرلمانية المؤيدة للسيسي، التي يرأسها لواء جيش سابق. وعندما عاد والتحق بالكتلة مرة أخرى بعد بضعة أيام، أوضح متحدثه الرسمي أن الحزب كان ينتظر نفوذًا أكبر في المكتب السياسي للكتلة، مما يوحي بأن البرلمان الجديد قد يكون موقعاً للتوسط في تلك الاختلافات داخل النظام، حسب التقرير المصري.
وخلص التقرير الي إن التوتر بين الأجهزة الأمنية بدا أكثر وضوحًا على الشبكات الفضائية المصرية، حيث يوجه النقد فجأة إلى وكالات أمنية محددة بصراحة تامة. ففي أواخر ديسمبر، خلال مقابلة تليفزيونية بالبث المباشر مع المذيع يوسف الحسيني، زعم المذيع توفيق عكاشة، الذي طالما دعم نظريات المؤامرة المؤيدة للنظام، أن جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني تحولا ضده بعد عرضهما للدعم في السابق.
وقال “أخذوا ما يريدون، ثم أصبح عكاشة مشكلة! كانوا يختفون ورائي” موضحًا أن معارضته القوية للإخوان أثناء رئاسة مرسي كانت محل تقدير تلك الأجهزة الأمنية. وفي اليوم التالي، اقترح الحسيني على السيسي وقف تدخل جهاز الأمن الوطني في السياسة المصرية.