رسالة عمار على حسن لـ"السيسى" ورجاله: "الكلام" يسبق أى انجاز أو اعجاز
منذ 6 ساعة
عدد القراءات: 870
هاجم الدكتور عمار على حسن، وهو أحد داعمى الانقلاب العسكرى، عبدالفتاح السيسى ورجاله، بعد الحملة الشرسه التى تعرض لها وأجبرته على الصمت لفترة طويلة، منتقدًا دولة الصوت الواحد التى أعلنها "السيسى" بعد الثلاثين من يوليو، وترسيخ حكمه الانقلابى بمساعدة "الكاتب" ذاته وآخرين.
وقال حسن عبر صيحفة المصرى اليوم احدى أذرع العسكر، رغم أن (الرئيس) عبدالفتاح السيسى لا يترك مناسبة إلا وتكلم فيها واستفاض، إلا أنه ينكر على معارضيه أو منتقديه أو مخالفيه الرأى حق الكلام، حتى لو كان الكلام بضاعتهم وصناعتهم، مثل الكتاب والفلاسفة والمفكرين وأساتذة العلوم الإنسانية والإعلاميين، وحتى لو كان الكلام هو الأساس (فى البدء كان الكلمة)، وما التوراة والإنجيل والقرآن سوى كلام، والدساتير كلام، والقوانين كلام، وكل نظريات العلوم البحتة تبدأ بخيال وكلام، فالنسبية والجاذبية والدارونية والفيمتوثانية بدأت بكلام دار فى الرؤوس فلما اختُبر سُجل فى كلام جديد كقوانين عملية ونظريات، ومقررات الدراسة فى الكليات العسكرية كلام، وألوان الأدب من شعر ورواية وقصة ومسرحية ونقد كلام، والعلوم الإنسانية من اجتماع وسياسة واقتصاد ولغة وتربية وفلسفة وعلم نفس وتاريخ وجغرافيا... إلخ كلام، والحفارات التى أنهت للرئيس التفريعة الجديدة للقناة فى سنة كانت كلاما على ورق تُرجم إلى صناعة ثقيلة هائلة على هذا النحو، والطائرات والدبابات والمدافع التى يجلس الرئيس ليشاهد دورانها ونيرانها فى المناورات، لأن الرجل لم يشارك فى حرب من قبل، بدأت بكلام أيضا، قبل صناعتها. المهم أن يجد الكلام المفيد من يطبقه أو يستفيد منه أو يتفاعل معه تفاعلاً خلاقاً، وليس بالبخس والاستبعاد والاستهجان، كما نرى الآن.
وتابع "حسن"، الكلام يصير مجرد كلام عند (الرئيس) إن أتى من منتقديه أما إن صدر منه أو من موافقيه التفكير والتدبير فيكون إنجازا هائلا، مع أن قوله "مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا" ليس سوى كلام، لكنه أعطى الناس أملاً، وقوله "شبه دولة" هو كلام، أصاب الناس باليأس الشديد، ثم راح (الرئيس) يتهم منتقديه بأنهم مشكّكون، يشيعون الإحباط فى نفوس الناس.
يا ليت (الرئيس) تكلم قبل أن يترشح، وسجل كلامه، وكلام من يعينونه، فى برنامج أو خطة أو تصور، حتى نضمن أن أهل الحكم يسيرون بنا على طريق واضح، لكن (الرئيس)، الذى سبق أن قال إن ما ينطق به يُشغل المفكرين والفلاسفة وخبراء الاستراتيجية، لم يلزم نفسه بأى كلام، ورأى أن هذا من قبيل المصادرة عليه، وقال لمن طالبوه بهذا، وكاتب المقال واحد منهم، "اتركونى مع شعبى"، وصدق الناس فى البداية هذا، وساروا خلف الكتائب الإلكترونية للسلطة التى كانت تكتب لكل من يطالب بخطة أو فريق عمل مدنى له صلاحيات: "اركنوا على جنب"، أو "لا تعطلوا المسيرة" أو "كفاية رغى"، مع أنه لم يكن ثرثرة أو كلاما أجوف، إنما كثير مما كان يقال هو استقراء للتاريخ، وخلاصة تجارب أمم، وفهم للعالم من حولنا، ونتاج خبرة ووعى متراكمين، وتطبيق لنظريات علمية أفلحت بها دول أخرى.
ربما يقصد (الرئيس) أن هناك من يتكلمون فقط ويطلبون وينصحون ويرسمون معالم طريق مختلف بالحروف، ويكتفون بهذا. والسؤال: ماذا يريد (الرئيس) من كاتب أو حتى رئيس حزب معارض أن يفعل؟ وهل من الإنصاف أن يطالب هذا أو ذاك بأن يتوقف عن الكلام، أو لا يكتفى بالكلام، وهو مجرد من أى سبيل للفعل، إذ ليست له صلاحيات أو اختصاصات أو مخصصات من ميزانية الدولة، أو سند من دستور أو قانون يعطيه حق اتخاذ القرار، أو حتى حق أن يدلى برأيه فى تصرفات (الرئيس)، ويشير عليه، أو يسدى له النصيحة؟.
الذى يريد للناس ألا يتكلموا يريدهم بالقطع أن يصمتوا، أو يخرسوا، حتى يفعل ما يشاء، وهو يضمن أنه لن يُلاحق حتى بسؤال، وليس مساءلة أو رقابة أو حساباً. يريد ألا يعرف الشعب الحقيقة، ويريد أن يبقى هذا الغموض الرهيب حيال ما يجرى، وما سيأتى، ويريد أن يبقى فى مكانه بلا إزعاج. لكن ثمن كل هذه الرغبات فادح، فما ضاعت الأمم إلا حين خرس أصحاب الكلام فيها عن الكلام. ولعل نجيب محفوظ قد لخص المسألة برمتها فى "أصداء السيرة الذاتية" حين قال: "سألت الشيخ عبدربه التائه: متى يصلح حال البلد؟ فأجاب: عندما يؤمن أهلها بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة".
(2)
عطفاً على موضوع الكلام و(الرئيس)، ولنعتبر ما سيأتى تكملة لما سبق، أو تفسيرا أو شرحا أو ضرب مثل توضيحى، باغتنى لواء متقاعد بسؤال عبر الهاتف، من دون سلام أو تحية: "إنت قدمت إيه لمصر؟"، ابتسمت وقلت له: هل لديك وقت كاف لتسمع الإجابة؟ قال: نعم. قلت: سأبدأ بما تعتقد أنه وحده ما يُقدم لمصر، وهو الأشياء المادية، ولأؤخر الأفكار والفنون إلى الآخر، فربما لا تعتقد أنها مفيدة. قال: تفضل، قلت: ما إن وصلت السابعة من عمرى حتى عملت مع أطفال قريتى ومراهقيها فى المكافحة اليدوية للآفات الزراعية التى تصيب القطن، وكنا نبدأ العمل فى السابعة والنصف صباحاً حتى الثانية ظهراً، وبعدها أساعد أبى فى الحقل. ولما وصلت العاشرة صنع لى أبى فأساً وقال:
أصبحتَ رجلاً ولتعمل إلى جانبى، واستمر هذا حتى تخرجى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وقد عملت فى حقلنا، وفى حقول الناس بأجر. وفى إجازات الصيف كنت أنضم لعمال التراحيل، فعملت فى بناء عمارات فى القاهرة ومرسى مطروح والإسماعيلية، وعملت فى ميناء بورسعيد. وبعد التخرج قضيت خدمتى العسكرية كضابط احتياط، وحصلت على نوط الواجب العسكرى من الدرجة الثانية، وكنت قائد سرية مدفعية مضادة للطيران، ويعلم الله، ويشهد زملائى، كم كنت مجتهداً فى أداء عملى بكل ما أوتيت من عزم وعلم وفهم.
أصبحتَ رجلاً ولتعمل إلى جانبى، واستمر هذا حتى تخرجى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وقد عملت فى حقلنا، وفى حقول الناس بأجر. وفى إجازات الصيف كنت أنضم لعمال التراحيل، فعملت فى بناء عمارات فى القاهرة ومرسى مطروح والإسماعيلية، وعملت فى ميناء بورسعيد. وبعد التخرج قضيت خدمتى العسكرية كضابط احتياط، وحصلت على نوط الواجب العسكرى من الدرجة الثانية، وكنت قائد سرية مدفعية مضادة للطيران، ويعلم الله، ويشهد زملائى، كم كنت مجتهداً فى أداء عملى بكل ما أوتيت من عزم وعلم وفهم.
كان يسمعنى صامتاً، فواصلت: أعتقد أن هذه الأعمال اليدوية تعجبك، أما الأعمال الفكرية، التى قد تعتقد أنها مجرد "كلام"، وهو ما يراه (الرئيس) السيسى أيضا، فلن أحدثك عن الدور الذى قد تلعبه مختلف كتاباتى، وغيرى، فى رفع وعى الناس، أو اللقاءات المتلفزة والإذاعية والصحفية والمقالات والندوات والمؤتمرات داخل مصر وخارجها، واللقاءات التى عقدتها مع أهالى نحو مائة قرية مصرية حتى الآن، علاوة على المدن، أو الرسائل العلمية التى شاركت فى مناقشتها أو أشرفت عليها، أو شباب الصحفيين الذين نقلت لهم بعض خبرتى، فقد تسخر من كل هذا وتسميه "كلاماً" لكننى أحدثك عن العوائد المادية لهذا الجهد الأدبى والعلمى، سواء أثمان الكتب والروايات التى تباع خارج مصر، أو مكافآت المقالات والدراسات، والجوائز العلمية والأدبية التى حصلت عليها، أو ما تقاضيته من أجر خلال أربع سنوات عمل فى الإمارات من 1998 إلى 2002، وقلت له ضاحكاً: أعتقد أن ما يعود علىّ، وعلى أصحاب الأقلام فى بلادنا، يدخل فى مصادر الدخل، وبالعملة الصعبة.
راح اللواء المتقاعد بعد أن سمع كل هذا يقول: أنت رجل وطنى، ولكن أنا أقصد...، قاطعته: المشكلة يا سيادة اللواء أنك تعتقد أنكم فقط من تقدمون شيئا لهذا البلد، وأن العلماء والمدرسين والمهندسين والأطباء والقضاة والمحامين والصحفيين والعمال والفلاحين والحرفيين لا يفعلون سوى الكلام. وقلت له فى النهاية: إذا كان عملى الذهنى لا يعتبر لديكم قيمة مضافة فأنا مستعد أن أزرع عشرة أفدنة بفأسى القديمة، وسأترك كل شىء وأتفرغ لها.. فهل تفرجون عن الأرض لأمثالى من المواطنين لنزرعها ونبنى فيها مساكننا، وبعدها تعالوا نتحاسب؟.
***
***