نشر موقع "دويتشه فيله العربي"، تقريرًا قال فيه، إن "السعودية باتت معرضة لحدوث اضطرابات أكثر من دول الخليج الأخرى"، وأنه في الوقت الذي جمع بين واشنطن والرياض منذ عقود علاقات وثيقة قوامها النفط والتسليح والأمن، إلا أن هذه الروابط تكاد تنفك واحدة تلو الأخرى، ولعل من أبرز ما ظهر مؤخرا قانون تطبيق العدالة ضد الإرهاب، الشهير بـ"جاستا".
وأضاف التقرير أن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة تقدر بأكثر من 1000 مليار دولار، أو تريليون دولار، وأن الخشية على هذه الأموال زادت بعد اعتماد الكونجرس الأمريكي قانون "جاستا".
وتساءل التقرير عن خشية المملكة العربية السعودية على ضياع أموالها بإعادة تحريك الدعاوى المجمدة، وتجميد أموال تعود للأشخاص والمؤسسات المدعى عليهم بعد اعتماد القانون، لا سيما وأن تريليون دولار سعودي، مخزنة في صورة سندات وأصول حكومية في الولايات المتحدة.
ولفت التقرير إلى أن 200 مليار دولار من الأموال الخليجية (الإمارات وقطر) هاجرت إلى اوروبا بعد هجمات 11 سيتمبر 2001، خوفا من التبعات السلبية للهجمات عليها.
كما قام عدد كبير من أقارب الضحايا بعد الهجمات برفع دعاوى، تم تجميدها لاحقا، ضد أفراد من العائلة المالكة السعودية ورجال أعمال ومصارف ومنظمات خيرية إسلامية تحصل على تمويل سعودي، ولذلك فإن الأموال التي تعود إلى السعودية لم تسجل هجرة لأوروبا بنفس الحجم لأسباب، أبرزها التحالف السياسي والعسكري الوثيق بين الرياض وواشنطن.
وأوضح التقرير أن قانون "جاستا" يمسح لضحايا الهجمات بمقاضاة المسؤولين الأجانب أمام المحاكم الأمريكية بتهمة دعم الإرهاب، وفي حال إثبات التهمة يمكن مطالبتهم بتعويضات قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.
وأكمل "لأن معظم الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر هم من مواطني السعودية، فتركز الأضواء على المملكة، كما أن مئات الدعاوى المقامة والمجمدة منذ أكثر من عشر سنوات تطال سعوديين أو مؤسسات محسوبة على السعودية".
ولأن هناك مخاطرة محتملة على رؤوس الأموال، لا سيما التي يحوذها بعض المسؤولين السعوديين، فأورد الموقع الألماني دويتشه فيله، بدء بعضهم مفاوضات مع بنك "جب بي مورجان تشايس" الأمريكي لبيع سندات سعودية بنحو 10 مليارات دولار، حسب وكالة "بلومبيرغ الاقتصادية".
وأضافت أن تحذير الخارجية السعودية مما وصفته بـ"العواقب الوخيمة والخطيرة" للقانون على العلاقات بين البلدين في حال عدم اتخاذ الخطوات اللازمة لتجنبها يعكس خوفا.
وأردفت "تجنب هذه العواقب ليس بالأمر السهل"، منبهة إلى تصريح "جاك كوين" أحد المحامين الموكلين من قبل أكثر من ألفي شخص من العائلات، عندما قال: إن "المدعين سيطالبون محكمة الاستئناف الأمريكية بإعادة النظر في الدعاوى على ضوء القانون الجديد"، وبعد ذلك يضيف كوين بأننا "سنحاول استكمال الأدلة والوصول إلى الحقيقة، وبناء على ذلك فليكن ما يكون".
وأوضح التقرير أن القانون رهن الدول بقبضة البيت الأبيض، مشيرة إلى أن "القانون ما يزال يسمح للمحكمة بتعليق إجراءات التقاضي ضد دولة أجنبية بناء على طلب من البيت الأبيض".
كما استثنى القانون، في بعض مواده، الشركات متعددة الجنسيات، حيث أضيفت المادة الخاصة بتعليق الإجراءات على ضوء مخاوف الإدارة الأمريكية والحكومة السعودية وشركات كبيرة، مثل جنرال إلكتريك، من تبعات القانون على الاستثمارات المشتركة، ومن شأن ذلك الدخول في محاكمات شاقة تستمر سنوات طويلة.
ومن الثغرات أيضا التي أوضحها التقرير، أن خبرات القضاء تظهر صعوبة إثبات مسؤولية دولة ما عن هجمات إرهابية بشكل مباشر. وهذا ما ينطبق على السعودية أيضا حسب رأي كورتيس برادلي، أستاذ القانون الدولي في جامعة ديوك الأمريكية.
وأضاف التقرير أن الولايات المتحدة تخشى على مصالحها في حال شمل تطبيق القانون الادعاء على حكومات ودول.
فمثل هذا التطبيق يعني تقويض مبدأ المساواة والحصانة السيادية الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين. ومن شأن تقويض كهذا أن يدفع الدول الأخرى إلى الادعاء على مسؤولين وشركات أمريكية بتهم مختلفة اعتمادا على مبدأ المعاملة بالمثل، وعلى أساس أن هذه الشركات الأمريكية تمارس أيضا مخالفات قانونية وضريبية في الدول التي تنشط فيها.
وأخلت المنظومة الأمريكية بمعنى "الصداقة" مع الدول العربية، بمفهوم الخضوع، وهو ما يوضح التقرير جانبا منه، حيث تساءل معد التقرير قائلا: "هل يصل القضاء الأمريكي إلى حد محاكمة حكومات دول صديقة؟"، وأجاب وفق توضيح أنطوان سعد، الخبير في القانون الدولي، من أن هناك مبالغة في القلق من القانون؛ لأنه لا يمكن من الناحية العملية معاقبة أو تجميد أموال الدولة السعودية بموجب القانون، لا سيما وأن هناك تحالفات سياسية وعسكرية قوية بين واشنطن والرياض. كما أن الحكومة السعودية أوقفت دعم 2500 جمعية متهمة بدعم التطرف بناء على طلب الإدارة الأمريكية.
وأثبت معد التقرير من جانب آخر جدية المخاطر، معتمدا على أن القضاء الأمريكي لن يميز بين مواطني دولة صديقة وأخرى غير صديقة، حسب وقائع كثيرة. ومنها؛ تغريم مصرف "دويتشه بنك" الألماني بحوالي 14 مليار دولار، وشركات ومصارف ألمانية وسويسرية وغيرها بعشرات المليارات الأخرى؛ بسبب مخالفات قانونية وضريبية.
واستعان الباحث بجزء من مقال للكاتب السعودي محمد العوين، في صحيفة الجزيرة السعودية، "إن الغاية من القانون استهداف المملكة في اقتصادها وتعطيل تنميتها، وتحميلها ديونا غير مبررة تقدر بثلاثة تريليونات من الدولارات كتعويضات مزعومة".