شنت الأبواق الإعلامية للنظام العسكري ، مدعومين ببعض رجال الكنسة المصرية ، هجومًا حادًا على مؤسسة الأزهر الشريف ومناهجها ، وهو الأمر الذي دعار الداعية الإسلامي "عصام تليمة" للرد عليه ، ولكن من منظور مختلف تمامًا.
"تليمة" قال في مقالة صحفية أن الحملة الأخيرة التى شنها بعض القساوسة على الأزهر الشريف ومناهجه،أمرًا لا يليق منهم ، ودلالة واضحة على جهلهم بتاريخ وفضل الأزهر على كثير من المسحيين في مصر ، مشيرًا إلى أن هناك عدد غير قليل من المسحيين تعلموا فى الأزهر وتأثروا بعلمائه.
ونقل "تليمة" ،ما ذكرته صحيفة "الوطن" القبطية ، في الخامس من مايو عام 1916 ، أنه كان للمسحيين ، رواق خاص بالأزهر يتلقون فيه العلوم المنطقية والشرعية، وهو ما يعرف تاريخيا باسم "رواق الأقباط" ، مشيرًا إلى أن عدد المسحيين الذين درسوا في الأزهر، يصعب حصرهم.
وأشار "تليمة" أن معظم من تعلموا في الأزهر كانوا من أبناء الصعيد ، وهي دلالة مهمة إذ تبين أن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين كانت قائمة على المواطنة الكاملة، وعدم الحساسية التي بدأت تتسرب إلى المجتمع المصري فيما بعد، والتي أصبح الصعيد فيما بعد حكم العسكر مثار أحداث طائفية، لعل دارسا يعنى بهذه المسألة ويقف على أسبابها التاريخية والسياسية.
وأضاف "تليمة" أن هناك مسحيين تأثروا باحتكاكهم العلمي والأدبي بعلماء الأزهر الشريف ، فكان لذلك أثره الأدبي والعلمي في كتاباتهم، وفي أدائهم العلمي والسياسي.
أولاد العسال
هم من كبار مثقفي المسحيين ، ولهم مؤلفات مهمة في الدين المسيحي ، ومنها: المجموع الصفوي للصفي العسال، وواضح أنه تأثر في كتابه بالفقه الإسلامي، من حيث تقسيم الكتاب، إلى قسمين "عبادات" ، و"معاملات" ، وفي عناوين أبوابه.
الشيخ الرئيس ابن قيصر الأزهري
ألف كتابًا في نحو اللغة القبطية سماه "التبصرة" ، على غرار مؤلفات النحو العربي.
الأسعد بن مماتي
كان يشغل منصب وزير السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي ، وقد كان مسيحيًا ثم أسلم، وقبل إسلامه، درس في الأزهر، علوم اللغة والفقه والشريعة، وهو شاعر ساخر، له ديوان يسخر فيه من بهاء الدين قراقوش، وإن كان قد ملأه بافتراءات على الرجل.
اسكندر نظير
التحق بالأزهر وتخرج فيه، وقد نشأ في رعاية أحد كبراء طهطا.
الصحفي القبطي
أسمه هو "جندي إبراهيم شحاتة" ، وهو صاحب جريدة "الوطن" ، وقد تلقى دروسه في أحد الكتاتيب في مدينة جرجًا بصعيد مصر، كما درس في الأزهر الشريف، تحت اسم "إبراهيم جندي" ، فتلقى علوم العربية والشريعة.
تادرس بن وهبة الطهطاوي
التحق بالأزهر الشريف ، وحفظ القرآن الكريم ، ودرس علوم الحديث والفقه واللغة، وعندما تقدم للامتحان النهائي بمدرسة الأقباط، كان يترأس الامتحان رفاعة الطهطاوي.
من مؤلفاته: الخلاصة الذهبية في اللغة العربية، وعنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق، ورواية تليماك، وامتاز أسلوبه بكثرة المحسنات اللفظية، ولا سيما الاقتباس من القرآن الكريم ، وتوفي سنة 1934.
وهبي تادرس
شاعر معروف ، قال عنه معجم البابطين لشعراء العربية: "تادرس بن وهبة الطهطاوي المصري ، ولد في القاهرة وتوفي فيها ، قضى حياته في مصر".
تعلم اللغتين الفرنسية والأرمنية بمدرسة الأرمن بالقاهرة، والعربية والإنجليزية والإيطالية بمدرسة الأقباط ، ثم التحق بالأزهر الشريف رغم كونه مسيحيًا ، فحفظ القرآن الكريم ودرس علوم الحديث والفقه.
وعمل مترجمًا بقلم الترجمة في نظارة المعارف، ثم مدرسًا بمدرسة الأقباط وترقى فيها إلى أن أصبح ناظر المدرسة، وشغل هذه الوظيفة حتى عام 1916.
فرنسيس العتر
قال عنه معجم البابطين: "فرنسيس بن بطرس العتر. ولد في القاهرة، وفيها توفي ، درس اللاهوت وحصل على شهادة اللاهوت والفلسفة".
أجاد اللغة القبطية إلى جانب اللاتينية والفرنسية، وأخذ عن والده وكان من علماء المسحيين ، كما تردد على مجالس الشيخ محمد عبده في الأزهر الشريف منذ عام 1902.
المعلم ميخائيل جرجس
هو المشهور بـ"المعلم ميخائيل البتانوني" ، قالت عنه موسوعة الكنيسة القبطية: "درس بالأزهر من سنة 1885-1891 م، وفي هذه الفترة أتقن علوم النحو والصرف والبيان، كما استمع إلى ألفية ابن مالك من الشيخ محمد بصرة".
وخلال السنة الثانية من دراسته بالأزهر رأى البابا كيرلس في صوت هذا الناشئ وفي حفظه السليم لكل ما تلقَّنَه من الطقوس والألحان المؤهلات الوافية لرسامته شماسًا فرسمه بيده الكريمة. ولما أتمَّ ميخائيل دراسته بالأزهر عيَّنه البابا مرتلًا بالكاتدرائية المرقسية، وازداد تقدير البابا لهذا المرتل المحب لكنيسته فعينه أيضًا مدرسًا للألحان في الإكليريكية في 2 نوفمبر سنة 1893م. التي كان قد افتتحها قبل ذلك بسنة.
كان قد التحق بالإكليريكية حال تخرجه في الأزهر وهناك درس اللاهوت والعقيدة على يدي القمص فيلوثاؤس عوض، أما الألحان فقد تلقنها عن المعلمين أرمانيوس وصليب.
وإلى جانب ذلك كان يحفظ اللغة القبطية عن ظهر قلب لقلة الكتب وخاصة المكتوبة بطريقة برايل. عينه المسؤولون سنة 1895م ، مدرسًا لطقوس الكنيسة وعلم الدين واللغتين القبطية والعربية بمدرسة المكفوفين بالزيتون ، وأكد أن هذا من كلام الأرثوذكس المصريين لا من كلام غيرهم، فهو أولا يثبت أن الدراسة لعدد من الأقباط كانت دراسة منهجية، فالرجل درس ست سنوات، أي دراسة منهجية كاملة، وانتهت بإتمام الدراسة.
من تأثروا بعلماء الأزهر:-
مكرم عبيد
هو زعيم سياسي ، وكان يستشهد في خطاباته بآيات من القرآن الكريم، وتربطه علاقة قوية بعلماء ومشايخ أزهريين وغير أزهريين، ومعلوم علاقته بالشيخ حسن البنا، وعندما اغتيل البنا، لم يجرؤ أحد أن يمشي في جنازته، ويذهب للعزاء، إلا قلة قليلة جدًا، كان على رأسها "مكرم عبيد".
نظمي لوقا
هو كاتب وباحث وله العديد من المؤلفات عن الإسلام تتسم بالإنصاف، فقد كتب أكثر من كتاب، لكن أهمها على الإطلاق:"محمد الرسالة والرسول" ، و"محمد في حياته الخاصة" ، كان فيهما منصفًا لأعلى درجات الإنصاف، وكتب يدافع فيهما عن الإسلام، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففي الكتاب الأول دافع فيها عن شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم- ، وفي كتابه الثاني دافع عن تعدد زوجاته - صلى الله عليه وسلم.
أما سر إنصاف الرجل، فقد كان لعلاقته وتعلمه على يد شيخ أزهري، حكى ذلك بالتفصيل في مقدمة كتابه "محمد الرسالة والرسول" ، فقد عهد والده بابنه لشيخ أزهري كفيف، يعلمه القرآن واللغة والأدب، وظل فترة يتلقى دروسًا في القرآن، والتفسير، واللغة والأدب، إلا أن والد نظمي لوقا تعرض لمحنة مالية، جعلته لا يستطيع إكمال دروسه مع الشيخ الأزهري، وقد ذهبت أمه لجدته لتنال ميراثها، وهي حفيدة قساوسة، فأبت جدته ورفضت، فقرروا عدم ضغط النفقات، ومنها عدم إكمال دروسه مع الشيخ، وأبلغوا الشيخ بذلك، ولكنهم فوجئوا في اليوم التالي بقدوم الشيخ إليه ليعطيه الدرس مجانًا.
ويقول نظمي لوقا في مقالة له عن نفسه: "وعرف الفتى أن الشيخ عازم أن يستمر الدرس، بغير مقابل، وأن تلطفه شاء له أن يكون هو الساعي إلى تلميذه صونا لعزته وزيادة في مروءته" ، ولم يسع الفتى إلا أن يقارن في نفسه بين فعل جدة تنتمي للمسيح وتتشدق باسمه ، وبين فعل شيخ يصلي بالناس على محمد وآله خمس مرات كل يوم!.
ويضيف "في العاشرة رحل الفتى عن السويس، ولم ير الشيخ بعدها، ولكن الشيخ ظل قائما في عقله ونفسه ولسانه.. فقد صاغ الشيخ في الفتى ذلك كله، وفتح عينيه على احتقار الجاه، واحترام العقل، وتقديس العقل، وشجاعة الرأي".
واختتم مقالته "لو أردنا إحصاء من تعلم في الأزهر من المسيحيين، وتأثر بعلمائه، لاحتاج إلى مصنف كبير، ولكنه اكتفى هنا بما ألمح له في هذا المقال".