اعتبر
مراقبون وناشطون سياسيون أن زيارة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية
وبطريرك الكرازة المرقسية إلى الإمارات التي يختتمها الثلاثاء، تأتي في
سياق تمدد قبطي وكنسي بمنطقة الخليج، ومحاولات حثيثة لحصار المد التحرري
للثورة المصرية، ووقف تأثير حركات “الإسلام السياسي”، التي تدعو إلى إقامة
نظم إسلامية على أساس الشورى والحرية، لا التوريث، والاستبداد.
الزيارة بدأت الجمعة، واستمرت خمسة
أيام، وتعد الزيارة الخليجية الأولى للبابا منذ اعتلائه الكرسى البابوي فى
نوفمبر 2012. وقد حظيت باهتمام بالغ في الأوساط السياسية والشعبية والقبطية
بمصر والمنطقة.
ولوحظ أن البابا حظي بحفاوة شديدة
خلال الزيارة من حكام الإمارات، إذ أرسل الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة
طائرة رئاسية خاصة لنقل البابا إلى الإمارات، كما نقلته طائرة رباعية إلى
القصر الرئاسي بـ”أبوظبي”، فيما حرص كبار المسؤولين الإماراتيين على
استقباله.
وعقب وصوله إلى “أبو ظبى” زار
البابا، والوفد المرافق معه، ضريح الشيخ زايد مؤسس الإمارات، الذي يقع ضمن
حرم مسجد الشيخ زايد بمدينة “أبو ظبي، وذلك في سابقة هي الأولى بدول مجلس
التعاون الخليجي.
وألقى البابا أول محاضرة له في دولة عربية بمسرح شاطئ الراحة داخل الحرم.
وقال “كنت أشتاق لهذه الزيارة..
الإمارات أول دولة عربية دعتنا لزيارتها.. هذه الدعوة الكريمة من الشيخ
خليفة بن زايد آل نهيان الذي نصلي لأن يعطيه الله الصحة والعافية”.
كما قام البابا خلال الزيارة
بافتتاح كنيسة السيدة العذراء والشهيد أبي سيفين بإمارة الشارقة، وقام
بتدشين مذبح الشهيد مارمينا بكنيسته في جبل علي بدبي، وأقام قداسا، وزار
السفارة المصرية في “أبو ظبي”.
ودعا المصريين المقيمين فى الإمارات
إلى المشاركة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، كخطوة مهمة للخروج من
المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر، على حد وصفه.
وفي الوقت نفسه، كشف الناشط القبطي
الدكتور رمسيس النجار النقاب عن أن البابا تواضروس سوف يقوم بزيارات أخرى
لكل البلاد العربية، بعد الإمارات، حاملا رسالة محبة عروبية خالصة للأشقاء
العرب، وذلك على حد تعبيره لفضائية مصرية.
دعم إماراتي للكنيسة بإفريقيا
ومن جهتها، قالت مصادر بالكنيسة
القبطية المصرية إن البابا تواضروس فوجئ، فضلا عن حفاوة الاستقبال،
بالتوجيهات المباشرة التي صدرت من قبل الشيخ محمد بن زايد بتوفير أي دعم
مادي ومعنوي وإعلامي تحتاجه الكنيسة، وأنه وجه ديوانه خلال لقاء بالوفد
بدعم نشاط الكنيسة القبطية في إفريقيا لا سيما في المناطق والدول التي تشهد
موجات من التطرف والعنف، كمالي، وإفريقيا الوسطى.
وأشاروا إلى توجيهه السابق إلى توسيع كاتدرائية الأنبا أنطونيوس بـ”أبوظبي” لتصبح أكبر كنيسة في الخليج، بل والشرق الأوسط.
سخط إماراتي
في المقابل، أبدى إمارتيون على
مواقع التواصل الاجتماعي استياءهم من زيارة البابا للإمارات. وقالوا إنها
استقبلت مؤخرا وزيرا إسرائيليا والبابا تواضروس ومسؤولا كنسيا غربيا
ومتطرفا، وتسمح بنشر التبشير بالمسيحية عبر عشرات الكنائس في دبي وأبو ظبي
والشارقة، وتفتح الباب لتواضروس ليبشر بالمسيحية.
وقال ناشطون إنه في الوقت الذي كان
البابا يزور فيه الإمارات، قام جهاز الأمن الاماراتي باختطاف الشيخ الدكتور
سلطان بن كايد القاسمي رئيس دعوة الإصلاح، والشيخ حمد رقيط، والسبعة
المسحوبة جنسياتهم من علماء ومفكري الإمارات، وذلك من سجن صدر إلى مكان
مجهول.
وكانت محكمة أمن الدولة قضت في 2
تموز/ يوليو 2013 بسجنهم عشر سنوات ضمن النشطاء الإماراتيين المعتقلين الـ
94، حيث تم اعتقالهم بعد رفعهم قضية على وزارة الداخلية تطالبها بإعادة
الجنسيات التي سحبها جهاز الأمن في كانون الأول/ ديسمبر 2011 لعدد من
النشطاء بسبب توقيعهم على “عريضة الإصلاحات السياسية”.
وفي سياق متصل، أثارت زيارة البابا
إلى ضريح الشيخ زايد المغردين بدول مجلس التعاون الخليجي، فانطلقوا يعبرون
عن آرائهم عبر هاشتاج #تواضروس_يزور_قبر_زايد
وقال عبد الله زقيل “الواقع داخل
المسجد، وفي يده الصليب المزعوم.. صلب عيسى عليه السلام فيه.. ماسكا به..
دون مراعاة لمشاعر المسلمين.. ما هذا الذل؟”.
وقال البلوي “الله يعين زايد في قبره، ويرحمه.. أعتقد أنه لن يرضاها حيا لأبيه أن يزار بمثل هذا”.
وقال توفيق المالكي “في المكان والزمان اللي نرى #تواضروس_يزور_قبر_زايد يمنع بعض المشائخ والعلماء من دخول دولة الإمارات #العريفي”.
وعلق الشيخ حامد العلي بأبيات شعر قائلا:
“يا أمّة الوحي قد خُصَّتْ بقرآنِ ** وتعبد الله توحيدا بلا ثاني
كيف استقام على منهاج أمتنا ** قبرٌ يُزار بقسيسٍ وصلبانِ؟!”
آراء مراقبين
اهتم مراقبون وناشطون بالزيارة.
وقالوا إنه برغم أن الكنيسة الأرثوذكسية في مصر أكدت أن الزيارة دينية فى
المقام الأول، وهدفها ترأس “القداس الإلهي”، والقداس بكاتدرائية الأنبا
أنطونيوس بـ”أبو ظبي” إلا أنها أثارت العديد من التساؤلات حول أبعادها
السياسية.
وأبدى الإعلامي أحمد حسن الشرقاوي
-في تصريحات لقناة الجزيرة- اندهاشه من أنها تأتي بعد أيام من لقاء البابا
تواضروس مع وفد من فرسان مالطا، وهم ليسوا دولة، ولكنهم “فرسان المعبد”
الذي كان موجودا أيام الحروب الصليبية، ثم ذهب إلى الإمارات ليجلس مع
الشيوخ الذين دبروا معه مساندة الانقلاب، مما يوضح أن الانقلاب في مأزق،
على حد تعبيره.
ورأت الناشطة الحقوقية القبطية
“نيفين ملك” -في حوار مع قناة رابعة- أن “الزيارة تعبر عن حالة من حالات
التكاتف من أجل وضع مصر بصورة الأمر المقضي أو القوة القاهرة في سياق
منظومة “اتفاقية سايكس- بيكو”، وعدم الخروح عنها، مشيرة إلى أنه من المعروف
أن نجاح الثورة المصرية سيمتد إلى جميع الدول العربية، وبالتالي هناك رغبة
في تقويض هذه التوجهات التحررية.”.
الإمارات تلعب بملف الأقباط
محمود سلطان رئيس تحرير جريدة
“المصريون” ذهب إلى أن الإمارات “تلعب” مع فئات مؤثرة وكثيرة من المصريين،
غير أن لعبتها على الملف الطائفي هو الأخطر، متسائلا هلا أفادتنا السلطات
المصرية المؤقتة عن حدود “تدخلات” الإمارات في الشأن المصري، أم أن
“الدراهم مراهم”، قادرة على إسكات الوجع، وتحمل هذا الورم السرطاني؟”، على
حد تعبيره.
وقال سلطان، في مقال بعنوان
“الإمارات تلعب على ملف الأقباط في مصر بجريدة “المصريون”، الاثنين،
“استقبلت الإمارات البابا استقبال “رؤساء الدول”، في زيارة غريبة، وبدون
أية مناسبة دينية مسيحية بالإمارات”، على حد تعبيره.
وأضاف “البابا هنا مواطن مصري،
ومسؤول ديني رسمي مصري، ويرأس طائفة دينية مصرية كبيرة، ولا ندري ما إذا
كانت الإمارات وجهت له الدعوة من خلال القنوات الدبلوماسية الرسمية “وزارة
الخارجية مثلا”، أم أنها خاطبته مباشرة متخطية السلطات المصرية المختصة،
بوصفه “سلطة” موازية، ومستقلة عن سلطة الدولة الرسمية؟!
البابا يحارب الإسلام الوسطي
من جهته، ذكر مركز الإمارات
للدراسات والإعلام (ايماسك) في دراسة له بعنوان “ما سر زيارة تواضروس
للإمارات” إن “الإمارات تحارب الإسلام السياسي، وتستغل المسيحية في ملفاتها
السياسية”.
وخلصت الدراسة إلى أنه “التقت مصلحة
“الصليبية السياسية” وجهاز الأمن الإماراتي في محاربة الإسلام الوسطي..
التقاء مصالح يثير الغضب والسخط على تحالف الأمن والسياسة مع رجال الكنيسة،
ضمن اتفاق مصالح على حساب مصالح الأمة”.
وأضافت “أعلنت الكنيسة القبطية
شروطها في دعم ترشح السيسي للرئاسة عشية زيارة “البابا الفقيه” إلى
الإمارات.. فقد يكون هناك اختلاف في التفاصيل بين السيسي وتواضروس على
تقاسم الغنائم، فتأتي زيارة الأخير للإمارات طلبا لوساطته الدبلوماسية مع
السيسي.. تمثلت المطالب القبطية “الكشف عن تعداد الأقباط الحقيقي، وإصدار
قرار جمهورى بتقنين كل الكنائس المصرية غير المقننة لتوفيق أوضاعها
القانونية، وآخر بتشكيل مفوضية “عدم التمييز”، وإلغاء الكوتة غير المعلنة
في المناصب الحكومية والسيادية”.
وتساءل المركز في دراسته “أليست كل
هذه مطالب سياسية، قد يكون جزء منها مطالب عادلة، ولكن يجب أن تأتي في سياق
المواطنة لا الطائفية، وضمن قرار بمنح جميع المصريين حقوقهم، وليس فقط
الأقباط”.
وشدد على أن تكريم تواضروس في
الإمارات “يأتي في سياق استغلال الغطاء الديني المسيحي الكنسي في ملفات
وقضايا سياسية غاية في الخطورة، والتآمر العلني المكشوف على المنطقة
برمتها”.
وأضاف “اليوم، بابا الأقباط يُتوجُ
في الإمارات على يد جهاز الأمن الذي يحارب الإسلام الوسطي، ويسميه الإسلام
السياسي بقصد تشويهه وإظهاره على أنه ساع وطامع في السلطة فقط بوظيفة ومهمة
“البابا الفقيه”، ويمنحه “تصريحا” أمنيا وسياسيا لأن يلعب دورا سياسيا
دينيا ودورا دينيا سياسيا.. فالمستهدف هو الإسلام الوسطي، وأعظم به غاية
ومستهدفا، و”المستهدف يبرر الوسيلة”!
ويُذكر أن الإمارات من أوائل الدول
التي سمحت ببناء الكنائس في المنطقة العربية، وأنه وفقا لبيانات التعداد
السكاني، فإن 76% من مجموع السكان هم مسلمون، و9% مسيحيين، و15% ديانات
الآخرى.
كما تشير التقديرات السكانية إلى أن
عدد المسيحيين في دولة الإمارات يصل إلى نحو 500 ألف مسيحي يتركز غالبيتهم
في أبو ظبي، العين، دبي والشارقة. المصدر الشعب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق