السفير إبراهيم يسري: "بيان القاهرة" يكتسب ثوارًا كل يوم
12/06/2014 12:57 م
* الغاز المصري تمت سرقته بالعقود الفاسدة وبالسرقة المباشرة حتى صرنا نعاني أزمة طاقة
* رغم الحكم ببطلان تعاقد بيع الغاز لـ"إسرائيل" إلا أن التصدير لم يتوقف إلا في عهد الرئيس محمد مرسي
فجر عاطف صحصاح
أشار
السفير إبراهيم يسري إلى أن بيان القاهرة هو محاولة جادة لإعادة الاصطفاف
لكافة القوى الثورية؛ وهي المحاولات التي باتت تعطي أثرها هذه الأيام، خاصة
بعد تشكيل لجنة للحوار الوطني تعمل على التشاور مع كافة الشخصيات والأحزاب
والقوى الثورية.
وأضاف
"يسري" في حوار خاص لـ"الحرية والعدالة" أن "إسرائيل" وقبرص قد اقتسمتا
سرقة الغاز الطبيعي المصري، ومن ثم تحولت مصر الآن إلى دولة مستوردة بعد أن
تم ضياع حقها مرة بالعقود الفاسدة ومرة أخرى بالسرقة المباشرة، ولذا فمصر
الآن على أبواب أزمة طاقة شديدة يعقبها أزمة مياه إذا ما استمرت إثيوبيا في
بناء سد النهضة.
وعرج
"يسري" كذلك في حديثه على اتفاقية السلام وقال إن الوقت تجاوزها ومن
المفترض أنها في حكم المنتهية، خاصة أنها تعمل على تقييد السيادة المصرية
على أراضيها، وأضاف أن الترتيبات الأمنية بين الانقلاب و"إسرائيل" غير
خافية على أحد بخصوص الوضع في سيناء.
كما لفت الانتباه إلى ضعف المجتمع الدولي وتركه لمصر تعاني من أشد تراجع في قيم الحقوق والحريات والعدالة.
ومن
الجدير بالذكر أن السفير إبراهيم يسري هو مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة
القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق، ومنسق حملة "لا لبيع الغاز
للكيان الصهيوني"، وهو كذلك عضو مؤسس لجبهة الضمير المصرية، وأحد ثلاثة
شخصيات وطنية قد تولوا الإعلان عما أسموه "مبادرة القاهرة" في نهاية مايو
الماضي لاستعادة ثورة 25 يناير والمسار الديمقراطي.
بيان القاهرة
•بداية ما الذي توقعتم أن تقدموه من خلال بيان القاهرة؟
الهدف
الأول والأهم من بيان القاهرة هو إعادة اللحمة والاصطفاف لكافة قوى الثورة
من أجل إسقاط الانقلاب، ومن أجل إنقاذ الثورة، وذلك بشكل عام ودون إقصاء أو
استثناء؛ بل إنه وحتى القوى التي خُدعت وشاركت في 30 يونيو؛ ثم عادت الآن
وتبينت وجه الحقيقة فأهلا بها، أي أننا نرحب بكل الثوار وبكافة الأطياف
والقوى الوطنية.
•ولكن الفترة الماضية شهدت الكثير من الخلافات بين تلك القوى، فكيف يمكن إعادة تلك اللحمة؟
أعتقد
أننا تجاوزنا الفترة الماضية والتي كانت مليئة بالمنازعات نتيجة عدم وجود
خبرة سياسية عند الجميع مدة 60 سنة من الحكم الشمولي والفرد الأوحد الذي
يتخذ كل القرارات؛ ولذا فالكل أخطأ؛ فالنخب أضاعت الثورة، والشباب لا يعرف
ماذا يعمل ليحتفظ بثورته، كما أننا لم نعتد على ثقافة الاختلاف؛ بحيث لا
يصح أن يكون الاختلاف مدعاة للمخاصمة والتشاحن.
•مرة
أخرى أسأل عن الثوابت التي لا يرى بيان القاهرة إمكانية التنازل عنها، بل
يرى أنها الأرضية المشتركة التي يجب أن يلتف حولها الجميع؟
أمر واحد وفقط؛ هو استعادة ثورة 25 يناير
•ولكن هنا تظل فكرة الشرعية محل خلاف بين القوى الثورية؟
عندما
نستعيد الثورة نجلس لنتحدث عن الشرعية؛ فهي بالطبع شيء مهم وأساسي ولا
تنازل عنه أبدا، لكن ما يهمنا بداية هو الالتفاف والتوحد بين القوى
الثورية، ثم نبحث معا كافة الأمور العالقة والمهمة، على أساس أرضية وطنية
ثورية مشتركة. فنحن ننطلق من استعادة الثورة أولا.
•وما الذي تعنيه استعادة الثورة على أرض الواقع حاليا؟
ثورة
يناير كان لها أهداف عامة التفّ حولها الجميع؛ "عيش-حرية-عدالة اجتماعية"
بخلاف الكرامة الإنسانية طبعا، أيضا تعني الثورة الحكم الديمقراطي، فلا بد
إذن من إرساء دعائم الحكم الديمقراطي، ويأخذ على عاتقه أن يحقق لمصر
التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويصلح مرافق التعليم والصحة وغيرها من
المرافق التي خربها الحكم الشمولي مدة ستين عاما.
-وما موقفكم من السيطرة الحالية للعسكر على مقدرات الدولة؟
نرفضها
تماما وبشكل قاطع؛ لا نقبل أبدا سيطرة المؤسسة العسكرية على الدولة؛
فالمؤسسة العسكرية من المؤسسات المهمة جدا لنا في الدولة؛ ولكن لا يجب أن
تعلو على الدولة؛ فالجيش
يحمي ولا يحكم
•وما الاختلاف بين بياني القاهرة وبروكسل؟
لا
تناقض ولا خلاف، كل ما هنالك أنه ربما قد تم التركيز في بروكسل على وضع
القواعد والمبادئ العامة، أما في بيان القاهرة فقد وضعنا بين الآليات
الإجرائية. وقد شكلنا بالفعل لجنة "الحوار الوطني" وهي معنية بالذهاب إلى
الأحزاب والقوى السياسية والأشخاص الثوريين ذوي الثقل المجتمعي؛ وذلك حتى
تحاورهم وتجمع بينهم لتحقيق الاصطفاف، وقريبا جدا سوف نعلن الأسماء سواء
المشكلة للجنة الحوار، أو التي بدأت الاستجابة والانضمام للمبادرة.
•وهل لمستم بالفعل مردودا إيجابيا من لدن قوى وشخصيات جديدة؛ بخلاف المشاركة في الفعاليات منذ الانقلاب وإلى الآن؟
نعم هذا
حدث بالفعل؛ وهذا مهم لأنه يعبر عن استكمال حقيقي لقوى الثورة، وأؤكد هنا
أن الكثير والكثير جدا ممن شاركوا في 30 يونيو واعتبروها حينها ثورة؛ الآن
انضموا لنا في بيان القاهرة.
•برأيك هذا النوع من التحركات الدبلوماسية والسياسية هل هي مجدية خاصة الآن بعد أن حاول الانقلاب "شرعنة" وضعه؟
أما عن
"شرعنة" الانقلاب فهذا لن يحدث أبدا؛ فالانتخابات التي تمت بشهادة العالم
كله لا مصداقية لها، أما "عبد الفتاح السيسي" فأنا أعتبره رئيسا "فعليا"
وليس رئيسا "شرعيا" وهذا يتبع نظرية لدينا في القانون وهي "الموظف الفعلي"
لأنه فقط يأخذ قرارات وينفذها؛ في حين أنه لا يستطيع أن "يشرعن" نفسه،
وعندما تنتصر الثورة على الانقلاب تعاد كافة تلك القرارات والقوانين وتصبح
محل مراجعة. ولا بد أن نذكر هنا أن الحكم الحالي الانقلابي سوف يواجه أزمات
طاحنة خاصة في النواحي الاقتصادية والأمور الأخرى؛ ولذا فلا عجب أن تتوقع
كاتبة أمريكية مؤخرا أنه وفي خلال عام أو عامين على الأكثر سوف ينهار هذا
الحكم، كذلك قالت Financial Times –الصحيفة البريطانية المعنية بالشأن
التجاري- إن هذا الحكم في مصر أمامه عام على الأكثر ولن يستطيع أن يتغلب
على المشكلات الاقتصادية. وهذا طبعا رغم مليارات الخليج التي من غير
المعقول أن تستمر، كذلك فالخليج لا يعطي شيئا دون مقابل، وإذا لم يكن هذا
المقابل مجديا فلن يتسمر في ضخ معوناته، ومثله في ذلك معونات البنك الدولي
والدول الأوروبية؛ ولذا فالحقيقة أن وضع مصر بالفعل الآن سيء جدا، وأمام
حكومة الانقلاب الحالية صعوبات جمة لا أظنه يستطيع التغلب عليها. ولا بد أن
تظهر سلطة جديدة مؤيدة من الجماهير حتى يتم إنقاذ البلاد.
•ولكن هل من الممكن أن تتخلى أمريكا عن دعم الانقلاب في مصر؟
ما يظهر
حاليا من خلال متابعة المقالات والتحليلات الأمريكية أن أمريكا ما زالت
متحفظة في تأييد الانقلاب، بل هي تنتظر القوى التي ستنجح في النهاية لكي
تتعاون معها؛ فمصر بالنسبة لأمريكا في منتهى الأهمية، ومن مصلحتها وجود حكم
مستقر في مصر.
•هل أمريكا تنتظر من بعيد أم هي متغير ولاعب رئيسي على أرض الأحداث في مصر؟
هي لاعب
رئيسي في الانقلاب لا شك، ومعها أوروبا الغربية و"إسرائيل" كذلك؛ لكن ولأن
الانقلاب لا يعتبر نجح حتى الآن؛ فهم ينتظرون حتى يرو إلى أين تتجه الكفة
التي منها يتسللون إلى مصالحهم؛ فالسياسة التي لخصها رئيس الوزراء
الإنجليزي "ونستون تشرشل"، حين قال: "إنجلترا ليس لها أعداء دائمون، ولا
أصدقاء دائمون، ولكن لها مصالح دائمة".
•ولكن أين القيم؛ ألم تكن الحريات وحقوق الإنسان من أهم المبادئ التي قامت عليها الديمقراطيات الغربية الحديثة؟
أنا
أعمل في المجتمع الدولي منذ عقود طويلة، وهذا الكلام بالفعل له بريق كبير
ويضعونه في مواثيق وعهود دولية؛ لكن في النهاية تبقىي لديهم المصلحة هي
الأهم، وكتاب "ميكافيلي" ما زال ساري المفعول، وما زالت الغاية تبرر
الوسيلة. وبناء عليه فأمريكا لن تعلن تأييدها للانقلاب إلا إذا رأت فيه
النجاح وتثبيت الأركان.
-ولكن لماذا تتحدث عن الانقلاب وكأنه لم ينجح؛ هل 11 شهرا من الاستمرار ووضع دستور وأخيرا انتخابات، أليست معايير للنجاح؟
لا، كل
هذه محاولات إضفاء الشرعية على وضع غير شرعي، في حين أنه فشل في إدارة أي
ملف حقيقي يمس حياة الناس، سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو تعليميا، فشل في
تحقيق مطالب العمال أو تحديد الحد الأقصى والأدنى للأجور، فهذه الملفات لا
يجدي معها الدعم والمعونات، ولكنها فقط تنجح إذا زاد الإنتاج، في حين أنه
لا إنتاج في ظل رفض شعبي دائم للانقلاب، بل واستمرار ظلم العمال وتأميم
النقابات، فهذه أجواء غير إنتاجية بالمرة، ولا تدل على نجاح إطلاقا وإنما
تدل على سيطرة؛ مثل ما نجده في الإعلام من سيادة الصوت الواحد.
الحراك الثوري
•ما رأيك في الحراك الثوري في الشارع؟
هذا
الحراك المستمر منذ 11 شهرا أو أكثر، يقدم تجربة لم تحدث تقريبا في
التاريخ أو في أي بلد في العالم، خاصة أني لا ألحظ مللا من القائمين
والمشاركين في هذا الحراك، بل إن الجمهور المشارك يعتبر جديدا على العملية
السياسية ولا ينتمي إلى فصيل بعينه؛ وهذا في حد ذاته عاملا مبشرا، وقد
لاحظت في الأيام القليلة الماضية ازدياد هذا الحراك، وأظن أنه سوف يستمر في
هذا. أما الخوف من حدوث ركود أو نمطية أو ما شابه؛ فأرى أنها من مسئوليتنا
نحن في بيان القاهرة أن نعمل على إعادة النشاط والقوة له. والحقيقة أن
الجمهور لدينا في حراكه لم يقصر، وأكبر شاهد على ذلك الثبات الشديد في
اعتصامات مؤيدي الشرعية في رابعة والنهضة؛ رغم القتل والمذابح، وهذا لم
يحدث في نماذج دول العالم جميعها. ورغم اعترافنا أننا جميعا أخطأنا نتيجة
قلة الخبرة وضعف الممارسة السياسية؛ إلا أن الـ 11 شهرا الماضية قد أفادونا
كثيرا.
الغاز الطبيعي
•كيف استقبلت خبر إقبال مصر على استيراد الغاز الطبيعي من الكيان الصهيوني؟
الأمر
أثار السخرية عندي، وقلت إنهم إذا كان سيصدرون لنا الغاز حاليا؛ فعليهم أن
يعطوه لنا بنفس السعر الذي أخذوه به؛ فإذا كانوا يستورده منا بـ 75 سنتا
وأخيرا وصل إلى 2 دولار و75 سنتا، في حين أنهم الآن يريدون أن يبيعوه لنا
بـ 16 دولارا. ولكن بشكل عام، فالاستيراد من "إسرائيل" مرفوض لأننا في مصر
لدينا 3 حقول غاز موجودة في مياهنا الاقتصادية؛ ولكن تمت سرقتهم من قبل كل
من "إسرائيل" و"قبرص"، وبالضبط فقد سرقت "إسرائيل" حقلين بينهم واحد على
بعد 90 ميلا من دمياط،بينما يبعد 271 من حيفا فبأي عقل أن هذا الحقل يكون
لـ"إسرائيل"، والحقل الثاني في جبل تحت الماء يعتبر جرفا قاريا وتعتبر
اتفاقية التقسيم التي أجرتها "إسرائيل" و"قبرص" مخالفة للمادة 74 من قانون
البحار الذي ينظم التعامل مع هذا النوع من الحقول والتي تقول إنه لا يجوز
للدول المتلاصقة والمتقابلة أن تعقد اتفاقيات ثنائية لتقسيم المياه
البحرية، ولكن يجب أن تجتمع كل تلك الدول وتعقد اتفاقيات مشتركة وهذا لم
يحدث بل تم استبعاد بقية الدول الـ11 المشتركين في تلك المياه، كذلك فقد
سرقت "قبرص" حقلا أسمته "أفروديت"؛ وقد أقمنا دعوى منذ ثلاثة أو أربعة أشهر
ضد تلك السرقة العلنية، وطالبنا أن ندافع عن حقوقنا بقوة؛ لأن حقل واحد من
هؤلاء كفيل بأن يحل كافة مشكلاتنا الاقتصادية. وقدمنا ما يثبت حقوقنا
بالخرائط والمقاسات الدولية. وما تزال منظورة أمام مجلس الدولة.
والحقيقة
أننا الآن نعاني من ثلاثة أخطار أولها الدفاع عن حقوقنا في الغاز في
مياهنا الاقتصادية، والثاني هو سد النهضة، والثالث الأوضاع في ليبيا والتي
لا نعلم إلى ماذا ستسفر. وذلك بالطبع إذا سلمنا أن هناك تهدئة مع "إسرائيل"
والتي نعتبرها الخطر الأول، وبالطبع فهذه الأمور كافة تحتاج إلى جيش متدرب
يقوم بمهماته، وليس واقفا في الشارع لأمور داخلية.
•وكيف تتحول مصر فجأة إلى دولة مستوردة للغاز بعد أن كانت مصدرة له قريب جدا؟
لأنه
ببساطة تمت سرقته، وأتذكر إبان القضية الشهيرة التي رفعتها لإبطال عقود
تصدير الغاز لـ"إسرائيل" عام 2009، قدمت وزارة البترول حينها بلاغا ضدي
أمام النائب العام يتهمونني بأني أذيع أخبارا كاذبة مفادها أن مصر ليس
لديها احتياطي غاز، وحينها قال وزير البترول سامح فهمي -والذي هو طليق الآن
ويجلس في بيته- إن لدينا غازا يكفينا 103 سنة، ورغم أن القضاء حينها حكم
لصالح إبطال التعاقد، وإلغاء الصفقة مع مراجعة الأسعار، ووضع الأولوية
لاستيفاء الحاجة المحلية؛ ومع ذلك فلم يتوقف التصدير ولم يتم تنفيذ الحكم
لا في عهد مبارك ولا في عهد المجلس العسكري، بل إني -في عهد المجلس
العسكري- قابلت وزير البترول بدعوة من د. عصام شرف، وقال لي صراحة إن
القرار ليس بيده، ولم يتوقف تصدير الغاز لـ"إسرائيل" إلا بعد تولي الرئيس
محمد مرسي. ولكننا اكتشفنا حينها أن احتياطي الغاز لدينا قارب على
الانتهاء، أي أن "إسرائيل" قد عملت على إنضابه وشده عن آخره. وهذا من أهم
أسباب أزمة الطاقة التي تعاني منها مصر حاليا.
ومن بين
القضايا التي رفعتها أيضا كانت تدور حول تعاقد غريب الشكل تم أيضا ما بين
"سامح فهمي" وشركة إنجليزية-عالمية هي "بريتيش بتروليوم" ومفاده أن تستخرج
غازا من مياهنا الاقتصادية العميقة، شريطة أن تتملكه هي، ثم تعطينا منه ما
تريد وبالسعر الذي تراه، وذلك بدعوى أنها سوف تنفق ما بين 500 إلى 1000
مليون دولار على هذا الحقل، وحتى الآن لا علم لي ماذا فعلت هذه الشركة
وماذا تفعل إلى الآن لأن مثل تلك العقود تتم في سرية تامة.
كذلك
هناك شركة "شيل" العالمية جاءت -قبل ثورة يناير أيضا- ونقبت لدينا على حقل
ووجدته بالفعل، وبدأت بالفعل في الحفر؛ ثم وبشكل مفاجئ انسحبت، ولم يقف
ضدها لا وزارة بترول ولا غيره، ولا اتخذت ضدها إجراءات تحكيم دولي أو
خلافه. وعلمنا بعد ذلك أن انسحابها جاء نتيجة علمها بالمؤامرة بين
"إسرائيل" وقبرص للاستيلاء على الغاز المصري.
•باختصار إذن كيف ترى مستقبل الطاقة في مصر في ظل الانقلاب؟
تلك
القضية فقط من الممكن أن تقضي على الانقلاب؛ لأنها تحمل كافة مؤيدي
الانقلاب على معاداته ورفضه. والواقع أننا بالفعل نعيش أزمة طاقة خطيرة
تؤثر على المصانع وعلى الإنتاج بخلاف تأثيرها على المواطن البسيط في بيته.
اتفاقية السلام
•لك أكثر من تحليل يتحدث عن اتفاقية السلام، فكيف تراها الآن؟
ما أراه
في ذلك وكتبته كثيرا هو أن تلك الاتفاقية قد انتهى وجودها، فقد كانت
موجودة لهدف محدد وهو منع الحرب والمصادمات بين مصر و"إسرائيل"، وتحقق هذا
الهدف وانتهى الأمر، ولكن كيف نظل أسرى لتلك الاتفاقية وهي التي تضع قيودا
على سيادتنا في سيناء حتى الآن، وهذا أمر لا تقبله أي دولة في العالم، فكيف
نظل نستأذن إذا ما أردنا أن نخرج طائرة أو دبابة في أراضينا، أما بعد
الانقلاب فمن المؤكد وجود تنسيق أمني كامل بين قادة الانقلاب و"إسرائيل"
بخصوص الوضع في سيناء، والحقيقة أن الوضع في سيناء جناية ارتكبها مبارك
بضغط "إسرائيلي"؛ فلأن الجميع يعلم أن مشكلة سيناء هي التنمية وليس الأمن،
وقد كان هناك بالفعل مشروع ضخم منذ 20 سنة للتنمية هناك؛ ثم فجأة جاءت
أوامر بوقف هذا المشروع طبعا معروف أنها كانت أوامر من "إسرائيل" ومن
أمريكا. ومن يومها وقد أصبح أهل سيناء لا حقوق لهم مثل بقية البلاد، فلا
مرافق ولا تملك أراضٍ، ولا أنشطة اجتماعية. وما نراه بعد الانقلاب ليس فيه
إرهاب أو ما شابه، بل ليس أكثر من تعامل من قوات مباحث وما شابهها كما
تتعامل هنا بالضبط، الفارق أن الملاحقة هناك صعبة وعسيرة لوجود تضاريس
وجبال.
•وفي السياق نفسه؛ كيف ترى القضية الفلسطينية في ظل الانقلاب، هل من المنتظر أن نرى مصالحة مع العدو يتم فيها التنازل عن الثوابت؟
للأسف
نرى مؤخرا أن العالم كله يتكلم عن القدس وعن المسجد الأقصى في ذكرى احتلاله
في 5 يونيو، في حين أن الخطاب المصري –الرسمي من قبل الانقلاب طبعا- لم
يذكر هذا الأمر إطلاقا، وهذا شيء في غاية الغرابة؛ فهو إما دليل على
الانشغال في ترتيب الوضع الداخلي، وإما أنهم لا يريدون إغضاب "إسرائيل"،
وللأسف هناك مشروع جاهز في مكتب محمود عباس وفي مكتب أوباما للتسوية دون
حدود 5 يونيو ودون اللاجئين ودون القدس عاصمة، وللأسف من الممكن طالما أن
مصر ضعيفة أن يتم تمرير هذه التسوية، أما ما يعرقلها فقط هو خيار المقاومة
والذي تؤكد حماس أنها لن تتخلى عنه.
المجتمع الدولي وحقوق الإنسان
•بالعودة
إذن إلى مصر ولكن في مرآة المجتمع الدولي؛ لماذا لا تستطيع كافة المواثيق
والعهود الدولية لحقوق الإنسان أن تنصفنا أو تدعمنا في ظل التراجع الحقوقي
الشديد الذي نعيشه هذه الأيام؟
هنا
أعود لما قلته سابقا من أن كل هذه المسميات لا وجود حقيقي لها، فحتى إذا تم
عقد اجتماعات ولقاءات لتلك المحافل الدولية لتدين وتشجب وتعلن سقوط حقوق
الإنسان في مصر؛ في حين أنهم من جهة أخرى يتركون حكومة "الانقلاب" تفعل ما
يحلو لها، أما إذا كانت هناك وقفة دولية حقيقية فعلى مجلس الأمن أن يجتمع
وأن يتخذ قرارا بشأن مصر بموجب الفصل السابع يحذرها فيه، وإذا لم تلتزم
تتدخل قوة عسكرية. أما الواقع فيقول إن الحكومات العالمية لا تريد التدخل
الحقيقي؛ بل لماذا تتدخل تجاه من يقبل أن يقتل شعبه!
•ولكن
بنظرتك على شعوب العالم ومن خلال عملك الخارجي لسنوات؛ فهل هي كذلك لا
تعنيها حقيقة قيم الحريات ومواثيق حقوق الإنسان، أم أن الشعوب بالفعل متحدة
في تفكيرها ضد سطوة الحكومات؟
بالطبع
الشعوب كلها تريد تفعيل الحريات والعدل وعدم الاعتقال والحبس، لكن ما يحدث
أن الأحكام الشمولية والديكتاتورية تفعل ما يحلو لها، ولا ترتدع طالما لا
وجود لجزاء أو عقاب من الخارج. وما يكسر تلك المعادلة الصعبة أن يقوى قليلا
المجتمع الدولي وأن ينظر بجدية إلى هذا الخرق المستمر للمواثيق أما الآن
فهي ليست أكثر من حبر على ورق، ومع ذلك فأنا أؤمن أن الشعوب هي من سينتصر
في النهاية، ولكن بكثير من الدم وسنين من العذاب.
•تتحدث عن أن سد النهضة من أهم الأخطار؛ في حين أن الانقلاب بعد أن أتى ادعى أنه في صالح مصر؟
هذا لم
يكن أكثر من خدعة خالت على رئيس وزراء الانقلاب السابق-الببلاوي- حيث
أقنعوه أن إثيوبيا سوف تعطي مصر كهرباء بدلا من المياه؛ وهذا بالطبع كلام
"فارغ"؛ وما نلحظه أن وزير خارجية إثيوبيا قد شارك في حفل تنصيب السيسي،
وذلك رغم ما بيننا من نزاع مهم، وهذا مؤشر خطير على أننا قد نكون بصدد
تسوية وقبول بسد النهضة، وهو أمر خطير ولا يجب السكوت عليه. فهذا السد سوف
يقلل حصة مصر من المياه 30% تقريبا، كذلك سوف يصبح السد العالي حينها ليس
أكثر من متحف ولن يستطيع توليد كهرباء، ولذا فمن المنتظر أن نشعر بأزمة
مياه بعد عامين أو ثلاثة تقريبا. وكل هذا يعني أن باستمرار الانقلاب سوف
نعاني من أزمات طاحنة في الطاقة والغاز والمياه، بخلاف الصحة والتعليم
وغيرها من الملفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق