الخميس، 24 يوليو 2014

ليلة سقوط السياسة المصرية محمود إبراهيم صديق

24/07/2014
 ليلة سقوط السياسة المصرية
محمود إبراهيم صديق
ربما كان الأسوأ حظا فى العالم حين يتحدث إلى الشعب بمناسبه ذكرى ثورة الثالث والعشرين من يوليو، فى ذات اليوم الذى يخرج فيه السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركه حماس إلى مؤتمره الصحفى، معلنا كلمات مباشرة وموجهة إلى قادة الحرب فى إسرائيل بأن نزع سلاح المقاومة مرهون بإنهاء الاحتلال ونزع سلاحه وأنه لا أحد يملى أوراقه على المقاومة وأن على نتنياهو ووزير دفاعه أن يخرجوا إليهم خير رجالهم ليقتلوهم أو يأسروهم.
مشهد لا يستطيع الأحرار فى العالم تجاوزه. الحرب على غزة تمثل أول اختبار حقيقى لقائد الانقلاب فى مصر الذى تأكدت كل الدوائر السياسية فى العالم وصناع القرار أنه لا يملك الذكاء الشخصى والحنكة فى إدارة الأحداث حتى على الأقل لفرض ورقة تكسبه موقعا متميزا على الخريطة الدولية. وأتى على ما تبقى من رصيد للدور المصرى والإقليمى فى فرض سياسات وأطروحات من شأنها حل الأزمة، وحتى مقارنة بعهد مبارك.
الخطأ الاستراتيجى الذى يمارسه النظام السياسى فى مصر والبعيد تماما عن أبسط قواعد العملية السياسية فى طرح المبادرات فى عدم التحاور مع طرف الأزمة الأصيل المتمثل فى حركة حماس وعدم دعوتها إلى الحوار والتعامل بسطحية وتجاهل مع قوة عسكرية أربكت المحللين العسكرين بفضل انتصاراتها على الأرض، وهو ما دفع السياسيين فى حماس إلى توجيه الضربة مباشرة بفضح التراخى فى الدور المصرى وإعلان رؤية صلبة لوقف القتال وأرضية صلبة بعيدا عن القاهرة تستند إلى انتصارات ميدانية.
ذلك ما أدخل السلطة الانقلابية فى مصر فى نفق مظلم وعزله سياسية كونها لم تستطع حتى طرح ورقتها بشكل محترف، وهنا أقصد ليس فقط قائد الانقلاب وإنما الأجهزة السيادية التى تشارك فى إدارة الأزمة والذى أراه صدعا رأسيا فى منظومه صنع القرار. وهنا ماذا لو نجحت المقاومة فى فرض استحقاقاتها وحققت نجاحات استراتيجية على الأرض؟ سوف يفرض الحال نفسه ويضطر قائد الانقلاب لأن يذهب إلى حماس إما لتعديل مبادرته أو حفظ ما تبقى من ماء وجهه أمام الرأى العام العالمي.
حاله السطحية المفرطة التى تعترى رأس السلطة فى مصر والانفصال عن المجتمع المصرى تعكس تخبطا واضحا فى الفصل بين الملفات. لا تستطيع أن تتعامل مع القضية الفلسطينية التى يراها المصريون ثابتا لا يمكن تجاوزه ويراها الشعب قضية وجود، ولا يسقط المصريون من ذاكرتهم أبدا ما قامت به إسرائيل من مجازر ضد المدنيين من أهلهم فى مصنع أبو زعبل أو مدرسة بحر البقر أو ما قامت به إسرائيل من دفن الأسرى المصريين فى حرب يونيو أحياء.
لا تستطيع أن تمسح من الذاكرة أن العدو الصهيونى هو عدو الشعب والجيش. فإن من السطحية أن تربط بين حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين فى التعامل وأن تربط بين ملف خارجى على ثوابت ملف داخلى تتعامل معه. أن تختزل شعور المصريين تجاه إسرائيل ذاك ضرب من الخيال.
وإن كان المقام لا يسعنى هنا للحديث عن إخفاقات السياسة الخارجية المصرية التى ترى علاقاتها بأمريكا علاقة زواج شرعى أو تسمح بأن يعلق وزير الخارجية الأمريكى من داخل القصر الجمهورى أن ما يحدث من إسرائيل إنما هو دفاع عن النفس، أو حتى أتجاوز حديث قائد الانقلاب عن أن ما يحدث فى غزة هو اقتتال فلم يعد يشغلنى خطابات سياسية جوفاء لا تمر إلى أذن سامعيها، ولكن أن تسمح لوزير خارجية أن يعطى غطاء سياسيا لجرائم الحرب فى غزة من داخل مكان قرارك فأنت تخلع ملابسك إلى القطعة الأخيرة ومعها سوف تفقد الرصيد الذى تمتلكه حتى من الجماهير التى تظن أنها معك.
العدو الصهيونى يتعمد إحراج الدور المصرى ويكشف على صدر صفحاته كل يوم ما يتم من إجراءات واتصالات من شأنها حل الأزمة، بل ويذهبون إلى درجة من التبجح لن يقبلها المصريون، وهى أن ثمة تحالف شجاع بين نتنياهو والسيسى من أجل إنهاء الحرب.
حاله الخروج عن المعقول والتدهور المهنى والأخلاقى فى وسائل الإعلام فى تناولهم أحداث الحرب على غزة وظهور تأييد ودعم إعلامى لضرب غزة، وهو ما لم يحدث على مر تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى أن نرى هذا الفجور فى وسائل الإعلام وهذا القبح، إن كان لمجرد تصفية حسابات مع جماعة الإخوان المسلمين وحقدا أسود على نجاح أحد فصائلها فى غزة من تحقيق انتصارات على جيش هزم أقوى الجيوش العربية فى ستة أيام، لا أراها إلا خروجا عن مراعاة مشاعر المصريين.
بعيدا عن تصنيف الدولة المصرية لحماس بأنها إرهابية، لكن الطفح الإعلامى وحالة الشذوذ عن الأعراف وثوابت المجتمع التى نراها على الشاشات فى البيوت. وخصومة أجهزة الدولة للمقاومة تدمر الدور التاريخى لمصر تجاه القضية والخاسر الوحيد فى الحرب الآن على غزة هم النظام السياسى فى مصر الذى يعود الآن (بخفى حنين) بعد إحداث حالة التوافق بين قوى المقاومة، لعدم التراجع على شروط إنهاء الحرب، وبعد المؤتمر الصحفى الأخير لرئيس المكتب السياسى لحركه حماس.
السياسة الخارجية للدولة تمثل قيمتها السيادية الأساسية، من خلال علاقاتها الدولية، وترتكز فى بنيتها على استقلال الدولة، وقرارها السياسى ومدى امتلاكها الإرادة الحرة التى تمكّنها من صناعة السياسة الخارجية، وتشكيل آلياتها وتحديد مساراتها وتوجهاتها، طبقا لأهداف الدولة، وأبعاد أمنها القومي.
هنا أقول: إن مصر سوف تعانى عزلة سياسية وعدم قناعة بها من الحكومات الخارجية على المدى القريب، فالخاسر الأكبر من الصراع الدائر الآن فى غزة هو الدور الإقليمى والدولى لمصر؛ لأنه حتما المقاومة سوف تنتصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب

عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب 14/10/2024|آخر تحديث: 14/10/20...