هل تفقد مصر أغلى ما تملك (قناة السويس)؟
بقلم: محمد الشبراوى
منذ 12 ساعة
عدد القراءات: 335
وقد جاء الإعلان عن المشروع في احتفالية واكبها صخب اعلامي غير مسبوق يصف الحدث بأنه تاريخي، وأن السيسي نجح فيما فشل فيه مبارك ومرسي.
ورغم هذا الصخب الإعلامي في تناول الحدث والعناوين البراقة العريضة التي ملأت سائر وسائل الإعلام إلا أن السمة المميزة للإعلان عن هذا المشروع هو شحوب التفاصيل وبالأحرى اختفاؤها فلم يكن هناك ثمة تفاصيل عن المشروع والتي كان واضحا من الاحتفاء الصاخب به تبييت النية لمداراتها على خلاف ما هو واجب في مثل هذه المشروعات الكبرى، والتي تتطلب نقاشا مجتمعيا، ودراسات عميقة لكافة جوانب المشروع من الناحية القانونية والاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها من تمويل وملكية وتنفيذ وخلافه، وتطرح بشفافية على الشعب الذي سيتحمل تبعاتها إن باءت بالفشل. وهذا للإنصاف ما كان يسير فيه الدكتور محمد مرسي عندما طرح هذا المشروع والذي قوبل بعاصفة هوجاء ممن يهللون للمشروع الآن.
قبل الإعلان عن هذا المشروع كانت جريدة المصري اليوم القريبة من النظام قد نشرت على لسان أحد المصادر القضائية الرفيعة أن الحكومة المصرية أرسلت إلى مجلس الدولة المصري عقود المشروع لمراجعتها والتي بحسب المصدر جاءت خالية من أي بيانات أو مستندات تمكن المجلس من الإفتاء فيها وبيان مدى قانونيتها.
وبالرجوع قليلا إلى الوراء قبل تولى السيسي رئاسة الجمهورية كان الرئيس المؤقت عدلي منصور قد أصدر تعديلات قانونية تحصن العقود التي تبرمها الدولة من الاعتراض عليها مهما أصابها من بطلان وعوار. مما يعني من وجهة نظري أن تحضيرا قانونيا كان حاضرا بقوة لأجل حزمة من عقود مشروعات خطيرة يُراد تمريرها بأي شكل كانت على رأس أجندة النظام المصري منذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز2013 ومنها هذا المشروع وكانت تنتظر لاالوقت المناسب لإعلانها.
ما سبق يعطينا مؤشرًا واضحا عن الطريقة التي تدار بها الدولة المصرية وستدار بها مستقبلًا كما انه يثير لدينا العديد من التساؤلات الهامة نطرح بعضا منها وفقا لما توفر من معلومات وبناءا على ما طرحه السيسي في خطابه حول هذا المشروع.
أولا: بحسب ما نقلته رويترز بتاريخ 3 أغسطس/آب أن مصدرين بالجيش أكدا اختيار الفرع السعودي لشركة دار الهندسة لتقوم مع القوات المسلحة بتنفيذ المشروع كما أبلغ مصدر حكومي رويترز (أن تحالف دار الهندسة سيفوز بالمشروع على الأرجح فالجيش شريك محلي في الشركة من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة).
فعلى أي أساس تم اختيار دار الهندسة السعودية تحديدا لتمنح هذا المشروع دون غيرها والتي يشير البعض إلى أنها في الوقت الحالي صارت شراكة بين الملك عبدالله ملك السعودية وبين مؤسسها المهندس الفلسطيني الأصل كمال الشاعر.
ثانيا: المشروع بحسب المعلومات المتوفرة هو إقامة تفريعة شرقية لازدواج القناة بطول 30 كيلو متر بين البلاح والدفرسوار إضافة إلى تعميق أماكن ركن سفن قافلة الشمال عرضيا في البحيرات المرة حتى تمر سفن قافلة الجنوب بإجمالي أطوال مواضع ركن تقدر بحوالي 42 كيلو متر. فإذا كان هذا هو المطروح فإنه بحسب الخبراء لا يتطلب أية تعديلات في البنى التحتية حول القناة كما أن هيئة قناة السويس والتي أنشأت تفريعتين للقناة عام 1980 بأطوال تزيد ثلاث مرات عن التفريعة الجديدة قادرة بدون أدنى أشك على إقامة التفريعة الجديدة ومن ثم فإن التساؤل الكبير هنا لماذا يسند المشروع لجهات خارجية.
كما أن تكلفة أعمال حفر قناة بطول ثلاثين كيلو مترا وفقا للعديدَ من الخبراء يمكن لدخل قناة السويس أن يغطيه حيث لا تزيد التكلفة وفقا لهؤلاء عن 150 مليون دولار مما يعنى ان هناك مبالغات شديدة حول حجم المشروع وتكاليفه، فلماذا هذه المبالغة وإلى أي شيء تهدف!؟
ثالثا: غالبية المصريين بدون شك لا يعلمون أن المدخلين الشمالي والجنوبي للقناة مؤجران لمدة 49 عاما منذ 2009، فالشمالي مؤجر لشركة ميرسك الدنماركية بسمسرة قطرية والجنوبي لشركة دبي العالمية للموانئ التي كانت شركة بي أند أو البريطانية. لذلك فإن المتاح للتعاقد هو مجرى القناة أو جزء منه. ومن الجدير بالذكر أن التفريعة الجديدة حال إنشائها لن تمثل دخلا إضافيا في رسوم عبور القناة إذ أن السفن العابرة لن تدفع رسوما إضافية لمجرد المرور منها وهذا يطرح العديد من التساؤلات حول عمليات التمويل والدخل الذي سيسددها.
رابعا: خطاب الحكومة المصرية وخطاب السيسي والتناول من قبل إعلام النظام المصري لا أجده بريئا في الخلط بين تكلفة محدودة للتفريعة التي سيتم إنشاءها وبين تكاليف مشروع تنمية محور القناة والتي لا نعلم عنها شيئا، وهذا تساؤل آخر يلح على الأذهان.
خامسا: البنك الدولي كان حاضرا في خطاب السيسي حول مشروع محور قناة السويس حيث ذكر أنه طلب من البنك الدولي ترشيح شركة لتقييم العروض الهندسية المقدمة لمشروع تطوير قناة السويس.
من هنا فالكلام حرفيا ليس لي ولكنه لمؤسس موقع المعرفة رجل الأعمال والمحاضر (نائل الشافعي) في إطار تحليله لخطاب السيسي حول المشروع حيث يقول.
(ولما كانت الحلول السياسية وليست الهندسية هي تخصص البنك الدولي وتطرق السيسي في نفس الفقرة من خطابه لأهمية إنجاز شبكة من الطرق الجديدة (الخاصة بالتقسيم الجديد للمحافظات) في خلال عام، ثم تطرقه في نفس الفقرة لأهمية ترشيد استهلاك مياه الري، ثم ختم تلك الفقرة بوجوب استعداد المصريين لتحمل ثلاث سنوات من شح المياه أثناء ملأ خزان سد النهضة-وذلك يعني أننا رضخنا لمطالب إثيوبيا بالكامل دون أي تفاوض معها. كل ذلك مما يدفعنا للتخمين أن المشاريع الثلاث هي جزء من حزمة مشاريع وسياسات مقترحة من البنك الدولي مع خفض الدعم). انتهى الاقتباس.
سادسا: انعدام الشفافية التي تحيط بالإعلان عن المشروع والخلط غير البريء بين مشروع التفريعة ومشروع التنمية وعدم وجود دراسات جدوى وعمليات التمويل والإسناد المباشر للقوات المسلحة ودار الهندسة السعودية والعقود التي لا تحتوي على ثمة مستندات وطرق التمويل والسداد والأرقام المليارية ما بين الثمانية والثمانين مليارا التي ذكرها السيسي وفساد متجذر وانهيار لثوابت استراتيجية منذ الثالث من يوليو وهيمنة دولية وارتماء في أحضان البنك الدولي كل ذلك يؤجج المخاوف من الانزلاق نحو خصخصة قناة السويس والتي يسعى لها البنك الدولي منذ سبعينات القرن الماضي وواصل في نفس الطريق نظام مبارك. فهل ما يتم الآن هو محاولات لفرض هذا الأمر تدريجيا حتى يصبح واقعا لا مفر منه أعتقد أن الأيام القادمة ستحمل الإجابة الواضحة على ذلك غير أن الإرهاصات قد لا تبشر بخير.
لقد طرح الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي هذا المشروع من قبل ولكن وفق رؤية اقتصادية مدعوما بخبراء ومتخصصين ووفقا للطرق المنهجية المتبعة في مثل هذه المشروعات الضخمة وواكب ذلك اهتمام من دول ثقيلة اقتصاديا كالصين وتركيا لإنشاء مشروعات ضخمة على هامش محور التنمية.
ما سبق هو قليل جدا من كثير من التساؤلات الكبرى حول هذا المشروع والتي طرحها الكثيرون غيرنا حول الجوانب المختلفة لمشروع ما يسمى (قناة السويس الجديدة) تحتاج إلى إجابات شفافة،
فالقرارات الكبرى في حياة الأمم لن يكابد تبعاتها أو يجنى ثمارها إلا شعوبها لذلك لابد أن تكون الشعوب مصدر قراراتها. ويوم أن تصبح الشعوب على الهامش ولا قيمة لرأيها فإن هذا أسرع الطرق للسقوط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق