مجدي حسين يكتب: خلافنا مع الإخوان (7) (الحلقة الأخيرة)
الاستقلال.. مشروع بديل لتصحيح مسار الثورة
بقلم: مجدى حسين
منذ 5 يوم
عدد القراءات: 3529
نعم كانت نية الأمريكان والأوروبيين أن يزاح الإخوان من الرئاسة، ثم يتم التوصل إلى صيغة تبقيهم فى النظام السياسى: فى الوزارات ومجلس الشعب وفى الحياة السياسية عمومًا، وهى صيغة طبقت بنجاح "أمريكى" فى المغرب مع حزب العدالة والتنمية الذى يشكل الوزارة فى حين أن كل السلطات فى يد القصر الملكى. وهى صيغة مستمرة فى باكستان منذ عشرات السنين؛ حيث يتولى الجيش مهام الرئاسة، والدفاع، والخارجية، والأمن القومى والداخلى؛ ويترك الوزارة ومجلس النواب للأحزاب. وكان إخوان مصر موافقين على هذه الصيغة منذ البداية، ولكنهم رفضوا أن يتحولوا إلى مجرد طراطير فى مجلس الشعب رغم أنهم قدموا للعسكر وغيرهم تنازلات كثيرة فى شتى المجالات، خلال الممارسة البرلمانية ولكنهم وجدوا أن العسكر يريدون أن يستخدمونهم بنفس طريقة نواب الوطنى. ورفض الإخوان –ونحن نذكر لهم ذلك- فحلوا المجلس، فترشح الإخوان للرئاسة، كرد على ذلك.
الآن أصبح صعبًا أن يطرد الإخوان من الرئاسة ثم لا يعودون إليها. هناك مسألة كبرياء وكرامة ومكانة (برستيج) تنهى هيبة الإخوان. فرغم أنهم وافقوا على هذه الصيغة فى أول الثورة (أن يكتفوا بالمجلس والمشاركة فى الوزارة إلا أنه الآن أصبح من قبيل الإذلال أن يطردوا من الرئاسة، ويصبحوا بلا سلطات حقيقية فى المجلس أو الوزارات. وقد أبلغوا بهذا الحل منذ اليوم الأول للإطاحة بمرسى. بل قبل الإطاحة بمرسى ضغط الأمريكان؛ لتعيين البرادعى رئيسًا للوزراء، وكانت محاولة صريحة لتطويق مرسي من أسفل، ولكنه رفض. بعد الإطاحة كان كل مبعوثى أمريكا وأوروبا وعلى رأسهم أشيتون (وهى فى الحقيقة تأتى لتمثل أوروبا وأمريكا) يطرحون على مرسي والإخوان فكرة ترك الرئاسة وممارسة السياسة دون ذلك، ولكن الإخوان اعتبروا هذا إذلالاً، ورفضوا كل الصيغ بما فيها تشكيل الحكومة برمتها تحت رئاسة السيسى. وكان ذلك قبل مذبحة رابعة، وكان هيكل أحد الوسطاء فى هذا، ولكنه فى الأساس موقف أمريكى – أوروبى .
ورغم رفض الإخوان لاعتبارات الهيبة والمكانة... إلخ إلا أنهم أدركوا فى نفس الوقت أن أمريكا وأوروبا باقيتان عليهم، وبالتالى فقد يصدرون بيانات عتاب من حين لآخر وتوجه لأشخاص (أشيتون – كيري) ولا توجه لحكوماتهم!! بما يعكس أن الإخوان تركوا الأبواب مفتوحة؛ والحوار لا ينقطع داخل وخارج مصر بين الإخوان وأمريكا وأوروبا. وأمريكا لا تريد التضحية بالسيسى، ولكنها ترى أنه يستخدم جرعات عالية فى ضرب الإخوان: رابعة – الإعدامات الكثيرة – الاعتقالات الواسعة، وهم يرون أن هذه الوسائل لا تساعد فى الوصول إلى حل أو إلى تسوية أو مصالحة. فالوضع الأمثل بالنسبة إلى الغرب، هو أن يظل السيسى والعسكر فى السلطة رقم 1 والإخوان رقم 2 والسيسى لا يقبل بهذا الحل. والإخوان يرفضون أكثر هذا الحل. فربما وافقوا على عسكرى آخر ولكن ليس السيسى. وهذا سبب انتقادات الغرب بين حين وآخر لانتهاكات حقوق الإنسان فى مصر. وسبب عدم وجود علاقات طبيعية بين النظام الحالى ودول الغرب .
ونحن نرفض هذه اللعبة المثلثة (عسكر – إخوان – أمريكان)، فهى ساقية لن تؤدى إلى أى شيء مفيد للبلد، بل تحرف مسار الأنظار عن المشكلة الرئيسية: وهى ضرورة استئصال النفوذ السرطانى الأمريكى من البلد؛ باعتباره أس البلاء. وعزل كل من يتمسك بهذه العلاقة المريضة والمشوهة معها. نحن سنقيم -بإذن الله- دولتنا المستقلة العزيزة ثم نتعامل مع أمريكا أو لا نتعامل وبأى مستوى وفقًا لمصالحنا ووفقًا لمواقف أمريكا من مصر والأمة العربية والإسلامية. وهى أمور محددة قواعدها فى القرآن الكريم، وسنتناول ذلك -إن شاء الله-.
تحول الإخوان المسلمين من حزب إسلامى إلى حزب براجماتى ( أي سياسى عملى بدون ضوابط عقائدية ) جرى بالتدريج، ونحن لا ننزع عن الإخوان الصفة الإسلامية والعياذ بالله، ولا نملك ذلك ولكنه نزوع نحو البرجماتية ( العملية ) بصورة متزايدة .
وقد كان من مفاجآت العمل السياسى الإخوانى فى أواخر عهد مبارك أنهم أعلنوا عن برنامج حزب سياسى، قام المرشد العام بإلقائه فى نقابة الصحفيين لم يكن يمت للإسلام بصلة، ولو قرأه أى سياسى بدون معرفة من أصدره، فلا يمكن أن يتصور أنه صدر عن الإخوان أو أى تنظيم إسلامى. بل هو برنامج ليس لحزب سياسى تقليدى بل برنامج بلا لون ولا طعم ولا رائحة؛ وذلك من شدة رغبة الإخوان فى عدم إغضاب أحد، أو لشدة رغبتهم فى إخفاء آرائهم الحقيقية.
وما يهمنا الآن موقف الإخوان الراهن من الغرب، وهم يقولون صراحة لقواعدهم: نعم نحن لا نهاجم أمريكا والغرب؛ حتى لا نفتح جبهة جديدة وتكفينا جبهة العسكر، ونحن نحتاج الغرب؛ لتخفيف ضربات العسكر. وهنا يبدو الفصل التعسفى بين السلطة الراهنة وأمريكا، وكأنهما طرفان مختلفان، وهذا تغافل عن أن السلطة الراهنة امتداد بسيط لحكم مبارك التابع. كما تظهر الاستعانة بأمريكا والغرب فى الصراع الداخلى .
والحقيقة أن القرآن الكريم اهتم بقضية موالاة أعداء الإسلام، وجعلها فى الأولوية القصوى، وحرمها تحريمًا شديدًا، وأنذر بأن هذه الموالاة تخرج من العقيدة فى عشرات الآيات .
وقد حدد القرآن جبهة المجاهدين الإسلاميين بدقة شديدة لا تحتمل أى لبس: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، فالقيادة المجاهدة هى امتداد للنبى (صلى الله عليه وسلم)، ولا تعتمد إلا على الله - سبحانه وتعالى- وهو القوة الجبارة القاهرة، وعلى المؤمنين ولا يوجد طرف ثالث. قد توجد اضطرابات وخلافات فى صفوف الخصوم، ولكن لا توجد تحالفات أو تعاون مع أى طرف منهم .
إذن فى مواجهة قوة العسكر ليس أمامى سوى الاعتماد على الله وجموع المؤمنين من الشعب المصرى. (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) . ولذلك فإن اللجوء إلى رئيس وزراء بريطانيا ( معقل الصهيونية والماسونية )، ثم مجلس العموم البريطانى، وغيرها من برلمانات الغرب؛ للحصول على شهادة حسن سير وسلوك وبراءة من الإرهاب، هو تورط فى غير محله ينعكس على الموقف الأصلى فى مصر: هل ستقيم دولة إسلامية بهذا الأسلوب فى مصر؟ سيقولون: ليس الآن. ولكن إلى متى سنظل نؤجلها وما هو المسوغ الشرعى لذلك فى القرآن والسنة ؟ تأجيل الدولة الإسلامية، يعنى تأجيل العقيدة ! وهذا أمر غير وارد. نحن نسعى لدولة إسلامية بإقناع الشعب المصرى، وحسن عرض الحل الإسلامى؛ وليقتنع الشعب وقت ما يقتنع، ولكننا لا نؤجل الإسلام، الذى هو مبرر وجودنا فى الدنيا كإسلاميين، وهو معبرنا الوحيد للخلود فى الآخرة فى الجنة .
لا أدرى ماذا تفهم قيادة الإخوان من هذه الآيات، وماذا ترى من الواجبات العملية التى تعكسها (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) آل عمران 28 . أو هذه الآية التى تحرم اللجوء إلى مستشارين أجانب أو مؤسسات دولية؛ لبحث الأوضاع الاقتصادية كصندوق النقد والبنك الدولى أو الجيش الأمريكى، الذى ينفق على الجيش المصرى ويدربه ويعرف كل أسراره (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا...) آل عمران 118 وفي نفس السورة اقرأ هذا البيان (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران 138-142 ألا ينطبق كل حرف على الوضع الراهن. وتابع حتى الآية 153. وينهانا الله عن التحاكم لأمريكا والغرب فى خلافاتنا (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ) النساء 60. (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ،أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) النساء 139 .
ومن العجيب إذن أن نجد إسلاميين ينتظرون الإنصاف والعدل من مؤسسات الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، وكل مؤسسات حقوق الإنسان فى الغرب، فسينتظرون كثيرًا.. ويخسرون كل شيء . نتابع والتفاصيل فى كتاب ( أحكام القرآن فى موالاة الكفار والمشركين ) .
نواصل هنا الأساس العقائدى المرجعى من القرآن الذى يحرم موالاة أمريكا وعملائها، ونحن نكتب وفقًا لتسلسل الآيات كما وردت فى المصحف الذى بين أيدينا, يواصل القرآن تصعيده ضد هذه الجريمة ويصمها بالنفاق وأن المنافقين فى النار.. نقصد جريمة موالاة الكفار والمشركين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) ( النساء 144-145 ) ثم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ( المائدة 51 ) ثم يصف هؤلاء بالمرتدين في الآية 54 . ونقرأ الآية 52 بسورة المائدة، وكأننا نسمع نص ما يقال فى الإعلام هذه الأيام، فموضوع التخويف من إسرائيل وأمريكا هو السائد وأننا لا نملك مواجهة أى منهما ومن الفطنة الخضوع والركوع لهما (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ( أي اليهود والنصارى ) يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ( كغزوة غزة لدن إسرائيل مثلاً ) أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ
هذه حملة هوجاء من معظم العلمانيين والعسكريين والإسلاميين، تقول للناس لا قبل لنا بأمريكا وإسرائيل ولنؤجل هذا الموضوع الآن هذا رأي معظم النخبة، ولا نقول الإخوان وحدهم، ولكننا نحملهم المسؤولية كأكبر تنظيم إسلامى أكثر من غيرهم .
ثم يأتي إعلام الفضائيات وغيرها فى يد الحكومة، والعلمانيين، ودول الخليج، والعسكريين، والأمريكان؛ ليقود هذه الحملة دائمًا.. حتى أنهم أثناء حرب غزة الأسطورية الأخيرة، بذلوا المستحيل لإخفاء إنجازات حماس، ولكن كان من المستحيل إخفاء الشمس .
وتواصل سورة المائدة (إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) 55 وهي نفس الجبهة التي قلنا عنها في الحلقة السابقة، وتم وصفها بأنها حزب الله ( المائدة 56 )، ثم نهى آخر عن موالاة أهل الكتاب والكفار الذين يستهزئون بديننا ( المائدة 57 ) بالأقلام ورسوم الكاريكاتير والسخرية من عملية الصلاة نفسها. ( المائدة 58 ).
راجعوا الإعلام الأمريكي، وماذا يقول القساوسة الرسميين للكنيسة الأساسية في أمريكا ( المعمدانية اليهودية)، التي تخرج معظم رؤساء أمريكا.
أما الآية 82 من المائدة، فهي تلزمنا برفض كامب ديفيد (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) إن خطورة كامب ديفيد وما أعبثها من معاهدة السلام هذا النص الصريح في كليهما على الاعتراف النهائي لإسرائيل، حتى بدون حدود واضحة. وقد كانت كارثة حين أعلن الإخوان التزامهم بهذه الاتفاقات منذ ما قبل الثورة؛ لأن هذا يعني الاعتراف بإسرائيل .
وما حدث من استغلال لخطاب مرسي لبيريز، وتحويله إلى مادة سخرية لم يجعلنا نركز على الأمر الأكثر خطورة .
فإن خطاب مرسي لم يكن خطأ او سهوًا ( فهذا مستحيل في هذا المقام )، بل كان تنفيذا لالتزام الإخوان بالاتفاقات الدولية إياها ! وأخطر ما في الخطاب ليس كلمة (عزيزي)، ولكن السطر الأخير الذي تمنى فيه مرسي لبيريز السعادة والرخاء والرفاهية لوطنه!! وهذا هو الاعتراف بإسرائيل. الذي تواكب مع استمرار التنسيق الأمني والسياحة والكويز والتعاون الزراعي والطيران المدني... إلخ لأن التطبيع منصوص عليه في الاتفاقية المشؤومة. التلاعب بالكلمات هنا لا يجوز، فالعقائديون يعلمون معنى " الكلمة ". لقد ضاعت فلسطين بكلمة ( وعد بلفور )، وسيضيع الإسلاميون فلسطين بكلمة عندما يقولون ( نحن ملتزمون بالاتفاقات الدولية ) !! ومن يفهم في السياسة الدولية يعلم أن الاتفاقات الدولية لا يحترمها إلا الضعفاء أما الأقوياء، فيلتزمون بها عندما تكون في مصلحتهم فحسب، وتاريخ العالم مليء بالاتفاقات التي تم إلغاؤها رسميًّا أو فعليًّا. ولكن في مصر أدخل الإعلام أو أدخلت النخبة ( وليس الإخوان فحسب ) في روع الشعب المصري أن إلغاء كامب ديفيد ستعني نهاية مصر.. وتدمير مصر.. وانهيار مصر.. وهو خط إعلامي أخطر علينا من الجيش الإسرائيلي .
سنتوقف هنا؛ لأن ( كامب ديفيد تحتاج لحلقات خاصة، وهي لا تخص الإخوان وحدهم بل مجمل النخبة، ومن ثم الشعب الذي تعرض ولا يزال لموجات إعلامية تضليلية في هذا الموضوع منذ قرابة 37 سنة).
لم يعد يطالب من الأحزاب بإسقاط كامب ديفيد سوى حزب الاستقلال ( في حدود علمنا )، وأفراد وشخصيات قليلة جدًّا ومجموعات شبابية غير مستقرة، وهي بالأحرى تتحدث في قضية التبعية، ولا تتحدث في شعار إسقاط كامب ديفيد. المهم أننا نختم هذه السلسلة -بإذن الله- ونسأل الله أن ترى النور بالتأكيد على أن ما بيننا وبين الإخوان المسلمين وباقي الإسلاميين القرآن الكريم في موضوع أمريكا وإسرائيل. ومسألة عدم شرعية تأجيل مواجهتهما سياسيًّا وشعبيًّا؛ وأيضًا مسألة أن الحكم الحالي امتداد لحكم مبارك، وأن من يحكم مصر عمليًّا في القرارات الكبرى، هما ( واشنطن - تل أبيب ) . وإن تأجيل المواجهة معهما، معناها تأجيل مشكلة مصر الحقيقية التي سقطت في براثنهما بتوقيع هذه المعاهدة المشؤومة. والقرآن الكريم بيننا وبين الإسلاميين؛ لأنه حرم مطلقًا وفي كل الظروف موالاة الكفار والمشركين من دون المؤمنين .
أما (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)، فالمقصود بها لحظات عابرة في مواقف عابرة، وهي تقية باللسان لا بالقلب ولا بالعمل، وتنتهي فور انتهاء الموقف، ولا تستمر 37 عامًا !! ( راجع دراسة أحكام القرآن في موالاة الكفار ) في شرح هذا الشطر من الآية الكريمة. إذن القرآن يحرم مطلقًا أي تعاون أو حوارات ودية أو استعانة بالكفار في طريقنا لبناء الدولة الإسلامية، والمقصود هنا: الكفار المحاربون؛ حتى لا يقال إن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) استعان بكافر كدليل في الهجرة، فهذا شخص واحد وغير محارب، ومقارنته بالولايات المتحدة كدولة عظمى قياس فاسد، الولايات المتحدة التي تقتل المسلمين كل يوم بالعشرات.. أو تساعد على ذلك: فالمتظاهرون في مصر يموتون بسلاح أمريكي - أمريكا تقتل المسلمين في اليمن وباكستان وأفغانستان، والآن تقصف في العراق، وعلى وشك أن تقصف سوريا ، وتقتل المسلمين في ليبيا واليمن والصومال بطائرات بدون طيار، وهي السند الرئيسي لإسرائيل في قتل الفلسطينيين واحتلال القدس وباقي الأراضي الفلسطينية. أمريكا هذه لا يمكن التحاور معها؛ بهدف الاستعانة بها لتصحيح الأوضاع في مصر، وإجراء أي تعديلات سياسية، فهذا عمل فاسد لن يفيد إلا في تأكيد أن أمريكا تحكم مصر، وأنها الحَكَم بين الإخوان والعسكر، بل إذا تمكن الإخوان والعسكر من الوصول إلى أي اتفاق يكون أفضل، شريطة إخراج أمريكا من المعادلة السياسية المصرية نهائيًّا، ولكن مع الأسف، فإن كل طرف يفضل بقاء أمريكا في المعادلة؛ بشرط أن تكون معه أولاً !! وهذه هي كارثة العمل السياسي في مصر منذ ما قبل ثورة 2011، ومعظم العلمانيين يفكرون بنفس الطريقة، وعديد من الإسلاميين وليس الإخوان وحدهم ظنوا أن هذه من حسن الفطن وأن الدهاء السياسي يعني أن نلعب مع أمريكا ! ولكننا سنظل نصدع ونصدح بالحق حتى وإن كنا وحدنا.. موقنين أن الشعب وشرفاء النخبة سيجتمعون يومًا ما على هذا الموقف؛ نرجو أن يكون قريبًا .. نسأل الله العلي القدير التوفيق الذي يعلم صدق نوايانا، وأننا لا نبغي إلا وجهه الكريم ونصرة دينه.
الآن أصبح صعبًا أن يطرد الإخوان من الرئاسة ثم لا يعودون إليها. هناك مسألة كبرياء وكرامة ومكانة (برستيج) تنهى هيبة الإخوان. فرغم أنهم وافقوا على هذه الصيغة فى أول الثورة (أن يكتفوا بالمجلس والمشاركة فى الوزارة إلا أنه الآن أصبح من قبيل الإذلال أن يطردوا من الرئاسة، ويصبحوا بلا سلطات حقيقية فى المجلس أو الوزارات. وقد أبلغوا بهذا الحل منذ اليوم الأول للإطاحة بمرسى. بل قبل الإطاحة بمرسى ضغط الأمريكان؛ لتعيين البرادعى رئيسًا للوزراء، وكانت محاولة صريحة لتطويق مرسي من أسفل، ولكنه رفض. بعد الإطاحة كان كل مبعوثى أمريكا وأوروبا وعلى رأسهم أشيتون (وهى فى الحقيقة تأتى لتمثل أوروبا وأمريكا) يطرحون على مرسي والإخوان فكرة ترك الرئاسة وممارسة السياسة دون ذلك، ولكن الإخوان اعتبروا هذا إذلالاً، ورفضوا كل الصيغ بما فيها تشكيل الحكومة برمتها تحت رئاسة السيسى. وكان ذلك قبل مذبحة رابعة، وكان هيكل أحد الوسطاء فى هذا، ولكنه فى الأساس موقف أمريكى – أوروبى .
ورغم رفض الإخوان لاعتبارات الهيبة والمكانة... إلخ إلا أنهم أدركوا فى نفس الوقت أن أمريكا وأوروبا باقيتان عليهم، وبالتالى فقد يصدرون بيانات عتاب من حين لآخر وتوجه لأشخاص (أشيتون – كيري) ولا توجه لحكوماتهم!! بما يعكس أن الإخوان تركوا الأبواب مفتوحة؛ والحوار لا ينقطع داخل وخارج مصر بين الإخوان وأمريكا وأوروبا. وأمريكا لا تريد التضحية بالسيسى، ولكنها ترى أنه يستخدم جرعات عالية فى ضرب الإخوان: رابعة – الإعدامات الكثيرة – الاعتقالات الواسعة، وهم يرون أن هذه الوسائل لا تساعد فى الوصول إلى حل أو إلى تسوية أو مصالحة. فالوضع الأمثل بالنسبة إلى الغرب، هو أن يظل السيسى والعسكر فى السلطة رقم 1 والإخوان رقم 2 والسيسى لا يقبل بهذا الحل. والإخوان يرفضون أكثر هذا الحل. فربما وافقوا على عسكرى آخر ولكن ليس السيسى. وهذا سبب انتقادات الغرب بين حين وآخر لانتهاكات حقوق الإنسان فى مصر. وسبب عدم وجود علاقات طبيعية بين النظام الحالى ودول الغرب .
ونحن نرفض هذه اللعبة المثلثة (عسكر – إخوان – أمريكان)، فهى ساقية لن تؤدى إلى أى شيء مفيد للبلد، بل تحرف مسار الأنظار عن المشكلة الرئيسية: وهى ضرورة استئصال النفوذ السرطانى الأمريكى من البلد؛ باعتباره أس البلاء. وعزل كل من يتمسك بهذه العلاقة المريضة والمشوهة معها. نحن سنقيم -بإذن الله- دولتنا المستقلة العزيزة ثم نتعامل مع أمريكا أو لا نتعامل وبأى مستوى وفقًا لمصالحنا ووفقًا لمواقف أمريكا من مصر والأمة العربية والإسلامية. وهى أمور محددة قواعدها فى القرآن الكريم، وسنتناول ذلك -إن شاء الله-.
تحول الإخوان المسلمين من حزب إسلامى إلى حزب براجماتى ( أي سياسى عملى بدون ضوابط عقائدية ) جرى بالتدريج، ونحن لا ننزع عن الإخوان الصفة الإسلامية والعياذ بالله، ولا نملك ذلك ولكنه نزوع نحو البرجماتية ( العملية ) بصورة متزايدة .
وقد كان من مفاجآت العمل السياسى الإخوانى فى أواخر عهد مبارك أنهم أعلنوا عن برنامج حزب سياسى، قام المرشد العام بإلقائه فى نقابة الصحفيين لم يكن يمت للإسلام بصلة، ولو قرأه أى سياسى بدون معرفة من أصدره، فلا يمكن أن يتصور أنه صدر عن الإخوان أو أى تنظيم إسلامى. بل هو برنامج ليس لحزب سياسى تقليدى بل برنامج بلا لون ولا طعم ولا رائحة؛ وذلك من شدة رغبة الإخوان فى عدم إغضاب أحد، أو لشدة رغبتهم فى إخفاء آرائهم الحقيقية.
وما يهمنا الآن موقف الإخوان الراهن من الغرب، وهم يقولون صراحة لقواعدهم: نعم نحن لا نهاجم أمريكا والغرب؛ حتى لا نفتح جبهة جديدة وتكفينا جبهة العسكر، ونحن نحتاج الغرب؛ لتخفيف ضربات العسكر. وهنا يبدو الفصل التعسفى بين السلطة الراهنة وأمريكا، وكأنهما طرفان مختلفان، وهذا تغافل عن أن السلطة الراهنة امتداد بسيط لحكم مبارك التابع. كما تظهر الاستعانة بأمريكا والغرب فى الصراع الداخلى .
والحقيقة أن القرآن الكريم اهتم بقضية موالاة أعداء الإسلام، وجعلها فى الأولوية القصوى، وحرمها تحريمًا شديدًا، وأنذر بأن هذه الموالاة تخرج من العقيدة فى عشرات الآيات .
وقد حدد القرآن جبهة المجاهدين الإسلاميين بدقة شديدة لا تحتمل أى لبس: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، فالقيادة المجاهدة هى امتداد للنبى (صلى الله عليه وسلم)، ولا تعتمد إلا على الله - سبحانه وتعالى- وهو القوة الجبارة القاهرة، وعلى المؤمنين ولا يوجد طرف ثالث. قد توجد اضطرابات وخلافات فى صفوف الخصوم، ولكن لا توجد تحالفات أو تعاون مع أى طرف منهم .
إذن فى مواجهة قوة العسكر ليس أمامى سوى الاعتماد على الله وجموع المؤمنين من الشعب المصرى. (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) . ولذلك فإن اللجوء إلى رئيس وزراء بريطانيا ( معقل الصهيونية والماسونية )، ثم مجلس العموم البريطانى، وغيرها من برلمانات الغرب؛ للحصول على شهادة حسن سير وسلوك وبراءة من الإرهاب، هو تورط فى غير محله ينعكس على الموقف الأصلى فى مصر: هل ستقيم دولة إسلامية بهذا الأسلوب فى مصر؟ سيقولون: ليس الآن. ولكن إلى متى سنظل نؤجلها وما هو المسوغ الشرعى لذلك فى القرآن والسنة ؟ تأجيل الدولة الإسلامية، يعنى تأجيل العقيدة ! وهذا أمر غير وارد. نحن نسعى لدولة إسلامية بإقناع الشعب المصرى، وحسن عرض الحل الإسلامى؛ وليقتنع الشعب وقت ما يقتنع، ولكننا لا نؤجل الإسلام، الذى هو مبرر وجودنا فى الدنيا كإسلاميين، وهو معبرنا الوحيد للخلود فى الآخرة فى الجنة .
لا أدرى ماذا تفهم قيادة الإخوان من هذه الآيات، وماذا ترى من الواجبات العملية التى تعكسها (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) آل عمران 28 . أو هذه الآية التى تحرم اللجوء إلى مستشارين أجانب أو مؤسسات دولية؛ لبحث الأوضاع الاقتصادية كصندوق النقد والبنك الدولى أو الجيش الأمريكى، الذى ينفق على الجيش المصرى ويدربه ويعرف كل أسراره (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا...) آل عمران 118 وفي نفس السورة اقرأ هذا البيان (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران 138-142 ألا ينطبق كل حرف على الوضع الراهن. وتابع حتى الآية 153. وينهانا الله عن التحاكم لأمريكا والغرب فى خلافاتنا (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ) النساء 60. (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ،أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) النساء 139 .
ومن العجيب إذن أن نجد إسلاميين ينتظرون الإنصاف والعدل من مؤسسات الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، وكل مؤسسات حقوق الإنسان فى الغرب، فسينتظرون كثيرًا.. ويخسرون كل شيء . نتابع والتفاصيل فى كتاب ( أحكام القرآن فى موالاة الكفار والمشركين ) .
نواصل هنا الأساس العقائدى المرجعى من القرآن الذى يحرم موالاة أمريكا وعملائها، ونحن نكتب وفقًا لتسلسل الآيات كما وردت فى المصحف الذى بين أيدينا, يواصل القرآن تصعيده ضد هذه الجريمة ويصمها بالنفاق وأن المنافقين فى النار.. نقصد جريمة موالاة الكفار والمشركين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) ( النساء 144-145 ) ثم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ( المائدة 51 ) ثم يصف هؤلاء بالمرتدين في الآية 54 . ونقرأ الآية 52 بسورة المائدة، وكأننا نسمع نص ما يقال فى الإعلام هذه الأيام، فموضوع التخويف من إسرائيل وأمريكا هو السائد وأننا لا نملك مواجهة أى منهما ومن الفطنة الخضوع والركوع لهما (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ( أي اليهود والنصارى ) يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ( كغزوة غزة لدن إسرائيل مثلاً ) أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ
هذه حملة هوجاء من معظم العلمانيين والعسكريين والإسلاميين، تقول للناس لا قبل لنا بأمريكا وإسرائيل ولنؤجل هذا الموضوع الآن هذا رأي معظم النخبة، ولا نقول الإخوان وحدهم، ولكننا نحملهم المسؤولية كأكبر تنظيم إسلامى أكثر من غيرهم .
ثم يأتي إعلام الفضائيات وغيرها فى يد الحكومة، والعلمانيين، ودول الخليج، والعسكريين، والأمريكان؛ ليقود هذه الحملة دائمًا.. حتى أنهم أثناء حرب غزة الأسطورية الأخيرة، بذلوا المستحيل لإخفاء إنجازات حماس، ولكن كان من المستحيل إخفاء الشمس .
وتواصل سورة المائدة (إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) 55 وهي نفس الجبهة التي قلنا عنها في الحلقة السابقة، وتم وصفها بأنها حزب الله ( المائدة 56 )، ثم نهى آخر عن موالاة أهل الكتاب والكفار الذين يستهزئون بديننا ( المائدة 57 ) بالأقلام ورسوم الكاريكاتير والسخرية من عملية الصلاة نفسها. ( المائدة 58 ).
راجعوا الإعلام الأمريكي، وماذا يقول القساوسة الرسميين للكنيسة الأساسية في أمريكا ( المعمدانية اليهودية)، التي تخرج معظم رؤساء أمريكا.
أما الآية 82 من المائدة، فهي تلزمنا برفض كامب ديفيد (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) إن خطورة كامب ديفيد وما أعبثها من معاهدة السلام هذا النص الصريح في كليهما على الاعتراف النهائي لإسرائيل، حتى بدون حدود واضحة. وقد كانت كارثة حين أعلن الإخوان التزامهم بهذه الاتفاقات منذ ما قبل الثورة؛ لأن هذا يعني الاعتراف بإسرائيل .
وما حدث من استغلال لخطاب مرسي لبيريز، وتحويله إلى مادة سخرية لم يجعلنا نركز على الأمر الأكثر خطورة .
فإن خطاب مرسي لم يكن خطأ او سهوًا ( فهذا مستحيل في هذا المقام )، بل كان تنفيذا لالتزام الإخوان بالاتفاقات الدولية إياها ! وأخطر ما في الخطاب ليس كلمة (عزيزي)، ولكن السطر الأخير الذي تمنى فيه مرسي لبيريز السعادة والرخاء والرفاهية لوطنه!! وهذا هو الاعتراف بإسرائيل. الذي تواكب مع استمرار التنسيق الأمني والسياحة والكويز والتعاون الزراعي والطيران المدني... إلخ لأن التطبيع منصوص عليه في الاتفاقية المشؤومة. التلاعب بالكلمات هنا لا يجوز، فالعقائديون يعلمون معنى " الكلمة ". لقد ضاعت فلسطين بكلمة ( وعد بلفور )، وسيضيع الإسلاميون فلسطين بكلمة عندما يقولون ( نحن ملتزمون بالاتفاقات الدولية ) !! ومن يفهم في السياسة الدولية يعلم أن الاتفاقات الدولية لا يحترمها إلا الضعفاء أما الأقوياء، فيلتزمون بها عندما تكون في مصلحتهم فحسب، وتاريخ العالم مليء بالاتفاقات التي تم إلغاؤها رسميًّا أو فعليًّا. ولكن في مصر أدخل الإعلام أو أدخلت النخبة ( وليس الإخوان فحسب ) في روع الشعب المصري أن إلغاء كامب ديفيد ستعني نهاية مصر.. وتدمير مصر.. وانهيار مصر.. وهو خط إعلامي أخطر علينا من الجيش الإسرائيلي .
سنتوقف هنا؛ لأن ( كامب ديفيد تحتاج لحلقات خاصة، وهي لا تخص الإخوان وحدهم بل مجمل النخبة، ومن ثم الشعب الذي تعرض ولا يزال لموجات إعلامية تضليلية في هذا الموضوع منذ قرابة 37 سنة).
لم يعد يطالب من الأحزاب بإسقاط كامب ديفيد سوى حزب الاستقلال ( في حدود علمنا )، وأفراد وشخصيات قليلة جدًّا ومجموعات شبابية غير مستقرة، وهي بالأحرى تتحدث في قضية التبعية، ولا تتحدث في شعار إسقاط كامب ديفيد. المهم أننا نختم هذه السلسلة -بإذن الله- ونسأل الله أن ترى النور بالتأكيد على أن ما بيننا وبين الإخوان المسلمين وباقي الإسلاميين القرآن الكريم في موضوع أمريكا وإسرائيل. ومسألة عدم شرعية تأجيل مواجهتهما سياسيًّا وشعبيًّا؛ وأيضًا مسألة أن الحكم الحالي امتداد لحكم مبارك، وأن من يحكم مصر عمليًّا في القرارات الكبرى، هما ( واشنطن - تل أبيب ) . وإن تأجيل المواجهة معهما، معناها تأجيل مشكلة مصر الحقيقية التي سقطت في براثنهما بتوقيع هذه المعاهدة المشؤومة. والقرآن الكريم بيننا وبين الإسلاميين؛ لأنه حرم مطلقًا وفي كل الظروف موالاة الكفار والمشركين من دون المؤمنين .
أما (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)، فالمقصود بها لحظات عابرة في مواقف عابرة، وهي تقية باللسان لا بالقلب ولا بالعمل، وتنتهي فور انتهاء الموقف، ولا تستمر 37 عامًا !! ( راجع دراسة أحكام القرآن في موالاة الكفار ) في شرح هذا الشطر من الآية الكريمة. إذن القرآن يحرم مطلقًا أي تعاون أو حوارات ودية أو استعانة بالكفار في طريقنا لبناء الدولة الإسلامية، والمقصود هنا: الكفار المحاربون؛ حتى لا يقال إن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) استعان بكافر كدليل في الهجرة، فهذا شخص واحد وغير محارب، ومقارنته بالولايات المتحدة كدولة عظمى قياس فاسد، الولايات المتحدة التي تقتل المسلمين كل يوم بالعشرات.. أو تساعد على ذلك: فالمتظاهرون في مصر يموتون بسلاح أمريكي - أمريكا تقتل المسلمين في اليمن وباكستان وأفغانستان، والآن تقصف في العراق، وعلى وشك أن تقصف سوريا ، وتقتل المسلمين في ليبيا واليمن والصومال بطائرات بدون طيار، وهي السند الرئيسي لإسرائيل في قتل الفلسطينيين واحتلال القدس وباقي الأراضي الفلسطينية. أمريكا هذه لا يمكن التحاور معها؛ بهدف الاستعانة بها لتصحيح الأوضاع في مصر، وإجراء أي تعديلات سياسية، فهذا عمل فاسد لن يفيد إلا في تأكيد أن أمريكا تحكم مصر، وأنها الحَكَم بين الإخوان والعسكر، بل إذا تمكن الإخوان والعسكر من الوصول إلى أي اتفاق يكون أفضل، شريطة إخراج أمريكا من المعادلة السياسية المصرية نهائيًّا، ولكن مع الأسف، فإن كل طرف يفضل بقاء أمريكا في المعادلة؛ بشرط أن تكون معه أولاً !! وهذه هي كارثة العمل السياسي في مصر منذ ما قبل ثورة 2011، ومعظم العلمانيين يفكرون بنفس الطريقة، وعديد من الإسلاميين وليس الإخوان وحدهم ظنوا أن هذه من حسن الفطن وأن الدهاء السياسي يعني أن نلعب مع أمريكا ! ولكننا سنظل نصدع ونصدح بالحق حتى وإن كنا وحدنا.. موقنين أن الشعب وشرفاء النخبة سيجتمعون يومًا ما على هذا الموقف؛ نرجو أن يكون قريبًا .. نسأل الله العلي القدير التوفيق الذي يعلم صدق نوايانا، وأننا لا نبغي إلا وجهه الكريم ونصرة دينه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق