4 مشاهد بسيناريو "التسريبات".. التوقيت والأهمية والوقع والتأثير
30/12/2014 12:19 م
عندما ابتلى الله الفئة المؤمنة فى زمن النبوة كان العزاء يأتى سريعا والتوضيح يلحق به والتأكيد على الفرج والنصر واليسر يعقبه على مهل، لذلك كان النتاج مجتمع الفضيلة، والمحصلة مدينة متجانسة مترابطة متلاحمة.. والأمر لا يرتبط بطبيعة الحال بتلك الحقبة المضيئة فى تاريخ الأمة ولا يتعلق فقط بوجود الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين ظهرانيهم، وإنما هى سنة كونية تتعلق بالتداول والفرز والتمحيص، بل الحساب عن النية والرغبة.
لذلك يخطئ من يظن أن الانقلاب الذى ضرب مصر فى 3 يوليو 2013 هو شر محض أو خسارة فادحة أو كلفة باهظة، لأن التمكين لا يأتى إلا بعد جلد وتأسيس المدينة الفاضلة يسبقه دائما عملية الفرز، وهو ما حققه خيانة العسكر للقائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس الشرعى للبلاد، بعدما تكشف الستار عن المنافقين والأفاقين وسقط القناع عن المتلونين والمتاجرين وعرف أنصار الشرعية من هم فى صف الحق ومن هم دعاة الحرية الزائفة والديمقراطية المزورة والمدنية اللقيطة.
ومع فضح النخب على رؤوس الأشهاد بعدما كفروا بما نادوا به وانقلبوا على ما أعلنته الصناديق وقلبوا الطاولة على رؤوس الجميع، وهدوا المعبد على من فيه من دعاة المدنية من متلونى اليسار وبنى علمان والليبراليين ومن على شاكلتهم ومن سار فى كنفهم أو ظن أنه بذلك دخل فى زمرة الثوار أو ارتدى عباءة الحرية وأخذ وسام الوطنية.
ولم يقف بطبيعة الحال تبعات الانقلاب عند سقف من احتكر لنفسه العلم المطلق بقواعد العالم الحديث وآليات الديمقراطية، وإنما أكد أن التيار الإسلامى ليس على قلب رجل واحد بعدما اندس بين الصفوف من هم يحمل الأسم والسمت والقول ذاته إلا أن القلوب لا يعلم من بداخلها إلا من قال "وليمحص الله الذين أمنوا ويمحق الكافرين" فخرج من يدافع عن القتل ويبرر الدم ويفتى بإهدار الدماء ويفصل الدين على مقاس العسكر ويضفى النبوة على قائد الانقلاب وربما يقنع الناس بأنه ربهم الأعلى، فسقطت ورقة التوت الأخيرة من المؤسسة الرسمية وأمامها الطيب، وعن حزب لم تكن نشأته فى غفلة من الزمان إلا لتخرج الناس من "النور" إلى الظلمات.
ولأنه لا يمكن أن يحتكر أحد الحق المحض ولا تمتلك مؤسسة الانضباط المحض، ولا تستحوذ فئة على الإلتزام المحض، جاءت التسريبات التى زلزلت أركان الدولة منذ دشنتها "رصد" مع بدايات الانقلاب ودخل على الخط "الجزيرة مباشر مصر" –قبل أن تسود شاشاتها- ولحقت بهم "مكملين" ومن بعدها "الشرق" لتكشف الوجه القبيح لعصابة العسكر التى تستنزف البلاد وتديرها على طريقة "المافيا" ولا تحركها إلا مصالحها ومصالح الحاشية والزبانية ولاعقى البيادة، لتتكشف أمام الشعب دون ريب أو لبس أو مواربة حجم الفساد والاستبداد والتزييف والتزوير الذى سكن المؤسسة التى ظن الجميع فيها خير.
4 مشاهد استقبلتها كاميرات الشعب على وقع التسريب الذى كشف عورات مؤسسات السلطة وثالوث الحكم "الجيش والشرطة والقضاء" وكان أبطاله أكابر تلك المؤسسات ورؤسها وخرجت بلا حياء من مكتب قائد الانقلاب "الذى لم يجد هو من يحنو عليه".
المشهد الأول: التوقيت
ربما لا يدرك البعض على وجه الدقة من يقف وراء التسريبات، وكيف خرجت، ولماذا قرر أن يحركها فى ديسمبر من العام المنصرم ثم ترك الصمت يخيم قرابة عام حتى عاد ليضئ المسرح من جديد على مشهد العصابة وهى تبحث وتناقش وتحلل وترتب كيفية تزوير الأوراق وتلفيق الاتهامات وتعمية الحقيقة.
إلا أن التوقيت فى المرة الأولى الذى رافق حوار قائد الانقلاب مع الصحفى الانقلابى "صنيعة العسكر" ياسر رزق أو تلك التى كانت فى أحد دور القوات المسلحة والحوار الشهير بين السيسي و"عمر" حول الأذرع الإعلامية والجاذب للستات، جاءت لتعكس حجم الفرقة بين رفاق المشهد وعدم الاتفاق على سيناريو واحد، والرغبة فى الإطاحة بالسيسي من المشهد قبيل الانتخابات الرئاسية.
وأشارت أصابع الاتهام إلى رجال الحرس القديم، والحديث عن أنصار عنان ورجال طنطاوى وزبانية السيسي ومريدي التهامى، ولكن كانت الصعوبة بمكان فى الإطاحة برجل الانقلاب قبل أن يحمل فى عنقه وحده إرث الدم كاملا ويتحول إلى كبش فداء على وقع مصالحة أو محاولات لرأب الصدع، فضلا عن استناده على من ارتبط بهم نسبا ومصاهرة لتأمين ظهره من انقلاب أخر أو مكر لا يأمنه.
ربما كان هذا هو التحليل الأقرب إلى الواقع آنذاك، إلا أنه الآن وقت استتب الحكم لناقض اليمين وخائن العهود، يأتى الحديث عن تسريبات مكتب السيسي والتى وقعت أحداثها مطلع العام الجارى، ليفتح الباب أمام تكهنات أوسع وتوقعات أبعد، خاصة إذا سبق المشهد رفض حزب سامى عنان وإجباره على الخروج من سباق الرئاسة وأعقبه إطاحة مفاجئة برجل المخابرات التهامى، وهو ما يعكس للوهلة الأولى تصفية الحسابات وحرب العصابات ومعركة الوجود أو البقاء داخل المؤسسة، فضلا عن رفض بعض القيادات لما حدث مع الرئيس الشرعى وغرز الجيش فى مستنقع السياسة.
ومع تزايد الاحتمالات حول رجل التسريبات، طرح البعض فكرة ضلوع وزير دفاع الانقلاب فى الأمر مع تردى أحوال البلاد وانهيار الاقتصاد وزيادة الهوة المجتمعية ودخول الوطن فى نفق مظلم، ما قد يدفعه إلى تصدر المشهد وتقديم السيسي وعصابته قربانا للثوار من أجل مصالحة يحلمون بها ويستجدونها.
المشهد الثانى: أهمية التسريبات
بطبيعة الحال لم يكن الثوار وأحرار الوطن فى حاجة إلى تلك التسريبات للتيقن أنها فى خندق الحق وأنها تحارب عصابة من المزورين الأفاقين المزيفين، ولكنها أزالت الغشاوة عن أعين الكثير من المغيبين وكشفت الحقيقية لأغلب المخدوعين، وفتحت صفوف الثوار لاستقبال وفود جديدة وضخ دماء ثائرة وغاضبة لتصدر المشهد الثورى وإلقاء مزيد من الأحجار فى مياه الحراك.
وتفتح التسريبات الباب إلى إمكانية حدوث تغيرات فى المؤسسة العسكرية تسمح بخلق أرض مشتركة للدخول فى مفاوضات مع الثوار، أو محاولة إرضاء القطاع الغاضب والرافض بين أبناء الشعب، مع التيقن من أنا الباقيين من أبناء الدولة العميقة وأنصار الكنبة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع لا يعنيهم إلا التسبيح بحمد الملك ومن هتف بالأمس لمحمد نجيب باعتباره قائد الانقلاب سينساه سريعا ويمجد ويقدس الانقلابى الجديد عبد الناصر.
المشهد الثالث: زلزال السلطة
أحدثت التسريبات حالة من الارتباك الشديد فى صفوف عصابة السلطة وزبانية الانقلاب وسحرة الإعلام جراء توالى التسريبات وفضحها لمن هو مدنى وما هو ميرى وتكشف خسة ودناءة عسكر الانقلاب وعملاءهم، لذلك جاء وقع التسريبات مدويا وهزاتها مدمرة، وتخبطت العصابة بين نفى ممتعق وحقيقة مؤلمة، وبدأت القرارات المعلنة بإقصاء رجل المخابرات التهامى واستقدام اللواء خالد فوزى، والقرارات الخفية التى لن تتكشف تبعتها إلا فى قادم الأيام وربما فى تسريبات جديدة.
وعلى سير القضايا الهزلية بدا المشهد فى قاعات المحاكم مغايرا عن زي قبل بعدما امتعق وجه الشامخ وشاهت الوجوه من حوله واختفى النائب العام الملاكى إلا من تصريحات مترنحة أشبه بحلاوة الروح، وبدا الرئيس الشرعى وإخوانه وهيئة الدفاع فى ثقة وثبات على ثقة وثبات، وتوالت الطلبات والدفوع، وتحدث العالم عن التزوير الفاضح والتلفيق المقيت وبدأ الدعمون فى الخارج فى الانسحاب من المشهد والتوارى عن الانظار وإنتظار من تأول إليه الأمور وما ستسفر عنه الأحداث، من أجل تعديل محتمل فى قواعد اللعبة.
المشهد الرابع: الحراك الثورى
لم يفت غلق قناة الجزيرة من عضد الثوار وخرجوا ليؤكدوا أنهم من البداية لم يتعلقوا بفضائية أو يبحثوا عن ظهير أو يتعلقوا بزعيم أو رئيس مهما بلغ دعمه أو صدح صوته بالحق، وإنما أعلنوا "مكملين والله مولانا" لذلك جاءت التسريبات لتثبت الفئة الراسخة على الحق، وتمنحهم دفعة قوية لمواصلة الحراك والزحف، فى معركة فاصلة بين الحق والباطل والثورة والثورة المضادة من أجل تحرير الوطن من عصابة نهشت البلاد ونهبت ثرواته، واستعادة مكتسبات ثورة 25 يناير المجيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق