مجدي حسين يروي عن صدامه مع (أبو غزالة).. وعلاقته بالثورة الليبية..الحلقة 15 أمريكا هي الشرك الأكبر المعاصر
دراسة غير منشورة لمجدي حسين ..كتبت في مايو 2014 - الحلقة 15
منذ 49 يوم
عدد القراءات: 14086
{رئيس المخابرات الأمريكية توقع أن يلقى السادات مصير شاه إيران .
مصر أرسلت طيارين وخبراء في التعذيب لأسوأ حاكم في أفريقيا – وأرسلت سلاحًا لتمرد جنوب السودان}.
شيء مذهل حقًا.. عندما عرض السادات على كيسنجر (اليهودي وزير خارجية أمريكا) تحالفا استراتيجيا لمحاربة الشيوعية والاتحاد السوفيتي.. كانت القوات الإسرائيلية على بعد 85 كيلو متر من القاهرة وليس الكيلو 101 كما هو مشتهر، وأنا شخصيا شاهد على ذلك؛ لأنني كنت جنديا في الفرقة الثالثة مشاه ميكانيكي، وكانت تتصدى للثغرة الإسرائيلية في وادي أبو جاموس وهو على بعد 15 كيلو متر من الجفرة، والجفرة على بعد 70 كيلو متر من القاهرة!! كان السادات يعرض التحالف الاستراتيجي مع أمريكا وإسرائيل تخترق مصر إلى هذا الحد بالسلاح والمقاتلين والمعلومات الأمريكية، وكنا نتصدى لذلك بالسلاح السوفيتي، وكان الجسر الجوي العسكري السوفيتي يعمل على مدار الساعة لتعويض خسائرنا في الحرب، وعمومًا فقد ذكرت في دراسات سابقة أن الخطر الرئيسي على مصر والعروبة والإسلام من الحلف الصهيوني – الأمريكي وليس من الاتحاد السوفيتي السابق أو روسيا الحالية، بل يمكن إقامة علاقة مع روسيا في مواجهة الحلف الأمريكي، مع ضرورة الاعتماد أساسًا على النفس، المهم لم تكن هناك رائحة للمبدئية في موقف السادات تجاه قضيتنا الوطنية، ولا تجاه ما يمكن أن يسمى "حرب مقدسة ضد الشيوعية " لأن العبرة بالحرابة، من يحاربني هو العدو الأصلي حتى وإن كان من أهل الكتاب .
وحتى قبل الوصول إلى معاهدة السلام مع إسرائيل تقمص السادات روح وشخصية الجنرال والشرطي المحلي لأمريكا، وعندما قدمت له أمريكا (ضمن سياسة القطارة: نقطة نقطة) 14 طائرة نقل عسكرية من طراز 130، لم يعجبه ذلك وطلب من الولايات المتحدة إمداده بـ 40 طائرة مقاتلة من طراز "إف – 5 – إي" لتساعده في بناء "فيلق أفريقيا"؛ للقيام بدوريات لحماية الجانب الشمالي الشرقي من القارة!! واعتبرت الإدارة الأمريكية فكرة "فيلق أفريقيا" ضربًا من ضروب الخيال ونحته جانبًا إلا أنها وافقت على صفقة الطائرات (وثيقة لوزارة الخارجية الأمريكية) . وحتى مدير المخابرات الأمريكية فقد كان يخشى على السادات من مصير الشاه إذا اندفع في هذا الطريق فكتب في وثيقة رسمية: (سيكون من الصعب إثناء السادات عن طموحه ليكون شرطي الشرق الأوسط لكن هناك مخاطر حقيقية تكتنف تشجيعنا لهذا الدور. فهناك خطر في احتمال أن يتجاهل السادات مشاكله الداخلية أو أن يتجاهل استياء المؤسسة العسكرية من مثل هذه السيادة. ويحتمل أن تخلق هذه السياسة نفس النوع من المشاكل التي رأيناها للتو في إيران) ( ستانفيلد تيرنر) .
ولكن السادات اندفع بجنون لإثبات قدرته في مكافحة الشيوعية، وكان يجتمع مع السفير الأمريكي فور عودة العلاقات في 28 فبراير 1974 بصورة شبه يومية!! وفقا لمذكرات السفير الأمريكي من 1974 حتى 1979 هيرمان ايلتس .
وفي تلك الفترة (1976) منع السفن السوفيتية من دخول الموانئ المصرية (بدون داع وبدون مبرر من أي عمل صنعه السوفيت) على الرغم من أن الاتحاد السوفيتي ظل حتى ذلك الوقت الشريك التجاري الأكبر لمصر!! وأمد السادات رجل زائير القوي موبوتو سيسي سيكو وحليف الولايات المتحدة وواحد من أسوأ حكام أفريقيا والعالم بطيارين مصريين؛ لمساندته في معركته ضد المعارضة (التي افترض أنها شيوعية). وكشف لي أحد كبار الدبلوماسيين المصريين أن مصر قدمت أيضًا لموبوتو ضباطا من أمن الدولة كخبراء في التعذيب، ولم تتوان مصر السادات ومبارك عن تصدير هذه الخبرات "الثمينة" في التعذيب لمختلف الأنظمة العميلة لأمريكا مثل تونس مثلاً؛ حيث كانت عمليات التعذيب تأخذ أسماء لفنانين .مصريين (عملية شادية – عملية عبد الحليم حافظ) مع أن الفنانين المصريين أبرياء من الحكاية ولكنها كانت من وسائل مسخرة ضباط أمن الدولة
ورغم موقف الخارجية والمخابرات الأمريكية، إلا أن كارتر كان يستجيب لأحلام السادات في أن يكون قائد فيلق أفريقيا(!) حتى يورطه في التوقيع على كامب ديفيد، فخلال المفاوضات قال كارتر لمحمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري كلامًا خطيرًا: (إن الاتحاد السوفيتي يمرح ويرتع في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط لأنه يعلم أن لمصر خمس فرق بأكملها مرابطة على ضفة قناة السويس لا يمكن تحريكها، فإذا ما توصلنا إلى اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، فليس ثمة حاجة إلى بقاء هذه الفرق الخمسة مجمدة على القناة وسوف يصبح الرئيس السادات حرًا ويستطيع إعادة توزيعها على النحو الذي يراه ويختاره مما سيضطر الاتحاد السوفيتي إلى أن يعيد مراجعة حساباته ويتوخى الحذر في مغامراته وتصرفاته). ورفض الوزير الوطني هذا الكلام وقال: (إذا سمحت لي يا سيادة الرئيس، فإننا مجتمعون هنا لحل النزاع العربي – الإسرائيلي وليس التصدي لمخططات الاتحاد السوفيتي) (مذكرات محمد إبراهيم كامل – السلام الضائع في كامب ديفيد) ومعروف أنه استقال بعد توقيع السادات على اتفاقية كامب ديفيد .
وعندما جاء مبارك كانت علاقة التبعية قد استقرت وفقا للسقف الأمريكي، ولم يكن لدى مبارك طموحات تأسيس فيلق أفريقيا! وكما سمح الأمريكان للسادات بل تم تشجيعه على ضرب ليبيا 1977، ظلت ليبيا من المهام الموكولة للعميل المصري، أي تحديد دائرة ضيقة له ومنها ليبيا من دول الجوار ولها علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفيتي، وبعد تولي مبارك للحكم بفترة وجيزة نشرت الولايات المتحدة اثنين من محطات الرادار الجوي (أواكس) بدعوى تفادي هجوم مفاجئ من القوات الليبية على مصر. وبدأت مناورات النجم الساطع بين الجيشين المصري والأمريكي في إشارة تهديد مبطنة للقذافي، وواصل مبارك سياسة السادات في دعم الحملة السرية الأمريكية ضد السوفيت في أفغانستان، ومن ذلك شراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والسعودية أسلحة سوفيتية قديمة بـ 50 مليون دولار سنويًّا لتهريبها إلى المقاتلين الأفغان عبر باكستان .
غل يد مصر عن السودان وليبيا
ورغم أن ليبيا كانت موكولة لمصر لتأديب القذافي وإدخاله بيت الطاعة الأمريكي وهذا ما كان يمارسه مبارك على القذافي في كل لقاءاته معه عندما عادت العلاقات بين البلدين، وظلت هذه من مهام مصر مبارك حتى إنهاء أزمة لوكيربي والاتفاق حولها وعندئذ استغنى الطرفان (ليبيا وأمريكا) عن مصر وأصبحت بينهما علاقات مباشرة شرحها بالتفصيل جورج تينت مدير المخابرات الأمريكية في مذكراته. ولكن أمريكا لم تترك السودان لمصر رغم أن الطرفين (أمريكا ومصر) ضد حكم الإنقاذ للبشير. وتعاملت أمريكا مع مصر في موضوع السودان كما تعاملت بريطانيا مع مصر، أي إبعاد مصر والاستحواذ على السودان. إذن مصر (مع الأسف أقولها والحزن يعتصرني) خدام تحت الطلب يعمل بالقطعة في مهام مختلفة ولا يوكل بصورة دائمة بأي ملف حتى بالنسبة لدول الجوار، عدا غزة بعد تولي حماس السلطة فيها، وذلك بحكم الاستحواذ الجغرافي لمصر على غزة. وأيضًا مسألة استخدام مصر كممر بحري وجوي للعبور العسكري الأمريكي. وهذا ما يريده الأمريكان من مصر (أمن إسرائيل.. وأمن البترول بمعنى توفير خطوط الدفاع العسكري عنه).
بالنسبة لليبيا بعد الاتفاق على تصفية موضوع طائرة لوكيربي وكان ذلك عن طريق السعودية (لا مصر !!) انتهت العلاقة المتميزة الناشئة بين مبارك والقذافي، وكان لسان حال القذافي: إذا كنت تريد إدخالنا بيت الطاعة الأمريكي فنحن نعلم عنوانه ويمكن أن نذهب بمفردنا مباشرة. ووصل الأمر إلى إلغاء القذافي دخول المصريين بدون تأشيرة وبدون جواز سفر بعد التوصل لذلك، وكانت العلاقات متوترة، وقامت الثورة في البلدين في ذات الوقت تقريبًا، فلم يكن لمصر أدنى تأثير فيما يجري في ليبيا ولا يزال الأمر حتى الآن وهذه كارثة بمعنى (الأمن القومي المصري) الذي كما ذكرنا تحول إلى كلمة بذيئة (أن تبيع نفسك لأمريكا وإسرائيل هذا هو الأمن القومي المصري).
أما بالنسبة للسودان فقد ظلت علاقات مصر متوترة مع نظام البشير، حتى اتجه هو بنفسه إلى أمريكا والغرب ودخل في مفاوضات فاشلة مع تمرد الجنوب أدى إلى تمزيق السودان، بانفصال الجنوب ثم الآن تهدد الأوضاع في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وآبيه وغيرها بالمزيد من التمزق والتشقق .
ولستُ هنا في معرض مناقشة مشكلة السودان بالتفصيل، ولكننا نؤمن أن مصر والسودان بلد واحد، وأن حل مشكلات الطرفين يكون بالتآلف والتحالف والتعاون ثم الاتحاد الطوعي، وأن السودان أهم لنا من أمريكا من الناحية الاقتصادية، وسنأتي لذلك في الجانب الاقتصادي من الدراسة إن شاء الله. نحن نتحدث الآن عن العلاقات الاستراتيجية العسكرية مع الولايات المتحدة وكيف أنها تمنع على مصر أن تمارس علاقاتها الطبيعية مع الأشقاء والجيران. وترى أمريكا أن السودان أثمن من أن تترك لمصر رغم العلاقات الأزلية بين البلدين لأن للسودان دورًا مهمًا في أفريقيا، وبالتالي لابد من السيطرة عليه أو تمزيقه إربا حتى لا يتحدث أحد فيه عن المشروع الحضاري الإسلامي. في التسعينات حدثت موجة من التوتر بين مصر والسودان على خلفية حلايب وشلاتين وعلى خلفية حادث أديس أبابا وعلى خلفية الطابع الإسلامي للإنقاذ. وبدأ الحديث عن حشود عسكرية مصرية على حدود السودان وبدأ دق طبول الحرب، وقد شننا حملة شديدة ضد هذا التوجه في صحيفة الشعب. في تلك الأثناء اتصل بي الملحق الصحفي بالسفارة الأمريكية طالبًا اللقاء في فندق الانتركونتيننتال (كنت أوافق على مثل هذه اللقاءات حتى عام 2003 عام غزو العراق وسأشرح ذلك في الفصل الأخير إن شاء الله) كان أغلب الحديث عن الأحوال في مصر ولا أتذكرها الآن وكنت قلقا من موقف أمريكا من السودان وكنت أريد أن استكشف هل هناك توجه أمريكي لإشعال الحرب مع السودان؟ ولكنه لم يفتح الموضوع وأثناء خروجنا من الفندق رأيت أن أفتح الموضوع وسألته: هل تتوقع نشوب حرب بين مصر والسودان؟ فقال لي: (ليش .. من شان شو ..) وكان يتحدث بلهجة شامية، وعدت من جديد أستوثق فقلت له: أنت تعلم أن هناك توترا بسبب حلايب وشلاتين واتهامات بضلوع السودان في حادث أديس أبابا، فأكد لي: مرة أخرى (أن هذه الموضوعات لا تستدعي الحرب ولا أظن أنها أمر محتمل). استرحت قليلاً وقتها لأن هذا كان أخشى ما نخشاه. ولكن من ناحية ثبت أن التصعيد المصري من جانب واحد أي بدون التنسيق مع أمريكا، وثبت أن أمريكا كانت ضد التدخل العسكري المصري في السودان وأن رأيها هو الذي نفذ!! ليس حبًا في العروبة أو من أجل حقن الدماء أو حرصًا على الأشقاء.. ولكن حتى لا يتمدد نفوذ مصر للسودان المجاور! وإن كنا مع دور فعال لمصر في السودان ولكن ليس بأسلوب الغزو، وليس بهدف إسقاط النظام هناك
مصر أرسلت طيارين وخبراء في التعذيب لأسوأ حاكم في أفريقيا – وأرسلت سلاحًا لتمرد جنوب السودان}.
شيء مذهل حقًا.. عندما عرض السادات على كيسنجر (اليهودي وزير خارجية أمريكا) تحالفا استراتيجيا لمحاربة الشيوعية والاتحاد السوفيتي.. كانت القوات الإسرائيلية على بعد 85 كيلو متر من القاهرة وليس الكيلو 101 كما هو مشتهر، وأنا شخصيا شاهد على ذلك؛ لأنني كنت جنديا في الفرقة الثالثة مشاه ميكانيكي، وكانت تتصدى للثغرة الإسرائيلية في وادي أبو جاموس وهو على بعد 15 كيلو متر من الجفرة، والجفرة على بعد 70 كيلو متر من القاهرة!! كان السادات يعرض التحالف الاستراتيجي مع أمريكا وإسرائيل تخترق مصر إلى هذا الحد بالسلاح والمقاتلين والمعلومات الأمريكية، وكنا نتصدى لذلك بالسلاح السوفيتي، وكان الجسر الجوي العسكري السوفيتي يعمل على مدار الساعة لتعويض خسائرنا في الحرب، وعمومًا فقد ذكرت في دراسات سابقة أن الخطر الرئيسي على مصر والعروبة والإسلام من الحلف الصهيوني – الأمريكي وليس من الاتحاد السوفيتي السابق أو روسيا الحالية، بل يمكن إقامة علاقة مع روسيا في مواجهة الحلف الأمريكي، مع ضرورة الاعتماد أساسًا على النفس، المهم لم تكن هناك رائحة للمبدئية في موقف السادات تجاه قضيتنا الوطنية، ولا تجاه ما يمكن أن يسمى "حرب مقدسة ضد الشيوعية " لأن العبرة بالحرابة، من يحاربني هو العدو الأصلي حتى وإن كان من أهل الكتاب .
وحتى قبل الوصول إلى معاهدة السلام مع إسرائيل تقمص السادات روح وشخصية الجنرال والشرطي المحلي لأمريكا، وعندما قدمت له أمريكا (ضمن سياسة القطارة: نقطة نقطة) 14 طائرة نقل عسكرية من طراز 130، لم يعجبه ذلك وطلب من الولايات المتحدة إمداده بـ 40 طائرة مقاتلة من طراز "إف – 5 – إي" لتساعده في بناء "فيلق أفريقيا"؛ للقيام بدوريات لحماية الجانب الشمالي الشرقي من القارة!! واعتبرت الإدارة الأمريكية فكرة "فيلق أفريقيا" ضربًا من ضروب الخيال ونحته جانبًا إلا أنها وافقت على صفقة الطائرات (وثيقة لوزارة الخارجية الأمريكية) . وحتى مدير المخابرات الأمريكية فقد كان يخشى على السادات من مصير الشاه إذا اندفع في هذا الطريق فكتب في وثيقة رسمية: (سيكون من الصعب إثناء السادات عن طموحه ليكون شرطي الشرق الأوسط لكن هناك مخاطر حقيقية تكتنف تشجيعنا لهذا الدور. فهناك خطر في احتمال أن يتجاهل السادات مشاكله الداخلية أو أن يتجاهل استياء المؤسسة العسكرية من مثل هذه السيادة. ويحتمل أن تخلق هذه السياسة نفس النوع من المشاكل التي رأيناها للتو في إيران) ( ستانفيلد تيرنر) .
ولكن السادات اندفع بجنون لإثبات قدرته في مكافحة الشيوعية، وكان يجتمع مع السفير الأمريكي فور عودة العلاقات في 28 فبراير 1974 بصورة شبه يومية!! وفقا لمذكرات السفير الأمريكي من 1974 حتى 1979 هيرمان ايلتس .
وفي تلك الفترة (1976) منع السفن السوفيتية من دخول الموانئ المصرية (بدون داع وبدون مبرر من أي عمل صنعه السوفيت) على الرغم من أن الاتحاد السوفيتي ظل حتى ذلك الوقت الشريك التجاري الأكبر لمصر!! وأمد السادات رجل زائير القوي موبوتو سيسي سيكو وحليف الولايات المتحدة وواحد من أسوأ حكام أفريقيا والعالم بطيارين مصريين؛ لمساندته في معركته ضد المعارضة (التي افترض أنها شيوعية). وكشف لي أحد كبار الدبلوماسيين المصريين أن مصر قدمت أيضًا لموبوتو ضباطا من أمن الدولة كخبراء في التعذيب، ولم تتوان مصر السادات ومبارك عن تصدير هذه الخبرات "الثمينة" في التعذيب لمختلف الأنظمة العميلة لأمريكا مثل تونس مثلاً؛ حيث كانت عمليات التعذيب تأخذ أسماء لفنانين .مصريين (عملية شادية – عملية عبد الحليم حافظ) مع أن الفنانين المصريين أبرياء من الحكاية ولكنها كانت من وسائل مسخرة ضباط أمن الدولة
ورغم موقف الخارجية والمخابرات الأمريكية، إلا أن كارتر كان يستجيب لأحلام السادات في أن يكون قائد فيلق أفريقيا(!) حتى يورطه في التوقيع على كامب ديفيد، فخلال المفاوضات قال كارتر لمحمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري كلامًا خطيرًا: (إن الاتحاد السوفيتي يمرح ويرتع في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط لأنه يعلم أن لمصر خمس فرق بأكملها مرابطة على ضفة قناة السويس لا يمكن تحريكها، فإذا ما توصلنا إلى اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، فليس ثمة حاجة إلى بقاء هذه الفرق الخمسة مجمدة على القناة وسوف يصبح الرئيس السادات حرًا ويستطيع إعادة توزيعها على النحو الذي يراه ويختاره مما سيضطر الاتحاد السوفيتي إلى أن يعيد مراجعة حساباته ويتوخى الحذر في مغامراته وتصرفاته). ورفض الوزير الوطني هذا الكلام وقال: (إذا سمحت لي يا سيادة الرئيس، فإننا مجتمعون هنا لحل النزاع العربي – الإسرائيلي وليس التصدي لمخططات الاتحاد السوفيتي) (مذكرات محمد إبراهيم كامل – السلام الضائع في كامب ديفيد) ومعروف أنه استقال بعد توقيع السادات على اتفاقية كامب ديفيد .
وعندما جاء مبارك كانت علاقة التبعية قد استقرت وفقا للسقف الأمريكي، ولم يكن لدى مبارك طموحات تأسيس فيلق أفريقيا! وكما سمح الأمريكان للسادات بل تم تشجيعه على ضرب ليبيا 1977، ظلت ليبيا من المهام الموكولة للعميل المصري، أي تحديد دائرة ضيقة له ومنها ليبيا من دول الجوار ولها علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفيتي، وبعد تولي مبارك للحكم بفترة وجيزة نشرت الولايات المتحدة اثنين من محطات الرادار الجوي (أواكس) بدعوى تفادي هجوم مفاجئ من القوات الليبية على مصر. وبدأت مناورات النجم الساطع بين الجيشين المصري والأمريكي في إشارة تهديد مبطنة للقذافي، وواصل مبارك سياسة السادات في دعم الحملة السرية الأمريكية ضد السوفيت في أفغانستان، ومن ذلك شراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والسعودية أسلحة سوفيتية قديمة بـ 50 مليون دولار سنويًّا لتهريبها إلى المقاتلين الأفغان عبر باكستان .
غل يد مصر عن السودان وليبيا
ورغم أن ليبيا كانت موكولة لمصر لتأديب القذافي وإدخاله بيت الطاعة الأمريكي وهذا ما كان يمارسه مبارك على القذافي في كل لقاءاته معه عندما عادت العلاقات بين البلدين، وظلت هذه من مهام مصر مبارك حتى إنهاء أزمة لوكيربي والاتفاق حولها وعندئذ استغنى الطرفان (ليبيا وأمريكا) عن مصر وأصبحت بينهما علاقات مباشرة شرحها بالتفصيل جورج تينت مدير المخابرات الأمريكية في مذكراته. ولكن أمريكا لم تترك السودان لمصر رغم أن الطرفين (أمريكا ومصر) ضد حكم الإنقاذ للبشير. وتعاملت أمريكا مع مصر في موضوع السودان كما تعاملت بريطانيا مع مصر، أي إبعاد مصر والاستحواذ على السودان. إذن مصر (مع الأسف أقولها والحزن يعتصرني) خدام تحت الطلب يعمل بالقطعة في مهام مختلفة ولا يوكل بصورة دائمة بأي ملف حتى بالنسبة لدول الجوار، عدا غزة بعد تولي حماس السلطة فيها، وذلك بحكم الاستحواذ الجغرافي لمصر على غزة. وأيضًا مسألة استخدام مصر كممر بحري وجوي للعبور العسكري الأمريكي. وهذا ما يريده الأمريكان من مصر (أمن إسرائيل.. وأمن البترول بمعنى توفير خطوط الدفاع العسكري عنه).
بالنسبة لليبيا بعد الاتفاق على تصفية موضوع طائرة لوكيربي وكان ذلك عن طريق السعودية (لا مصر !!) انتهت العلاقة المتميزة الناشئة بين مبارك والقذافي، وكان لسان حال القذافي: إذا كنت تريد إدخالنا بيت الطاعة الأمريكي فنحن نعلم عنوانه ويمكن أن نذهب بمفردنا مباشرة. ووصل الأمر إلى إلغاء القذافي دخول المصريين بدون تأشيرة وبدون جواز سفر بعد التوصل لذلك، وكانت العلاقات متوترة، وقامت الثورة في البلدين في ذات الوقت تقريبًا، فلم يكن لمصر أدنى تأثير فيما يجري في ليبيا ولا يزال الأمر حتى الآن وهذه كارثة بمعنى (الأمن القومي المصري) الذي كما ذكرنا تحول إلى كلمة بذيئة (أن تبيع نفسك لأمريكا وإسرائيل هذا هو الأمن القومي المصري).
أما بالنسبة للسودان فقد ظلت علاقات مصر متوترة مع نظام البشير، حتى اتجه هو بنفسه إلى أمريكا والغرب ودخل في مفاوضات فاشلة مع تمرد الجنوب أدى إلى تمزيق السودان، بانفصال الجنوب ثم الآن تهدد الأوضاع في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وآبيه وغيرها بالمزيد من التمزق والتشقق .
ولستُ هنا في معرض مناقشة مشكلة السودان بالتفصيل، ولكننا نؤمن أن مصر والسودان بلد واحد، وأن حل مشكلات الطرفين يكون بالتآلف والتحالف والتعاون ثم الاتحاد الطوعي، وأن السودان أهم لنا من أمريكا من الناحية الاقتصادية، وسنأتي لذلك في الجانب الاقتصادي من الدراسة إن شاء الله. نحن نتحدث الآن عن العلاقات الاستراتيجية العسكرية مع الولايات المتحدة وكيف أنها تمنع على مصر أن تمارس علاقاتها الطبيعية مع الأشقاء والجيران. وترى أمريكا أن السودان أثمن من أن تترك لمصر رغم العلاقات الأزلية بين البلدين لأن للسودان دورًا مهمًا في أفريقيا، وبالتالي لابد من السيطرة عليه أو تمزيقه إربا حتى لا يتحدث أحد فيه عن المشروع الحضاري الإسلامي. في التسعينات حدثت موجة من التوتر بين مصر والسودان على خلفية حلايب وشلاتين وعلى خلفية حادث أديس أبابا وعلى خلفية الطابع الإسلامي للإنقاذ. وبدأ الحديث عن حشود عسكرية مصرية على حدود السودان وبدأ دق طبول الحرب، وقد شننا حملة شديدة ضد هذا التوجه في صحيفة الشعب. في تلك الأثناء اتصل بي الملحق الصحفي بالسفارة الأمريكية طالبًا اللقاء في فندق الانتركونتيننتال (كنت أوافق على مثل هذه اللقاءات حتى عام 2003 عام غزو العراق وسأشرح ذلك في الفصل الأخير إن شاء الله) كان أغلب الحديث عن الأحوال في مصر ولا أتذكرها الآن وكنت قلقا من موقف أمريكا من السودان وكنت أريد أن استكشف هل هناك توجه أمريكي لإشعال الحرب مع السودان؟ ولكنه لم يفتح الموضوع وأثناء خروجنا من الفندق رأيت أن أفتح الموضوع وسألته: هل تتوقع نشوب حرب بين مصر والسودان؟ فقال لي: (ليش .. من شان شو ..) وكان يتحدث بلهجة شامية، وعدت من جديد أستوثق فقلت له: أنت تعلم أن هناك توترا بسبب حلايب وشلاتين واتهامات بضلوع السودان في حادث أديس أبابا، فأكد لي: مرة أخرى (أن هذه الموضوعات لا تستدعي الحرب ولا أظن أنها أمر محتمل). استرحت قليلاً وقتها لأن هذا كان أخشى ما نخشاه. ولكن من ناحية ثبت أن التصعيد المصري من جانب واحد أي بدون التنسيق مع أمريكا، وثبت أن أمريكا كانت ضد التدخل العسكري المصري في السودان وأن رأيها هو الذي نفذ!! ليس حبًا في العروبة أو من أجل حقن الدماء أو حرصًا على الأشقاء.. ولكن حتى لا يتمدد نفوذ مصر للسودان المجاور! وإن كنا مع دور فعال لمصر في السودان ولكن ليس بأسلوب الغزو، وليس بهدف إسقاط النظام هناك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق