عبد الباري عطوان يكشف المسكوت عنه ويكتب: العدو الحقيقي ليس التحالف الحوثي وإنما "الغدر” الأمريكي
منذ حوالى ساعة
عدد القراءات: 486
قال الكاتب المبدع عبد الباري عطوان إن خطاب الأمير الفيصل يعكس المزاج "التعبوي" العام في المملكة العربية السعودية التي تواصل أسراب طائراتها قصف أهداف لحركة "أنصار الله" الحوثية، وتجمعات لقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في العاصمة اليمنية ومدن أخرى، مثلما يعكس أيضا السياسة "الصقورية" الجديدة التي يتبناها العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز، وتتناقض كليا مع سياسات "القوة الناعمة" التي أتبعها الملوك السابقون.
وأكد "عطوان" في مقال نشره رأي اليوم أن هذا الكلام القوي ينطوي على مستودع غضب هائل، ولم يصدر مثله مطلقا عندما اعتدت قوات حوثية على الأراضي السعودية عام 2009، واحتلت أكثر من 400 قرية محاذية للحدود اليمنية، وأشار بأن القيادة السعودية شعرت أن حكمها مهدد بشكل جدي غير مسبوق بسبب الاتفاق النووي الامريكي الإيراني الذي سيعيد طهران إلى ما قبل الثورة الخمينية، ويتوج السيد حسن روحاني، ولكن بعمامة بيضاء.
وإليكم نص المقال:-
السعودية شنت حربا "استباقية" في اليمن وأطلقت الصاروخ الأول.. وهنا نختلف مع الأمير الفيصل.. والحرب البرية باتت حتمية بعد نفاد بنك الأهداف وتصاعد أعداد القتلى المدنيين.. والعدو الحقيقي ليس التحالف الحوثي وإنما "الغدر" الأمريكي.. وهذه هي أقصر الطرق لكسب عقول اليمنيين وقلوبهم.. ثم أين الوسطاء ولماذا لم يتدخلوا لوقف سفك الدماء؟
من استمع إلى الخطاب الذي ألقاه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مجلس الشورى وما ورد فيه من لهجة طابعها التحدي، وتغلب عليها لغة التهديد، يتبادر إلى ذهنه أنه استمع إلى جنرال أمريكي يقود المعارك من غرفة للعمليات تحت الأرض وليس إلى مهندس الدبلوماسية في بلده.
خطاب الأمير الفيصل يعكس المزاج "التعبوي" العام في المملكة العربية السعودية التي تواصل أسراب طائراتها قصف أهداف لحركة "أنصار الله" الحوثية، وتجمعات لقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في العاصمة اليمنية ومدن أخرى، مثلما يعكس أيضا السياسة "الصقورية" الجديدة التي يتبناها العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز، وتتناقض كليا مع سياسات "القوة الناعمة" التي أتبعها الملوك السابقون في الاعتماد على القوى الخارجية عسكريا في مواجهة أي تهديدات للمملكة على الإيرانية (اللجوء إلى العراق) واجتياح الكويت (الاستعانة بالقوات الأمريكية).
الأمير الفيصل قال "إن المملكة ليست من دعاة الحرب، ولكننا جاهزون لها إذا قرعت طبولها"، واتهم إيران "بتصدير الثورة"، ووصف الرئيس السوري بشار الأسد بـ"سفاح دمشق"، ورد ضمنا على وصف مسؤولين إيرانيين لبغداد بأنها عاصمة الإمبراطورية الفارسية بالقول، "إنها عاصمة العروبة الجريحة التي قاست الأمرين على أيدي زمرة من أبنائها مدفوعين من أطراف خارجية"، في إشارة إلى إيران.
هذا الكلام القوي ينطوي على مستودع غضب هائل، ولم يصدر مثله مطلقا عندما اعتدت قوات حوثية على الأراضي السعودية عام 2009، واحتلت أكثر من 400 قرية محاذية للحدود اليمنية، واستغرق الأمر القوات السعودية بمختلف أسلحتها أربعة أشهر لإخراجها، فما أسباب هذا التحول في اللهجة والممارسة العملية؟
***
القيادة السعودية شعرت أن حكمها مهدد بشكل جدي غير مسبوق بسبب الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني الذي سيعيد طهران إلى ما قبل الثورة الخمينية، ويتوج السيد حسن روحاني، ولكن بعمامة بيضاء، وشرعية دينية تعتمد على القوة والنفوذ القوي المهيمن في أربع دول عربية، ويتطلع إلى المزيد.
إيران وصلت إلى هذه المكانة لأنها اعتمدت على نفسها، وانخرطت في نسج خيوط تحالفات إقليمية ودولية فاعلة، وبنت صناعة عسكرية متقدمة، وتبنت مشروعا سياسيا معاديا لأمريكا وإسرائيل، ولم ترهبها الأساطيل الجوية والبحرية الأمريكية مطلقا، وصمدت في وجه حصار اقتصادي استمر ثلاثين عاما، ولم تصرخ أولا في مسابقة عض الأصابع، وما لا تفهمه السلطات السعودية السابقة في المملكة أن الأمريكان لا صديق لهم، وتفاوضوا مع إيران لأنهم لا يستطيعون هزيمتها عسكريا، وإذا هزموها فإن انتصارهم لن يكون حاسما، وكلفته ستكون غالية جدا، وباهظة التكاليف، ماديا وبشريا واستراتيجيا.
المملكة العربية السعودية في المقابل، وعلى مدى الأربعين عاما الماضية اتبعت السياسات غير المناسبة، ونسجت التحالفات الخطأ، ولم تترك مسافة بينها وبين سياسات الهيمنة الأمريكية في المنطقة، واعتقدت أنها في تحالف استراتيجي مع الغرب لا يمكن أن يهتز مطلقا، ومولت كل الحروب الأمريكية سواء في أفغانستان أو الكويت أو العراق، لتكتشف أن أمريكا لم تتردد مطلقا في طعنها في الظهر، وانحازت إلى إيران القوية على حسابها.
جميل أن يتحدث الأمير سعود الفيصل عن بغداد بأنها عاصمة "العروبة الجريحة"، ولكن ليسمح لنا الأمير الفيصل أن نعود إلى تصريحاته التي أدلى بها أثناء حرب "تحرير الكويت"، أو الحصار الظالم الذي فرض على العراق بعدها، والعدوان الأمريكي الذي انتهى باحتلالها، ونذكره بما ورد فيها من جمل وعبارات لكي يدرك جيدا أن من اختلفوا معه وسياسة بلاده تجاه العراق، كانوا أبعد نظرا وأكثر إيمانا بالعروبة، ولا نريد فتح الجروح، ونكتفي بهذا القدر.
لنكن صرحاء ونعترف بأن المملكة العربية السعودية هي التي قرعت طبول الحرب، وهي التي أرسلت 185 طائرة لمنع القوات الحوثية من الاستيلاء على عدن العاصمة المؤقتة للرئيس "الشرعي" عبد ربه منصور هادي في حرب "استباقية"، ودون إطلاق رصاصة واحدة على الأراضي السعودية من الحوثيين أو غيرهم هذه المرة، والقانون الدولي واضح كل الوضوح في هذا المضمار.
نحن لا نجادل مطلقا في حق السعودية في الدفاع عن أراضيها حتى لو أدى ذلك إلى خوض حروب "استباقية"، ولكن ما نجادل فيه هو عدم التبصر مبكرا في استقراء الأسباب التي أوصلت الأمور إلى هذا المنحى الخطير.
فإذا كان "أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة والخليج والأمن القومي العربي"، مثلما قال الأمير الفيصل، ونحن نتفق معه تماما في كل كلمة قالها في هذا الخصوص، فلماذا جرى ترك اليمن وشعبه يواجه الجوع والحرمان والفقر والبطالة كل تلك السنوات وجيرانه هم الأغنى في العالم بأسره؟
كنتُ شخصيا أتمنى لو أن الأمير الفيصل، أو أي من المسؤولين السعوديين الآخرين قد قدموا تصورا لسياستهم المستقبلية تجاه اليمن وأهله، ومخططاتهم للنهوض به على غرار ما فعلت السوق الأوروبية المشتركة (قبل أن تتحول إلى اتحاد أوروبي) من ضخ عشرات المليارات من الاستثمارات قبل ثلاثين عاما للنهوض بالاقتصاديات البرتغالية والأسبانية واليونانية لتأمين جوارها الجنوبي كمقدمة لضمهم لهذه السوق، ولكن الأمير الفيصل، وهو السياسي المحنك، لم يتطرق إلى هذه المسألة في خطابه المذكور.
فالحديث عن مساعدة اليمن وضخ المليارات في اقتصادهم أهم بكثير من الحديث عن "شرعية" الرئيس منصور هادي وعودته وحكمه، وأقصر الطرق لكسب قلوب اليمنيين وعقولهم، فمن هو هذا الرئيس، وما إنجازاته، ومن أين اكتسب شرعيته، وهل تستحق عودته خوض حرب مدمرة لجميع الأطراف المنخرطة فيها، أو التي تستهدفها؟ الشعب اليمني هو صاحب الشرعية، وهو الذي يجب أن يقرر من هو رئيسه وليس الآخرين.
***
قد يرى البعض أننا نغرد خارج السرب الإعلامي السائد هذه الأيام، وهذا لا يضيرنا على أي حال، ونعرف ما ينتظرنا من تهجمات، فقد كوّنا حصانة كبيرة اكتسبناها منذ أن اتخذنا موقفا مشابها، وإن كان أكثر عنفوانا، أثناء حرب الكويت، ولكن لا بد من قول الحقيقية، أو الجزء الأكبر منها للتاريخ، حتى لو لم يتفق معها الآخرون، فقد وقفنا في الخندق المقابل للعدوان الأمريكي على العراق والرامي إلى تدميره، وها هم الآن يتباكون عليه وعلى هويته العربية التي تآكلت.
بنك الأهداف الذي تضربه الطائرات السعودية نفد، أو أوشك على النفاد، فالحوثيون ليسوا قوى عظمى، ولا هم بالخصم الكفؤ في هذه الحرب، وأسلحتهم بدائية، وكذلك حال قوات حليفهم الرئيس السابق صالح، واستمرار الحرب ليس من صالح المملكة السعودية وحلفائها، فهذا الحوثي يعيش على حبات التمر وقارورة ماء لأسابيع أو أشهر، وهو يقاتل في بلده وعلى أرضه، وليس في أراضي الغير، والأرض تقاتل دائما مع أصحابها. نقول هذا بمناسبة تزايد الحديث عن شن حرب برية مثلما جاء على لسان وزيرالخارجية اليمني، وهو نفسه للتذكير الذي طالب بتدخل سعودي إلى جانب "الشرعية"، فهل هذه المطالبة هي الضوء الأخضر لبدء الحرب البرية؟
ما تردد ويتردد عن اشتباكات شرسة وقصف مدفعي متبادل على الحدود اليمنية السعودية في صعدة وغيرها، هو ما يجب أن يقلق الجميع، وعلى رأسهم السعودية وحلفائها، لأنها اشتباكات مرشحة للتوسع، والضحايا سيكونون من المدنيين الأمر الذي سيخلق ثارات من الصعب السيطرة عليها، وعلينا أن نتذكر أن ضحايا قصف طائرات التحالف قرب صنعاء أمس كانوا من اللاجئين اليمنيين.
نستغرب عدم تقدم أي من الأطراف العربية المحايدة مثل سلطنة عمان والجزائر بمبادرة لإنهاء هذه الحرب حتى الآن وتهيئة الأجواء للحوار، لإن إطالة أمد الحرب يعني تعقيدا إضافيا للحلول.
الخطر الحقيقي على السعودية لم يكن التمرد الحوثي، ولا الدعم الإيراني المؤكد له، وإنما الغدر الأمريكي، فهل يدرك المسؤولون السعوديون هذه الحقيقية، ويراجعون كل سياساتهم السابقة التي قامت على الثقة المطلقة بساكن البيت الأبيض؟ نأمل ذلك؟
وأكد "عطوان" في مقال نشره رأي اليوم أن هذا الكلام القوي ينطوي على مستودع غضب هائل، ولم يصدر مثله مطلقا عندما اعتدت قوات حوثية على الأراضي السعودية عام 2009، واحتلت أكثر من 400 قرية محاذية للحدود اليمنية، وأشار بأن القيادة السعودية شعرت أن حكمها مهدد بشكل جدي غير مسبوق بسبب الاتفاق النووي الامريكي الإيراني الذي سيعيد طهران إلى ما قبل الثورة الخمينية، ويتوج السيد حسن روحاني، ولكن بعمامة بيضاء.
وإليكم نص المقال:-
السعودية شنت حربا "استباقية" في اليمن وأطلقت الصاروخ الأول.. وهنا نختلف مع الأمير الفيصل.. والحرب البرية باتت حتمية بعد نفاد بنك الأهداف وتصاعد أعداد القتلى المدنيين.. والعدو الحقيقي ليس التحالف الحوثي وإنما "الغدر" الأمريكي.. وهذه هي أقصر الطرق لكسب عقول اليمنيين وقلوبهم.. ثم أين الوسطاء ولماذا لم يتدخلوا لوقف سفك الدماء؟
من استمع إلى الخطاب الذي ألقاه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مجلس الشورى وما ورد فيه من لهجة طابعها التحدي، وتغلب عليها لغة التهديد، يتبادر إلى ذهنه أنه استمع إلى جنرال أمريكي يقود المعارك من غرفة للعمليات تحت الأرض وليس إلى مهندس الدبلوماسية في بلده.
خطاب الأمير الفيصل يعكس المزاج "التعبوي" العام في المملكة العربية السعودية التي تواصل أسراب طائراتها قصف أهداف لحركة "أنصار الله" الحوثية، وتجمعات لقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في العاصمة اليمنية ومدن أخرى، مثلما يعكس أيضا السياسة "الصقورية" الجديدة التي يتبناها العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز، وتتناقض كليا مع سياسات "القوة الناعمة" التي أتبعها الملوك السابقون في الاعتماد على القوى الخارجية عسكريا في مواجهة أي تهديدات للمملكة على الإيرانية (اللجوء إلى العراق) واجتياح الكويت (الاستعانة بالقوات الأمريكية).
الأمير الفيصل قال "إن المملكة ليست من دعاة الحرب، ولكننا جاهزون لها إذا قرعت طبولها"، واتهم إيران "بتصدير الثورة"، ووصف الرئيس السوري بشار الأسد بـ"سفاح دمشق"، ورد ضمنا على وصف مسؤولين إيرانيين لبغداد بأنها عاصمة الإمبراطورية الفارسية بالقول، "إنها عاصمة العروبة الجريحة التي قاست الأمرين على أيدي زمرة من أبنائها مدفوعين من أطراف خارجية"، في إشارة إلى إيران.
هذا الكلام القوي ينطوي على مستودع غضب هائل، ولم يصدر مثله مطلقا عندما اعتدت قوات حوثية على الأراضي السعودية عام 2009، واحتلت أكثر من 400 قرية محاذية للحدود اليمنية، واستغرق الأمر القوات السعودية بمختلف أسلحتها أربعة أشهر لإخراجها، فما أسباب هذا التحول في اللهجة والممارسة العملية؟
***
القيادة السعودية شعرت أن حكمها مهدد بشكل جدي غير مسبوق بسبب الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني الذي سيعيد طهران إلى ما قبل الثورة الخمينية، ويتوج السيد حسن روحاني، ولكن بعمامة بيضاء، وشرعية دينية تعتمد على القوة والنفوذ القوي المهيمن في أربع دول عربية، ويتطلع إلى المزيد.
إيران وصلت إلى هذه المكانة لأنها اعتمدت على نفسها، وانخرطت في نسج خيوط تحالفات إقليمية ودولية فاعلة، وبنت صناعة عسكرية متقدمة، وتبنت مشروعا سياسيا معاديا لأمريكا وإسرائيل، ولم ترهبها الأساطيل الجوية والبحرية الأمريكية مطلقا، وصمدت في وجه حصار اقتصادي استمر ثلاثين عاما، ولم تصرخ أولا في مسابقة عض الأصابع، وما لا تفهمه السلطات السعودية السابقة في المملكة أن الأمريكان لا صديق لهم، وتفاوضوا مع إيران لأنهم لا يستطيعون هزيمتها عسكريا، وإذا هزموها فإن انتصارهم لن يكون حاسما، وكلفته ستكون غالية جدا، وباهظة التكاليف، ماديا وبشريا واستراتيجيا.
المملكة العربية السعودية في المقابل، وعلى مدى الأربعين عاما الماضية اتبعت السياسات غير المناسبة، ونسجت التحالفات الخطأ، ولم تترك مسافة بينها وبين سياسات الهيمنة الأمريكية في المنطقة، واعتقدت أنها في تحالف استراتيجي مع الغرب لا يمكن أن يهتز مطلقا، ومولت كل الحروب الأمريكية سواء في أفغانستان أو الكويت أو العراق، لتكتشف أن أمريكا لم تتردد مطلقا في طعنها في الظهر، وانحازت إلى إيران القوية على حسابها.
جميل أن يتحدث الأمير سعود الفيصل عن بغداد بأنها عاصمة "العروبة الجريحة"، ولكن ليسمح لنا الأمير الفيصل أن نعود إلى تصريحاته التي أدلى بها أثناء حرب "تحرير الكويت"، أو الحصار الظالم الذي فرض على العراق بعدها، والعدوان الأمريكي الذي انتهى باحتلالها، ونذكره بما ورد فيها من جمل وعبارات لكي يدرك جيدا أن من اختلفوا معه وسياسة بلاده تجاه العراق، كانوا أبعد نظرا وأكثر إيمانا بالعروبة، ولا نريد فتح الجروح، ونكتفي بهذا القدر.
لنكن صرحاء ونعترف بأن المملكة العربية السعودية هي التي قرعت طبول الحرب، وهي التي أرسلت 185 طائرة لمنع القوات الحوثية من الاستيلاء على عدن العاصمة المؤقتة للرئيس "الشرعي" عبد ربه منصور هادي في حرب "استباقية"، ودون إطلاق رصاصة واحدة على الأراضي السعودية من الحوثيين أو غيرهم هذه المرة، والقانون الدولي واضح كل الوضوح في هذا المضمار.
نحن لا نجادل مطلقا في حق السعودية في الدفاع عن أراضيها حتى لو أدى ذلك إلى خوض حروب "استباقية"، ولكن ما نجادل فيه هو عدم التبصر مبكرا في استقراء الأسباب التي أوصلت الأمور إلى هذا المنحى الخطير.
فإذا كان "أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة والخليج والأمن القومي العربي"، مثلما قال الأمير الفيصل، ونحن نتفق معه تماما في كل كلمة قالها في هذا الخصوص، فلماذا جرى ترك اليمن وشعبه يواجه الجوع والحرمان والفقر والبطالة كل تلك السنوات وجيرانه هم الأغنى في العالم بأسره؟
كنتُ شخصيا أتمنى لو أن الأمير الفيصل، أو أي من المسؤولين السعوديين الآخرين قد قدموا تصورا لسياستهم المستقبلية تجاه اليمن وأهله، ومخططاتهم للنهوض به على غرار ما فعلت السوق الأوروبية المشتركة (قبل أن تتحول إلى اتحاد أوروبي) من ضخ عشرات المليارات من الاستثمارات قبل ثلاثين عاما للنهوض بالاقتصاديات البرتغالية والأسبانية واليونانية لتأمين جوارها الجنوبي كمقدمة لضمهم لهذه السوق، ولكن الأمير الفيصل، وهو السياسي المحنك، لم يتطرق إلى هذه المسألة في خطابه المذكور.
فالحديث عن مساعدة اليمن وضخ المليارات في اقتصادهم أهم بكثير من الحديث عن "شرعية" الرئيس منصور هادي وعودته وحكمه، وأقصر الطرق لكسب قلوب اليمنيين وعقولهم، فمن هو هذا الرئيس، وما إنجازاته، ومن أين اكتسب شرعيته، وهل تستحق عودته خوض حرب مدمرة لجميع الأطراف المنخرطة فيها، أو التي تستهدفها؟ الشعب اليمني هو صاحب الشرعية، وهو الذي يجب أن يقرر من هو رئيسه وليس الآخرين.
***
قد يرى البعض أننا نغرد خارج السرب الإعلامي السائد هذه الأيام، وهذا لا يضيرنا على أي حال، ونعرف ما ينتظرنا من تهجمات، فقد كوّنا حصانة كبيرة اكتسبناها منذ أن اتخذنا موقفا مشابها، وإن كان أكثر عنفوانا، أثناء حرب الكويت، ولكن لا بد من قول الحقيقية، أو الجزء الأكبر منها للتاريخ، حتى لو لم يتفق معها الآخرون، فقد وقفنا في الخندق المقابل للعدوان الأمريكي على العراق والرامي إلى تدميره، وها هم الآن يتباكون عليه وعلى هويته العربية التي تآكلت.
بنك الأهداف الذي تضربه الطائرات السعودية نفد، أو أوشك على النفاد، فالحوثيون ليسوا قوى عظمى، ولا هم بالخصم الكفؤ في هذه الحرب، وأسلحتهم بدائية، وكذلك حال قوات حليفهم الرئيس السابق صالح، واستمرار الحرب ليس من صالح المملكة السعودية وحلفائها، فهذا الحوثي يعيش على حبات التمر وقارورة ماء لأسابيع أو أشهر، وهو يقاتل في بلده وعلى أرضه، وليس في أراضي الغير، والأرض تقاتل دائما مع أصحابها. نقول هذا بمناسبة تزايد الحديث عن شن حرب برية مثلما جاء على لسان وزيرالخارجية اليمني، وهو نفسه للتذكير الذي طالب بتدخل سعودي إلى جانب "الشرعية"، فهل هذه المطالبة هي الضوء الأخضر لبدء الحرب البرية؟
ما تردد ويتردد عن اشتباكات شرسة وقصف مدفعي متبادل على الحدود اليمنية السعودية في صعدة وغيرها، هو ما يجب أن يقلق الجميع، وعلى رأسهم السعودية وحلفائها، لأنها اشتباكات مرشحة للتوسع، والضحايا سيكونون من المدنيين الأمر الذي سيخلق ثارات من الصعب السيطرة عليها، وعلينا أن نتذكر أن ضحايا قصف طائرات التحالف قرب صنعاء أمس كانوا من اللاجئين اليمنيين.
نستغرب عدم تقدم أي من الأطراف العربية المحايدة مثل سلطنة عمان والجزائر بمبادرة لإنهاء هذه الحرب حتى الآن وتهيئة الأجواء للحوار، لإن إطالة أمد الحرب يعني تعقيدا إضافيا للحلول.
الخطر الحقيقي على السعودية لم يكن التمرد الحوثي، ولا الدعم الإيراني المؤكد له، وإنما الغدر الأمريكي، فهل يدرك المسؤولون السعوديون هذه الحقيقية، ويراجعون كل سياساتهم السابقة التي قامت على الثقة المطلقة بساكن البيت الأبيض؟ نأمل ذلك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق