رسالة خطية للشيخ محمود شعبان: هل من ضمير يتحرك
29/05/2015 10:46 م
تنشر "الحرية والعدالة" رسالة خطية بقلم د. محمود شعبان الأستاذ بجامعة الأزهر، المعتقل ظلما بسجون الانقلاب.. ودون مقدمات، فكلماته تعبر عن مصر بعهد الانقلاب.
نص الرسالة
رسالة إلى بقايا ضمير لقد اعتقلت بعد حلقة وائل الإبراشي، قلت فيها لا لظلم آراه، ورفضت إراقة دماء خلق الله، وتحدثت عن حرمات استبيحت وحقوق أهدرت، وبلد ضيعت، ووجهت إلى تهمة الانضمام لجماعة، فقلت أنا أزهري ولست منضما لأي جماعة، فقالوا تهمتك الانضمام إلى الجبهة السلفية، قلت هل ادعى أحد فيهم ذلك قالوا لا، فقلت هل سجلَّتم لي مكالمة أو لقاء مع أحد فيهم قالوا لا، قلت فلم حبسي، فسكتوا، ورحلت إلى العقرب، وهناك لن أحدثك عن آلاف مؤلفة حبست ظلمًا، ولا عن رجل رحلوا ليأخذوا ابن أخيه فأخذوا العم الذي ترك زوجة وأولاد في كوخ في الإسماعيلية ولا كاسب لهم ولا عائل سواه، لن أحدثك عن أناس عذبوا في سجن العازولي، فقدوا الأطراف ومنهم من فقد الحياة.
لن أحدثك عن شباب من كثرة التعذيب ظلما بلا جريرة سوى الاشتباه من كثرة كفرهم بالوطن وبأبناء مصر وساستها وإعلامها ولم يؤمنوا إلا بالله، لن أحدثك عن زيارة زجاجية بعد شهور يأتي الولد ليلقى أباه عبر حائط زجاجي لمدة دقائق، لن أحدثك عن فتاة صغيرة تقول لأبيها عبر التليفون كنت أتمنى أن يضمني صدرك يا أبتاه وحشني حنانك يا أبتاه، لن أحدثك عن معاملة سيئة ضاعت فيها حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وعوملنا فيها معاملة الحشرات.
أيًا ما كان في يوم 22 ديسمبر 2014، أصبت بجلطة إثر أزمة نفسية صدمت فيها بقدر من الكراهية يأكل الأخضر واليابس وبعداوة تبدو شوكًا تستحيل معه الحياة، أصبت في النيابة فأمرت بتحويلي للمستشفى بعد معاناة وتأكد أنني لست مدعيًا.
وكانت المفاجآت كالأتي: صدر الأمر بتحويلي لمستشفى قصر العيني فقال العميد غانم لا. مستشفى أيه دا كلب ولا يسوى دا إرهابي على السجن يا باشا، وأخدوني لسجن العقرب وأنا فاقد الإحساس بالنصف الأيسر لكنني أسمع كل شي، وفي سيارة الإسعاف الضابط طه ونس قال هذا كلب ارموه في الطريق، هذا صاحب جملة "هاتولي رجلا" دا عاوز كذا وكذا... وظل يكيل الشتائم وأنا على السرير في العربة ثم قال للسائق أسرع وفي منتصف الطريق ارميه على الدائري، ونقول حاول الهرب ونتخلص منه، وظل طيلة الطريق على هذا الحال بكلام يعف لساني عن ذكره حتى وصلت للسجن. وقضيت فيه ساعات حتى أتى طبيب عنده بعض دين وقال بعد حرب مع زملائه لا بد من تحويله للمستشفى فحولوني لمستشفى اللومان بعد سبع ساعات من الحالة وهناك قالوا مصاب بجلطة لسبب نفسي ولا بد من حجزه، فلم يجدوا سريرا فقام أحد السجناء الجنائيين وتنازل لي عن سريره ونام على الأرض وفي الصباح كان المطلوب مقطعية على المخ فأجروا لي أشعة عادية على الصدر ولا تتعجب.
وفي المستشفى لن أحدثك عن أناس ينامون على الأرض وفي الطرقات، كان الكرسي المتحرك يصطدم بهم وهم نيام بجوار الأشعة ومعمل التحاليل، ولن أحدثك عن أناس ماتوا في سريرهم فاتصل الطبيب وقال أدخلوهم العناية ووصلوا الأجهزة فقالوا إنهم ماتوا، فقال أريد أن أتي فأجدهم في الرعاية والأجهزة متصلة بهم لأثبت حالة، حدثوني عن عشرات ماتوا بسبب الإهمال، وجلست ثلاثة أيام مع الجنائيين فبدأوا يصلون معي ويقرأون القرآن. فأتت الأوامر محمود شعبان يرحل إلى العقرب، قالوا والعلاج، فقالوا لا علاج، ورحلت على العقرب والحمام بلدي فظللت يومين لم أدخل الحمام وبعد لأي دخلت الحمام وبعد معاناة أتوا بكرسي وكسرناه لأدخل الحمام عليه وكان يؤلمني ويبكيني حاجتي لإخوتي أثناء الحمام وعورتي التي لا أستطيع سترها لكن الأخوة كانوا يصبرونني وظل الإهمال حتى إن الكالونة وضعوها في يدي لمدة ثمانية أيام ولم أتلق منها حقنة واحدة، وبعد فترة أتى الطبيب ليرفعها بعدما أذتني فشكوت للنيابة فحولوني إلى مستشفى المنيل الجامعي لإرسال تقرير لأن السجن ادعى أنها أزمة نفسية عارضة، وأن الحالة استقرت ولا حاجة للعلاج فكان التقرير في 19/ 1/ 2015 يثبت أنني مصاب بجلطة في الجانب الأيسر وفي حاجة لأشعة مقطعية على المخ وعلاج طبيعي وعلاجات أخرى، ووصل التقرير للسجن ولم يرسله السجن إلى النيابة وظل المحامي في كل عرض على النيابة يستعجله ولا حياة لمن تنادي، وظل يطالب باستئناف على أمر الحبس وفي كل مرة يرمى الطلب في سلة المهملات، مع طلبات بالعلاج على نفقة جامعة الأزهر أو عودة إلى المنزل للعلاج مع إقامة جبرية علما بأنني ممنوع من السفر وفي مرحلة تحقيق ولم يثبت على أي تهمة ولا حياة لمن تنادي.
في هذا التوقيت من الإهمال الرهيب يشاع أن شيخ الأزهر زارني وأنه أرسل لي طبيبه الخاص وأن وكيل الأزهر يطمئن علي باستمرار وأن طلباتي مجابة وأنا لم أأخذ حقنة واحدة. ثم تحركت إدارة العقرب وقالوا هناك ترحيلة لك للحصول على جلسة علاج طبيعي ثم ألغيت بداعي أننا نصلح عيادات العقرب، وفي غضون شهر سيكون عندنا علاج طبيعي في العقرب فلا داعي للعجلة وأنتظر شهرا وحصلت على جلسة واحدة ثم أتت تجريدة أخذوا فيها ملابسنا وأدويتنا وأغطيتنا وتركونا على الأرض بل أخذوا الطعام والحذاء، شكيت للنيابة وكان اهلي قد أحضروا لي ملابس وحذاء فطلبت الإذن بأخذها من أهلي فأبت النيابة وعدت إلى السجن حافيًا بلا حذاء وظل أهلي منتظرين ثمان ساعات، ثم عادوا بعد يأس.
لكن لا تتعجب إنها مصر، في تجريدة ثانية أصبت بخلع في الكتف وظللت هكذا إلى أن رحلت إلى سجن الاستقبال في 28 مارس 2015، وظللت أياما بلا حركة من الزنزانة، ومع أول زيارة نزلت فسلمت على الشباب، فإذا بإدارة السجن تأمر برحيل كل من سلم علي إلى التأديب، وبعد الزيارة طلبت العلاج ولم يحدث شيء وبعد إلحاح نزلت وأخبرت بحالتي وكانت المفاجأة أن تقرير المستشفى الذي طلبته النيابة اختفى من الملف، وبدأ الصدام مع المسئولين وخرجت من الزنزانة وقلت أريد العلاج أنا لا أنام من آلام الكتف، أريد العلاج، فحولوني للتأديب، علمًا بأنه مع ختمة القرآن بنية الشفاء بدأ الإحساس، وساعتها زاد ألم الكتف، فنزلت للعلاج وحدد لي الاستشاري 12 جلسة علاج طبيعي، وقال بعدها أنا سأعطيك حقنة كورتيزون ثم نعيد الكتف في مكانه ثم تحتاج لعملية جراحية وقبله أشعة مقطعية على الكتف، تحدد زمن العملية وأجريت ثلاث جلسات وبدأ التحسن. طبعًا الجلسات كانت متباعدة وبعد مشاكل، وكانت الأخبار تأتي بان الأوامر بعد علاج محمود شعبان، وكنت أدخل الجلسة ويجلس المخبر بجواري ويمنع أي أحد من دخول الحجرة أو السلام علي، وبعد الجلسات توقفت الأمور فسألت لماذا لا أنزل للعلاج الطبيعي قالوا ليس لك علاج، هي جلسات ثلاث فقط، قلت كتب الرجل 12 جلسة، وكانت المفاجأة بحذف الكراسة القديمة وإحضار كراسة جديدة لكي لا يبقى أثر لكتابة الدكتور الاستشاري 12 جلسة. قلت أنا لا أريد جلسات أريد علاجًا لكتفي أنني أتألم ليل نهار وإخواني يستيقظون ليلا على تأوهي لأننا أحد عشر رجلا في زنزانة ضيقة.
وبدأت رحلة جديدة في الاستقبال من التعنت تشبه رحلة العقرب، ولا جديد في بلد غاب عنها الضمير، لدرجة أن عشرات الآلاف من الشباب خلف الأسوار بلا جريرة تذكر سوى الاشتباه أو الاشتراك في مظاهرة كانت حلالا فأصبحت حرامًا.
في سجن الاستقبال قابلت أناسًا لهم قرابة العامين، قلت ما قضيتكم؟ قالوا نحن أصحاب المخرج الآمن في رابعة أثناء الفض، منا من قتل ومنا من حبس من ساعتها إلى الآن، هذا المخرج الآمن الذي يتشدق به إعلاميون لا علم لهم بشيء، قلت لك الله يا مصر كيف يكون غدك ويومك حبيس فيه شبابك، وأطفال اليوم الذين هم رجال الغد يرون أبا عائلا خلف السجون وأما مطالبة بالإنفاق عليهم وعلى أبيهم في السجن، وتحصيل فتعطيه للمحامي فخرجت تستجدي الناس وتبحث عن عمل ما فكرت فيه من قبل، أي غير هذا، وأي انتماء يزرع في هذا الصغير وهو يرحل لزيارة أبيه فيرى زبانية الشرطة يعاملون أمه أسوأ معاملة والطعام الذي سهرت لإعداده بعدما تعبت في الحصول على ثمنه يرمى أمامهم في الزبالة ويرون أبا اعتدى عليه وآثار التعذيب بادية على بدنه، ولا جريرة له سوى أنه في مرحلة تحقيق تحولت بالقانون إلى ثمانية عشر شهرا وبعدها إن لم تستطع تلفيق تهمة له ستقول له براءة، ونحن في قمة الأسف على الفترة السابقة، وسعدنا بك في ضيافة سجوننا ونرجو أن تكون الخدمة قد أعجبتك.
إلى الآن وأنا لا أتلق العلاج وأمثالي كثر، الذين ماتوا ضحية للإهمال فهل من ضمير يتحرك لا، لأن ضمائر أناس قد ماتت، أماتتها المصالح ومع ذلك وفي خضم هذا سمعنا عن رجل يقول إن نصوصا مقدسة لا بد أن تعدل وعن آخر يقول لابد من مليونية لخلع الحجاب، وأخرى تدعو للسفاح قبل النكاح وتقول هو حلال، فحمدنا الله أننا في السجون وعلمنا أنها حرب على الدين والخَلق، واستبشرنا بفجر جديد يأذن به العزيز الحميد. لأننا نوقن أنه إذا بلغ الظلم مداه وتناسي الظالم الإله وكانت الحرب على دين الله ولم يكن للمظلوم سوى الله، ساعتها يتدخل الإله فأبشروا يا سجناء مصر ويا مظلوميها بقرب فرج الله.
كتبت لبقايا ضمير لا أنتظر من أصحابه شيئًا وإنما هي ورقة توت البعض كان يستتر بها، أردت أن أزيلها ليقف كل واحد أمام مرآة الحقيقة بلا تجمل. كتبت لكم لتعلمون أنكم لن تستطيعوا أن تقولوا "لا" لأنها كلمة أودت بالآلاف خلف الأسوار، لن تستطيعوا أن تقولوها وإن تشدقتم بها ليل نهار. كتبت لكم لا أريد منكم شيئا لأنكم عبيد، نعم أنا وأنتم عبيد ومن معي عبيد عبيد للعزيز الحميد لا نرجو سواه ولا نسأل إلا الله، وعند الله تجتمع الخصوم، ومن ضاعت حقوقه في الدنيا سيوفاها في الآخرة من ظالميه، وإلى اللقاء بين يدى من لا تضيع الحقوق عنده، والسلام على من اتبع الهدى.
محمود شعبان إبراهيم، نزيل سجن الاستقبال بتهمة الانضمام لجماعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق