الموساد يكشف دوره القذر في تفتيت السودان ودعم سد النهضة
12/11/2015 05:17 م
* كتاب "مهمة الموساد في جنوب السودان" يظهر التغلغل الصهيوني أعالي النيل وحصار مِصْر مائيا
* تورط السيسي في مؤامرة تعطيش شعب مِصْر بقبوله وثيقة السد تتكامل مع الكشف عن إرسال تل أبيب معدات لتسريع بناء 50% من سد النهضة
كتب - كريم محمد
"مهمة الموساد في جنوب السودان"، هو عنوان الكتاب الجديد الذي سمحت الرقابة العسكرية الصهيونية بصدوره الكتاب الجديد، الذي يشرح جانبا صغيرا من خبايا الدور الصهيوني في الحرب ضد السودان، ومعاونة قوات المتمردين وصولا إلى انفصال الجنوب الذي تحول الآن إلى وكر ومقر للاستخبارات الصهيونية على الدول العربية.
الكاتب الذي نشر ملخصًا له موقع (ميدا) الصهيوني تضمنّ تفاصيل كانت معلومة للحكومة السودانية حينئذ وتنشرها دون أدلة، ولكن اعترافات مسئولي الموساد قد أظهرت حجم تدخل جهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة "الموساد" في عملية تقسيم السودان، وبناء القوة العسكرية والاقتصادية لدولة الانفصاليين في الجنوب.
وأهمية الكاتب أنه يظهر حجم التغلغل الصهيوني في منطقة أعالي النيل، ويظهر ضمنا الدور الصهيوني في دعم عمليات بناء سد النهضة و4 سدود أخرى على النيل بمحاربة مِصْر بسلاح المياه؛ حيث سيكون هذا السد حاجزًا أو قبضة حديدية على حصة مِصْر المائية تسمح بملاعبتها وابتزازها سياسيا، ما يكشف حجم المؤامرة التي تورط فيها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي حينما تنازل لإثيوبيا فيما سمي "وثيقة سد النهضة" عن حقوق مِصْر المائية وأعطاها صك البراءة لتبني السد.
ومع إصرار إثيوبيا على عدم وقف البناء في السد وفشل مفاوضات القاهرة الأخيرة، كشف الدكتور نصر علام -وزير الري السابق- "إن أطرافًا دولية تدخلت في مفاوضات سد النهضة، لتعطيل مسار الدراسات التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسي والهولندي"، وأن "الكيان الصهيوني أرسل معدات لوجستية للانتهاء من بناء السد خلال الأسبوعيين الماضيين".
وبعيدا عن الدور الصهيوني، كان المستغرب هو الكشف عن استمرار هذه الاستثمارات الإماراتية والسعودية في إثيوبيا، التي تصب في تمويل سد النهضة، رغم تشدق الإمارات والسعودية بأهمية الدور الاستراتيجي والمحوري لمِصْر في قلب الأمة العربية، بينما استثماراتهما توجه طعنات لمِصْر تصب في خانة خدمة الهداف الاستراتيجية الإثيوبية لا المصرية.
والملفت أن ما جاء في الكتاب، جاء تصديقًا لقول وزير الأمن الداخلي السابق آفي ديختر، الذي كان رئيسا لجهاز الأمن العّام (الشاباك)، واليوم نائب في الكنيست عن حزب الليكود: إن انفصال جنوب السودان يُشكّل مصلحة للاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى؛ لأنّ كل الزعماء تبنوا خطًّا إستراتيجيا واحدا في التعامل مع السودان، يقضي بالعمل على تفجير أزمات مزمنة ومستعصية، وقد حان الوقت للتدّخل في غرب السودان، وبالآلية والوسائل ذاتها لتكرار ما حصل في جنوبه".
مشاركة حربية صهيونية ضد السودان
الكتاب يروي دور ضابط في "الموساد"، اسمه دافيد بن عوزئيل، (أطلقوا عليه اسم طرزان) الذي شغل مناصب قيادية في "الموساد"، والدور الذي لعبه في تدريب الانفصاليين وتوجيههم وتسليحهم، منذ ستينيات القرن الماضي، وصولا إلى انفصال الجنوب عام 2011.
حيث تناول الكتاب قصة عوزئيل أو "الجنرال جون" الذي يعرف بلقب "طرزان"، حيث كان جميع أصدقائه في طفولته ينادونه بهذا اللقب.
القائد السابق في جهاز "الموساد"، كشف في الكتاب، النقاب عن مشاركة الاحتلال بشكل فعلي في الحرب الأهلية التي اندلعت في السودان في الفترة الفاصلة بين عامي 1969 و1971.
وأنه وزملاؤه وضباطا في وحدات مختارة من الجيش الصهيوني شاركوا فعليا في هذه الحرب إلى جانب حركة "أنيا-نيا" الانفصالية التي طالبت بالانفصال عن السودان والتي كان يقودها الجنرال جوزيف لاغو.
وأضاف أنه وعناصر الموساد قاموا بتفجير جسور، إلى جانب المس بسفن كانت تنقل السلاح والإمدادات للجيش السوداني عبر النيل، مؤكدا أن "الاحتلال كان معنيا تماما بتقليص هامش المناورة المتاح للجيش السوداني في المنطقة".
وأشار إلى أن المهام التي قام بها الموساد في المنطقة تضمنت أيضا عمليات تدريب ونقل معدات قتالية ومساعدة "جيش جنوب السودان" على تدشين كتائب وألوية ووحدات صغيرة من أجل القيام بحرب عصابات ضد الجيش السوداني وغيرها.
الموساد -حسب الكتاب- دشن مهبطا للطائرات في جنوب السودان لاستغلاله في إقلاع وهبوط الطائرات التي كان يستأجرها، وكانت تنقل السلاح والعتاد لـ"جيش جنوب السودان" مباشرة عبر دول إفريقية متعاونة مع العدو الصهيوني ضد السودان؛ حيث شدد عوزيل على أن الاحتلال استفاد من التعاون الاستخباري مع كل من كينيا وإثيوبيا، في التواصل مع المتمردين في جنوب السودان.
إضعاف الجيش السوداني
ونوه عوزيل إلى أن الاحتلال هدف من دعم "جيش جنوب السودان" إلى محاولة إلهاء الجيش السوداني وتوريطه في حرب في جنوب البلاد، لتقليص قدرته على إرسال جنود للقتال إلى جانب الجيوش العربية ضد الاحتلال، وأن الدولة الصهيونية انطلقت من مبدأ "عدو عدوي صديقي"، وهو ما جعلها تستثمر في تقديم الدعم لكل طرف يعادي الدول العربية المشاركة في الصراع ضد الاحتلال من أجل استنزافها.
وأشار إلى أن الاحتلال حاول من خلال بناء علاقات مع دول وأقليات دينية ومذهبية وعرقية توجد في حالة صراع مع العالم العربي، تقليص مظاهر العزلة التي تعيشها في المنطقة، وهذا هو السبب وراء تعاظم العلاقات بين الاحتلال وكل من إثيوبيا وتركيا وإيران والموارنة في لبنان والأكراد في العراق.
ما مصلحة الاحتلال الإسرائيلي من تقسيم السودان؟
ولفت الكتاب إلى أن الاحتلال رأى في السودان "عقدة شائكة" تتطلب علاجا خاصا، وتحديدا أنه يتشكل من ديانات وإثنيات متعددة، موزعة بين الشمال العربيّ المسلم، والجنوب المسيحيّ، الأمر الذي يسهل عملية تقسيمه.
وفيما يتعلّق بالأسباب التي دفعت تل أبيب إلى العمل على تقسيم السودان وتقديم العون والمساعدة والمشورة للانفصاليين، لفت الموقع إلى أن الاحتلال أراد منع الترابط بين وحدات الجيشين السوداني والمصري.
أما الهدف الآخر فهو أنها أرادت أن تعزز علاقاتها بدول محيطة بالدول العربية، وتشمل (آنذاك) تركيا وإيران وإثيوبيا وكينيا، من خلال إضافة جنوب السودان إلى هذه الدول.
وبيّن مؤلف الكتاب أن رئيسة وزراء الاحتلال السابقة، غولدا مائير، قررت العمل على تقسيم السودان والموافقة على طلب المساعدة التي تقدم بها الجنوبيون إلى تل أبيب في الستينيات، وهو المسعى الذي تكلل بالنجاح بعد أربعة عقود.
وأشار الكتاب إلى أن حركة "الانيانيا" الانفصالية التي تأسست خلال الحرب الأهلية السودانية الأولى 1955-1972، تحولت فيما بعد إلى جيش قوي بفضل ثلاثة من ضباط "الموساد"، في مقدمتهم "طرزان"، وضابط آخر هو إيلي كوهين، الذي عمل مستشارا سياسيا للانفصاليين، وضابط آخر عرف باسم تشارلي.
وأدى الضباط الثلاثة دورا مهما في تدريب الجنوبيين على كيفية تأسيس الجيش وتقسيمه إلى وحدات عسكرية، إضافة إلى تزويدهم بالأسلحة.
تسليح الانفصاليين
ووفقا لما استعرضه الكتاب، فمنذ الستينيات من القرن العشرين، استمر الدعم العسكري ونقل الأسلحة والمعدات الحربية من الاحتلال إلى جنوب السودان، وهذه الأسلحة شملت بنادق ورشاشات وقنابل يدوية وألغاما وصواريخ مضادة للدروع وأجهزة اتصالات.
ولم يكتف الكيان الصهيوني بذلك، ولكنها أيضا قامت بإمداد الانفصاليين بألبسة عسكرية هي في معظمها غنائم من حرب الأيام الستة من الجيشين المصري والسوري، عام 1967.
ودلل الكتاب على الدعم الصهيوني من خلال إشارة رئيس جنوب السودان، سيلفا كير ميارديت، لذلك موضحا أنه استمر طوال العقود الماضية، بل إنه وجّه دعوة إلى "طرزان" لزيارة بلاده بعد إعلان انفصاله عن السودان.
واستقبل سلفاكير الجنرال جون (طرزان) وكرّمه بصورة خاصة في القصر الرئاسي، بل وجّه رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أشار فيها إلى أنه عيّن الجنرال جون موفدا وممثلا شخصيا خاصا عنه في الكيان، وفق ما أورده الكتاب.
الجنوب سلة غذاء للاحتلال!
وسبق أن دعا خبراء صهيونيين إلى إبرام اتفاقيات للتعاون الاقتصادي مع جنوب السودان، وأشاروا إلى ثراء الجنوب بالنفط، فضلا عن الأراضي الزراعية الخصبة الشاسعة، الأمر الذي اعتبروا أن الاحتلال يمكنه استغلاله؛ ليصبح جنوب السودان بمثابة سلة غذاء متميزة لها.
وأكد يوئيل جوتنسكي -الخبير والمحلل السياسي- أهمية إبرام اتفاقيات تعاون اقتصادي مع الجنوب السوداني، مشيرًا في هذا المقال إلى أن الاقتصاد وحده سيكون البداية لتحقيق هذا التعاون المتميز.
وأشار جوتنسكي إلى أن الكثير من الدول العربية تتخوف عن إبرام اتفاقيات التعاون الثنائي مع السودان إما لأسباب سياسية أو اقتصادية، معتبرا أن تلك هي الفرصة لاستغلال جنوب السودان الغني بالنفط، فضلا عن المناطق الزراعية التي من الممكن أن تتحول إلى سلة غذاء متميزة للاحتلال.
تاريخ قديم للتعاون بين الانفصاليين والاحتلال
ويرجع تاريخ التعاون بين الحركة الشعبية الجنوبية (حركة التمرد السابقة في الجنوب) والاحتلال إلى الثمانينيات من القرن الماضي عندما نشأت الحركة الشعبية وأصدرت أول مانيفستو للحركة عام 1983، تلاه تبادل الزيارات بين مسئولين أمنيين من الطرفين حسب وثائق صهيونية جرى نشرها وتزويد الاحتلال للجنوب بالسلاح.
وعندما جرى توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام عام 2005 وأصبح الجنوب مستقلا ذاتيا ويحكم نفسه تسربت تقارير عن استمرار تزويد تل أبيب للجنوب بالسلاح بكميات ضخمة تكفي دولًا استعدادا للحظة تقرير المصير والانفصال في يناير المقبل 2011، والمخاوف من اندلاع حرب بين الشمال والجنوب.
ورغم نفي مكتب اتصال حكومة جنوب السودان بالقاهرة ما تردد عن تزويد الاحتلال حكومة جنوب السودان بالدبابات والمروحيات والمدفعية أو أي نوع من الأسلحة ونفي وجود أي علاقة مع الاحتلال، فلم تتوقف التقارير الأجنبية التي تؤكد هذه العلاقة.
وكان أبرز دليل على عمق هذه العلاقة بين الطرفين كتاب صدر عام 2004 عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا التابع لجامعة تل أبيب، عنوانه هو: إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان.. نقطة البداية ومرحلة الانطلاق، ومؤلفه هو موشي فرجي الضابط السابق (عميد متقاعد) وثيق الصلة بدوائر القرار في (الموساد).
وهو كتاب يشرح بالتفصيل الدور الكبير الذي قامت به المخابرات الصهيونية في مساندة حركة تحرير الجنوب، سواء على صعيد إمدادها بالسلاح والخبراء والمال، أو على صعيد حشد التأييد الدبلوماسي والسياسي لصالحها، كما يشرح إستراتيجية الاحتلال لإضعاف العالم العربي بوجه عام، وإضعاف مِصْر على وجه الخصوص انطلاقا من السودان، خاصة (عقد تحالفات مع الأقليات العرقية والطائفية في الوطن العربي) لتفتيت العالم العربي.
وهذه النظرية التي اخترعها الصهاينة وأصبحت عقيدة لإدارة بوش الأمريكية لاحقا هي (نظرية شد الأطراف ثم بترها)، بمعنى مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها على الانفصال (وهذا هو المقصود بالبتر)، لإضعاف العالم العربى وتفتيته.
وقد أشار لها العميد موشي فيرجي، وقال الباحث الصهيوني زئيف شيف: إنها (إستراتيجية شد الأطراف) التي تم تبنيها في أواخر الخمسينيات جرى تجاوزها، حيث أصبح الهدف الصهيوني الآن هو شعار البتر وليس الشد,، عبر دعم الجماعات العرقية والدينية في الانفصال، وتشكيل الكيانات المستقلة عن الدول العربية.
ومن هنا جاء السعي الصهيوني لتوثيق العلاقة مع الحركة الانفصالية الشعبية في جنوب السودان، باعتبار أنها ستكون أداة يستخدمها الاحتلال لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى هو إضعاف مصر وتهديدها من الخلف، بحسب الاعتراف الصريح والموثق.
وكان النشاط الصهيوني الأبرز منذ الثمانينيات هو دعم التمرد المسلح بزعامة العقيد جون قرنق ابتداء من عام 1983؛ حيث ألقى الاحتلال بثقل قوي إلى جانب جيش جون قرنق، فزودته بأسلحة متقدمة ودربت عشرة من طياريه على قيادة مقاتلات خفيفة للهجوم على المراكز الحكومية في الجنوب ووفرت له صورا عن مواقع القوات الحكومية التقطتها أقمارها الصناعية.
بل إن الاحتلال أوفد بعض خبرائه لوضع الخطط والقتال إلى جانب الانفصاليين، وقد قتل منهم خمسة ضباط في معارك دارت في نهاية عام 1988، كان بينهم اثنان من ضباط الموساد، وثبت أن الضباط اشتركوا في العمليات التي أدت إلى احتلال بعض مدن الجنوب في عام 1990.
بل إن الاحتلال كان يدفع مرتبات قادة وضباط جيش "تحرير السودان"، وقدرت مجلة "معرخون" العسكرية أن مجموع ما قدمت الاحتلال لجيش تحرير الجنوب 500 مليون دولار، قامت الولايات المتحدة بتغطية الجانب الأكبر منه.
* تورط السيسي في مؤامرة تعطيش شعب مِصْر بقبوله وثيقة السد تتكامل مع الكشف عن إرسال تل أبيب معدات لتسريع بناء 50% من سد النهضة
كتب - كريم محمد
"مهمة الموساد في جنوب السودان"، هو عنوان الكتاب الجديد الذي سمحت الرقابة العسكرية الصهيونية بصدوره الكتاب الجديد، الذي يشرح جانبا صغيرا من خبايا الدور الصهيوني في الحرب ضد السودان، ومعاونة قوات المتمردين وصولا إلى انفصال الجنوب الذي تحول الآن إلى وكر ومقر للاستخبارات الصهيونية على الدول العربية.
الكاتب الذي نشر ملخصًا له موقع (ميدا) الصهيوني تضمنّ تفاصيل كانت معلومة للحكومة السودانية حينئذ وتنشرها دون أدلة، ولكن اعترافات مسئولي الموساد قد أظهرت حجم تدخل جهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة "الموساد" في عملية تقسيم السودان، وبناء القوة العسكرية والاقتصادية لدولة الانفصاليين في الجنوب.
وأهمية الكاتب أنه يظهر حجم التغلغل الصهيوني في منطقة أعالي النيل، ويظهر ضمنا الدور الصهيوني في دعم عمليات بناء سد النهضة و4 سدود أخرى على النيل بمحاربة مِصْر بسلاح المياه؛ حيث سيكون هذا السد حاجزًا أو قبضة حديدية على حصة مِصْر المائية تسمح بملاعبتها وابتزازها سياسيا، ما يكشف حجم المؤامرة التي تورط فيها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي حينما تنازل لإثيوبيا فيما سمي "وثيقة سد النهضة" عن حقوق مِصْر المائية وأعطاها صك البراءة لتبني السد.
ومع إصرار إثيوبيا على عدم وقف البناء في السد وفشل مفاوضات القاهرة الأخيرة، كشف الدكتور نصر علام -وزير الري السابق- "إن أطرافًا دولية تدخلت في مفاوضات سد النهضة، لتعطيل مسار الدراسات التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسي والهولندي"، وأن "الكيان الصهيوني أرسل معدات لوجستية للانتهاء من بناء السد خلال الأسبوعيين الماضيين".
وبعيدا عن الدور الصهيوني، كان المستغرب هو الكشف عن استمرار هذه الاستثمارات الإماراتية والسعودية في إثيوبيا، التي تصب في تمويل سد النهضة، رغم تشدق الإمارات والسعودية بأهمية الدور الاستراتيجي والمحوري لمِصْر في قلب الأمة العربية، بينما استثماراتهما توجه طعنات لمِصْر تصب في خانة خدمة الهداف الاستراتيجية الإثيوبية لا المصرية.
والملفت أن ما جاء في الكتاب، جاء تصديقًا لقول وزير الأمن الداخلي السابق آفي ديختر، الذي كان رئيسا لجهاز الأمن العّام (الشاباك)، واليوم نائب في الكنيست عن حزب الليكود: إن انفصال جنوب السودان يُشكّل مصلحة للاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى؛ لأنّ كل الزعماء تبنوا خطًّا إستراتيجيا واحدا في التعامل مع السودان، يقضي بالعمل على تفجير أزمات مزمنة ومستعصية، وقد حان الوقت للتدّخل في غرب السودان، وبالآلية والوسائل ذاتها لتكرار ما حصل في جنوبه".
مشاركة حربية صهيونية ضد السودان
الكتاب يروي دور ضابط في "الموساد"، اسمه دافيد بن عوزئيل، (أطلقوا عليه اسم طرزان) الذي شغل مناصب قيادية في "الموساد"، والدور الذي لعبه في تدريب الانفصاليين وتوجيههم وتسليحهم، منذ ستينيات القرن الماضي، وصولا إلى انفصال الجنوب عام 2011.
حيث تناول الكتاب قصة عوزئيل أو "الجنرال جون" الذي يعرف بلقب "طرزان"، حيث كان جميع أصدقائه في طفولته ينادونه بهذا اللقب.
القائد السابق في جهاز "الموساد"، كشف في الكتاب، النقاب عن مشاركة الاحتلال بشكل فعلي في الحرب الأهلية التي اندلعت في السودان في الفترة الفاصلة بين عامي 1969 و1971.
وأنه وزملاؤه وضباطا في وحدات مختارة من الجيش الصهيوني شاركوا فعليا في هذه الحرب إلى جانب حركة "أنيا-نيا" الانفصالية التي طالبت بالانفصال عن السودان والتي كان يقودها الجنرال جوزيف لاغو.
وأضاف أنه وعناصر الموساد قاموا بتفجير جسور، إلى جانب المس بسفن كانت تنقل السلاح والإمدادات للجيش السوداني عبر النيل، مؤكدا أن "الاحتلال كان معنيا تماما بتقليص هامش المناورة المتاح للجيش السوداني في المنطقة".
وأشار إلى أن المهام التي قام بها الموساد في المنطقة تضمنت أيضا عمليات تدريب ونقل معدات قتالية ومساعدة "جيش جنوب السودان" على تدشين كتائب وألوية ووحدات صغيرة من أجل القيام بحرب عصابات ضد الجيش السوداني وغيرها.
الموساد -حسب الكتاب- دشن مهبطا للطائرات في جنوب السودان لاستغلاله في إقلاع وهبوط الطائرات التي كان يستأجرها، وكانت تنقل السلاح والعتاد لـ"جيش جنوب السودان" مباشرة عبر دول إفريقية متعاونة مع العدو الصهيوني ضد السودان؛ حيث شدد عوزيل على أن الاحتلال استفاد من التعاون الاستخباري مع كل من كينيا وإثيوبيا، في التواصل مع المتمردين في جنوب السودان.
إضعاف الجيش السوداني
ونوه عوزيل إلى أن الاحتلال هدف من دعم "جيش جنوب السودان" إلى محاولة إلهاء الجيش السوداني وتوريطه في حرب في جنوب البلاد، لتقليص قدرته على إرسال جنود للقتال إلى جانب الجيوش العربية ضد الاحتلال، وأن الدولة الصهيونية انطلقت من مبدأ "عدو عدوي صديقي"، وهو ما جعلها تستثمر في تقديم الدعم لكل طرف يعادي الدول العربية المشاركة في الصراع ضد الاحتلال من أجل استنزافها.
وأشار إلى أن الاحتلال حاول من خلال بناء علاقات مع دول وأقليات دينية ومذهبية وعرقية توجد في حالة صراع مع العالم العربي، تقليص مظاهر العزلة التي تعيشها في المنطقة، وهذا هو السبب وراء تعاظم العلاقات بين الاحتلال وكل من إثيوبيا وتركيا وإيران والموارنة في لبنان والأكراد في العراق.
ما مصلحة الاحتلال الإسرائيلي من تقسيم السودان؟
ولفت الكتاب إلى أن الاحتلال رأى في السودان "عقدة شائكة" تتطلب علاجا خاصا، وتحديدا أنه يتشكل من ديانات وإثنيات متعددة، موزعة بين الشمال العربيّ المسلم، والجنوب المسيحيّ، الأمر الذي يسهل عملية تقسيمه.
وفيما يتعلّق بالأسباب التي دفعت تل أبيب إلى العمل على تقسيم السودان وتقديم العون والمساعدة والمشورة للانفصاليين، لفت الموقع إلى أن الاحتلال أراد منع الترابط بين وحدات الجيشين السوداني والمصري.
أما الهدف الآخر فهو أنها أرادت أن تعزز علاقاتها بدول محيطة بالدول العربية، وتشمل (آنذاك) تركيا وإيران وإثيوبيا وكينيا، من خلال إضافة جنوب السودان إلى هذه الدول.
وبيّن مؤلف الكتاب أن رئيسة وزراء الاحتلال السابقة، غولدا مائير، قررت العمل على تقسيم السودان والموافقة على طلب المساعدة التي تقدم بها الجنوبيون إلى تل أبيب في الستينيات، وهو المسعى الذي تكلل بالنجاح بعد أربعة عقود.
وأشار الكتاب إلى أن حركة "الانيانيا" الانفصالية التي تأسست خلال الحرب الأهلية السودانية الأولى 1955-1972، تحولت فيما بعد إلى جيش قوي بفضل ثلاثة من ضباط "الموساد"، في مقدمتهم "طرزان"، وضابط آخر هو إيلي كوهين، الذي عمل مستشارا سياسيا للانفصاليين، وضابط آخر عرف باسم تشارلي.
وأدى الضباط الثلاثة دورا مهما في تدريب الجنوبيين على كيفية تأسيس الجيش وتقسيمه إلى وحدات عسكرية، إضافة إلى تزويدهم بالأسلحة.
تسليح الانفصاليين
ووفقا لما استعرضه الكتاب، فمنذ الستينيات من القرن العشرين، استمر الدعم العسكري ونقل الأسلحة والمعدات الحربية من الاحتلال إلى جنوب السودان، وهذه الأسلحة شملت بنادق ورشاشات وقنابل يدوية وألغاما وصواريخ مضادة للدروع وأجهزة اتصالات.
ولم يكتف الكيان الصهيوني بذلك، ولكنها أيضا قامت بإمداد الانفصاليين بألبسة عسكرية هي في معظمها غنائم من حرب الأيام الستة من الجيشين المصري والسوري، عام 1967.
ودلل الكتاب على الدعم الصهيوني من خلال إشارة رئيس جنوب السودان، سيلفا كير ميارديت، لذلك موضحا أنه استمر طوال العقود الماضية، بل إنه وجّه دعوة إلى "طرزان" لزيارة بلاده بعد إعلان انفصاله عن السودان.
واستقبل سلفاكير الجنرال جون (طرزان) وكرّمه بصورة خاصة في القصر الرئاسي، بل وجّه رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أشار فيها إلى أنه عيّن الجنرال جون موفدا وممثلا شخصيا خاصا عنه في الكيان، وفق ما أورده الكتاب.
الجنوب سلة غذاء للاحتلال!
وسبق أن دعا خبراء صهيونيين إلى إبرام اتفاقيات للتعاون الاقتصادي مع جنوب السودان، وأشاروا إلى ثراء الجنوب بالنفط، فضلا عن الأراضي الزراعية الخصبة الشاسعة، الأمر الذي اعتبروا أن الاحتلال يمكنه استغلاله؛ ليصبح جنوب السودان بمثابة سلة غذاء متميزة لها.
وأكد يوئيل جوتنسكي -الخبير والمحلل السياسي- أهمية إبرام اتفاقيات تعاون اقتصادي مع الجنوب السوداني، مشيرًا في هذا المقال إلى أن الاقتصاد وحده سيكون البداية لتحقيق هذا التعاون المتميز.
وأشار جوتنسكي إلى أن الكثير من الدول العربية تتخوف عن إبرام اتفاقيات التعاون الثنائي مع السودان إما لأسباب سياسية أو اقتصادية، معتبرا أن تلك هي الفرصة لاستغلال جنوب السودان الغني بالنفط، فضلا عن المناطق الزراعية التي من الممكن أن تتحول إلى سلة غذاء متميزة للاحتلال.
تاريخ قديم للتعاون بين الانفصاليين والاحتلال
ويرجع تاريخ التعاون بين الحركة الشعبية الجنوبية (حركة التمرد السابقة في الجنوب) والاحتلال إلى الثمانينيات من القرن الماضي عندما نشأت الحركة الشعبية وأصدرت أول مانيفستو للحركة عام 1983، تلاه تبادل الزيارات بين مسئولين أمنيين من الطرفين حسب وثائق صهيونية جرى نشرها وتزويد الاحتلال للجنوب بالسلاح.
وعندما جرى توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام عام 2005 وأصبح الجنوب مستقلا ذاتيا ويحكم نفسه تسربت تقارير عن استمرار تزويد تل أبيب للجنوب بالسلاح بكميات ضخمة تكفي دولًا استعدادا للحظة تقرير المصير والانفصال في يناير المقبل 2011، والمخاوف من اندلاع حرب بين الشمال والجنوب.
ورغم نفي مكتب اتصال حكومة جنوب السودان بالقاهرة ما تردد عن تزويد الاحتلال حكومة جنوب السودان بالدبابات والمروحيات والمدفعية أو أي نوع من الأسلحة ونفي وجود أي علاقة مع الاحتلال، فلم تتوقف التقارير الأجنبية التي تؤكد هذه العلاقة.
وكان أبرز دليل على عمق هذه العلاقة بين الطرفين كتاب صدر عام 2004 عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا التابع لجامعة تل أبيب، عنوانه هو: إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان.. نقطة البداية ومرحلة الانطلاق، ومؤلفه هو موشي فرجي الضابط السابق (عميد متقاعد) وثيق الصلة بدوائر القرار في (الموساد).
وهو كتاب يشرح بالتفصيل الدور الكبير الذي قامت به المخابرات الصهيونية في مساندة حركة تحرير الجنوب، سواء على صعيد إمدادها بالسلاح والخبراء والمال، أو على صعيد حشد التأييد الدبلوماسي والسياسي لصالحها، كما يشرح إستراتيجية الاحتلال لإضعاف العالم العربي بوجه عام، وإضعاف مِصْر على وجه الخصوص انطلاقا من السودان، خاصة (عقد تحالفات مع الأقليات العرقية والطائفية في الوطن العربي) لتفتيت العالم العربي.
وهذه النظرية التي اخترعها الصهاينة وأصبحت عقيدة لإدارة بوش الأمريكية لاحقا هي (نظرية شد الأطراف ثم بترها)، بمعنى مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها على الانفصال (وهذا هو المقصود بالبتر)، لإضعاف العالم العربى وتفتيته.
وقد أشار لها العميد موشي فيرجي، وقال الباحث الصهيوني زئيف شيف: إنها (إستراتيجية شد الأطراف) التي تم تبنيها في أواخر الخمسينيات جرى تجاوزها، حيث أصبح الهدف الصهيوني الآن هو شعار البتر وليس الشد,، عبر دعم الجماعات العرقية والدينية في الانفصال، وتشكيل الكيانات المستقلة عن الدول العربية.
ومن هنا جاء السعي الصهيوني لتوثيق العلاقة مع الحركة الانفصالية الشعبية في جنوب السودان، باعتبار أنها ستكون أداة يستخدمها الاحتلال لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى هو إضعاف مصر وتهديدها من الخلف، بحسب الاعتراف الصريح والموثق.
وكان النشاط الصهيوني الأبرز منذ الثمانينيات هو دعم التمرد المسلح بزعامة العقيد جون قرنق ابتداء من عام 1983؛ حيث ألقى الاحتلال بثقل قوي إلى جانب جيش جون قرنق، فزودته بأسلحة متقدمة ودربت عشرة من طياريه على قيادة مقاتلات خفيفة للهجوم على المراكز الحكومية في الجنوب ووفرت له صورا عن مواقع القوات الحكومية التقطتها أقمارها الصناعية.
بل إن الاحتلال أوفد بعض خبرائه لوضع الخطط والقتال إلى جانب الانفصاليين، وقد قتل منهم خمسة ضباط في معارك دارت في نهاية عام 1988، كان بينهم اثنان من ضباط الموساد، وثبت أن الضباط اشتركوا في العمليات التي أدت إلى احتلال بعض مدن الجنوب في عام 1990.
بل إن الاحتلال كان يدفع مرتبات قادة وضباط جيش "تحرير السودان"، وقدرت مجلة "معرخون" العسكرية أن مجموع ما قدمت الاحتلال لجيش تحرير الجنوب 500 مليون دولار، قامت الولايات المتحدة بتغطية الجانب الأكبر منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق