التنمية الاقتصادية من منظور الاستقلال الوطنى
بقلم: د. مجدي قرقر
منذ يوم
عدد القراءات: 586
لا مجال للحديث عن الاستقلال والتنمية المستقلة إذا لم يكن ذلك مشفوعًا بالقدرة على التفكير المستقل.. أى على التفكير بأنفسنا لأنفسنا
الغرب يظلم ابن خلدون بوصفه «أبو علم الاجتماع» وهو مؤسس «علم العمران البشرى» الأكبر كثيرًا من علم الاجتماع
اليابان لا تعتمد فى التنمية إلا على مواطنيها (127.5 مليون نسمة) لأن الطبيعة تعمل ضدهم فلا يوجد سوى الزلازل والبراكين والتضاريس المرتفعة
علينا الأخذ بالتكنولوجيا كثيفة العمالة قليلة رأس المال
فى مقالنا السابق بعنوان «الاستقلال الوطنى قضية حزب الاستقلال المحورية ضمانا للحاضر والمستقبل» تعرضنا لرؤية حزب الاستقلال التى تخرجنا من دوائر التبعية للغرب المهيمن على العالم باستقلالنا الوطنى، ثم تعرضنا لقضية الاستقلال الوطنى كقضية محورية فى تاريخ الحزب بمراحله المختلفة منذ حزب «مصر الفتاة» و«حزب العمل» إلى «حزب الاستقلال»، وأن حزب الاستقلال يعتبر امتدادا لتاريخ طويل من نضال تيار الوطنية والإسلام فى مصر الذى بدأ بالثورة العرابية وزعيمها الوطنى أحمد عرابى، مرورا بزعيم مصر الوطنى الشاب مصطفى كامل وخليفته الوطنى الزاهد محمد فريد، ثم الأب الروحى لحزب «العمل» (الاستقلال) الزعيم المصرى «أحمد حسين» ونائبه المجاهد إبراهيم شكرى ورفيق كفاحهما الدكتور محمد حلمى مراد (راهب الوطنية المصرية) ثم الزعيم المجدد «عادل حسين» وأخى المجاهد رئيس الحزب «مجدى أحمد حسين» وقيادات وكوادر الحزب التى لعبت دورا كبيرا فى إرهاصات ثورة 25 يناير المجيدة.
ثم أشرنا فى المقال إلى أن «الحرية باب الاستقلال والعبودية باب التبعية» وأن حكامنا لم يذوقوا طعم العبودية لله ولم يعرفوا قيمتها، فجعلوا من أنفسهم طواغيت يستعبدوننا، وعبيدا أذلاء أمام قوى الاستكبار العالمى، وأكدنا رفض التبعية وأية علاقات خاصة مع أمريكا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وخلصنا إلى أن مقاومة المشروع الصهيونى-الأمريكى فى المنطقة فرض عين على كل عربى، وأن الأمن المصرى يتطلب تكاملا عربيا وإسلاميا، وانتهينا إلى أن استراتيجيتنا البديلة فى الاقتصاد هى استراتيجية الاعتماد على الذات، ومن هنا نستكمل مقالنا اليوم. وموضوعنا -مثل أى مشروع حضارى- له أهداف، ومدخل، ووسائل للتحقيق، وتطبيقات.
فى مقالنا السابق بعنوان «الاستقلال الوطنى قضية حزب الاستقلال المحورية ضمانا للحاضر والمستقبل» تعرضنا لرؤية حزب الاستقلال التى تخرجنا من دوائر التبعية للغرب المهيمن على العالم باستقلالنا الوطنى، ثم تعرضنا لقضية الاستقلال الوطنى كقضية محورية فى تاريخ الحزب بمراحله المختلفة منذ حزب «مصر الفتاة» و«حزب العمل» إلى «حزب الاستقلال»، وأن حزب الاستقلال يعتبر امتدادا لتاريخ طويل من نضال تيار الوطنية والإسلام فى مصر الذى بدأ بالثورة العرابية وزعيمها الوطنى أحمد عرابى، مرورا بزعيم مصر الوطنى الشاب مصطفى كامل وخليفته الوطنى الزاهد محمد فريد، ثم الأب الروحى لحزب «العمل» (الاستقلال) الزعيم المصرى «أحمد حسين» ونائبه المجاهد إبراهيم شكرى ورفيق كفاحهما الدكتور محمد حلمى مراد (راهب الوطنية المصرية) ثم الزعيم المجدد «عادل حسين» وأخى المجاهد رئيس الحزب «مجدى أحمد حسين» وقيادات وكوادر الحزب التى لعبت دورا كبيرا فى إرهاصات ثورة 25 يناير المجيدة.
ثم أشرنا فى المقال إلى أن «الحرية باب الاستقلال والعبودية باب التبعية» وأن حكامنا لم يذوقوا طعم العبودية لله ولم يعرفوا قيمتها، فجعلوا من أنفسهم طواغيت يستعبدوننا، وعبيدا أذلاء أمام قوى الاستكبار العالمى، وأكدنا رفض التبعية وأية علاقات خاصة مع أمريكا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وخلصنا إلى أن مقاومة المشروع الصهيونى-الأمريكى فى المنطقة فرض عين على كل عربى، وأن الأمن المصرى يتطلب تكاملا عربيا وإسلاميا، وانتهينا إلى أن استراتيجيتنا البديلة فى الاقتصاد هى استراتيجية الاعتماد على الذات، ومن هنا نستكمل مقالنا اليوم. وموضوعنا -مثل أى مشروع حضارى- له أهداف، ومدخل، ووسائل للتحقيق، وتطبيقات.
أولاً- مفهوم الاستقلال الوطنى
إن مفهوم الاستقلال عند «مصر الفتاة» وعند حزب «العمل»، لا يقتصر على إخراج جيوش الاحتلال وطردها من الوطن، بل يتعدى ذلك إلى آفاق أوسع وأكثر تركيبا.
يشير الأستاذ عادل حسين فى آخر دراسة له بعنوان «الاستقلال الوطنى والقومى» -والتى قدمها فى ندوة عقدت فى المغرب العربى عام 2000 وأصدرها المركز العربى للدراسات فى كتيب يحمل الاسم نفسه عام 2004- إلى أنه إذا كان فرض السيطرة الغربية الصهيونية على مقدراتنا عملية مركبة، أسهم فى إنتاجها ما هو أيدولوجى وما هو سياسى واقتصادى وعسكرى؛ فكذلك حال النهضة، ومدخلها استعادة الاستقلال؛ فالاستقلال عملية مركبة فى الاتجاه المضاد تضم ما هو أيدولوجى وما هو سياسى واقتصادى وعسكرى. وأضيف: وما هو ثقافى. ويضيف عادل حسين فى دراسته: «إن التنمية الجادة المستقلة لا بد أن تبدأ بكسر حلقة التبعية وتسعى إلى تحقيق تنمية متمحورة حول ذاتها وتتجه إلى سوقها الداخلية بالأساس». وستكون لنا عودة مع هذه الدراسة المهمة فى مقال قادم.
ولقد ربط الأستاذ مجدى حسين فى ندوة أخيرة له بين الاستقلال والإرادة. وهذا صحيح؛ فالاستقلال لا يتحقق بدون إرادة. وأضيف: «الاستقلال يحتاج إلى إرادة وإمكانات. والإمكانات تأتى ترجمة للأمر القرآنى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم) فالله لم يأمرنا بأكثر من الاستطاعة، إرادة وإمكانات. والإرادة بدون إمكانات انتحار، والإمكانات بدون إرادة إهدار للثروة الوطنية.
يشير الأستاذ عادل حسين فى آخر دراسة له بعنوان «الاستقلال الوطنى والقومى» -والتى قدمها فى ندوة عقدت فى المغرب العربى عام 2000 وأصدرها المركز العربى للدراسات فى كتيب يحمل الاسم نفسه عام 2004- إلى أنه إذا كان فرض السيطرة الغربية الصهيونية على مقدراتنا عملية مركبة، أسهم فى إنتاجها ما هو أيدولوجى وما هو سياسى واقتصادى وعسكرى؛ فكذلك حال النهضة، ومدخلها استعادة الاستقلال؛ فالاستقلال عملية مركبة فى الاتجاه المضاد تضم ما هو أيدولوجى وما هو سياسى واقتصادى وعسكرى. وأضيف: وما هو ثقافى. ويضيف عادل حسين فى دراسته: «إن التنمية الجادة المستقلة لا بد أن تبدأ بكسر حلقة التبعية وتسعى إلى تحقيق تنمية متمحورة حول ذاتها وتتجه إلى سوقها الداخلية بالأساس». وستكون لنا عودة مع هذه الدراسة المهمة فى مقال قادم.
ولقد ربط الأستاذ مجدى حسين فى ندوة أخيرة له بين الاستقلال والإرادة. وهذا صحيح؛ فالاستقلال لا يتحقق بدون إرادة. وأضيف: «الاستقلال يحتاج إلى إرادة وإمكانات. والإمكانات تأتى ترجمة للأمر القرآنى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم) فالله لم يأمرنا بأكثر من الاستطاعة، إرادة وإمكانات. والإرادة بدون إمكانات انتحار، والإمكانات بدون إرادة إهدار للثروة الوطنية.
ثانيًا - الهدف من التنمية
فى قضية التنمية أربعة سيناريوهات: (الانكماش - التطوير أو التحسين - الاستقرار أو الثبات فى حالة عدم القابلية للنمو - النمو أو الزيادة).
وكما يقول المفكر والمجاهد عادل حسين فى كتيبه «الإسلام دين وحضارة» الذى أصدره حزب «العمل» عام 1987، فالهدف من التنمية فى النظريات الغربية هو تحقيق أكبر قدر من المتع الحسية والدنيوية للفرد. أما الهدف من التنمية فى المجتمع الإسلامى فهو تحقيق حياة كريمة للفرد فى دنياه مع ابتغاء مرضاة الله، أى تحقيق الحياة الكريمة دون أن نغضب الله سبحانه وتعالى، أو بمعنى آخر أن نعمل لآخرتنا دون أن ننسى نصيبنا من الدنيا.
ووفقا لهذا الهدف، يتبنى حزب «الاستقلال» رؤية اقتصادية من منظور إسلامى، وهى رؤية وسطية تبارك المجهودات الفردية دون احتكار أو استغلال، وبما لا يتعارض مع مصلحة الوطن والمواطن تأكيدا لمبدأ «التكافل الاجتماعى» ومبدأ «لا ضرر ولا ضرار»، كما تبارك دور الدولة دون أن تجعل البشر تروسا فى ماكينات الإنتاج؛ أى أن القطاعَيْن الخاص والعام هما جناحا التنمية، وهو مع الأسف بُعد غائب فى دستور مصر.
وكما يقول المفكر والمجاهد عادل حسين فى كتيبه «الإسلام دين وحضارة» الذى أصدره حزب «العمل» عام 1987، فالهدف من التنمية فى النظريات الغربية هو تحقيق أكبر قدر من المتع الحسية والدنيوية للفرد. أما الهدف من التنمية فى المجتمع الإسلامى فهو تحقيق حياة كريمة للفرد فى دنياه مع ابتغاء مرضاة الله، أى تحقيق الحياة الكريمة دون أن نغضب الله سبحانه وتعالى، أو بمعنى آخر أن نعمل لآخرتنا دون أن ننسى نصيبنا من الدنيا.
ووفقا لهذا الهدف، يتبنى حزب «الاستقلال» رؤية اقتصادية من منظور إسلامى، وهى رؤية وسطية تبارك المجهودات الفردية دون احتكار أو استغلال، وبما لا يتعارض مع مصلحة الوطن والمواطن تأكيدا لمبدأ «التكافل الاجتماعى» ومبدأ «لا ضرر ولا ضرار»، كما تبارك دور الدولة دون أن تجعل البشر تروسا فى ماكينات الإنتاج؛ أى أن القطاعَيْن الخاص والعام هما جناحا التنمية، وهو مع الأسف بُعد غائب فى دستور مصر.
ثالثًا- مدخل إسلامى إلى التنمية
وما دام الهدف من التنمية قد وضح فكيف يكون المدخل لتحقيق هذا الهدف؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال ربما يكون مفيدا أن نجيب على سؤال آخر: لماذا فشلت تجاربنا الاقتصادية السابقة فى مجتمعاتنا الإسلامية، سواء كانت هذه التجارب اشتراكية أو رأسمالية؟
القضية هى أننا استوردنا هذه النظريات دون أن نفكر لأنفسنا بأنفسنا، وأن المدخل للتنمية يجب أن يختلف باختلاف أصولنا الدينية والحضارية ونحن لم نأخذ هذا فى الاعتبار. نحن نؤمن بأن الحياة الدنيا متاع، وأنها مجرد وسيلة أو طريق إلى آخرتنا.. نؤمن بالآخرة.. نؤمن بالحساب.. نؤمن بالجنة والنار. أما النظريات الاقتصادية والاجتماعية الغربية فترتكز على الأصول الدنيوية والدينية لهذه الحضارة (إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ). حتى إن آمنوا بالآخرة فهو إيمان يشوبه كثير من الضلال.
وما دامت جذورنا الدينية والحضارية تختلف عن جذورهم، فإن ما يتفرع عنها من نظريات يجب أن يختلف بالضرورة، وهو ما ينقلنا إلى قضية الاستقلال الوطنى. هذه نقطة هامة يجب أن نأخذها فى الاعتبار ونحن نتحدث عن التنمية من منظور إسلامى ينشد الاستقلال.
وكما قلنا، فإن أية نظرية إسلامية فى الإصلاح الاقتصادى الشامل تبدأ بتأكيد استقلالنا، ولا مجال للحديث عن الاستقلال والتنمية المستقلة إذا لم يكن ذلك مشفوعا بالقدرة على التفكير المستقل؛ أى على التفكير بأنفسنا لأنفسنا، انطلاقا من أصولنا الدينية المتميزة. وبتعبير آخر لا بد من اجتهاد (محاور إسلامية للإصلاح الاقتصادى، الحلول القريبة والحلول البعيدة - المؤتمر العام الخامس لحزب العمل 1989).
القضية هى أننا استوردنا هذه النظريات دون أن نفكر لأنفسنا بأنفسنا، وأن المدخل للتنمية يجب أن يختلف باختلاف أصولنا الدينية والحضارية ونحن لم نأخذ هذا فى الاعتبار. نحن نؤمن بأن الحياة الدنيا متاع، وأنها مجرد وسيلة أو طريق إلى آخرتنا.. نؤمن بالآخرة.. نؤمن بالحساب.. نؤمن بالجنة والنار. أما النظريات الاقتصادية والاجتماعية الغربية فترتكز على الأصول الدنيوية والدينية لهذه الحضارة (إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ). حتى إن آمنوا بالآخرة فهو إيمان يشوبه كثير من الضلال.
وما دامت جذورنا الدينية والحضارية تختلف عن جذورهم، فإن ما يتفرع عنها من نظريات يجب أن يختلف بالضرورة، وهو ما ينقلنا إلى قضية الاستقلال الوطنى. هذه نقطة هامة يجب أن نأخذها فى الاعتبار ونحن نتحدث عن التنمية من منظور إسلامى ينشد الاستقلال.
وكما قلنا، فإن أية نظرية إسلامية فى الإصلاح الاقتصادى الشامل تبدأ بتأكيد استقلالنا، ولا مجال للحديث عن الاستقلال والتنمية المستقلة إذا لم يكن ذلك مشفوعا بالقدرة على التفكير المستقل؛ أى على التفكير بأنفسنا لأنفسنا، انطلاقا من أصولنا الدينية المتميزة. وبتعبير آخر لا بد من اجتهاد (محاور إسلامية للإصلاح الاقتصادى، الحلول القريبة والحلول البعيدة - المؤتمر العام الخامس لحزب العمل 1989).
مقياس التنمية
النقطة الثانية التى تحكم المدخل الإسلامى إلى التنمية هى أن مقياس التنمية فى النظريات الغربية (رأسمالية أو ماركسية أو ما بينهما) هو مقدار ما يتحقق للفرد من متع حسية ودنيوية، أو ما قد يسميه البعض (متوسط دخل الفرد). حتى قضية العقيدة يربطونها بمقدار ما يتحقق لهم من متع؛ فإذا كان الكفر بوجود الإله يحقق لهم المتعة الحسية أو الروحية فليكفروا بالله، وإذا كان تعدد الآلهة يحقق لهم هذه المتعة فليشركوا (عقيدة عبثية).
إن الارتفاع بمستوى الدخل والإنتاج وفقا للمعايير الغربية، هو الطريق إلى السعادة فى نظرهم. ورغم هذا فإن المجتمع الأمريكى -على سبيل المثال- ملىء بالعنف والاستضعاف والتحلل الأسرى والمخدرات. ونحن لا ننكر أهمية العمل على زيادة معدلات الاستثمار والإنتاج، لكن معاييرنا الإسلامية تخرج فى تقييمها للتقدم بين الجوانب المادية والجوانب الروحية وتحقيق التوازن بين دنيانا وآخرتنا.
النقطة الثانية التى تحكم المدخل الإسلامى إلى التنمية هى أن مقياس التنمية فى النظريات الغربية (رأسمالية أو ماركسية أو ما بينهما) هو مقدار ما يتحقق للفرد من متع حسية ودنيوية، أو ما قد يسميه البعض (متوسط دخل الفرد). حتى قضية العقيدة يربطونها بمقدار ما يتحقق لهم من متع؛ فإذا كان الكفر بوجود الإله يحقق لهم المتعة الحسية أو الروحية فليكفروا بالله، وإذا كان تعدد الآلهة يحقق لهم هذه المتعة فليشركوا (عقيدة عبثية).
إن الارتفاع بمستوى الدخل والإنتاج وفقا للمعايير الغربية، هو الطريق إلى السعادة فى نظرهم. ورغم هذا فإن المجتمع الأمريكى -على سبيل المثال- ملىء بالعنف والاستضعاف والتحلل الأسرى والمخدرات. ونحن لا ننكر أهمية العمل على زيادة معدلات الاستثمار والإنتاج، لكن معاييرنا الإسلامية تخرج فى تقييمها للتقدم بين الجوانب المادية والجوانب الروحية وتحقيق التوازن بين دنيانا وآخرتنا.
عناصر الاقتصاد
النقطة الثالثة التى تحكم المدخل الإسلامى إلى التنمية هى عناصر الاقتصاد. علماء الاقتصاد حددوا عناصره فى الآتى:
يتفق الاقتصاديون المعاصرون على تقسيم عناصر الإنتاج إلى أربعة أقسام؛ هى: الأرض (الطبيعة)، والعمل، ورأس المال، والتنظيم (الإدارة)، إلا أنهم اختصروها مؤخرا فى الأرض والبشر.
وهذه الرؤية الأخيرة للعلماء المحدثين تطابق الرؤية الاقتصادية فى الإسلام، إلا أن الأستاذ عادل حسين رحمه الله أضاف عنصرا ثالثا لتكون (الله - الأرض - البشر). والله هنا تعنى بعدين: تقوى الله ومعية الله. ويأتى ذلك ترجمة للآية القرآنية (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: ٦١)، هو -أى الله سبحانه وتعالى- أنشأكم.. أنشأ من؟.. البشر، من الأرض بهدف تعميرها، ثلاثة عناصر: (الله - الأرض - البشر).
ومن هذه الأية الكريمة (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) اشتق شيخنا الفقيه العبقرى «ابن خلدون» مصطلحه وأسس نظريته فى العمران البشرى. وابن خلدون يظلمه علماء الغرب عندما ينعتونه بـ«أبو علم الاجتماع» وفى هذا ظلم كبير له؛ فعلم العمران البشرى أكبر كثيرا من علم الاجتماع؛ حيث إنه يشمل علوم السياسة والتاريخ والاقتصاد والاجتماع.
نعود للآية الكريمة: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: ٦١) التى تؤكد أن الإنسان هو العنصر الفاعل فى التنمية وهو الذى يحدد بواعثها وهو غايتها التى تعود آثارها عليه.
ومن هنا ينشأ الخلاف فى المدخل فى التنمية بيننا وبين النظريات الغربية؛ ففيما تعتبر النظريات الماركسية الإنسان ترسا من تروس الإنتاج، وفيما تسمح النظريات الرأسمالية باحتكار الإنسان مجهود أخيه الإنسان؛ فإن الإسلام يعلى شأن الإنسان ويعتبره الأساس والعامل المهم لإعمار الأرض، أى التنمية بمفهومها الشامل.
إن عناصر الإنتاج المادية مسخرة أساسا للإنسان واستخداماته فى إعمار الأرض، أى أن الإنسان هو القوة الفاعلة بل هو مأمور بالبحث والتنقيب عن عناصر الإنتاج ومصادر الثروة (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ) (لقمان: 11)، (وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ) (إبراهيم: 32)، (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا) (النحل: 41). الإنسان مأمور بالسير فى الأرض والبحث فى مناكبها، وتأمل حكمة الله فى الخلق والأخذ بالأسباب وقهر الفقر والاحتياط لظروف الطبيعة.
ورغم هذا نجد أن حكامنا التابعين لسياسات الغرب يعتبرون المواطنين عبئا لأنهم يأكلون كثيرا وينجبون كثيرا. وكما قال مبارك فى التسعينيات فى حديث لطلبة الجامعات: «هذه السنة سوداء والسنة القادمة أكثر سوادا». ويضيف فى حديث آخر مخاطبا الشعب: «مشكلتنا أنكم تأكلون كثيرا وتنجبون كثيرا»، ولهذا فعليهم تحديد النسل للتخلص من هذا العبء.
ليست القضية فى عدم إدراك قيمة الإنسان فقط، بل فى غياب البعد الإيمانى (معية الله) التى تحدثنا عنها (وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الذاريات: 22-23).
وفى مقابل عدم إدراك حكامنا قيمة الإنسان نجد كثيرا من الدول الأوروبية تشجع الإنجاب؛ لأن الإنسان هو القوة الفاعلة فى الإنتاج، ونجد الزعيم الصينى «ماوتسى تونج» رغم شيوعيته يقول إدراكا لقيمة الإنسان: «أمام كل فم يأكل يدان تعملان». ولنعاود النظر فى النموذج اليابانى الذى لا يملك أى مصادر طبيعية أو أى أداة من أدوات الإنتاج سوى البشر، بل إن الطبيعة تعمل ضدهم، فلا يوجد سوى الزلازل والبراكين والتضاريس المرتفعة. اليابان لا تملك سوى 127.5 مليون نسمة؛ هذه هى ثروتها، ولكن أمراض أوروبا الاجتماعية قد طالتها؛ إذ انخفض عدد سكان اليابان عام 2014 بمقدار 244 ألف نسمة، وهو الانخفاض الأكبر على الإطلاق، وفقا لبيانات وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية التى نوهت أن عدد السكان ينخفض سنويا منذ عام 2005. المهم أن اليابانيين لا يؤمنون بالله والأرض تعمل ضدهم، فلا يملكون من أدوات الإنتاج أو الاقتصاد سوى المائة وسبعة وعشرين مليونا من اليابانيين.. هذه كل ثروتها.
فى المقابل نحن نؤمن بالله وبمعيته ونتقيه، ولدينا ثروات أرضية (فوقها وتحتها)، ولدينا البشر. ولكننا لا نؤمن بأهمية البشر كما أشرنا ونسىء توظيفهم؛ فالقوى العاملة فى مجال الخدمات يبلغون 40% (موظفين لخدمة الموظفين). إننا لا نحسن التعامل مع القوى البشرية وفقا لنسب عملهم التالية (زراعة 42%، صناعة وتعدين وكهرباء 13%، بناء وتشييد 6%، خدمات 39%).
يتفق الاقتصاديون المعاصرون على تقسيم عناصر الإنتاج إلى أربعة أقسام؛ هى: الأرض (الطبيعة)، والعمل، ورأس المال، والتنظيم (الإدارة)، إلا أنهم اختصروها مؤخرا فى الأرض والبشر.
وهذه الرؤية الأخيرة للعلماء المحدثين تطابق الرؤية الاقتصادية فى الإسلام، إلا أن الأستاذ عادل حسين رحمه الله أضاف عنصرا ثالثا لتكون (الله - الأرض - البشر). والله هنا تعنى بعدين: تقوى الله ومعية الله. ويأتى ذلك ترجمة للآية القرآنية (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: ٦١)، هو -أى الله سبحانه وتعالى- أنشأكم.. أنشأ من؟.. البشر، من الأرض بهدف تعميرها، ثلاثة عناصر: (الله - الأرض - البشر).
ومن هذه الأية الكريمة (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) اشتق شيخنا الفقيه العبقرى «ابن خلدون» مصطلحه وأسس نظريته فى العمران البشرى. وابن خلدون يظلمه علماء الغرب عندما ينعتونه بـ«أبو علم الاجتماع» وفى هذا ظلم كبير له؛ فعلم العمران البشرى أكبر كثيرا من علم الاجتماع؛ حيث إنه يشمل علوم السياسة والتاريخ والاقتصاد والاجتماع.
نعود للآية الكريمة: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: ٦١) التى تؤكد أن الإنسان هو العنصر الفاعل فى التنمية وهو الذى يحدد بواعثها وهو غايتها التى تعود آثارها عليه.
ومن هنا ينشأ الخلاف فى المدخل فى التنمية بيننا وبين النظريات الغربية؛ ففيما تعتبر النظريات الماركسية الإنسان ترسا من تروس الإنتاج، وفيما تسمح النظريات الرأسمالية باحتكار الإنسان مجهود أخيه الإنسان؛ فإن الإسلام يعلى شأن الإنسان ويعتبره الأساس والعامل المهم لإعمار الأرض، أى التنمية بمفهومها الشامل.
إن عناصر الإنتاج المادية مسخرة أساسا للإنسان واستخداماته فى إعمار الأرض، أى أن الإنسان هو القوة الفاعلة بل هو مأمور بالبحث والتنقيب عن عناصر الإنتاج ومصادر الثروة (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ) (لقمان: 11)، (وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ) (إبراهيم: 32)، (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا) (النحل: 41). الإنسان مأمور بالسير فى الأرض والبحث فى مناكبها، وتأمل حكمة الله فى الخلق والأخذ بالأسباب وقهر الفقر والاحتياط لظروف الطبيعة.
ورغم هذا نجد أن حكامنا التابعين لسياسات الغرب يعتبرون المواطنين عبئا لأنهم يأكلون كثيرا وينجبون كثيرا. وكما قال مبارك فى التسعينيات فى حديث لطلبة الجامعات: «هذه السنة سوداء والسنة القادمة أكثر سوادا». ويضيف فى حديث آخر مخاطبا الشعب: «مشكلتنا أنكم تأكلون كثيرا وتنجبون كثيرا»، ولهذا فعليهم تحديد النسل للتخلص من هذا العبء.
ليست القضية فى عدم إدراك قيمة الإنسان فقط، بل فى غياب البعد الإيمانى (معية الله) التى تحدثنا عنها (وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الذاريات: 22-23).
وفى مقابل عدم إدراك حكامنا قيمة الإنسان نجد كثيرا من الدول الأوروبية تشجع الإنجاب؛ لأن الإنسان هو القوة الفاعلة فى الإنتاج، ونجد الزعيم الصينى «ماوتسى تونج» رغم شيوعيته يقول إدراكا لقيمة الإنسان: «أمام كل فم يأكل يدان تعملان». ولنعاود النظر فى النموذج اليابانى الذى لا يملك أى مصادر طبيعية أو أى أداة من أدوات الإنتاج سوى البشر، بل إن الطبيعة تعمل ضدهم، فلا يوجد سوى الزلازل والبراكين والتضاريس المرتفعة. اليابان لا تملك سوى 127.5 مليون نسمة؛ هذه هى ثروتها، ولكن أمراض أوروبا الاجتماعية قد طالتها؛ إذ انخفض عدد سكان اليابان عام 2014 بمقدار 244 ألف نسمة، وهو الانخفاض الأكبر على الإطلاق، وفقا لبيانات وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية التى نوهت أن عدد السكان ينخفض سنويا منذ عام 2005. المهم أن اليابانيين لا يؤمنون بالله والأرض تعمل ضدهم، فلا يملكون من أدوات الإنتاج أو الاقتصاد سوى المائة وسبعة وعشرين مليونا من اليابانيين.. هذه كل ثروتها.
فى المقابل نحن نؤمن بالله وبمعيته ونتقيه، ولدينا ثروات أرضية (فوقها وتحتها)، ولدينا البشر. ولكننا لا نؤمن بأهمية البشر كما أشرنا ونسىء توظيفهم؛ فالقوى العاملة فى مجال الخدمات يبلغون 40% (موظفين لخدمة الموظفين). إننا لا نحسن التعامل مع القوى البشرية وفقا لنسب عملهم التالية (زراعة 42%، صناعة وتعدين وكهرباء 13%، بناء وتشييد 6%، خدمات 39%).
رابعا- مفهوم التنمية الشاملة المستقلة المستدامة من منظور إسلامى
إن المفهوم الذى ندعو إليه هو مفهوم التنمية الشاملة التى تقوم على تطوير كل أنحاء المجتمع بطريقة متوازنة ومتسقة، لا تعلى شأن الاقتصاد على كل النواحى الأخرى.
هذه التنمية هى التى تسعى إلى تطوير المجتمع فى شتى المناحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بطريقة متسقة ومتوازنة تنبع من أصولنا الإسلامية والحضارية.
إن التنمية الشاملة يجب أن تشمل كل المجالات.. علينا أن نعترف بلغتنا العربية.. بتاريخنا.. بجذورنا الحضارية.. ويجب أن يتسق كل هذا مع نظمنا السياسية والاقتصادية.
هذه التنمية هى التى تسعى إلى تطوير المجتمع فى شتى المناحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بطريقة متسقة ومتوازنة تنبع من أصولنا الإسلامية والحضارية.
إن التنمية الشاملة يجب أن تشمل كل المجالات.. علينا أن نعترف بلغتنا العربية.. بتاريخنا.. بجذورنا الحضارية.. ويجب أن يتسق كل هذا مع نظمنا السياسية والاقتصادية.
ولتحديد مفهوم التنمية نحاول الإجابة على بعض الأسئلة:
1- هل التنمية هى زيادة الإنتاج؟ وهل مقياس التنمية بتعظيم العائد المادى هو المقياس الوحيد؟
2- هل التنمية هى استخدام التكنولوجيا المتقدمة؟
3- هل التنمية هى اللحاق بالدول المتقدمة؟
4- نطاق التنمية المطلوبة.. هل مطلوب تحقيقها على المستوى الوطنى أم المستوى الإقليمى أو العربى أم المستوى الإسلامى؟
2- هل التنمية هى استخدام التكنولوجيا المتقدمة؟
3- هل التنمية هى اللحاق بالدول المتقدمة؟
4- نطاق التنمية المطلوبة.. هل مطلوب تحقيقها على المستوى الوطنى أم المستوى الإقليمى أو العربى أم المستوى الإسلامى؟
الإجابة على هذه الأسئلة تحدد مفهوم التنمية بوضوح:
أعتقد أننا أجبنا عن السؤال الأول: تعظيم العائد المادى ليس هو المقياس الوحيد للتنمية؛ لأن التنمية الاقتصادية يجب أن تستهدف عدالة التوزيع وتحقيق الحياة الكريمة دون أن نغضب الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى زيادة الإنتاج، كما أن التنمية يجب أن تعلى المصالح الوطنية العليا على معدل زيادة الإنتاج أو تنميته (تنمية البقاء وفقا لتعبير الدكتور سيد دسوقى أستاذ هندسة الطيران فى جامعة القاهرة). كما أن وفرة الإنتاج مع سوء التوزيع هو احتكار لا يقره الإسلام ويولد كثيرا من الأحقاد الاجتماعية وهذا ما يتفشى فى الغرب الرأسمالى. وعدالة التوزيع دون زيادة الإنتاج هى توزيع للفقر والبؤس يرفضه الإسلام.
ومع الأسف، فإن هذا المفهوم القاصر للتنمية بالربط بينها وبين معدلات زيادة الإنتاج وارتفاع مستوى معيشة الفرد وما يتحقق له من متع حسية ودنيوية أصبح سائدا عند أهل الحكم عندنا، فأصبحت بياناتهم تمتلئ بالأرقام الملفقة الكاذب.. ولكن ما العائد على الإنسان؟ حتى هذا المفهوم القاصر للتنمية عجزوا عن محاكاة الغرب فيه.
إن التنمية الرأسمالية بمفهومها الشامل قد تضمن حرية التعبير، لكنها لا تضمن الحياة الكريمة لجميع أبناء الأمة، كما أنها لا تمنع احتكار الإنسان للإنسان، سواء كان هذا الإنسان المستضعف من أبناء المجتمع أو كان ممثلا فى الدول المنهوبة والمستضعفة.
كما أن التنمية فى المفهوم الماركسى قد تضمن رغيف الخبز لكنها فى المقابل تلغى حرية التعبير.
مرة أخرى.. لسنا ضد تعظيم العائد، أو تعظيم معدل التنمية كأحد مقاييس التنمية، لكن لا يجب أن نأخذه مقياسا وحيدا للتنمية؛ لأن هذا ليس هو المحدد الوحيد فى منظومة التنمية؛ لأننا -كما اتفقنا- يجب أن نتساءل: هل حققت التنمية غايتها فى حياة كريمة للإنسان بالمعنى الشامل للحياة الكريمة؟ هل عادت التنمية بالخير على الإنسان دون أن يضر باقى المجتمع؟ ثم هل عادت التنمية بالخير على المجتمع كله دون أن يظلم الإنسان كما يحدث فى المجتمعات الاشتراكية؟ ثم -وهو الأهم- هل تحققت التنمية دون أن نغضب الله سبحانه وتعالى؟ هل التنمية الأمريكية التى أصلحت عجز الميزانية وميزان المدفوعات فى التسعينيات وفى الألفية الجديدة باستنزاف الخليج، تتفق مع المفهوم الإسلامى؟ بالقطع فإن الإجابة على كل هذه الأسئلة تكون بالنفى.
هل التنمية فى المجتمع الأمريكى الملىء بالعنف والاستضعاف والتحلل الأسرى هى النموذج المطلوب فى مجتمعاتنا الإسلامية؟ هل التنمية فى المجتمعات الشيوعية التى تستعبد الإنسان هى النموذج المطلوب؟
أعتقد أننا أجبنا عن السؤال الأول: تعظيم العائد المادى ليس هو المقياس الوحيد للتنمية؛ لأن التنمية الاقتصادية يجب أن تستهدف عدالة التوزيع وتحقيق الحياة الكريمة دون أن نغضب الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى زيادة الإنتاج، كما أن التنمية يجب أن تعلى المصالح الوطنية العليا على معدل زيادة الإنتاج أو تنميته (تنمية البقاء وفقا لتعبير الدكتور سيد دسوقى أستاذ هندسة الطيران فى جامعة القاهرة). كما أن وفرة الإنتاج مع سوء التوزيع هو احتكار لا يقره الإسلام ويولد كثيرا من الأحقاد الاجتماعية وهذا ما يتفشى فى الغرب الرأسمالى. وعدالة التوزيع دون زيادة الإنتاج هى توزيع للفقر والبؤس يرفضه الإسلام.
ومع الأسف، فإن هذا المفهوم القاصر للتنمية بالربط بينها وبين معدلات زيادة الإنتاج وارتفاع مستوى معيشة الفرد وما يتحقق له من متع حسية ودنيوية أصبح سائدا عند أهل الحكم عندنا، فأصبحت بياناتهم تمتلئ بالأرقام الملفقة الكاذب.. ولكن ما العائد على الإنسان؟ حتى هذا المفهوم القاصر للتنمية عجزوا عن محاكاة الغرب فيه.
إن التنمية الرأسمالية بمفهومها الشامل قد تضمن حرية التعبير، لكنها لا تضمن الحياة الكريمة لجميع أبناء الأمة، كما أنها لا تمنع احتكار الإنسان للإنسان، سواء كان هذا الإنسان المستضعف من أبناء المجتمع أو كان ممثلا فى الدول المنهوبة والمستضعفة.
كما أن التنمية فى المفهوم الماركسى قد تضمن رغيف الخبز لكنها فى المقابل تلغى حرية التعبير.
مرة أخرى.. لسنا ضد تعظيم العائد، أو تعظيم معدل التنمية كأحد مقاييس التنمية، لكن لا يجب أن نأخذه مقياسا وحيدا للتنمية؛ لأن هذا ليس هو المحدد الوحيد فى منظومة التنمية؛ لأننا -كما اتفقنا- يجب أن نتساءل: هل حققت التنمية غايتها فى حياة كريمة للإنسان بالمعنى الشامل للحياة الكريمة؟ هل عادت التنمية بالخير على الإنسان دون أن يضر باقى المجتمع؟ ثم هل عادت التنمية بالخير على المجتمع كله دون أن يظلم الإنسان كما يحدث فى المجتمعات الاشتراكية؟ ثم -وهو الأهم- هل تحققت التنمية دون أن نغضب الله سبحانه وتعالى؟ هل التنمية الأمريكية التى أصلحت عجز الميزانية وميزان المدفوعات فى التسعينيات وفى الألفية الجديدة باستنزاف الخليج، تتفق مع المفهوم الإسلامى؟ بالقطع فإن الإجابة على كل هذه الأسئلة تكون بالنفى.
هل التنمية فى المجتمع الأمريكى الملىء بالعنف والاستضعاف والتحلل الأسرى هى النموذج المطلوب فى مجتمعاتنا الإسلامية؟ هل التنمية فى المجتمعات الشيوعية التى تستعبد الإنسان هى النموذج المطلوب؟
ثم نأتى للسؤال الثاني: هل التنمية هى استخدام التكنولوجيا المتقدمة؟
إن التكنولوجيا المطلوبة يجب أن تتناسب مع واقع المجتمع واحتياجاته، ولذا فإن محاولات التنمية كثيرا ما تبوء بالفشل، خاصة أنها لا تخرج عن إطار نقل النماذج الغربية المستوردة دون أن نراعى خصوصية مجتمعاتنا؛ فاستيراد التكنولوجيا كثيفة رأس المال قليلة العمالة لا تتناسب مع المجتمعات التى بها بطالة؛ حيث إن الأصح هو الأخذ بالتكنولوجيا كثيفة العمالة التى لا تتطلب رأس مال كبيرا؛ ففى مصر مثلا قد يصل رقم البطالة إلى نحو 4 ملايين عاطل؛ فهل تتناسب التكنولوجيا كثيفة رأس المال قليلة العمالة مع ظروف المجتمع المصرى؟!
ثم هل نستخدم الخامات المستوردة أم المحلية؟ هل نستخدم خيوط الغزل الصناعى المستوردة ونهمل زراعة القطن طويل التيلة المتميز عالميا ونهمل بالتبعية صناعة الغزل؟ هل نستورد «الحصير» البلاستيك ونهمل صناعة الحصير المحلى الذى يعتمد على المنتجات الزراعية؟ لماذا لا نتوسع فى زراعة الكتان وجريد النخيل وغيرهما من الزراعات التى كانت أساسا للصناعات المحلية الصغيرة فى القرية المصرية المنتجة؟
ولا يزال للحديث بقية
ولله الأمر من قبل ومن بعد
إن التكنولوجيا المطلوبة يجب أن تتناسب مع واقع المجتمع واحتياجاته، ولذا فإن محاولات التنمية كثيرا ما تبوء بالفشل، خاصة أنها لا تخرج عن إطار نقل النماذج الغربية المستوردة دون أن نراعى خصوصية مجتمعاتنا؛ فاستيراد التكنولوجيا كثيفة رأس المال قليلة العمالة لا تتناسب مع المجتمعات التى بها بطالة؛ حيث إن الأصح هو الأخذ بالتكنولوجيا كثيفة العمالة التى لا تتطلب رأس مال كبيرا؛ ففى مصر مثلا قد يصل رقم البطالة إلى نحو 4 ملايين عاطل؛ فهل تتناسب التكنولوجيا كثيفة رأس المال قليلة العمالة مع ظروف المجتمع المصرى؟!
ثم هل نستخدم الخامات المستوردة أم المحلية؟ هل نستخدم خيوط الغزل الصناعى المستوردة ونهمل زراعة القطن طويل التيلة المتميز عالميا ونهمل بالتبعية صناعة الغزل؟ هل نستورد «الحصير» البلاستيك ونهمل صناعة الحصير المحلى الذى يعتمد على المنتجات الزراعية؟ لماذا لا نتوسع فى زراعة الكتان وجريد النخيل وغيرهما من الزراعات التى كانت أساسا للصناعات المحلية الصغيرة فى القرية المصرية المنتجة؟
ولا يزال للحديث بقية
ولله الأمر من قبل ومن بعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق