في ذكرى مولده.. "كشك" محطم أصنام العسكر
10/03/2016 12:08 م
كتب: أسامة حمدان
لم يكن من شيوخ "السبوبة" وماسحي بيادة العسكر والمتهافتين على الإعلام، ألقاب لا تجدها في قاموس فارس المنبر الشيخ عبدالحميد كشك، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم 10 من مارس عام 1933، ولم يصب بفيروس إنفلونزا "السيسي" الذي أصيب به آلاف من "مشايخ" ودعاة هذه الأيام، ورحل كبيرًا في عيون الخلق كما أراده الله.
اختلف الشيخ "كشك" عن جميع من سبقوه بالجرأة وتحدي جبروت العسكر وطواغيت الحكام، وتميز بعدم المتاجرة بالإسلام، واحتل ملف الشيخ "عبدالحميد كشك"، ركنًا كبيرًا على أرفف مباحث أمن الدولة وأرشيف الجيش، بعدما واجه عبدالناصر والسادات ومبارك، آلهة العسكر، منتقدًا ديكتاتوريتهم وبطشهم وخيانتهم لأوطانهم وإسلامهم من خلال منبره بالمساجد.
في ذكرى مولده
وُلد عبدالحميد بن عبدالعزيز كشك، بشبراخيت في محافظة البحيرة في الـ 10 من مارس عام 1933، وحفظ القرآن وهو أقل من العاشرة من عُمره، مما جعل الكثيرون من أبناء قريته يطلقون عليه الطفل النابغة.
التحق "كشك" بالمعهد الديني في الإسكندرية، وعند حصوله على الشهادة الثانوية الأزهرية كان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة.
عُين عبدالحميد كشك معيدًا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في القاهرة عام 1957، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها ابتعد عن مهنة التدريس في الجامعة.
وبعد تخرجه من كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بامتياز، ومثل الأزهرالشريف في عيد العلم عام 1961، ثم عمل إمامًا وخطيبًا بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضًا، وفي عام 1962 تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بمنطقة حدائق القبة في القاهرة، وقد ظل يخطب في ذلك المسجد قرابة العشرين عامًا، وكان من أشهر خطباء عصره؛ حيث خطب في الناس لمدة أربعين عامًا.
نبوغ سياسي
"أعمل مساعد طيار".. تلك الجملة التي خرجت من فم الشيخ "كشك" الضرير كنوع من أنواع السخرية حين كان يحقق معه أحد ضباط أمن الدولة، فعلى الرغم من شهرته كأشهر خطيب يؤثر في الناس بعصره إلا أنه كان أيضًا أشهر شيخ سياسي له آراؤه التي جعلته عدوًا لرؤساء مصر الثلاثة "عبدالناصر والسادات ومبارك" ولعدد كبير من المشاهير مثل عبدالحليم وأم كلثوم.
وكان الشيخ "كشك" يستخدم النكتة والأفيه كسلاح لإطلاق العنان لرأيه السياسي في مهاجمة رأس نظام العسكر وسخريته من أذرع الديكتاتور.
واعتقل الشيخ "كشك" بسبب نقده سياسة العسكر عام 1965، وظل بالمعتقل والتعذيب لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طره وأبوزعبل والقلعة والسجن الحربي.
ومنذ عام 1976 بدأ الاصطدام بالعسكر، خاصة بعد معاهدة كامب ديفيد؛ حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام وأخذ يستعرض صورًا للفساد في مصر من الناحية الاجتماعية والفنية والحياة العامة، حتى ألقي القبض عليه في عام 1981 مع عدد من المعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس محمد أنور السادات، وأُفرج عنه عام 1982 ولم يعد إلى مسجده الذي مُنع منه كما مُنع من الخطابة أو إلقاء الدروس.
وقد لقي كشك خلال هذه الاعتقالات عذابًا رهيبًا، ترك آثاره على كل جسده، رغم إعاقته لفقدانه بصره من صغره.
ولم يرحمه نظام مبارك أيضًا من ملاحقته فكان بين الحين والآخر يتم استدعاؤه واستجوابه، بسبب مهاجمته الرئيس من خلال استعراض صور الفساد في عهد العسكر.
صاحب كرامة
وعلى الرغم من الظروف المادية والضغوط التي مورست على الشيخ كشك من قِبل الجهات الأمنية بسبب وقوفه ضد الباطل، وبعد العروض التي انهالت عليه من قِبل بعض الدول الإقامة بها كبديل عن الإقامة بمصر، إلا أنه رفض ذلك وأصر على أن يعيش بمصر، قائلاً:"الخروج من مصر وترك الدعوة فيها يشبه التولي يوم الزحف"، ليظل فقيرًا يخاطب البسطاء بأقل الأموال بدلاً من المتاجرة بالإسلام.
كما رفض الشيخ كشك عرض وزير الأوقاف، بالعودة إلى المنبر بشروط كان أغلبها يتعلق بالبُعد عن فضح فساد جمهورية العسكر، والتركيز في خطب الإسراء والمعراج وتعليم الصلاة والوضوء، فرفضها الشيخ قائلا: "لا أصعد منبر رسول الله إلا بما يرضي الله، وما اشترطه رسول الله".
علامة قبول
ومن طرائف الشيخ كشك أنه حينما قبض عليه مرة من المرات سأله ضابط جديد في أثناء التحقيق عن اسمه، فقال له عبدالحميد كشك، علمًا بأن الشيخ كان مشهورًا عند رجال المباحث.
وسأله الضابط سؤال آخر عن عمله فقال له الشيخ كشك، ساخرًا مساعد طيار، ومعلوم أن الشيخ كان ضريرًا.
وكان له موقف آخر مع المخبرين في المسجد حينما كان يؤم الناس للصلاة كان يقول ﺍﻟﺼﻒ الثاني ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻭﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻳﺴﺘﻘﻴﻤﻮﺍ، ﻓﺴﺄﻟﻮﻩ ﻭﺍﻟﺼﻒ ﺍلأﻭﻝ ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻧﺎ؟!! فرد عليهم قائلًا: «ﻷ ﺩﻭﻝ ﻣﺨﺒﺮﻳﻦ ﻭﺃﻣﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﺟﺎﻳﻴﻦ ﻳﺘﺠﺴﺴﻮﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻳﺴﺘﻘﻴﻤﻮﺍ أو ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻤﻮﺍ ﻣﺶ ﻫﻴﻨﻔﻌﻠﻬﻢ ﺻﻼﺓ».
يقال إنه رأى الرسول في منامه يُغسّله هو وعمر بن الخطاب، ثم دخل ليتوضأ للصلاة قبل صلاة الجمعة كعادته، وصلى ركعته الثانية وفي سجدته الثانية لفظ أنفاسه الأخيرة، بين يدي الله عز وجل، لتكون هذه هي اللحظات الأخيرة في حياة فارس المنابر الشيخ عبدالحميد كشك، محطم أصنام العسكر.
لم يكن من شيوخ "السبوبة" وماسحي بيادة العسكر والمتهافتين على الإعلام، ألقاب لا تجدها في قاموس فارس المنبر الشيخ عبدالحميد كشك، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم 10 من مارس عام 1933، ولم يصب بفيروس إنفلونزا "السيسي" الذي أصيب به آلاف من "مشايخ" ودعاة هذه الأيام، ورحل كبيرًا في عيون الخلق كما أراده الله.
اختلف الشيخ "كشك" عن جميع من سبقوه بالجرأة وتحدي جبروت العسكر وطواغيت الحكام، وتميز بعدم المتاجرة بالإسلام، واحتل ملف الشيخ "عبدالحميد كشك"، ركنًا كبيرًا على أرفف مباحث أمن الدولة وأرشيف الجيش، بعدما واجه عبدالناصر والسادات ومبارك، آلهة العسكر، منتقدًا ديكتاتوريتهم وبطشهم وخيانتهم لأوطانهم وإسلامهم من خلال منبره بالمساجد.
في ذكرى مولده
وُلد عبدالحميد بن عبدالعزيز كشك، بشبراخيت في محافظة البحيرة في الـ 10 من مارس عام 1933، وحفظ القرآن وهو أقل من العاشرة من عُمره، مما جعل الكثيرون من أبناء قريته يطلقون عليه الطفل النابغة.
التحق "كشك" بالمعهد الديني في الإسكندرية، وعند حصوله على الشهادة الثانوية الأزهرية كان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة.
عُين عبدالحميد كشك معيدًا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في القاهرة عام 1957، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها ابتعد عن مهنة التدريس في الجامعة.
وبعد تخرجه من كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بامتياز، ومثل الأزهرالشريف في عيد العلم عام 1961، ثم عمل إمامًا وخطيبًا بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضًا، وفي عام 1962 تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بمنطقة حدائق القبة في القاهرة، وقد ظل يخطب في ذلك المسجد قرابة العشرين عامًا، وكان من أشهر خطباء عصره؛ حيث خطب في الناس لمدة أربعين عامًا.
نبوغ سياسي
"أعمل مساعد طيار".. تلك الجملة التي خرجت من فم الشيخ "كشك" الضرير كنوع من أنواع السخرية حين كان يحقق معه أحد ضباط أمن الدولة، فعلى الرغم من شهرته كأشهر خطيب يؤثر في الناس بعصره إلا أنه كان أيضًا أشهر شيخ سياسي له آراؤه التي جعلته عدوًا لرؤساء مصر الثلاثة "عبدالناصر والسادات ومبارك" ولعدد كبير من المشاهير مثل عبدالحليم وأم كلثوم.
وكان الشيخ "كشك" يستخدم النكتة والأفيه كسلاح لإطلاق العنان لرأيه السياسي في مهاجمة رأس نظام العسكر وسخريته من أذرع الديكتاتور.
واعتقل الشيخ "كشك" بسبب نقده سياسة العسكر عام 1965، وظل بالمعتقل والتعذيب لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طره وأبوزعبل والقلعة والسجن الحربي.
ومنذ عام 1976 بدأ الاصطدام بالعسكر، خاصة بعد معاهدة كامب ديفيد؛ حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام وأخذ يستعرض صورًا للفساد في مصر من الناحية الاجتماعية والفنية والحياة العامة، حتى ألقي القبض عليه في عام 1981 مع عدد من المعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس محمد أنور السادات، وأُفرج عنه عام 1982 ولم يعد إلى مسجده الذي مُنع منه كما مُنع من الخطابة أو إلقاء الدروس.
وقد لقي كشك خلال هذه الاعتقالات عذابًا رهيبًا، ترك آثاره على كل جسده، رغم إعاقته لفقدانه بصره من صغره.
ولم يرحمه نظام مبارك أيضًا من ملاحقته فكان بين الحين والآخر يتم استدعاؤه واستجوابه، بسبب مهاجمته الرئيس من خلال استعراض صور الفساد في عهد العسكر.
صاحب كرامة
وعلى الرغم من الظروف المادية والضغوط التي مورست على الشيخ كشك من قِبل الجهات الأمنية بسبب وقوفه ضد الباطل، وبعد العروض التي انهالت عليه من قِبل بعض الدول الإقامة بها كبديل عن الإقامة بمصر، إلا أنه رفض ذلك وأصر على أن يعيش بمصر، قائلاً:"الخروج من مصر وترك الدعوة فيها يشبه التولي يوم الزحف"، ليظل فقيرًا يخاطب البسطاء بأقل الأموال بدلاً من المتاجرة بالإسلام.
كما رفض الشيخ كشك عرض وزير الأوقاف، بالعودة إلى المنبر بشروط كان أغلبها يتعلق بالبُعد عن فضح فساد جمهورية العسكر، والتركيز في خطب الإسراء والمعراج وتعليم الصلاة والوضوء، فرفضها الشيخ قائلا: "لا أصعد منبر رسول الله إلا بما يرضي الله، وما اشترطه رسول الله".
علامة قبول
ومن طرائف الشيخ كشك أنه حينما قبض عليه مرة من المرات سأله ضابط جديد في أثناء التحقيق عن اسمه، فقال له عبدالحميد كشك، علمًا بأن الشيخ كان مشهورًا عند رجال المباحث.
وسأله الضابط سؤال آخر عن عمله فقال له الشيخ كشك، ساخرًا مساعد طيار، ومعلوم أن الشيخ كان ضريرًا.
وكان له موقف آخر مع المخبرين في المسجد حينما كان يؤم الناس للصلاة كان يقول ﺍﻟﺼﻒ الثاني ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻭﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻳﺴﺘﻘﻴﻤﻮﺍ، ﻓﺴﺄﻟﻮﻩ ﻭﺍﻟﺼﻒ ﺍلأﻭﻝ ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻧﺎ؟!! فرد عليهم قائلًا: «ﻷ ﺩﻭﻝ ﻣﺨﺒﺮﻳﻦ ﻭﺃﻣﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﺟﺎﻳﻴﻦ ﻳﺘﺠﺴﺴﻮﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻳﺴﺘﻘﻴﻤﻮﺍ أو ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻤﻮﺍ ﻣﺶ ﻫﻴﻨﻔﻌﻠﻬﻢ ﺻﻼﺓ».
يقال إنه رأى الرسول في منامه يُغسّله هو وعمر بن الخطاب، ثم دخل ليتوضأ للصلاة قبل صلاة الجمعة كعادته، وصلى ركعته الثانية وفي سجدته الثانية لفظ أنفاسه الأخيرة، بين يدي الله عز وجل، لتكون هذه هي اللحظات الأخيرة في حياة فارس المنابر الشيخ عبدالحميد كشك، محطم أصنام العسكر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق