كيف ترعب صحيفة "الشعب" المفسدين (الوزير حمدي البنبي نموذجا)
بقلم: حسين محمد دهبالثورة هى الحل
منذ 8 ساعة
عدد القراءات: 1533
سأروي قصة قديمة عن دور جريدة "الشعب" في إرعاب وإرهاب كبار المفسدين ولكنها قصة لم تفقد طزاجتها وحيويتها لأن الفساد ما زال مزدهراً، إسأل عن صحيفة الشعب في العقود الأخيرة 1986- 2016 فإذا كانت مصادرة أو مغلقة أو إذا كان رئيس تحريرها في السجن فاعلم أن الفساد قدد رفع أعلى راياته وحقق أعظم أمجاده في نهب الشعب.
سأروي قصة على الأغلب لم يسمع عنها مجدي حسين رئيس تحرير الشعب نفسه والذي يرسف في أغلال السجون منذ أكثر من عامين.. والآن اقرأوا هذه القصة المثيرة.. وانتظروا المفاجآت الكبرى في النهاية.. ولكن لاحظوا أن بطل القصة (عصام سلطان) يرسف في أغلال السجون أيضا منذ 3 سنوات.
في أواخر التسعينات من القرن الماضي اتصل الطبيب الكبير بصديقه المحامي عصام سلطان وطلب منه أن يرعى محاولة شقيقته في شراء عقار لتوثيق العقد. وكانت الشقيقة (....) قد قرأت إعلانا في الصحف عن فيلا محاطة بحديقة كبيرة في جمعية أحمد عرابي التي كانت تضم كبراء البلد، واتصلت بصاحب الفيلا ووافقت بشكل مبدئي على السعر وكان حوالي 2 مليون جنيه، ولم يبق سوى أن ترى العقار ثم كتابة العقد، ولكن السيدة (....) وهي أستاذة جامعية عاشت طويلا في خارج مصر، وجدت البائع يتصل بها مراراً ليسأل عن شخصيتها ومعلومات عنها، فأصابها الرعب حتى تصورت أنها وقعت في براثن عصابة وقد علموا رقم هاتفها..فاتصلت بعصام سلطان لتقول له: انني أشعر بالرعب من هذا البائع وماذا يريد مني. فطلب منها سلطان اتخاذ الاجراءات الاحترازية مع أمن سكنها الخاص، ثم تطلب من البائع عدم الاتصال بها بل الاتصال بالمحامي ..وقد كان..
وبعد يوم، كان عصام سلطان في مكتبه حين دق الهاتف.. وسمع صوت رجل متردد يقول له: انه يريد أن يعرض عليه قضية، وعندما سأله عن نوع القضية، قال انها تخص خلافاً حول عقار في شبرا وانه سيحضر له في المكتب بعد 3 أو 4 أيام. ولكن في نفس اليوم وجد السكرتيرة تقول له ان شخصيين من طوال القامة يريدان مقابلته وأحدهما اسمه (اللواء...) فأمر بادخالهما. وفوجئ بشخصين طويلين يرتدي أحدهما تريينج رياضي..والذي قال: أنا من حدثتك في الهاتف عن قضية شبرا . لقد كنت في النادي وقلت أمر عليك (سنتبين فيما بعد أن ارتداء التريننج كان على سبيل التمويه لاخفاء أهمية الشخص أمام الموجودين في المكتب) فبادره سلطان بالسؤال عن قضية شبرا..ولكنه قال إنه جاء بخصوص فيلا أحمد عرابي (إذن هو لايريد الحديث في الهاتف!! ولكن لماذا؟!)، فقال سلطان ما المشكلة اذن في موضوع الفيلا ولماذا تزعجون السيدة بالكثير من الأسئلة. إذا كنتم تريدون بيع الفيلا وهي رأتها ومعجبة بها وموافقة على السعر فأين المشكلة؟
وأخيرا تحدث السيد اللواء وكشف عن شخصيته بأنه رئيس الهيئة العامة للبترول وأن الشخص الآخر هو نائبه وأنهما يريدان بيع فيلا الوزير حمدي البنبي (في ذلك الوقت) ولا يطلبان إلا التكتم وأكد أن رئيس هيئة البترول يستريح لشخصه (أي سلطان) ولكنه يريد أن يتأكد من شيئ واحد ألا تكون له علاقة بالصحافة وبالأخص جريدة (الشعب) وهو ما أكده سلطان. فقال رئيس الهيئة: إذن على بركة الله.. ننتظرك غداً في مكتب وزير البترول حمدي البنبي لتوقيع العقد واستلام المبلغ. وفهم عصام سلطان من سياق الحديث ان حملة صحيفة "الشعب" الضروس على وزير الداخلية: حسن الألفي وشرائه فيلا من المتهم (الحباك) المسئول الكبير بوزارة الصناعة بمليون جنيه كانت من الوقائع الدامغة لهذه الحملة. وان الوزير شعر بالقلق لسبب ما من هذه الفيلا والتي لا يدري سلطان كيف اشتراها الوزير، المهم أن الوزير يريد التخلص من الفيلا في صمت!!
في اليوم التالي وصل المحامي والمشترية إلى مكتب حمدي البنبي بوزارة البترول وتم استقبالهما بالحفاوة الواجبة وقام رئيس مكتب الوزير بمحاولة انهاء توقيع العقد بدون مقابلة الوزير. ولم يشعر عصام سلطان بالارتياح لشخص أو سلوك سكرتير الوزير، وقال له لابد من مقابلة الوزير وأن يوقع أمامي وأمام المشترية. فقال له: الوزير مشغول مع وفد فرنسي. فرد عصام سلطان: وأنا مشغول مع وفد انجليزي!! ولن يتم الأمر هكذا ويمكن أن ننسحب بهدوء. واضطر الوزير للتراجع ومقابلة الأستاذ عصام والمشترية، وعندما دخل عصام بادر الوزير بالقول: اذن لا يوجد وفد فرنسي، فضحك الوزير ضحكة صفراء وقال له: انت محام شاطر وأنا أحترم موقفك.
وأخيراً تصور عصام سلطان أن المهمة الثقيلة انتهت ولكنه فوجئ وهو خارج من مكتب الوزير، أن مدير مكتبه يعرض على المشترية فيللا مماثلة مجاورة بنفس السعر تقريبا وهي ملك له أي مدير مكتب الوزير. والحقيقة أن المشترية تريد عقارين لإبنين لها في أوروبا وتريد جذبهما للقاهرة فتحمست لشراء الفيلا الأخرى للابن الآخر. وتم الاتفاق على اليوم التالي حتى تشاهد الفيلا بنفسها وتحضر المبلغ. وقال لها عصام سلطان على بركة الله اذهبي لوحدك بالمبلغ والعقد هو نفس العقد. قالت لأ لا أذهب بدونك أبداً. وعندما ذهبا تصور مدير مكتب الوزير إنه في موقف قوة غير عادي. وعندما فتحت الحقيبة لاعطائه النقود عد 100 ألف جنيه على جنب وقال هذا مقابل لي عن اتمام صفقة الأمس، وعليكم أن تكملوا المبلغ وتأتوا غداً. ولم يتخيل هذا المأفون رد الفعل فهو لا يعرف عصام سلطان وانه مجاهد ومقاتل وهذا أيضا لم يكن يعرفه الوزير البنبي ولا رئيس هيئة البترول فقد كانت شهرة عصام سلطان لا تزال في المحيط الطلابي عندما كان رئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة. تصور هذا المأفون أن عصام مجرد محامي متلهف على أتعابه. فحدث مشهد لم يره هذا المأفون ولا حتى في أفلام السنيما. كانت الحقيبة على الأرض بجوار قدم عصام سلطان فضرب الحقيبة بكل قوة وكأنه يمتلك قدم الضيظوي أو رفعت الفناجيلي (وهو من دمياط أيضا كعصام) فتناثرت الأوراق النقدية في فضاء غرفة مدير مكتب الوزير حتى السقف ثم في كل الأنحاء. وانفجر عصام سلطان: أيها الفاسد.. أنت ومن تعمل معه .أنا لم أعلق حتى الآن لأنني أقوم بوظيفتي كمحام وأنا أمثل المشترية فحسب.
ولكن بمناسبة هذه الوقاحة من أين لك هذه الأموال التي تساوي أموال الوزير، بل من أين حصل الوزير نفسه على هذه الأموال. كان الصوت مرتفعاً.. عشرات الموظفين والموظفات تجمعوا على الباب ليشهدوا أوراق البنكنوت مبعثرة في كل مكان وليجدوا مدير مكتب الوزير قد سقط مغشيا عليه من شدة الخوف. ثم يظهر مساعدون جدد للوزير يحاولون تهدئة عصام سلطان. ثم يأتي أحدهم من مكتب الوزير ليعتذر له باسم الوزير لأنه لم يقدم له بالأمس أي عمولة باعتباره البائع. فقال له عصام سلطان ألا تعلم أن المحامي لا يحصل على عمولة أو أتعاب إلا من الطرف الذي حضر إليه في مكتبه. وإنه يحصل على أتعاب من هذه السيدة فحسب. وأن ما يعرضه سيادة الوزير ليس إلا مجرد رشوة، فصرخ الموظف الكبير لا تفهمنا خطأ يا أستاذ. والآن اطلب ما تريد لانهاء هذا الموقف بما يرضيك. فطلب عصام سلطان الجلوس بهدوء مع موكلته وتركه قليلا حتى تهدأ أعصابه.. وخلال ذلك سألها : القرار قرارك هل تريدين الفيلا الثانية؟ قالت: نعم كما تعلم انها لابني الثاني. وقد تم ذلك بعد خصم 200 ألف جنيه بالمقارنة مع سعر فيلا الوزير.
وانتهى هذا المشهد الدراماتيكي الذي يستحق أن يخرج سنيمائياً. ويبقى أن هذه مجرد صورة واحدة لتأثير جريدة شريفة واحدة تحارب الفساد وكيف كانت ترعب الفاسدين من الوزراء. ولذلك فعندما تغلق يقيم المفسدون الأفراح والليالي الملاح. بعد ذلك واصل المحيطون بوزير البترول الاتصال بالمشترية ليلبوا لها أي طلبات ناقصة في العقارين . وليؤكدوا عليها عدم وصول أي أنباء عما حدث للصحافة خاصة عندما سمعوا عصام يقول لها لو كان الأمر يخصني لرفضت شراء العقار الثاني ولكتبت القصة كاملة في الصحافة.. ولكنني لن أتحدث لأن الموقف يخصك أنت.. وقد احتفظ عصام سلطان بالتزامه حتى الآن.. ولكن بعد مرور 18 عاماً، رأيت كصديق موثوق لعصام أن أكشف هذه القصة وفاء لهذا السجين المحترم.. ولدي المزيد.. ولكن هذه مساهمة مني للمطالبة بالافراج عنه وكذلك عن رئيس تحرير صحيفة الشعب التي كان لها الدور الأكبر في ملاحقة الفاسدين وكبح جماحهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق