تعويم الجنيه وخدعة زيادة الصادرات تقرير جمعة الشوال
والضحية المواطن المصري
منذ 39 دقيقة
عدد القراءات: 376
بقلم: د.م عاصم الفولى - الخبير الاقتصادى - وعضو المكتب القيادى لحزب الاستقلال
إعتدنا على أن نعتبر زيادة صادراتنا خبراً ساراً، لذلك يذكرها بعض "الخبراء" في سياق الكلام عن تعويم الجنيه كي يهونوا الأمر فيسهل علينا ابتلاعه، فيقولون أن انخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأخرى ، سيعزز من قدرتنا على التصدير، فالسلع التي ننتجها ونحسب تكلفتها بالجنيه ستغدو أرخص عندما تنخفض قيمته، الأمر الذي سيعزز من قدرتنا التنافسية في الأسواق الخارجية فيزيد ما نبيعه هناك .. أليس هذا شيئا جيدا يعوضنا عن بعض الأضرار التي سيتسبب فيها تعويم الجنيه؟ .. هل الأمر حقا كما يقولون؟ .
عليك أن تسأل نفسك أولاً: هل نحن فعلا قادرون على زيادة إنتاجنا حتى نتمكن من زيادة صادراتنا؟ .. إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يرتفع حجم إنتاجنا لمواجهة احتياجات سوقنا المحلي؟ .. وإذا لم تكن قادراً على زيادة الإنتاج، فما الذي ستكسبه من رخص أسعار منتجاتك؟ .. إن القدرة الإنتاجية للاقتصاد المصري في تراجع مستمر، وهذا هو سبب انخفاض قيمة عملتنا .. لكن دعك من هذه القضية، ولنفرض أننا سنتمكن بطريقة ما من التغلب على هذه العقبة، فهل سيمكننا حقا أن نستفيد من تخفيض قيمة الجنيه، بأن نزيد من صادراتنا للأسواق الخارجية؟ .. لننظر في الموضوع من أوله.
لماذا نرغب في زيادة صادراتنا؟ .. يظن أغلب الناس أن السبب: هو زيادة مواردنا من العملات الصعبة فنتمكن من استيراد احتياجاتنا .. ليس هذا هو السبب الجوهري، فقد كان في إمكاننا أن نوجه قدراتنا الانتاجية لتغطية احتياجاتنا من منتجاتنا، فتقل بذلك حاجتنا للاستيراد، فلا نعود في حاجة لزيادة مواردنا من العملات الصعبة من الأصل، وهذا ما يسمى بسياسة زيادة الإنتاج لإحلال الواردات ..
لماذا نرغب في زيادة صادراتنا؟ .. يظن أغلب الناس أن السبب: هو زيادة مواردنا من العملات الصعبة فنتمكن من استيراد احتياجاتنا .. ليس هذا هو السبب الجوهري، فقد كان في إمكاننا أن نوجه قدراتنا الانتاجية لتغطية احتياجاتنا من منتجاتنا، فتقل بذلك حاجتنا للاستيراد، فلا نعود في حاجة لزيادة مواردنا من العملات الصعبة من الأصل، وهذا ما يسمى بسياسة زيادة الإنتاج لإحلال الواردات ..
السبب الرئيسي الذي يجعلنا نشجع التصدير ، هو أن أجور عمالنا وأرباح صناعاتنا من بيع إنتاجها في الأسواق الخارجية ، سيأتي من جيوب المستهلكين الأجانب، الأمر الذي سيرفع من حجم رأسمالنا الوطني الذي نستخدمه في بناء قدرتنا الانتاجية، وهذا أمر جيد عندما تكون زيادة الصادرات ناتجة عن ارتفاع كفاءتنا وجودة سلعنا، أما أن تكون زيادة الصادرات ناتجة عن انخفاض قيمة عملتنا فهو أمر يحمل الكثير من الأضرار ولا يكاد يعطينا منافع تذكر.
سنتعرض في مقالات تالية لأضرار التعويم، أما في هذه المقالة فسنحاول استكشاف المنافع المزعومة من زيادة الصادرات، ما هو حجمها؟ وعلى من تعود أرباحها، ومن أين ستأتي هذه الأرباح؟ .. هل ستأتي من جيوب المستهلكين الأجانب لتصب في وعاء الاقتصاد القومي، أم ستاتي من عرق المصريين لصالح المستهلكين الأجانب وبعض رجال الأعمال المصريين والأجانب.
لنضرب مثالاً رقمياً مبسطاً، أرجو ألا يكون مخلاً في تبسيطه، ليفهم القارئ غير المتخصص لماذا لا نفرح بزيادة الصادرات، إذا كان سببها هو انخفاض قيمة الجنيه.
لنضرب مثالاً رقمياً مبسطاً، أرجو ألا يكون مخلاً في تبسيطه، ليفهم القارئ غير المتخصص لماذا لا نفرح بزيادة الصادرات، إذا كان سببها هو انخفاض قيمة الجنيه.
لقد انخفضت قيمة الجنيه منذ الانقلاب حتى الآن إلى أكثرمن النصف تقريباً، لنفرض أن سلعة ما كانت الوحدة الواحدة منها تكلف 500 جنيه مصري عندما كان الدولار بستة جنيهات، وكنا نبيعها في الأسواق الخارجية بمائة دولار، المصدر يربح في هذه الحالة مائة جنيها في الوحدة الواحدة .. عندما أصبح الدولار يساوي 12 جنيها فإن كل وارداتنا تضاعف سعرها، فأصبح العامل يشتري بمرتبه نصف ما كان يشتريه سابقا، إن دخل العامل قد فقد 50% من قيمته، فما الذي سيكسبه المصدر؟
إذا لم يكن المصدر قادرا على زيادة إنتاجه فسيستمر في تصدير نفس الكمية وبيعها بنفس السعر، مائة دولار، لكنها أصبحت الآن تساوي 1200 جنيها، أي أن ربح المصدر من تصدير وحدة واحدة أصبح 700 جنيها، زاد ربح صاحب المصنع سبعة مرات، بينما انخفض مستوى معيشة العامل والموظف إلى النصف.
إذا لم يكن المصدر قادرا على زيادة إنتاجه فسيستمر في تصدير نفس الكمية وبيعها بنفس السعر، مائة دولار، لكنها أصبحت الآن تساوي 1200 جنيها، أي أن ربح المصدر من تصدير وحدة واحدة أصبح 700 جنيها، زاد ربح صاحب المصنع سبعة مرات، بينما انخفض مستوى معيشة العامل والموظف إلى النصف.
أما إذا كان المصدر قادراً على زيادة إنتاجه فسيزيده بالتأكيد، وسيكون قادراً على تصدير كميات أكبر إذا خفض سعر البيع في الأسواق الخارجية، فإذا خفض سعر الوحدة إلى تسعين أو ثمانين دولارا فربما تمكن من مضاعفة حجم مبيعاته، في هذه الحالة زادت الأرباح الإجمالية للمصدر، وحصل المستهلك الأجنبي على سلعتنا بسعر أرخص، لكن العامل المصري ما زال يخسر نصف دخله الحقيقي .. ربح صاحب العمل، وربح المستهلك الأجنبي، لكن ربحهما جاء على حساب خسارة العامل المصري.
هذا المثال غير دقيق في أرقامه، ويأتيه الخلل من عدة جهات، لكن هذا الخلل لا يؤثر على الصورة الإجمالية التي نريد رسمها .. فالعمال والمهندسون المصريون سيضغطون قطعاً لزيادة أجورهم، لكنهم لن يستطيعوا مضاعفتها بأي حال، ربما حصلوا على زيادة 10% أو 20%، أي أن مستوى معيشتهم سيكون أعلى قليلاً من نصف مستواه السابق، سيظل هؤلاء هم الفريق الخاسر، وخسارة كبيرة، على أية حال .. ومن جهة أخرى فإن تكلفة الانتاج لن تظل ثابتة، فهي ستزيد بسبب زيادة أسعار كل مكونات الإنتاج المستوردة ..
حسنا .. لن يحقق صاحب المصنع ربحا يساوي سبع مرات ما كان يحققه من قبل، لكنه بالتأكيد سيحقق أرباحا أكبر بكثير مما كان يحققه من قبل، ربما ثلاثة أو أربع مرات .. سيزداد ربح صاحب المصنع فعلًا، ولكن على حساب تدني مستوى معيشة كل العاملين عنده من عمال، ومهندسين، ومحاسبين .. إلخ، فما هو الجيد في هذا؟ .
سيقول لك الاقتصادي الليبرالي أن هذه مرحلة مؤقتة، فصاحب المصنع سيضيف أرباحه إل رأسماله، ويتوسع في الانتاج، وعلى المدى البعيد ستزداد قدراتنا الانتاجية وتتحسن أحوال العمال وكل المواطنين .. لا يوجد دليل واحد على هذا الهراء، بل كل الدلائل تشير إلى أنه لن يحدث، لماذا؟
أولا: لأن رجل الأعمال المصري عندما تزداد ثروته زيادة كبيرة، لا يعيد استثمارها كلها في مصر بالضرورة، وانظر إلى استثمارات نجيب ساويرس مثلا في العراق والجزائر والكيان الصهيوني .. إلخ ، لتعرف أن استثماراته خارج مصر (والتي مولها أساساً من أرباحه في مصر) أكثر بكثير من استثماراته في مصر .. لقد تم تدويل رأس المال وعولمته بحيث لا يمكنك الاطمئنان إلى أن التضحيات التي سيقدمها الاقتصاد المصري في المرحلة الصعبة، والتي لن يربح خلالها إلا رجال الأعمال على حساب خسارة كل المصريين، سيجني المصريون ثمارها في المستقبل وستتحسن أحوالهم.
أولا: لأن رجل الأعمال المصري عندما تزداد ثروته زيادة كبيرة، لا يعيد استثمارها كلها في مصر بالضرورة، وانظر إلى استثمارات نجيب ساويرس مثلا في العراق والجزائر والكيان الصهيوني .. إلخ ، لتعرف أن استثماراته خارج مصر (والتي مولها أساساً من أرباحه في مصر) أكثر بكثير من استثماراته في مصر .. لقد تم تدويل رأس المال وعولمته بحيث لا يمكنك الاطمئنان إلى أن التضحيات التي سيقدمها الاقتصاد المصري في المرحلة الصعبة، والتي لن يربح خلالها إلا رجال الأعمال على حساب خسارة كل المصريين، سيجني المصريون ثمارها في المستقبل وستتحسن أحوالهم.
ثانيا: المستثمرون الأجانب الذين كانوا يلحون على تعويم الجنيه - وسنشرح دورهم في المقال القادم بتوسع أكبر- سيأتون فوراً للاستفادة من رخص أسعار المواد الخام والأراضي في مصر (عندما يحسبونها بالدولار) ومن تدني أجور العمال المصريين، وينشئون مشروعات ليصدروا إنتاجها، لكنهم لن يحتفظوا بأرباحهم عندنا، فهم يطلبون التعويم أساساً حتى يمكنهم تحويل أرباحهم لدولهم بدون مشاكل، وحتى يمكنهم تصفية أعمالهم ، والهرب برأسمالهم بسرعة في حالات الأزمات.
والخلاصة: إننا إذا كنا نتحمس لزيادة الصادرات عن طريق رفع كفاءتنا الانتاجية، فإن زيادتها نتيجة تخفيض قيمة الجنيه عندما يتم تعويمه لا تمثل أي منفعة للاقتصاد أو المواطن المصري، على العكس، إن نتيجتها المباشرة هي سرقة عرق المواطن المصري لصالح حفنة من رجال الأعمال المصريين والأجانب، ولصالح المستهلك الأجنبي الذي سيحصل على منتجاتنا بسعر أرخص.
إقرأ أيضًا :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق