الفراغ في قيادة الحركة الاسلامية لا يزال مستمراً!!
بقلم: حسين محمد دهب
منذ يوم
عدد القراءات: 1505
الفراغ في قيادة الحركة الاسلامية لا يزال مستمراً، فالاخوان كأكبر تنظيم لا يزال فاقداً لتوازنه وفي المقابل فإن الفرق الاسلامية الأخرى والإسلاميين المستقلين لا يبلورا حتى الآن قيادة بديلة، عدا حزب الاستقلال الذي لا يزال صوته غير مسموع وهو أشبه باليد التي تصفق وحدها.
نعود للاخوان وأرجو أن يكون واضحا أن الهدف من انتقادها هو الصالح العام للبلاد والاسلام فالأمر "فصل وما هو بالهزل" ووجودها في السجون لا يبرر تأجيل المناقشة لأن ذلك سيعني تأجيل "القضية" إلى أجل غير مسمى. كما أن 90% من الاخوان خارج السجون وهناك عدد معتبر منهم في الخارج. وبعد مرور 3 سنوات على هزيمة الاخوان وإقصائهم من الحكم والحياة السياسية، واعتقال قيادتهم الرئيسية فان هذا التنظيم الكبير حجماً لا يزال عاجزاً عن توفير قيادة بديلة، بخط جديد يراجع أخطاء الماضي. في الخارج هناك انقسام بين مجموعتين: مجموعة الخط التقليدي التي لاتزال تؤمن بأنه لا جديد تحت الشمس!! ومجموعة تقول أنها تسعى للتجديد دون أن تقدم أي جديد واضح. وفي الداخل هناك نفس الانقسام بين (1) خط "لا جديد تحت الشمس" بقيادة محمود عزت الأزلي. (2) خط يدعو لقيادة متجددة وشابة ولكن الفرق هنا أن جزءاً من هذا التيار اعتمد خط الكفاح المسلح وأعلنه في بيانات صريحة في البداية.
خلال السنوات الثلاث الماضية تمزق تنظيم الاخوان بحق بين هذين التجاذبين. ولكن محمود عزت تمكن بعد جهد كبير من الاحاطة بمعظم التنظيم، تتراوح التقديرات (بين 70- 90%). وقد مالت أجهزة الأمن لعدم ضرب محمود عزت ومن معه من مساعدين حتى لا يتحول معظم الاخوان إلى "دواعش"!! وإن ظل الأمن يضرب أي دعوات إلى التظاهر (ضرب مجموعة التشائم)!! ولكن اتبع الأمن سياسة الافراجات المحدودة المستمرة عن شباب الاخوان إذا قرر أنهم سيعملون مع محمود عزت، ويعاون محمود عزت ثلاثة من قيادات الداخل وهم يؤكدون السيطرة على كل المحافظات المتمردة. ورغم قطع الدعم المالي عن المجموعة المسلحة إلا انها ما تزال تعلن عن نفسها من خلال العمل وبيانات حسم وآخرها (محاولة اغتيال النائب العام المساعد، واغتيال أمين شرطة في البحيرة) وتُذكر الفيوم في المحافظات التي لم يتم السيطرة عليها بعد. وقد كتبت في مقال سابق أن السلاح ليس هو الحل. وقد كتب الشباب في بيان بإسم منتصر (وربما هو اسم حركي) في بداية العمل المسلح (ان الغرب لا يعترف إلا بالأقوياء وسنثبت لهم أننا الأقوى على الأرض) وهذه فاجعة فهؤلاء الشباب يريدون التضحية بأرواحهم لكي ينتزعوا الشرعية من الغرب. ألا لعنة الله على الغرب!!
وهذه العبارة كانت صادمة لي ولكثيرين.. اذن فالانشقاق على قيادة الاخوان (بالسلم وبالعنف) لا يزال يدور في الفلك الأمريكي، وهو "جهاد" غير مبارك بالتأكيد.
ولكن يبقى أن محمود عزت أصبح يسيطر على الجسم الأساسي للاخوان.. وهذا هو الفراغ بعينه، رغم بياناته المتباعدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وهي بيانات شبيهة بنفس البيانات "الساكتة" (حسب المصطلح السوداني) التي كانت تصدر قبل ثورة 2011، وساكتة تعني كلاماً أجوف بلا معنى حقيقي. فكيف سيقيم أكبر تنظيم اسلامي في أخطر مكان في العالم نظاماً اسلامياً بدون الصدام الواسع والصريح مع كل ما هو أمريكي وغربي واسرائيلي؟! كيف سيقيم نظاماً اسلاميا في مصر وكل خطوط امتداده الاستراتيجي في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا؟!
ان أي قيادة جديدة حقاً للاخوان لابد أن تبدأ من هذه النقطة الجوهرية ثم يأتي بعد ذلك الاعتراف بالاخفاق (أو الهزيمة يعني بالبلدي) وهو ما يحتاج إلى شجاعة أدبية أكبر من محاولة مواصلة الدعوة إلى الثورة التي انتهت فعلاً!! إن قادة الاخوان التقليديين الذين رفضوا المشاركة في معارك إسقاط مبارك قبل اندلاع الثورة، أصبحوا الآن يدعون إلى الثورة وحدهم! (هم يقولون ذلك سراً ولكن محمود عزت لا يدعو في بياناته لأي ثورة!). وهؤلاء القادة لم يدركوا أن الثورة ليست قراراً ذاتيا من تنظيم مهما كان حجمه، وأن الثورة ليست مجرد انتظار لغضب الناس من ضيق العيش وارتفاع الأسعار.. الثورة لها ظروف تاريخية وشروط كي تكون ثورة مكتملة ناجحة لا مجرد (هوجة). ونحن لا نزال نفتقر لأهم هذه الشروط وهو تبلور النظام البديل في أذهان الجماهير وليس في ذهن قادة تنظيم ما. لقد نجحت الثورة الفرنسية لأن جموعاً عريضة كانت تؤمن بملامح نظام جديد بشر به فولتير من خلال الأدب والمسرحيات وغيره من قادة عصر البرجوازية الذي كان جنينا في أحشاء الأمة الفرنسية. وتنظيم الاخوان بكل فروعه لا يقدم لنا شيئاً، لا دعوة صريحة لنظام اسلامي ملامحه كذا وكذا، ولا دعوة لنظام وطني ملامحه كذا وكذا. وليس لديه مفكرون يبشرون بأي شيئ واضح وبالتالي فإنهم يدفعون البلاد لتكرار مرحلة ما بعد 11 فبراير 2011، إلى نوع من التحالف بين الاخوان والعسكريين (بدون السيسي) على نفس أسس نظام مبارك (نفس السياسة الاقتصادية ونفس السياسة الخارجية ونفس التسامح مع الفساد والمفسدين) دون أن يكون الاخوان فاسدين ولكن على سبيل التكتيك والسياسة كما يفهمونها. ولذلك فقد رحبوا بمقال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست الذي بشر بأن بديل السيسي هو سامي عنان أو صبحي أو شفيق أو حجازي. إذن لقد تلخصت المشكلة في العداء الشخصي مع السيسي (لأنه خدع مرسي وخدع الاخوان) وهذه ليست طريقة تفكير الثوار.
إن المشكلة الأكبر هي مع من يحملون المشروع الاسلامي ويتحالفون مع الغرب ولا يطرحون المواجهة مع الحلف الصهيوني الأمريكي العدو الأول للوطن وللاسلام. ولذلك فإن الأولوية الآن لتصحيح مسار مجمل الحركة الوطنية والاسلامية تجاه العدو الرئيسي، فهذه ليست مشكلة الاخوان وحدهم.
***********************
ونقول لأهل الحكم إذا كانوا يسمعون ان التنكيل بالاخوان من خلال تهم ومحاكم ظالمة لن يؤدي إلى تصفية الاخوان بل سيزيد من عمرهم الافتراضي كتنظيم تاريخي تحت دعوى المظلومية. وان مشكلة الاخوان فكرية وسياسية وعقائدية وليست جنائية في المحل الأول، وبغض النظر عن قضايا الدم التي يتعين نظرها بعدالة وبمعايير واحدة بين الطرفين فلن يتم تجاوز الاخوان (وحديثي هنا للأمة كلها) كعقبة أمام تقدم البلاد والاسلام إلا بالوسائل السياسية والفكرية وليس بالبطش.
وأرى أن إقرار قانون العدالة الانتقالية سيكون وسيلة مهمة لنزع فتيل الصراعات في البلاد اذا تم تطبيقه بشكل معقول. والله الموفق والمستعان.
***********************
ملحوظة: الأكثر نباهة والأكثر تقوى من الاسلاميين من كل الفرق هم المناط بهم تشكيل قيادة إسلامية جديدة لمجمل الحركة الاسلامية وأن تطرح نفسها كقيادة منفتحة على الأمة وعلى غيرها من التيارات، وهذا يحتاج لمقال آخر بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق