ما بين السعودية والسيسي!
بقلم: سليم عزوز
منذ 30 دقيقة
عدد القراءات: 1058
أعلم أنه لن يصل هذا المقال إلى القارئ في المملكة العربية السعودية، لسبب بسيط، وهو أن "عربي21"، من المواقع المحجوبة في المملكة، والمتابع له يكتشف أنه لم "يدس" للمملكة "على طرف"، ولا يقدم خصومها أو يتربص بسياستها، وليس من بين كتابه من يجهرون بالعداء لسياسات أولي الأمر في العربية السعودية، من أول سعد الفقيه، إلى مضاوي الرشيد، لكن مشكلته تتخلص في انحيازه للربيع العربي، وقد كان الحجب في عهد الملك عبد الله، واستمر في عهد الملك سلمان، وسوف يستمر في عهد أي ملك سعودي جديد!.
هذه مقدمة ونحن على البر، لوقف فيض المشاعر الجياشة من قبل البعض، كلما تلمسوا خلافاً سعودياً سيسياً، واعتبروه مقدمة لأن تنفض المملكة يدها من السيسي وتضع ثقتها في الدكتور محمد مرسي، وهذا لن يحدث حتى يلج الجمل في سم الخياط، لذا وجب التنويه!.
أعلم أن هذه المقدمة من شأنها أن تفقد البعض الحماس لاستكمال القراءة وهذا مطلوب في حد ذاته، فليس دور الكاتب أن يضلل قراءه من أجل إسعادهم، وليس المقال هو جرعة مخدرات، تعطي لليائس حقنة في العضل فينفصل عن الواقع ويعيش اللحظة، التي عاشها البعض بعد سخرية الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي من السيسي وثلاجته، ثم صدموا باعتذاره بعد الاحتفاء من قبلهم بتصريحاته المهينة، وهي تصريحات لم تكن عفوية، بل كانت مقصودة مع سبق الإصرار والترصد، لخلاف بين أهل الحكم في المملكة وبين عاملهم المتمرد على مصر عبد الفتاح السيسي، لسنا طرفاً فيه، ولم ندع إليه، وإن كان هناك من دعوا أنفسهم، سواء من "المبتهجين" بسخرية الوزير السعودي السابق، أو الذين اندفعوا من باب ادعاء الوطنية، ليعلنوا أن كرامة السيسي من كرامة مصر!.
أخطر ما في كلام السعودي "إياد مدني"، ليس تلميحاته إلى ثلاجة السيسي، ولكن في اعتذاره عما وصفه بـ"الخطأ الفاحش"، المتمثل في خطئه في نطق اسم الرئيس التونسي حيث تحول الاسم على لسانه من "السبسي"، إلى "السيسي"، مع أن كلمته لم تكن ارتجالية بل كانت مكتوبة. وقد بدا الاستهداف واضحاً، وهو يقدم اعتذاره لفخامة الرئيس على هذا "الخطأ الفاحش"، ثم يردف: ونعتقد فخامة الرئيس أن ثلاجتكم فيها أكثر من الماء. فتظن لإشارات الوزير السعودي السابق أن الرئيس التونسي في مقدمة الجالسين في المؤتمر لتكتشف أنه لم يكن حاضراً، وأن الحديث كله مفتعل!.
وبدا واضحا، أن الذين وضعهم السيسي في وضع لا يحسدون عليه، بحديث الثلاجة، والذي فجر بركان السخرية، وجدوا في تصريحات "إياد مدني" فرصة لتحويل مسار الموضوع في اتجاه آخر، فالوطنية تدفعهم - كما أعلنوا - لتجاوز خلافهم مع السيسي والدفاع عن الوطن، وأنصار السيسي أرادوا أن يجعلوا منها قضية وطنية لستر العورات التي تبدت للناظرين، فالجنين في بطن أمه يعلم أن السيسي يكذب، ويتحرى الكذب في أمر ثلاجته، وها هو الوزير السعودي يقدم لهم قارب النجاة لتحويل دفة الحديث بعيدا!.
وهناك فريق وإن كان يعارض السيسي فقد رأى أنه أمام فرصة ليعبر عن وطنيته ربما رداً على من يرمونهم بعدم الوطنية لهذا الهجوم وباعتبار السيسي هو الوطن، وهناك من اعتبروها فرصة لتقربهم لأهل الحكم زلفى من باب ادعاء الوطنية وقولهم إن كرامة السيسي من كرامة مصر، ومنهم من أصابه الخفيف فذهب يقول إنه وإن كان يعارض السيسي فلن يسمح بالأغراب أن يعارضوه، فات هؤلاء أن السيسي هو قرار هؤلاء الأغراب، الذين وقفوا بجانبه، واستدعوه للانقلاب على الرئيس المنتخب، ومولوا انقلابه بأكثر من 60 مليار دولار، لم يذهب منها دولاراً واحداً للموازنة العامة للدولة، فكلها ذهبت لشخص السيسي، وهؤلاء "الأغراب" لهم في السيسي أكثر مما لأي مصري فيه!.
والذي أساء لكرامة المصريين بقبوله الملابس والبطاطين من دول الخليج تحت بند المساعدات، وتم التحرش بهذه البطاطين على الهواء في برنامج تلفزيوني، لا يمكن أن تكون كرامته من كرامة مصر، فكرامة مصر من كرامة الفتيات اللاتي اعتقلهن السيسي واعتدى أمنه عليهن، وكرامتها من كرامة كامل أراضيها، التي فرط السيسي فيها، وتنازل عن جزء منها لخادم الحرمين الشريفين، ولضمان أمن إسرائيل، التي ستتولى أمن الجزيرتين بحسب تأكيد مكرم محمد أحمد. وكرامة مصر من كرامة ماء النيل الذي تنازل عنه السيسي لأثيوبيا، وكرامة مصر من كرامة أقل مواطن فيها شأناً، ممن تنتهك كرامتهم في السجون وأقسام الشرطة على يد دولة السيسي بعد أن كانت ثورة يناير أعادت للمصريين كرامتهم، بعد أن استباحها حكم العسكر وأعادوا استباحتها من جديد!.
ما علينا، فلأن الهجوم على الوزير السعودي كله انصب على "حديث الثلاجة"، فقد اعتذر عنه وقال إنه كان يمزح.
وماذا في الموضوع إلا المزاح؟! فهذا المزاح هو الذي يجعل القوم في القاهرة يقفون على حجم عاهتهم المستديمة، ذلك الكائن البر مائي، الذي ينمو على الماء، ويعيش على الضوء، ويتنفس من أذنيه، وصارت ثلاجته مثاراً للتندر في كل أرجاء المعمورة، فلم يعد الأمر محصوراً في المصريين، الذين إن كانوا قد سعدوا من قبل أن فنانا مصرياً كان يوصف بـ"العالمي" هو عمر الشريف، فقد أصبح لديهم "رئيس عالمي"، ارتفع بثلاجته للعالمية، واخترق بالماء المخزون فيها على مدى عشر سنوات لحاجز الصوت!.
ولم يطلب من تحسسوا بطحتهم عند الحديث عن الثلاجة تفسيراً لقوله "خطأ فاحش"، فاعتذر عن المزاح ولم يعتذر عن الجدية التي لم يتم الانتباه لها على خطورتها، والتي كشفت عن أن افتعال الموضوع والحديث مع الحاضر الغائب "الباجي قائد السبسي"، يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها! فالعلاقات السعودية – السيساوية ليست على ما يرام، ليس لأن السيسي يريد الاستقلال بالقرار المصري، في السياسة الخارجية، فسياسته الخارجية قائمة على التبعية من أول يوم، وحتى عندما عارض القرار السعودي فيما يختص بالموقف من سورية، فقد كان من التابعين غير أولى الإربة، والدليل وقوفه مع الشيء ونقيضه ومع القرار الفرنسي والقرار الروسي معا.
بالحسابات المبدئية، فإن المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان كان ينبغي أن تعادي حكم السيسي وهو المضبوط متلبساً بضلوعه في مخطط إبعاد الأمير سلمان من موقع ولي العهد، وهو المخطط الذي فشل. ثم كان من المفترض أن تقطع العلاقات بعد التسريبات والنظرة الانتهازية من السيسي وسكرتيره لدول الخليج ودعمهم، حيث ينبغي أن تقوم العلاقات على سياسة: "هات خد"، بحسب عباس كامل سكرتير السيسي وكليمه!.
بيد أن العلاقة استمرت وتبدو ظاهرياً على أنها على ما يرام، ويا عوازل فلفلوا، لكن خيبة الأمل السعودية باتت واضحة في خيارها، لم يحد منها إلا أن الانقلاب هو خيار استراتيجي، مقدم على أي شيء، وأن إفشال الربيع العربي لمنع تصديره يعتبر بجواره الخلاف مع السيسي وإن تآمر على الأمن القومي لدول الخليج، خلاف ثانوي!.
عندما وجد الحكم السعودي أن الحوثيين لم يقتصر خطرهم على الثورة اليمنية إنما باتوا يمثلون خطراً عليه، صعب من الحرب وزاد من تكلفتها لأنه لم يشأ أن يستعين بالإخوان في اليمن إلا بعد أن خسر كثيرا، وكان استدعاء الحوثيين في الأصل مع مليشيات على عبد الله صالح هو لمواجهة الإخوان الذين فهموا اللعبة مبكراً وفوتوا الطريق على المتآمرين، وجعلوا المؤامرة تأكل أصحابها.
وكون السيسي "تليفون عملة" لا تعمل الحرارة فيه إلا بوضع قطع النقود، فقد كان هذا مريحاً لعقلية الكفيل، لكن فاتهم أنه "تليفون عملة" متنقل، فيعمل هنا ويعمل هناك، وهو مع من يدفع أكثر، والمال لم يعد حظاً خليجياً فقط، وكذلك النفط، كما أن هناك دولاً تملك ما هو أهم من المال، وهو استمرار الشرعية، وفي القلب منها إسرائيل!.
وقبل هذا، فالسيسي يتصرف مع الدول الخليجية المانحة للمساعدات والقروض على طريقة جحا الذي سئل: ماذا تفعل في ديونك القديمة؟ قال: لا أسددها. قيل: والجديدة؟.. قال: اتركها حتى تصبح قديمة!.
فهو لا يعترف بما دفع بالأمس لأنه يعمل بقواعد "العامل السريح" الذي يعمل باليومية، فما دفع بالأمس انتهى أمره فماذا عن اليوم؟!، وليس في إمكان أي دولة أن تشبع هذا الشح المطاع، ومن هنا يحرص السيسي على فتح خط اتصال مع إيران، ومع الحوثيين، وفي المقابل فإن الجانب السعودي مضطر لأن يخفف من درجة الخلاف للحد الأدنى، وإلى حد الملاسنة، ومستوى الهمز واللمز، وفي المقابل فالسيسي عنده من يجيدون "فرش الملاية" وقد فرشوها فوصل ملياري دولار للبنك المركزي في أسبوعها "عداً ونقداً"!.
السعودية في عهد عبد الله رعت الانقلاب العسكري على الثورة، وفي عهد سلمان كان الرد: وماله حكم العسكر؟.. فمصر عمرها كله يحكمها العسكر. ولهذا عندما أطلقت نصائح خليجية للسيسي بألا يترشح كان الخيار السعودي ولا يزال منصباً على الفريق سامي عنان!.
ومن المؤكد أن ثلاجة سامي عنان يوجد بها ما هو أكثر من الماء!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق