نكشف السر: المؤسسة الحاكمة هي التي أنجحت "ترامب"
بقلم: حسين صابر
منذ 2 ساعة
عدد القراءات: 1078
لا شك أن نجاح ترامب قنبلة ستغير كثيراً من مجرى الأحداث في العالم وداخل أمريكا. ليس لأن ترامب سيلتزم حرفيا بما قاله في الحملة الانتخابية بل لأن 30-50% فحسب من هذه التوجهات كافية لاحداث انقلاب خارجي وداخلي. ولكن لابد أن نبدأ بكيف وصل ترامب؟ لأنها توضح الآليات الأعمق للنظام السياسي الأمريكي.
كيف وصل ترامب إلى سدة الرئاسة؟!
ركزت معظم التحليلات على "فهلوة" و "شخصية" و "شعارات" ترامب باعتبارها هي أسباب استطاعت قلب الموائد والوصول في غفلة من الزمن إلى البيت الأبيض. والواقع أن المؤسسة الحاكمة لايمكن أن تترك هذا الأمر للصدفة وهذا المصطلح الرائج في الولايات المتحدة ونعني به "المؤسسة" أشبه بالأمر الغيبي غير المتفق بدقة على تعريفه ولكن المقصود به بشكل عام، "المجمع الصناعي- المالي – العسكري- وكما ينعكس في المؤسسات الأمنية" ولكن دعوني أقل لكم توضيحاً وتعريفاً أكثر دقة، فهذه المؤسسة لها قيادة أكثر ضيقاً وهي غير معلنة وغير معروفة ويشترك اليهود فيها بقوة باعتبار أن الحكم في أمريكا هو تحالف بين الانجلوساكسون والبروتستانت واليهود. ومن الوارد أن يوجد داخل المؤسسة وداخل قيادتها خلافات تكتيكية ولكنها يجب أن تحسم أمرها في الربع ساعة الأخيرة لخيار محدد خاصة فيما يتعلق بمؤسسة الرئاسة. (بالمناسبة مصطلح الربع ساعة الأخيرة مصطلح منتشر في الأدب السياسي الأمريكي). المعروف أن الرئيس الأمريكي هو جزء من ماكينة السلطة، وهو ليس حراً في اتخاذ معظم القرارات خاصة الخارجية، ولكن أهميته الرئيسية أنه الواجهة، وانه المتحدث الرسمي باسم النظام ولذلك لابد ووضع عدة خطوط تحت كلمة لابد، لابد أن يعبر عن توجه المؤسسة في اللحظة المحددة وهي تتكرر كل 4 سنوات. وقد وضعت "المؤسسة" ضوابط ومسارات صارمة لانتخاب الرئيس بل وأيضا الكونجرس بل وأيضا حكام الولايات، فجعلت الوصول إلى كل هذه المواقع عبر حزبين لا ثالث لهما (الجمهوري- الديمقراطي) منذ 200 عاما. أي ديمقراطية هذه التي تحصر المنافسة بين الفيل والحمار، هل الشعب الأمريكي الذي يتسم بالحيوية عاجز عن تخليق حزب ثالث. وكلما حاول أحد (ملياردير) أو جماعة أن يترشح أو تترشح للرئاسة فلا يحصل على أكثر من 10- 20% من الأصوات. والحقيقة نحن أمام حزب واحد يحكم أمريكا ولكن عبر منبرين داخل الحزب يختلفان في أمور فرعية وترى كثير من السياسيين (وترامب من بينهم) يتنقل بين الحزبين جيئة وذهابا بدون احراج عدة مرات ولا يلام على ذلك. وبالتالي فإن "المؤسسة" {وعندما أقول مؤسسة فأنا establishment أعني
ولا أريد أن أكرر مرة أخرى اللفظ بالانجليزية، ولكن أذكر أن هذا هو المصطلح الرائج بين السياسيين الأمريكيين بينما لا يذكر عادة في الاعلام!! المؤسسة حصرت الرئاسة في مرشحين اثنين، ولا يمكن أن يصل أحد إلى هذا الموقع إلا بتصديق (غير رسمي طبعا) من المؤسسة وبالتالي لن تكون هناك كارثة إذا نجح أي منهما، ولكن في لحظات الانعطاف يكون هناك انحياز في الربع ساعة الأخيرة إلى أحدهما وأحيانا يكون هناك قرار واصرار على نجاح أحد هذين المرشحين. ولنتذكر آخر 3 انتخابات..
(1)آل جور- بوش الصغير..كان هناك اصرار على نجاح بوش الصغير (للدور الذي قام به) وقد نجح بتلاعب ما في ولاية فلوريدا التي يحكمها أخوه جوب بوش، وذهب آل جور للمحكمة وكان يمكن للأمر أن يطول ولكن "المؤسسة" أبلغت آل جور بضرورة الانسحاب من المحكمة حرصا "على سمعة أمريكا" وأن هذه مسألة "أمن قومي"!! ألا نلاحظ نفس المصطلحات المصرية (سمعة مصر- ومسألة أمن قومي وهي تقال عندما يراد إغلاق النقاش) وفي الفيلم الوثائقي لمايكل مور توثيق لعملية التزوير المادية على الطريقة المصرية (فيلم فيرنهايت). ومن الطرائف أن ترامب رفض مقابلة مايكل مور عندما جاء لزيارته بعد نجاحه في الانتخابات. لأن مايكل مور معروف عنه انه يسجل مثل هذه اللقاءات أو ينقل فحواها لأفلامه الوثائقية.
وتذكروا أن ترامب أثناء الحملة الانتخابية تحدث عن التزوير بالمعنى المادي لأنه كان يخشى ان يُستخدم ضده. باختصار فان آخر الدواء الكي وعندما يراد إنجاح أحد المرشحين فان آخر مرحلة هي الاستعانة بروح (النبوي اسماعيل- وذكي بدر وغيرهما من وزراء داخلية مصر!!!) ولا أريد التوسع في شرح تاريخ التزوير في أمريكا ولكن أنهي هذه النقطة بالاشارة إلى نكتة أمريكية شهيرة حيث يقول مواطن أمريكي (أنا أريد أن أدفن في ألينوي لأنني أريد ممارسة حقي الانتخابي بعد موتي!!) ألينوي من الولايات المشهورة بالتزوير!
ولكن نجاح المؤسسة ألا تلجأ إلى "الكي" أي التزوير وتعتمد على آليات أخرى: الاعلام- حشد الناخبين بالاتوبيسات على طريقة كمال الشادلي...الخ ولكن النظام الأمريكي يضعف فيما يبدو (بل هو أكيد). وأُذكر حضراتكم انه وبدون حكاية التزوير فإن آل جور الديمقراطي حصل رسميا على أصوات أكثر من بوش ولكنه رسب بسبب لعبة المجمع الانتخابي الذي يختلف من ولاية إلى أخرى. والطريف أن هيلاري كلينتون أيضا حصلت على أصوات أعلى من ترامب بـ 200 ألف صوت، ولكن هُزمت بحكاية المجمع الأمريكي الانتخابي وأنت لو سألت أي مواطن أمريكي عن حكاية المجمع الانتخابي فلن يفهم شيئاً وفي هذا المستوى تحدث الكثير من الألعاب. ولا أريد أن أصدمكم بهذه الحكاية لأنها ليست جوهرية الآن في موضوعنا. ولكن وباختصار فالمفترض أن الناخب الأمريكي ينتخب مندوباً ما، والمندوبون ينتخبون الرئيس على أساس انه انتخاب على درجتين ولكن التنفيذ يتم بمنتهى الغموض فكأن الناخب ينتخب مندوبا ديمقراطيا أو جمهوريا، وهذا لم يكن أساس النظام في البداية!!
(2)انتخاب أوباما تم بسلاسة لأن المرشح المضاد كان ضعيفا والمؤسسة أرادت أوباما لتثبت أنها غير عنصرية وجاءت برئيس أسود والأهم أن الحزب الديمقراطي هو الذي سينسحب من العراق ثم أفغانستان حتى لا تبدو أمريكا مهزومة بل لقد جاء حزب آخر بسياسة أخرى!
(3)وهنا جاء ترامب لأن المؤسسة تريد أن تنقلب في عدد من التوجهات ولكنها انقلابات حادة فكان لابد أن يضطلع بها شخص من خارج المسرح.
ولا شك أن نجاح ترامب كان مطلوباً بشدة وقد تقرر هذا في الدوئر العليا للمؤسسة وهي دوائر ضيقة ولذلك فان المؤسسات الظاهرة كالاعلام واستطلاعات الرأي والسياسيين التقليديين لم تتخيل نجاح ترامب وهي لم تشترك في إعداد هذا الانقلاب ولذلك جاءت القصة محبوكة، فهذا المرشح المجنون ألهب حماس الأمريكيين وقلب الموائد وضحك على الجميع. والحقيقة أن ترامب ليس مجنوناً ولم يُحدث انقلابا ولكن أعاد أمريكا إلى أصلها.. فالذي يحكمها البيض الأنجلوساكسون البروتستانت وهي معادية للأجناس الأخرى وهي ترفع شعار "أمريكا أولا" لتغيير معادلة العلاقات حتى مع الحلفاء. كما أنها لابد أن تراجع وضعها المتردي اقتصاديا الذي خربته العولمة لأن الصين وآسيا هي التي استفادت من العولمة ودمرت الصناعة الأمريكية. الدوائر العليا في المؤسسة هي التي تعلم كم الدولارات التي تتم طباعتها سراً، الدوائر العليا تعلم أن القوة العسكرية الأمريكية ستتراجع بسبب تردي الوضع الاقتصادي.
ولكن ماهي دلائل مساعدة "المؤسسة" على نجاح ترامب؟!
(1)ألم تلاحظوا أن ترامب دمر الحزب الجمهوري حين اقتحمه وهو قادم من الحزب الديمقراطي ،دمر 13 مرشحاً وطفش معظم القيادات الشهيرة للحزب حتى أعلنت أنها لن تنتخبه (منهم جورج بوش الابن). ما هي القوى السحرية التي معه؟ المال وهل لا يوجد في أمريكا ملياردير غيره، وهل كل ملياردير يمكن أن يدمر أحد الحزبين الرئيسيين بفلوسه. وهل هذا الحزب العريق وقف عاجزا أمامه هكذا (ترامب سب 282 شخصية أمريكية جمهورية وغير جمهورية) وكيف نجح في كسب أصوات الحزب وهو لم يترشح من قبل للكونجرس أو لأي ولاية . وهل الحزب الجمهوري بمستوى حزب الأحرار المصري مثلا!!
لم يكن بامكان ترامب أن يقلب الحزب الجمهوري رأسا على عقب وضد إرادة 80% من قياداته إلا بمساعدة غير عادية من أعلى المستويات الخفية في النظام.
(2)خطاب ترامب كان من المؤكد أنه سيجذب البيض وهم أغلب الناخبين ويجذب الطبقة الوسطى المعرضة للفقر والبطالة (50 مليون أمريكي يعيشون على كوبونات الغذاء) لذلك كان يكفي أن يكون معه 6 محطات تليفزيونية ويكفي فوكس نيوز ليهزم خطاب هيلاري التقليدي الذي يعبر عن الطبقة السياسية المكروهة.
وقد رأينا في مصر الحزب الوطني يهزم رغم أن كل محطات الاذاعة والتليفزيون كانت معه (انتخابات 2000).
لقد وقف بجوار ترامب أعلى المخططين الاعلاميين وبعض رموز الحزب الجمهوري (نيت جينجتشز) مثلا كما استخدم ترامب الانترنت وقد أصبح في أمريكا أهم وسيلة اعلام
(3) كما ذكرت هيلاري حصلت على أصوات شعبية أعلى بـ 200 ألف صوت. اذن الاعلام المساند لها حقق النتيجة، واللعب كان على مستوى المندوبين.
(4)لا أدعي أنني أعلم كل الألاعيب السرية التي استخدمتها "المؤسسة" لتمرير ترامب. ولكن هناك مسألة خطيرة وحاسمة لا تقبل الجدل تؤكد ذلك. فبعدما تم إغلاق التحقيق مع هيلاري في موضوع الايميل الخاص بها. إذا بالمباحث الفيدرالية تعلن اكتشاف ايميلات جديدة وتحويل هيلاري للتحقيق في الكونجرس وذلك قبل الانتخابات بأسبوع وهذا توقيت مريب للغاية ويوجد في القانون الأمريكي ما يمنعه (أي تحويل مرشح للتحقيق قبل الانتخابات بـ 11 يوما). في هذه اللحظة أدركت أن ترامب يُعد للنجاح. حيث قال الأمريكان كيف ننتخب هيلاري ثم نراها يحقق معها وتعزل من الرئاسة!!
وأخيراً أعلنت هيلاري ان قرار المباحث الفيدرالية هو سبب هزيمتها، وعندها حق.
ان الذي حول هيلاري للتحقيق هو مدير المباحث الفيدرالية وهو من أهم أجهزة المؤسسة. ولكن ما يهمني هنا أن هذا دليل دامغ على التلاعب من أعلى مستوى سواء في التحقيق الأول أو الثاني قبل التصويت بأيام!!
(5)أعلن الاعلام أثناء الحملة ان ترامب لم يعد خلفه سوى الكنيسة الانجيلية، وهذه أهم مؤسسة في المجتمع الأمريكي.. هي التي تخرج الرؤساء وهي تعطي معظم أصواتها للمرشح الجمهوري.
القسم الثاني من البحث يتعلق بحيثيات المؤسسة في اختيار ترامب رئيساً. وان كل ما قاله ترامب في حملته لم يكن "هرتلة" ولكن إشارة إلى اتجاهات جديدة لأمريكا، أي إذا لم تكن بنفس الحدة التي ذكرت بها في الحملة، ولكنها في نفس الاتجاه.
القسم الثاني: يتناول أزمة أمريكا الداخلية وعلاقة ذلك بدورها العالمي، وعلاقة ذلك بشعارات ترامب الانتخابية.
ولكن باختصار:(1)المؤسسة تدرك الوضع الاقتصادي البائس لأمريكا وان الديون بلغت 20 تريليون في حين أن الانفاق العسكري 600 مليار دولار سنويا بينما العجز التجاري 800 مليار دولار وهذا سر مطالبة ترامب أوروبا واليابان والخليج بدفع المزيد من الأموال لحمايتهم.
(2)وهذا أيضا سر التلويح بالانسحاب من معاهدة التجارة الدولية لوضع حواجز جمركية لحماية الصناعة الأمريكية، ومطالبة الشركات الأمريكية بالعودة لأمريكا لتشغيل الناس. وأيضا سبب الحد من الهجرة لأن المجتمع لا يحتاج الآن لأيدي عاملة. وهذا أيضا سبب التلويح بوقف تمويل الأمم المتحدة وبرنامج المناخ (الاحتباس الحراري).
(3)التقارب مع روسيا لأن أمريكا لم تعد تقوى على سباق تسلح جديد من الناحية المالية ولا احتمال حرب عالمية ثالثة بسبب سوريا. لذلك اعتبر ترامب الصين هي العدو الرئيسي اقتصاديا وعسكريا وهذا هو تقدير المؤسسة.
(4)أما العداء للاسلام والأقليات فهو كما ذكرنا عودة لأمريكا البيضاء. فقد أسس أمريكا البيض الأنجلو ساكسون البروتستانت وقد كادوا يفقدون الآن الأغلبية العددية ولابد من وقف سرعة تحولهم إلى أقلية ضئيلة وهذا سر الهجوم الترامبي الشديد على الهجرة القادمة من أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط لأنها كادت أن تغير تركيبة المجتمع الأمريكي. كنت أريد التوسع في كل هذه النقاط في قسم ثاني ولكن لا بأس من هذا الاختصار الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق