"عزيزي ترامب ونتنياهو" تمرغ الدبلوماسية المصرية في التراب
24/12/2016 07:41 م
كريم محمدكشفت أزمة تخاذل نظام السيسي عن تقديم مشروع لإدانة الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة، عقب تلقيه مكالمتين من الرئيس الأمريكي المنتخب المتطرف "دونالد ترامب" والصهيوني "نتيناهو"، عن حجم الإذلال والانهيار الذي وصلت إليه الدبلوماسية المصرية في عهد السيسي، التي سعت أبواقه لاستغلال عبارة "عزيزي بيريز"، في خطاب بروتوكولي للخارجية، لتوريط الرئيس محمد مرسي، ثم جاء السيسي ليقولها صراحة: "عزيزي ترامب ونتنياهو".
وكشفت تعليقات سياسيين ودبلوماسيين مصريين عن حالة الإحباط والشعور بالخزي والعار لتمريغ السيسي أنف الدبلوماسية المصرية في التراب؛ أملا في تقديم "عربون صداقة" لترامب ونتيناهو لدعم نظامه.
وكان من الملفت صدور صحف تل أبيب، اليوم السبت، بمانشيات عريضة (مرفق الصورة) تقول: "شكرا يا سيسي"، في إشارة إلى ما قالوا إنه استجابة لمطالب إسرائيل وترامب بسحب قرار إدانة المستوطنات.
وقبل "تجميد" مصر مشروع قرارها الذي قدمته لمجلس الأمن، الذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كشف الإعلامي المصري المقيم في أمريكا محمود السطوحي عن أنه علم من مصادره الأمريكية أن إدارة أوباما ستمرر القرار ولن تستخدم الفيتو.
وقال: "هناك مؤشرات تؤكد سماح واشنطن بتمرير القرار هذه المرة"، وأرجع سحب مصر مشروعها بأنه "عربون مودة من مصر تجاه إدارة ترامب"، رغم أنها سترسل سفيرا متطرفا لإسرائيل كان يجمع التبرعات للمستوطنات.
ونشرت أنباء في الصحف الإسرائيلية والأمريكية تشير إلى أن الرئيس أوباما يريد أن ينهي فترتيه بالانتقام من رئيس الوزراء الإسرائيلي وإهاناته واحتقاره له، عقب تمريره هذا القرار ضد الاستيطان، قبل مغادرة البيت الأبيض.
لذلك اعتبر "سطوحي"- عبر حسابه على فيس بوك- أن تقديم مصر قرار تجميد المستوطنات ثم سحبه، ثم الموافقة على نفس القرار بعدما قدمته نيوزيلاندا بديلا لمصر في مجلس الأمن، يمثل "تخبطا وإحراجا دوليا تعرضت له مصر لأول مرة في تاريخها".
وكان من المقرر أن يصوت المجلس الذي يضم 15 عضوا على المسودة، مساء الخميس، لكن مصر سحبت المسودة تحت ضغط من إسرائيل وعقب اتصال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
واحتاج مشروع القرار لتمريره تسعة أصوات مؤيدة، وعدم استخدام أي من الأعضاء الخمسة الدائمين وهم، الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا، وبريطانيا، والصين، حق الفيتو، ولكن جاءت المفاجأة بتصويت 14 دولة وامتناع أمريكا عن التصويت، وهو ما توقعه "سطوحي" نقلا عن مصادره في واشنطن.
مشروع السيسي كان "أكثر لطفًا"
مشروع القرار المصري، الذي أمر السيسي بسحبه، ووصفته صحيفة "هآرتس" بأنه "أكثر لطفًا"، (لصالح إسرائيل)، بالمقارنة بمحاولات قامت بها حكومة دولة فلسطين على مدى الأسبوعين الماضیین، وفشلت، أثار ردود أفعال عديدة بين السياسيين والنشطاء المصريين، تراوحت بين رصد خسائر مصر من التراجع أمام ترامب، ونعي الدبلوماسية المصرية.
"تراجع الرئيس الراحل أنور السادات عن الثوابت الوطنية والقومية والصلح والاعتراف بإسرائيل، استغرق 30 عاما هي فترات الحروب والتفاوض المختلفة، بينما استغرق تراجع السيسي عن قرار إدانة المستوطنات دقائق، هي وقت مكالمتين هاتفيتين من ترامب ونتنياهو"، هكذا يفسر الخبير في الشئون الاسرائيلية محمد سيف الدولة خطورة ما حدث.
أما عن سبب فعل السيسي أن ينحاز علانية لإسرائيل، ويساعد في تحصين المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ضد قرار محتمل من مجلس الأمن، وإضاعة هذه الفرصة النادرة التي قد لا تتكرر مرة أخرى، كما يقول "سيف الدولة"، فيرجع إلى أن "إسرائيل هي بوابته الرئيسية لنيل القبول والرضا والدعم الأمريكي والدولي".
اغتيال الدبلوماسية المصرية
واعتبر "سيف الدولة" أن ما جرى "يمثل قمة التنازلات لإسرائيل في عهد السيسي، ويعد اغتيالا متعمدا للدبلوماسية المصرية"، حيث لم يكلفه الأمر سوى مكالمة تليفونية واحدة من ترامب، بحسب قوله، منتقدا عدم تقدم أي دبلوماسي مصري بتقديم استقالته كما فعل وزير خارجية السادات "إبراهيم كامل"؛ رفضا للصلح مع إسرائيل حينئذ.
وهو نفس ما يراه المرشح الرئاسي السابق خالد علي، الذي يري أن الأمر يتجاوز مجرد خيبة أمل عابرة، ويعد "سحقا لصورة مصر دوليا لرضوخها لإسرائيل وترامب على هذا النحو المهين".
"لعلها المرة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية، يجد مندوب مصر في مجلس الأمن نفسه في موقف الدفاع عن سمعة بلاده واتهامها بالانحياز لإسرائيل"، هكذا وصف رئيس تحرير صحيفة "المصريون" التراجع المصري.
ووصف السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، تجميد مصر مشروعها في مجلس الأمن ثم موافقتها على نفس المشروع، قائلا: "لم أتخيل يوما أن يصل مستوى الدبلوماسية المصرية إلى هذا الحد من التخبط"، معتبرا ما جرى "سابقة سيئة وفضيحة دبلوماسية غير مسبوقة".
وقال إنه تصور أن "مقايضة" ربما تمت خلال اتصال الرئيس الأمريكي الجديد ترامب، بالرئيس المصري، تتمثل في تراجع مصر عن تقديم القرار لمجلس الأمن، مقابل وعد من ترامب بعدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، "لكن توقعي لم يكن في محله"، بحسب قوله.
وتساءل "مروزق": "كيف ترضخ الإرادة المصرية، لمجرد اتصال من شخص لم يعد بعد رئيسا لبلده؟" مؤكدا أن "ما حدث لم يكن يجرؤ أي رئيس مصري سابق على فعله أو الإقدام عليه".
وحاول أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، تبرير الفضيحة بقوله: إن سبب سحب مصر لمشروع القرار الفلسطيني الخاص بالاستيطان من مجلس الأمن، هو الخوف من استخدام أمريكا حق الفيتو.
وقال: إنه على ضوء استمرار وجود احتمالات لاستخدام الفيتو على مشروع القرار، وتمسك الجانب الفلسطيني وبعض أعضاء المجلس بالتصويت الفوري عليه رغم المخاطر، قررت مصر سحب المشروع لإتاحة المزيد من الوقت للتأكد من عدم إعاقته بالفيتو، وهو ما تحقق بالفعل لاحقًا، وشجّع دولا أخرى على إعادة طرح ذات النص للتصويت.
الدبلوماسية المصرية تابعة لرغبات إدارة ترامب
واعتبر المحلل السياسي "عبد الباري عطوان"، تجميد مصر مشروعها بأنه "ربما يصورها بصورة التابع للإدارة الأمريكية القادمة، والقبول بإملاءاتها"، ما يعني جعل الدبلوماسية المصرية تابعة لرغبات إدارة ترامب.
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية والانتصار لها هو مصدر قوة لمصر، وتكريس لمكانتها السياسية والدبلوماسية في المحافل الدولية، وفي العالم بأسره، وهو ما يفسر إسراع ترامب للاتصال بالسيسي.
وعقب فوز مصر بمقعدها بمجلس الأمن، في أكتوبر 2015، زعمت صحف الانقلاب أن ما تحقق «انتصار» للدبلوماسية المصرية، وتحدثوا عن عودة مصر لدورها الدولي، وعدد دبلوماسيون فائدة ذلك في نصرة القضية الفلسطينية، وهو ما لم يحدث.
وبدلا من دعم القاهرة مشروع دولة فلسطين في مجلس الأمن حول الاستيطان، قدمت مشروعا جديدا غير الصياغة الفلسطينية لأخرى «أكثر لطفًا»، كما قالت صحف إسرائيل، ثم قامت بتأجيل التصويت لأجل غير مسمَّى، قبل أن تصوت على المشروع النيوزيلاندي، خشية اتهامها بالتخلي عن القضية الفلسطينية.
#ترامب_يامر_السيسي
وعقب أزمة مشروع القرار، دشن نشطاء هاشتاج #ترامب_يامر_السيسي، الذي جاء في المرتبة الثالثة على التريند المصري.
كما دشن نشطاء "هاشتاج" آخر باسم "الدبلوماسية المصرية"، تضمن انتقادات للتضارب في القرار المصري، وإشادة بتصويت مصر من البعض الآخر.
أهمية القرار الآن؟
وقبل تجميد قرار مصر بمجلس الأمن، قال دبلوماسيون مصريون: إن مشروع القرار المصري يتميز عن القرارات التي طرحت سابقا بنقاط أساسية تتمحور حول الدفع بمجلس الأمن نحو طلب الوقف الفوري والكامل لبناء المستوطنات.
وقالوا إن أهمية تمرير هذا القرار الآن ترجع إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد نسيان الإدارة الأمريكية في عهد ترامب لما يسمى بـ"دولة فلسطينية"، وتشجيعها المستوطنات، خصوصا بعد تعيين "ديفيد فريدمان" سفيرا لأمريكا في إسرائيل، والاستعدادات لنقل السفارة للقدس، بما يعني الاعتراف الأمريكي بها لأول مرة كعاصمة لإسرائيل.
ومرَّرت اللجنة الوزارية التشريعية الإسرائيلية، في نوفمبر الماضي، بالإجماع مشروع قانون يهدف لتقنين النشاط الاستيطاني غير المصرح في الضفة الغربية، ثم تبعها الكنيست الَّذي مرَّر مشروع القانون ذاته بشكل مبدئي، ليتبقى له ثلاثة إجراءات تصويت أخرى ليصير قانونًا.
وأدانت هذه الخطوات إدارة أوباما، التي يتوقع أن تخالفها إدارة ترامب الرأي، وفرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوَّض السَّامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، الذين أدانوا مشروع القانون، وأعلنوا عن أنه مخالف للقانون الدولي. كما أدانته مصر آنذاك.
وسبق أن قال عبد الفتاح السيسي إن اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل سيكون أكثر دفئا من الوضع الحالي لو تحققت مطالب الفلسطينيين بإقامة وطن لهم، مشددا على ضرورة مواصلة الولايات المتحدة لدورها في دفع مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى الأمام.
وقال دبلوماسي غربي في المنظمة الدولية، في تصريحات خاصة أدلى بها إلى وكالة "رويترز "للأنباء، إن "الرئيس المصري" تحادث هاتفيا مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وتناول الحديث مشروع القرار المصري المُقدم إلى مجلس الأمن باسم مجموعة الدول العربية، والذي يطالب إسرائيل بالكف عن أي نشاط استيطاني في الأراضي المحتلة، ويدعوها إلى وقف العنف ضد المدنيين الفلسطينيين.
وقبل ذلك، دعا ترامب الإدارة الأمريكية إلى استخدام الفيتو لإسقاط مشروع هذا القرار. وأشار ترامب- في بيان له- إلى أن موقف الولايات المتحدة الثابت يقضي بأن الطريق الوحيد لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هو التفاوض المباشر وليس الإملاءات الأممية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق