القصة الكاملة لـ"اغتيال" وتصفية المختفين قسريًّا
13/03/2017 05:45 م
كتب- سيد توكل:
72 ساعة، كانت كافية في مصر، لظهور تداعيات زيارة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لجهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، الأسبوع الماضي مخلفة وراءها قصص ألم جديدة لنشطاء ومعارضين، تعرضوا للإخفاء القسري وأعلن عن تصفيتهم لاحقًا.
"التصفية الجسدية هي القيادة بأقصى سرعة على طريق اللاقانون"، هكذا وصفها المراقبون وكأن منفذها النظام القاتل يسأل وهو يقتل الضحية معصوب العينين موثق اليدين: لماذا المحاكمات؟ لماذا التحريات؟ لماذا الاستجوابات.. ما دام الأمر يمكن أن ينتهي برصاصة واحدة، ولا ضرر من أن يصدر بيان من "القاتل"، يتحدث عن مهاجمة وكر إرهابي هنا أو هناك، أو عن ملاحقة في الصحراء واشتباك أدى إلى تصفية الإرهابي المطلوب.
ويؤكد مراقبون أنه على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، تكررت حالات الاغتيال والتصفية والقتل خارج القانون، والتي تفضح كذب رواية وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب في كثير من الأحيان، لينضم جسد الضحية الملطخ بدماء الحرية إلى قائمة تضم عشرات بل مئات المصريين المختفين قسرياً، وغالبا ما يكون الضحية طالب جامعي أو ناشط سياسي أو أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، التي تزعم سلطات الانقلاب بأنها متورطة في أعمال قتل وتخريب وعنف.
العصيان ضد القتل
تقول المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ومقرها بريطانيا: إنه منذ الثالث من يوليو 2013، وحتى الآن وثقت المنظمة تصفية 102 شخص على يد سلطات الانقلاب أثناء الاعتقال، أو بعد تعرضهم للاختفاء القسري لفترات طويلة واختلاق روايات كاذبة حول مقتلهم، بالإضافة إلى مقتل 92 شخصًا على الأقل تحت وطأة التعذيب داخل مقار الاحتجاز المختلفة.
بعد تلويح عدد من قبائل مدينة العريش بشمال سيناء بالعصيان المدني إثر تورط قوات مكافحة الإرهاب في قتل عدد من شباب هذه القبائل، كانوا "معتقلين بشكل غير رسمي" لدى سلطات الانقلاب قبل شهر، وهو ما جعل قضية التصفية الجسدية تشهد تحولاً هاماً أعطى الأمل بأن تحركاً ملموساً ضدها قد يحدث.
جاء هذا عندما فوجئ ذووهم بأجسادهم وقد اخترقها الرصاص داخل شريط فيديو تبثه سلطات الانقلاب، عبر شاشات التلفزيون باعتباره نجاحًا في اقتناص إرهابيين، قاموا بتنفيذ عملية إرهابية ضد القوات المسلحة بالمدينة مؤخرًا.
ويؤكد مراقبون أن عمليات الاغتيالات التي تقوم بها سلطات الانقلاب تشمل القتل مرتين، الأولى برصاصة الغدر والثانية برصاصة التزييف.
بينما يتساءل والد أحد الشباب: "كيف تكون الإضاءة والكاميرات مثبتة على أجساد الضحايا بينما تظهر القوات وكأنها تبدأ الاستعداد للهجوم، هل من المنطقي أن تسبق الكاميرات البنادق إلى ساحة الجريمة؟ من جاء بأولادنا من المعتقل الذي لا نعرف اسمه إلى هذه الشقة السكنية؟ من قتلهم وألقاهم على الأرض ثم جاء بالكاميرات وبدأت فصول التمثيلية".
بين حوافر القتلة
"أحمد يوسف" شاب في أوائل العشرين انتشرت صورته بكثافة بعد فيديو التصفية، وهي صورة تظهر الوجه الآخر للحياة وليس فقط للحقيقة، حديث الزواج يبتسم ويرتدي نظارة الشمس، فكيف ينتهي الأمر لأن يتحول إلى جسد مسجى على وجهه بين أقدام الجنود؟ وهو ممن تمت تصفية زملائهم هم أيضًا قبل أيام خلال حراستهم لنقطة المطافئ في مدينة العريش بشمال سيناء.
تقول منظمات حقوقية إن عدد حالات القتل خارج القانون والتصفية الجسدية لمعارضين قد وصلت إلى 34 حالة عام 2016 وحده، وهي الحالات التي تم التوصل إلى هوية ذويها بينما آخرون تنتهي سيرتهم من الدنيا عبر بيان يشير إليهم كمجهولين لا يعرف أحد من أين أتوا أو لماذا رحلوا.
بينما يحكي والده في اجتماع القبائل كيف جاءت قوات الأمن إلى منزلهم قبل ثلاثة أشهر، كيف اعتدت على الزوجة وأجهضتها وضربت الشاب أمام والدته بتهمة الاشتباه، كيف حُرّرت عشرات البلاغات والاستغاثات دون جدوى.
ليس يوسف وحده، ولكنها القصة نفسها تكررت مع كل من ظهرت جثته في هذا الفيديو، يقول والد "محمد ابراهيم أيوب" (22 عاماً) من قبيلة الفواخرية، وكان يعمل سائقاً لسيارة أجرة قبل أن يُعتقل منذ نحو شهرين: "إذا كان ابني إرهابياً وتم القبض عليه لتورطه فى قتل الجنود فأنا سأتبرأ منه، لكن فلتحيوا الجنود الشهداء وتسألوهم هل يمكن لسجين أن يقتلهم".
كتب "أشرف حفني" المتحدث باسم اجتماع القبائل بالعريش عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن خصوصية مدينة العريش والتركيبة القبلية بها هي التي كشفت عن حجم هذا العبث، وأنه بالمقابل فهناك الكثير من الشباب تتم تصفيتهم ولا أحد يعرف شيئاً عنهم، بسبب طبيعة المدن الكبرى القاسية كالقاهرة".
اغتيال إسلام عطيتو
وفي كل مرة تعلن وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، عن الاشتباك مع إرهابيين اختبئوا داخل شقة سكنية مهجورة على أطراف مدينة القاهرة، بعد توصلها لمعلومات عن مسؤوليتهم عن استهداف كمين أو هجوم على منشأة او أي اتهام ملفق وتقدمه للرأي العام.
وفي إحدى المرات نشرت بيانًا عن الاشتباك مع عدد من "الإرهابيين" هاجموا كمين للمرور، ولم يتضمن البيان أسماءهم هذه المرة، فبقي السؤال مفتوحًا عمّن يكونوا؟
وقبل حادثة العريش، ظهرت أسماء أخرى مقترنة بصور شباب صغار في السن رحلوا عن الحياة في لمح البصر، من بينهم طالب كلية الهندسة "إسلام عطيتو" الذي تم اقتياده في صيف 2015 من لجنة الامتحان أمام مرأى ومسمع جميع الطلبة.
وبعد أقل من 48 ساعة نشرت صورته مقترنة ببيان قال إن عطيتو قتل خلال مهاجمة وكر إرهابي فى صحراء القاهرة، حملة واسعة قادها الطلاب لتكذيب وفضح داخلية الانقلاب، نشروا خلالها ورقة إجابة الامتحان الأخيرة بخط يد الطالب الذي قالت عنه وزارة الداخلية إنه إرهابي قًتل خلال تبادل لإطلاق النيران!
13 شهيدًا في أكتوبر
وأخيراً وقبل أيام قليلة من حادثة "العريش" كان إعلان وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب عن تصفية ثلاثة شباب في محافظة أسيوط بصعيد مصر هم "عبد الرحمن جمال، محمد سيد، علاء رجب"، قالت قوات الأمن إنها اضطرت لقتلهم أثناء القبض عليهم لمقاومتهم القوات، وأن جميعهم ينتمون لحركة "حسم" المنسوب إليها تنفيذ عدد من أعمال القتل والعنف، بينما كشفت أسرهم بالدلائل وقائع القبض عليهم قبل ثلاثة أشهر.
وبين الحادثتين وقع عدد آخر من الحوادث لعل أشهرها تصفية 13 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين داخل منزل بمنطقة "أكتوبر"، قالت وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب إنّهم المسئولون عن إنشاء اللجان النوعية والإشراف على تنفيذ أعمال عنف بالمحافظات!
بينما أصدرت الجماعة بياناً نفى رواية الداخلية وقال إن الاجتماع كان بهدف إعاشة المعتقلين ولم تكن هناك أسلحة، وتبادر سؤال على ألسنة حقوقيين عن كيفية حدوث اشتباك مع هذا الكم من المتهمين دون حدوث ولو إصابة واحدة في صفوف قوات الأمن، وعن قتل المتهمين جميعاً خلال الاشتباك؟! فهل من إجابة؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق