في ذكرى وفاته.. كيف أضاء "التلمساني" طريق الجماعة؟
22/05/2017 04:22 م
كتب- سيد توكل:
المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين في مصر، عمل على تجديد الجماعة بعد خروج أعضائها من السجن أيام الرئيس محمد أنور السادات، وليس بوسع مؤمن يهمه أمر الإسلام و الدعوة إليه وتقصي أحوال دعاته أن يجهل اسم هذا الداعية، الذي قدر له أن يحمل أمانة القيادة لأكبر حركة إسلامية عرفها هذا القرن.
ولولا أن العادة جرت في صياغة "البروفايل" الصحفي على ضرورة التعريف بالشخصية التي نتناولها، تعريفاً يحيط بشأنه وبيئته ومؤثرات حياته، على وجه يقرب صورته من أذهان القراء ، لكان الدخول في الحديث عنه مباشرة دون أي مقدمة اعتماداً على معلومات القراء عن "التلمساني".
المولد والنشأة
ولد عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني يوم 4 نوفمبر 1904 في حارة حوش قدم بالغورية قسم الدرب الأحمر بالقاهرة، وقد نشأ في بيت ثراء، جاء جده لأبيه من بلدة تلمسان بالجزائر إلى القاهرة واشتغل بالتجارة.
والتلمساني ليس من أصل مصري فجده لأبيه من بلدة تلمسان بالجزائر، جاء إلى القاهرة واشتغل بالتجارة، وأصبح من كبار الأغنياء.
تزوج عمر التلمساني في سن مبكرة في سن الثامنة عشرة وهو لا يزال طالبًا في الثانوية العامة، ولم يتزوج عليها حتى توفاها الله في أغسطس عام 1979م ، بعد أن رزق منها بأربعة من الأولاد: عابد، وعبد الفتاح، وبنتين".
عندما حصل على شهادة ليسانس الحقوق، عمل بمهنة المحاماة وأفتتح مكتبًا في شبين القناطر ، وفي سنة 1933م التقى بالأستاذ "حسن البنا" في منزله، وكان يسكن في حارة عبد الله بك في شارع اليكنية في حي الخيامية، وبايعه، وأصبح من الإخوان المسلمين وكان أول محامٍ يعمل بتوكيل من الجماعة التي قبض عليهم للدفاع عنهم في المحاكم المصرية.
الدراسة والتكوين
حصل على إجازة في الحقوق، واشتغل بعد التخرج في سلك المحاماة في شبين القناطر، ويمتاز جده بالاتجاه السلفي في العقيدة، وقد تولى طبع العديد من كتب الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نفقته .. وفي هذا الجو الرخي الحياة ، البعيد عن البدع ، نشأ الأستاذ محاطًا بالنعمة والروح الديني ، إذ كان كل من في ذلك البيت قائماً بحقوق الله صلاة وصياماً وحجاً ، سواء في ذلك الرجال والنساء ، والفتيان والفتيات ، وفي هذه البيئة يقول الأستاذ: طرق سمعه اسم ابن تيمية وابن قيم الجوزية ،أثناء المناقشات التي كانت تجري بين جده وزواره من أهل العلم.
ويصف الأستاذ جده هذا بأنه إلى جانب ثقافته العلمية، يمتاز أيضًا بالدعابة اللطيفة، ومن ذلك أنه يستقبل زائريه ومدعويه من هؤلاء مرحبًا بقوله: (ما شاء الله .. وأتوني بأهلكم أجمعين .. أما فيكم من معتذر أو متخلف !!..) حتى إذا ظهر في الفناء ديك رومي صاح فيه: " انج بنفسك ولا تلق بيدك إلى التهلكة ".
وفي مدارس الجمعية الخيرية هناك تلقى الأستاذ دراسته الابتدائية . فلما توفي الجد انتقلت الأسرة إلى القاهرة ، فالتحق بالمرحلة الثانوية من الإلهامية في الحلمية . حيث حصل على شهادتها ، ومن ثم انتظم في كلية الحقوق ، وبعد التخرج فيها بدأ التمرن على المحاماة ، ثم اتخذ له مكتباً في بندر شبين القناطر ، حيث مارس عمله القانوني بتوفيق مرموق.
ويبسط الكلام عن عمله هذا قائلاً: لقد باشرت عملي في المحاماة على قواعد ديني جهد الإمكان ، فإذا جاءني ذو قضية مدنية درست مستنداتها ، فإذا رجح لدي جانب الكسب فيها قبلتها ، وإلا نصحت له بالصلح مع خصمه.
وطبيعي أنه يفعل ذلك مع مراعاة جانب الحق بالدرجة الأولى ، بحيث لا يقبل المرافعة في قضية تخالف قواعد الدين التي أخذ بها نفسه
كما تقدم، ولم تشغله المحاماة عن تثقيف نفسه بالعلوم الإسلامية إذ كان نزاعاً إلى المطالعة في كتب الفقه والتفسير والحديث والسيرة النبوية.
التوجه الفكري
آمن بفكر جماعة الإخوان المسلمين، ودعا إلى الإصلاح الاجتماعي، وامتاز بقدرته على الحوار مع معارضي الجماعة من التيارات العلمانية والإسلامية.
وعلى سؤال عن آثاره المنشورة أو المعدة للنشر ، أجاب : أن ليس في آثاره القلمية ما يستحق إلحاقه بالمؤلفات ، وإنما هي خواطر جمعت في كتب،منها : (شهيد المحراب الفاروق)، (قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر) ، ثم (بعض ما علمني الإخوان المسلمون) و (الملهم الموهوب حسن البنا) و(يا حكام المسلمين ألا تخافون الله؟؟) و (ذكريات لا مذكرات)، وأخيراً (ثلاثة وثلاثون يومًا من حكم السادات) هذا إلى جانب افتتاحياته لمجلة (الدعوة) وما يكتبه حول الشئون الإسلامية في المجلات والصحف السيارة.
ويردف هذه العنوانات بقوله: إن من أجل نعم الله عليه كونه لا يحمل حقداً ولا كراهية لإنسان أياً كان مذهبه ، بل من عادته أن يترك ما يصيبه لله يتولى الفصل فيه بحكمته وعدله، وهي إشارة لطيفة وغير مباشرة إلى مضمون هذه الآثار من حيث كونها عرضاً موضوعياً لوقائع أو أفكار مبرأة من أهواء النفس ، فلا مكان فيها لكراهية أو ضغينة ، إنما هي تجلية لحقيقة ، أو بيان لرأي الجماعة التي يمثلها .
أو مجرد نصيحة يوجهها إلى حاكم رجاء أن ترده على جادة الحق ، على الطريقة التي أمر الله بها نبيه والمؤمنين معه في قوله الحكيم أدع إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن (سورة النحل 125).
التجربة السياسية
التقى عمر التلمساني عام 1933 بحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في منزله، وبايعه.
تولى التلمساني منصب المرشد العام سنة 1974 خلفًا لحسن الهضيبي، وقد كان له دور مهم في استقرار جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
قام في عهده نوع من التعاون بين السادات والإخوان في محاربة التيار الشيوعي والاشتراكي بعد أن اختار السادات التوجه نحو الغرب.
دخل التلمساني السجن ثلاث مرات أعوام 1954 و1981 و1984.
المؤلفات
أثرى التلمساني المكتبة العربية بعدد من المؤلفات اهتمت بالعلاقة بين الإسلام والحكم، والإسلام والمرأة، بالإضافة إلى قضايا أخرى.
ومن أبرز كتبه: "شهيد المحراب"، و"حسن البنا الملهم الموهوب"، و"في رياض التوحيد"، و"الإسلام والحكومة الدينية"، و" يا حكام المسلمين.. ألا تخافون الله؟!".
الوفاة
توفي عمر التلمساني في القاهرة يوم الأربعاء 22 مايو 1986، بعد معاناة مع المرض عن عمر ناهز 82 عامًا، وكتب الأستاذ فتحي رضوان رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان: عرفت عمر التلمساني الذي استحق عن جدارة اللقب المهيب الجليل لقب "شيخ" وهو محامٍ في مدينة شبين القناطر يمارس عمله إلى آخر العمر متواضعًا لا يلفت إليه النظر، بصوت عالٍ، ولا بمشية يشوبها الخيلاء ولم نكن نعرف آنذاك عنه أمورًا منها أنه حفيد "باشا" من باشوات العرب الأغنياء الذين فاض الله عليهم رزقه.
كما لم نفطن من مجرد اسمه أنه عربي من الجزائر مما يرفع قدره ويعلي من شأنه، فالجزائر هي موطن الجهاد والسلاح والوقوف في وجه استعمار الفرنسيين سافكي الدماء، وهاتكي الأعراض، وقاطعي الطرق فقد تصدى لهم عبدالقادر الجزائري بسلاح بسيط فأثخنهم جراحًا سبعة عشر عامًا، والعجيب أن السبعة عشر عامًا هذه، كانت من نصيب عمر التلمساني سجنًا متصلاً. احتملها صابرًا محتسبًا وخرج إلى الحياة فكأنه كان في نزهة فلم يحدث عن هذه الفترة الطويلة من القيد أو الحرمان والتضييق وتولى مكان الرياسة والصدارة بين جماعته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق