من عبد الناصر للسيسي.. الديكتاتور السفاح يخشى قادة الإخوان أحياء وأموات
24/09/2017 07:14 م
كتب كريم محمد:
طبيعة دكتاتورية واحدة، ونزعة عدوانية تتنافى مع الفطرة الإنسانية، تلك التي جمعت بين العسكريين الذين حكموا مصر منذ الديكتاتور "عبدالناصر" حتى السفاح "السيسي".
لا يكتفون بقتل واعتقال والبطش بالإخوان خاصة القادة منهم، ولكنهم يخشونهم أحياء، فيمنعون صلاة الجنازة على جثامينهم، ويأمرون أوقافهم بمنع صلاة الغائب عليهم، ويحاصرون المقابر ويمنعون حضور أحد لدفنهم.
هذا الرعب والهلع من الديكتاتور حتى السفاح طال عشرات الشهداء من قادة الإخوان منذ المرشد الأول ومؤسس الجماعة الشهيد حسن البنا، الذي منعت الشرطة في عهد الملك السابق جنازته وأمرت بها سرا بعدما قتله عملاء النظام، واستمر في كل العهود ليطال الشهداء سيد قطب وسيف الإسلام وأخيرا الشهيد عاكف.
خوف السفاحين والقتلة الديكتاتوريين من جثامين من أعدموهم أو قتلوهم أو تعمدوا قتلهم بمنع العلاج عنهم ليس له تبرير إنساني أو حتى سياسي، ولكنه جاء ليعبر عن رعبهم الشخصي من أشباح الشهداء، أن تجمع حولها آلاف المعزين فيثورون على سلطة الانقلاب والحكام المغتصبين للسلطة.
الانقلاب مرعوب من الشهيد حيا وميتا، ويثبت يوما بعد يوم أنها سلطة جاءت من نبت شيطاني لاقتلاع جذور الإسلام من مصر لا الإخوان فقط وما يقلقهم أكثر أن محاولات طمس معالم جماعة الإخوان بهذه الوسائل الامنية تؤتي عكسها وتجعل الشهداء رموز وطنية تضطر حتى مخالفيهم من التيارات السياسية الأخرى لاحترامهم.
فقد أقلقهم تضامن غالبية القوي السياسية مع الشهيد عاكف وخشي الانقلاب من عودة توحد المعارضين ضده كما حدث في ثورة يناير أو أن التضامن مع عاكف يفتح الباب لتوحد القوى السياسية، بعدما شاهد من دعموه من رموز ما سمي "جبهة الإنقاذ" وغيره يسارعون مضطرين لتأبين الشهيد والإشادة بمأثره واتهام سلطة الانقلاب بالفجر في الخصومة حتى في الموت.
وقد يكون ما نشره حساب مجهول لشخصية عسكرية غير معروفة باسم "الفريق سامي حسن" إن مهدي عاكف، قٌتل، وإن المخابرات العامة هي التي أعطت أوامر لمدير السجن بإيقاف الأدوية عنه، مؤشر لهذا الفجر في الخصومة والانتقام.
أو أن الحديث عن استشهاد عاكف قبل 3 أيام من إعلان الانقلاب لخبر وفاته وتأخير الإعلان لترتيب إجراءات الدفن سرًا دون ضجة، وما تبعه من منع الاقتراب من مكان الدفن وقصره على أفراد وفرض حراسة أمنية على قبره.
مؤشر آخر على رعبهم وقلقهم من قادة الإخوان أحياء وشهداء خشية تحولها إلى تجمع للإخوان أو إثارة تعاطف المصريين معهم.
حصار جثمان الشيد حسن البناكانت أولى هذه الخطوات الديكتاتورية التي لم تشهدها مصر من قبل في التعامل مع جثامين الشهداء سوى من قوات الاحتلال البريطاني، فهي نزعة عدوانية جديدة تتنافى مع الفطرة الإنسانية، ولكن هذا هو ما جرى في التعامل الأمني مع جنازة الشهيد حسن البنا.
وكانت خسة ونذالة لم يعتادها المصريون إلا مؤخرا، منع حضور أحد لدفنه أو العزاء، وهو ما رصده والد حسن البنا عن دفن ابنه بقوله:
"أبلغت نبأ موته في الساعة الواحدة فجرا، وقيل: إنهم لن يسلموا لي جثته إلا إذا وعدتهم بأن تدفن في الساعة التاسعة صباحًا دون أي احتفال، وإلا فإنهم سيضطرون إلى حمل الجثة من مستشفى قصر العيني إلى القبر، واضُطررت إزاء هذه الأوامر إلى أن أعدهم بتنفيذ كل ما تطلبه الحكومة، رغبة مني أن تصل جثة ولدي إلى بيته، فألقي عليه نظرة أخيرة، وقبيل الفجر حملوا الجثة إلى البيت متسللين، فلم يشهدها أحد من الجيران ولم يعلم بوصولها سواي".
"أبلغت نبأ موته في الساعة الواحدة فجرا، وقيل: إنهم لن يسلموا لي جثته إلا إذا وعدتهم بأن تدفن في الساعة التاسعة صباحًا دون أي احتفال، وإلا فإنهم سيضطرون إلى حمل الجثة من مستشفى قصر العيني إلى القبر، واضُطررت إزاء هذه الأوامر إلى أن أعدهم بتنفيذ كل ما تطلبه الحكومة، رغبة مني أن تصل جثة ولدي إلى بيته، فألقي عليه نظرة أخيرة، وقبيل الفجر حملوا الجثة إلى البيت متسللين، فلم يشهدها أحد من الجيران ولم يعلم بوصولها سواي".
وظل حصار البوليس مضروبًا ليس حول البيت فقط بل حول الجثة نفسها، لا يسمحون لإنسان بالاقتراب منها مهما كانت صلته بالشهيد!
ويقول والده: "قمت بنفسي بإعداد جثة ولدي للدفن، لأنهم لم يسمحوا حتى للرجال المختصين بهذا بالدخول، ثم أنزلت الجثة حيث وضعت في النعش، وبقيت مشكلة من يحملها إلى مقرها الأخير.
ويضيف: "طلبت من الشرطة أن يحضروا رجالًا يحملوا النعش فرفضوا، فقلت لهم: ليس في البيت رجال، فأجابوا: فلتحمله النساء! وخرج نعش الفقيد محمولاً على أكتاف النساء بالفعل".
ومشت الجنازة الفريدة في الطريق، فإذا بالشارع كله رصف برجال البوليس، وإذا بعيون الناس من النوافذ والأبواب تصرخ ببريق الحزن والألم والسخط على الظلم الذي احتل جانبي الطريق.
ويتابع والد الشهيد: "عندما وصلنا إلى جامع «قيسون» للصلاة على جثمان الفقيد، كان المسجد خاليًا حتى من الخدم، وفهمت بعد ذلك أن رجال البوليس قدموا إلى بيت الله وأمروا من فيه بالانصراف ريثما تتم الصلاة على جثمان ولدي، ووقفت أمام النعش أصلي فانهمرت دموعي، ولم تكن دموعًا؛ بل كانت ابتهالات إلى السماء أن يدرك الله الناس برحمته".
ويتابع: "مضى النعش إلى مدافن الإمام، فوارينا التراب هذا الأمل الغالي، وعندما عدنا إلى البيت الباكي الحزين، ومضى النهار وجاء الليل لم يحضر أحد من المعزين؛ لأن الجنود منعوا الناس من الدخول، أما الذين استطاعوا الوصول إلينا للعزاء، فلم يستطيعوا العودة إلى بيوتهم، فقد قبض عليهم إلا شخصًا واحدًا هو مكرم عبيد باشا".
يقع قبر حسن البنا مؤسس وإمام جماعة الإخوان، في مقابر الإمام الشافعي، على بعد أمتار قليلة من وسط القاهرة، وأول ما يلفت انتباه الزائر للقبر، ما عليه من بساطة، فلا نقوش أو بهرجة، بالأسوار التي تحفه، إلا من لوحة جدارية لهداية الزائرين إلى مكانه، منقوش عليها «مقبرة الإمام الشهيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين»، تضع نهاية صامتة لحياة صاخبة وخطرة عاشها «البنا» قبل وفاته عام 1949.
نجل البنا يلقي المصير نفسهكانت جنازة نجل البنا "أحمد سيف الاسلام" نسخة من جنازة والده، بعدما فرضت قوات الانقلاب حصارا حول منزله وقبره ومنعت العزاء واصدرت أوقاف الانقلاب امرا للمساجد بمنع الصلاة عليه!
فمثلما دفن والده سرًا وضربت الشرطة الحصار على جثته ومنزله، نفذت شرطة الانقلاب نفس الاسلوب، بل ومنعت الصلاة عليه في المسجد أيضا، وأضطر اهل الشهيد لإلغاء العزاء بسبب الأوامر الانقلابية.
ففي ظل التضييق الامني أصدرت العائلة بيانًا بعنوان "إلغاء عزاء الأستاذ الفقيد أحمد سيف الإسلام حسن البنا"، قالت فيه أن "العائلة تعلن إلغاء العزاء في فقيدها".
وفضحت داخلية الانقلاب بالكشف عن: "قامت وزارتا الداخلية والأوقاف بإلغاء إقامة العزاء بمسجد عمر مكرم، وأعلنت وزارة الأوقاف أنها لن تستضيف العزاء في أي من المساجد التابعة للدولة".
وتابعت الأسرة في البيان أن "وزارة الداخلية والحكومة تدفعان العائلة لإقامة عزاء فقيدها في الشارع بعد إغلاقهما أبواب مساجد الدولة كافة في وجهها، ولكنها (الأسرة) لن تستطيع تحمل مسئولية أمان جموع المعزيين، ولا كلفة تعرضهم لأي خطر، وعليه، تؤكد العائلة إلغاء عزاء فقيدها".
وبعد 67 عامًا، من وفاة الشهيد البنا فتحت مقبرة حسن البنا أبوابها مجددا لاستقبال نجله أحمد سيف الإسلام، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان، ليرقد بجانب والده، ويشاركه مسكنه الأبدي، بعد أداء صلاة الجنازة عليه، بمسجد الرحمن الرحيم بصلاح سالم.
لا جنازة لسيد قطبتم إعدام سيد قطب شنقا 29 أغسطس 1966، ومنعت السلطات العسكرية التي حكمت مصر منذ 1954 عقب إزالة حكم الرئيس محمد نجيب، جنازته أيضًا، بعد الحكم عليه في قضية تنظيم الإخوان المسلمين الملفقة عام 1965م، واتهم فيها بعض قيادات الإخوان بالتدبير لقلب نظام الحكم.
وصدق جمال عبدالناصر على حكم الإعدام، ورفض كل النداءات التي وجهها له الكثيرون للعفو عن سيد قطب، ومنها نداء الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، كما منع إقامة عزاء وجنازة له وتم دفنه سريعًا دون حضور أحد.
وتم دفن الجثمان بدون أي ترتيبات للدفن سواء صلاة الجنازة أو حضور أحد من عائلته أو المشيعين في ظل الحكم العسكري.
ورغم إعدامه وتغييب جثمانه بلغت أفكار سيد قطب كل أنحاء العالم، وكان إعدامه ووضوح الروح الانتقامية لنظام عبد الناصر منه حيا وميتا سببا في أن تفسيره للقرآن الكريم أصبح أشهر تفسير في العصر الحديث، وكانت كتبه الأكثر توزيعا في نصف القرن الأخير.
منع جنازة كمال وشحاتةأيضًا أرغمت سلطات الانقلاب أسرتي القيادي الإخواني، عضو مكتب الإرشاد، الأستاذ بكلية الطب، محمد كمال، وصاحبه المدرس ياسر شحاتة، على التوجه بجثمانيهما من المشرحة إلى المقابر مباشرة دون أي صلاة جنازة أو عزاء بعدما قتلهم.
وقتلت شرطة الانقلاب الراحلين وادعت أنهما كانا مسلحين وتبادلا إطلاق النار مع الشرطة، وانتهى الأمر بدفنهما بمقابر جبل درنكة بمحافظة أسيوط، مسقط رأسيهما بحضور قوات الأمن، دون تشييع جنازتيهما، ولا الصلاة عليهما، بالجامع الكبير في الوليدية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق