بمرور الوقت يتراجع الاهتمام بالحملة العسكرية الشاملة لجنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي على سيناء، حيث خلت مانشيتات صحف الإثنين 19 فبراير من أي أخبار عن الحملة، وتناولتها الصحف في عناوين أقل أهمية؛ وذلك لأن المؤسسة العسكرية لم تصدر بيانها رقم 10 عن العملية الذي اعتادت عليه صباح كل يوم عن اليوم السابق.
ربما يعود السبب في ذلك إلى مخاوف النظام العسكري من تداعيات إشاعة أجواء الحرب على فرص الاستثمار والسياحة؛ فكل الخبراء يؤكدون أن مثل هذه الأجواء طاردة للاستثمار من جهة، وقاتلة لمستقبل السياحة من جهة أخرى.
أضف إلى ذلك أن قطاع السياحة يعاني من مرارة التراجع والخسائر المتواصلة منذ الانقلاب منتصف 2013، ثم سقوط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء في 31 أكتوبر 2015، ومقتل 224 كانوا على متنها.
وحتى اليوم تمارس المؤسسة العسكرية حالة من التكتم الشديد والسرية المفرطة على أخبار الحرب التي تخوضها في سيناء، ودائما ما تأتي بيانات المتحدث الرسمي للجيش تتحدث عن أرقام دون ذكر أسماء أو توجهات أو مهن من تم قتلهم أو اعتقالهم أو حتى التهم الموجهة لهم وسياق اعتقالهم؛ حيث تم قتل أكثر من 70 مصريا حتى اليوم، واعتقال أكثر من 600 آخرين.
ليست الأولى
حالة من البروباجندا صاحبت انطلاق الحملة يوم الجمعة 9 فبراير، والمبالغة في حجم القوات ومشاهد طوابير المدرعات والشاحنات والعربات والتضخيم الإعلامي المبالغ فيه للغاية، حيث أعلن المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، عن أن الهدف من هذه العملية “القضاء على الإرهاب بشمال ووسط سيناء والصحراء الغربية ومناطق بدلتا مصر”.
وفي المقابل، أعلنت وزارة الداخلية رفع درجة الاستعداد الأمني في جميع المحافظات، وتعزيز تأمين المناطق المحيطة بالمنشآت الحيوية، وتشديد الإجراءات الأمنية وتكثيف الأكمنة داخل المحافظات وعلى الطرق، بخلاف شن عدد من الحملات الأمنية على بعض المناطق النائية.
لكن هذه الحملة ليست الأولى على سيناء، فقد سبقتها 5 حملات موسعة استهدفت أيضا القضاء على الإرهاب بشمال ووسط سيناء والصحراء الغربية ومناطق بالدلتا، ولكنها فشلت في تحقيق هذه الأهداف؛ دون مساءلة لأي قيادة حول أسباب الفشل المتواصل.
“العملية الشاملة سيناء 2018” لم تكن الأولى التي قامت بها قوات الجيش المصري ضد المسلحين سواء في سيناء أو خارجها، حيث شنت قبلها قرابة 5 عمليات متتالية على مدار الست سنوات الأخيرة منذ 2011 وحتى اليوم.
العملية نسر1.. بدأت في 12 من أغسطس 2011، عقب عدة تفجيرات استهدفت تصدير الغاز إلى “إسرائيل”، وإعلان تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” اعتزامه تحويل سيناء إلى إمارة إسلامية.
العملية نسر 2.. في 5 من أغسطس 2012، شن الجيش حملة عسكرية لتطهير سيناء من “البؤر الإرهابية”؛ ردًا على مقتل 16 جنديًا في هجوم مسلح بالقرب من معبر كرم أبو سالم بمحافظة شمال سيناء.
الضربة الجوية لليبيا 1.. في 16 من فبراير 2015، شنت القوات الجوية ضربة على أحد الأهداف بمدينة درنة بليبيا، ردًا على بث تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فيديو، يُظهر ذبحًا لـ21 مصريًا، اختطفوا من مليشيات مسلحة في ديسمبر 2014.
حق الشهيد.. في سبتمبر 2015، أعلن الجيش عملية عسكرية باسم “حق الشهيد”، للقضاء على العناصر المسلحة في عدة مناطق بمحافظة شمال سيناء، واستمرت المرحلة الأولى منها 16 يومًا، أُعلن خلالها مقتل العشرات من المسلحين.
الضربة الجوية بليبيا 2.. في 26 من مايو 2017، وعقب مقتل 28 شخصًا وإصابة 25 في هجوم استهدف حافلات تقل أقباطًا، في الطريق المؤدي لدير الأنبا صموئيل المعترف بمدينة العدوة بالمنيا، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة شن القوات الجوية ضربة جوية على أحد مراكز تدريب الجماعات المسلحة في ليبيا.
لا انتصار في حروب العصابات
وإذا كانت الحملات الخمس السابقة فشلت في تحقيق أهدافها في القضاء على مسلحي تنظيم ولاية سيناء، فهل تنجح هذه الحملة الشاملة “سيناء 2018” في تحقيق هذه الأهداف؟، علينا أولا الانتباه إلى أن طوابير المدرعات والعربات والمدرعات كان عرضا تلفزيونيا أراد به السيسي الصورة لترميم شعبيته المتآكلة، والتغطية على مسرحية الرئاسة وما صاحبها من إجراءات عبثية، ذلك أن هذه القوات الضخمة سوف تواجه أشباحا تظهر وتختفي بحسب الضرورة.
فتنظيم ولاية سيناء سيلجأ حتما إلى أسلوب “حرب العصابات”، فالقوات النظامية سوف تذهب ولن تجد أحدا أمامها، وسوف تطلق الطائرات القذائف على أهداف خالية ومعظمها وهمية؛ فمعلوم أن حروب العصابات تقوم على الكر والفر وهو ما لا تحسنه الجيوش والقوات النظامية. فلا يوجد جيش نظامي حقق نصرا على عدو يمارس أسلوب حرب العصابات.
أمريكا انهزمت أمام المسلحين في فيتنام، وروسيا انهزمت أمام مجاهدي أفغانستان، بل فرت القوات الأمريكية من العراق على وقع حرب العصابات التي مورست عليها. فهل يستطيع السيسي أن يغير المعادلة؟.
سيختفى المسلحون أمام القوات؛ لأن إمكاناتهم أقل بكثير مما تملكه المؤسسة العسكرية، وعندما تنتهي الحملة سيعودون للظهور مجددًا ويوجهون ضرباتهم المؤلمة.
لماذا التهجير؟
ورغم التكتم الذي تمارسه المؤسسة العسكرية، فإن الغموض يحيط أيضا بهذه الحملة فيما يتعلق بدور السيسي في تنفيذ صفقة القرن، الرامية إلى تهجير سكان شمال سيناء من أجل إنشاء وطن بديل للفلسطينيين يضم قطاع غزة وشمال سيناء.
كما تأتي هذه التحركات العسكرية في سيناء بالتزامن مع ما يثار بشأن إخلاء بعض المناطق الواقعة بمحيط حرم مطار العريش وتهجير سكانها لمسافة ربما تقارب عشرات الكيلومترات، في أعقاب استهداف إحدى الطائرات بالمطار والتي كانت تقل وزير الدفاع صبحي صدقي ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار.
حتمية الفشل
ويتعمد جنرالات العسكر حصر أسباب “الإرهاب” في الخطاب الديني المتشدد، في محاولة للابتعاد عن الأسباب الحقيقية وراء الظاهرة وأهمها السياق السياسي والاجتماعي.
إذا عمليات التهجير القسري، والاعتقالات العشوائية، والتعذيب الممنهج في السجون وأقسام الشرطة وأقبية الأمن الوطني، وتأميم الفضاء السياسي والإعلامي هو بيئة خصبة للغاية لبعث أفكار داعش والقاعدة، ما دامت الممارسة السياسية والعملية الديمقراطية انتهت إلى انقلاب عسكري، وسفك دماء الآلاف واعتقال مئات الآلاف.
ممارسات السيسي وجرائمه لم تترك سبيلا للتنفس الطبيعي، ودفعت بعض الشباب إلى التطرف والتشدد والاقتناع بأفكار ومعتقدات داعش.
الخلاصة أنه بالحرية والعدالة وسيادة القانون ومبدأ المواطنة دون إقصاء، يمكن لمصر كما كانت بعد ثورة يناير أن تتصدى للإرهاب، وليس بالظلم والاستبداد والعنف، فإنها مصانع للعنف والتطرف ومبررات لنمو الإرهاب والتشدد، وتبعث الروح في أفكار داعش والقاعدة.