مازالت تداعيات أزمة مجلة الهلال التي نشر رئيس تحريرها خالد ناجح تقريرا يتحدث عن عظمة أمهات الرؤساء في مصر مجاملة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالتزامن مع عيد الأم، إلا أن “الحرام لا يدوم”، حيث وقع رئيس تحرير الهلال في المحظور، وانقلب السحر على الساحر بنشر صورة مليكة تيتاني الأم الحقيقية لعبد الفتاح السيسي التي قيل إنها من أصل يهودي، في حين لم ينشر كاتب التقرير صورة السيدة سعاد التي تؤكد مصادر أنها زوجة أم السيسي وليست أمه، ويؤكد بذلك أن السيسي “أمه يهودية”.
وتناولت الفضيحة صحف محلية وعالمية، بعد اندلاع أزمة مجلة الهلال بعد أن أراد رئيس تحريرها أن يقطع شوطاً أبعد من الجميع، في سباق الدجل والتدليس، فوقع في المحظور، ونشر، بالخطأ، صورة لوالدة السيسي، من حيث أراد أن يرد على شائعات أنها يهودية، فأتى بالصورة التي يستخدمها خصوم السيسي دليلاً على يهوديتها.
واهتزت أجهزة الانقلاب بعنف، وجرت عملية إعدام نسخ المجلة في مفرمة الرئاسة والأمن الوطني، وفتحت تحقيقاتٍ موسعة، في الغالب سيطير معها رأس الشاب الصغير الذي جعلوه رئيساً للتحرير، لمجلةٍ ربما لم يسمع عنها أو يقرأ فيها سطراً، قبل الوعد بتعيينه.
وذكرت صحيفة “العربي الجديد” أن تحقيقاً سرياً يُجرى داخل دار “الهلال” الحكومية المصرية، بسبب التقرير الذي نشر في العدد الأخير من مجلة “الهلال” الشهرية، ووفق مصادر من داخل المؤسسة، فإن رئيس مجلس إدارة الدار، مجدي سبلة، ورئيس تحرير المجلة خالد ناجح، تلقيا توبيخاً من مؤسسة الرئاسة، وتحديداً من مدير مكتب عبدالفتاح السيسي، اللواء عباس كامل.
وأصدرت مجلة “الهلال”، مطلع هذا الشهر، عدداً تذكارياً عنوانه “الرئيس” احتوى على موضوعات عدة، منها الحالة الصحية والنفسية لرؤساء مصر، والسلطة والمثقفون بين الحوار والصراع، وحكايات وأسرار الحياة الخاصة للرؤساء، إضافة للموضوع المحذوف الخاص بأمهات الرؤساء الذي تناول شائعة مفادها أن والدة السيسي من أصول مغربية يهودية، ونفى التقرير ذلك، لكنه استخدم صورة شائعة لمليكة تيتاني، وعلى إثر ذلك قامت الاستخبارات بسحب جميع أعداد المجلة من الأسواق، وإتلافها.
وتُعد “دار الهلال” أقدم مؤسسة ثقافية صحافية مصرية وعربية تأسست عام 1892 على يد جرجي زيدان في مصر، بينما تعد مجلة “الهلال” التي تصدر عن الدار من أقدم المجلات العربية التي تعمل في مجال الثقافة، وصدر العدد الأول منها في 1892 بافتتاحية كتبها جرجي زيدان أوضح فيها خطته، وغايته من إصدارها.
وكان زيدان ينشر فيها كتبه على هيئة فصول متفرقة، ولقيت المجلة قبولاً من الناس حتى لم يكد يمضي على صدورها خمس سنوات حتى أصبحت من أوسع المجلات انتشاراً، وكان يكتب فيها عمالقة الفكر والأدب في مصر والعالم العربي، ورأس تحريرها على مدى مسيرتها المديدة كبار الكتاب والأدباء.
تعددت بعدها إصدارات “دار الهلال” ما بين المجلات والكتب والروايات والكتب الطبية، إلا أن مجلة “المصوّر” كانت من أقدم المجلات التي أصدرتها الدار، إذ جاء صدور عددها الأول عام 1924 وواكب ذلك مجموعة من الأحداث في مصر والعالم العربي سجلتها المجلة، وتابعتها بالكلمة والصورة بشكل أكسبها شعبية واضحة بين القراء.
في حين تقول السيرة الذاتية لمن جعلوه رئيساً لتحرير الهلال إن عمر عضويته في نقابة الصحافيين لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، وإن كل خبرته المهنية تنحصر في عمله محرّراً في صفحة الحوادث والجريمة، يتلقى ما تكتبه وزارة الداخلية، فيقدمه لإدارة المطبوعة للنشر.
ليجد الشاب، محرّر الحوادث المبتدئ، نفسه فجأة يجلس مكان جورجي زيدان الذي أسس “الهلال” وترأس تحريرها في الفترة 1892-1914 تبركاً بالهلال العثماني رفيع الشأن، كما قال في افتتاحيتها، ثم جاء بعده إميل زيدان، ثم أحمد زكي، وعلي أمين، وكامل زهيري، ورجاء النقاش، وعلي الراعي، وصالح جودت، وحسين مؤنس، وكمال النجمي، ومصطفى نبيل، ويصبح الشاب المبتدئ ضحية الجهل والتطبيل معا.
وقالت مصادر إعلامية في مصر إن مكتب السيسي تدخل بشكل مباشر من أجل سحب العدد الأخير من مجلة «الهلال»، كما أن القائمين على العدد تلقوا لوماً كبيراً بسبب الصورة التي يبدو أنها تسببت بإغضاب السيسي شخصياً.
ويسود الاعتقاد في الوسط الصحافي في مصر أن يؤدي هذا الخطأ الذي ارتكبته المجلة إلى معاقبة عدد من العاملين فيها، إن لم يصل الأمر أيضاً إلى الإطاحة بإدارتها أو رئيس تحريرها، خاصة وأن الأمر يأتي بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية التي يبدو أن الدوائر المحيطة بالسيسي تعتبرها فترة حساسة.

 رابط دائم