الثلاثاء، 23 أبريل 2019

لماذا لجأ السيسي إلى "أمن الدولة" بدلا من المخابرات الحربية في مهزلة الاستفتاء؟!

لماذا لجأ السيسي إلى "أمن الدولة" بدلا من المخابرات الحربية في مهزلة الاستفتاء؟!

 منذ 3 يوم
 عدد القراءات: 2711
لماذا لجأ السيسي إلى "أمن الدولة" بدلا من المخابرات الحربية في مهزلة الاستفتاء؟!
حتى وقت قريب، كان جهاز المخابرات الحربية هو أكثر الجهات الأمنية التي يثق بها السيسي في كل الأمور والمهام السياسية الحساسة، وعلى رأسها إدارة الإعلام والأحزاب السياسية واختيار أعضاء البرلمان وإدارة العمليات الانتخابية.
لكن هذه القناعة تغيرت بشكل كبير بعد مسرحية انتخابات الرئاسة الماضية في 2018، بعد أن فشلت المخابرات الحربية في إدارة العملية التي كادت أن تنتهي بشكل كارثي من حيث المظهر الخارجي العام، على إثر تفعيل المواطنين لقرار المقاطعة.
وبعيدا عما إذا كان تفعيل قرار المقاطعة جاء استجابة لمطالب القوى السياسية وقتها، أو كان بسبب قناعة المصريين بأن الأمر مجرد مسرحية بين كومبارس جديد هذه المرة يلعب دور المحلل لتنصيب السيسي رئيسا لولاية ثانية، وأن النشاركة لا قيمة لها وبالتالي فالمقاطعة هي الأفيد، وهو الأرجح بشكل كبير، فإن هذه المقاطعة كانت هي السبب الرئيس في تغير خريطة أدوار الأجهزة الأمنية لأول مرة منذ ثورة 25 يناير 2011.

اقرأ أيضا: "كرتونة رمضان".. طريقة حشد المواطنين للاستفتاء في حدائق المعادي

صراع الأجهزة الأمنية أيام الثورة

منذ يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011، وانهيار قوات الداخلية وهروب الضباط بعد أن خلعوا لباسهم الميري، ثم الإعلان عن تنحي المخلوع مبارك بشكل سريع ومفاجئ! ومن ثم الإعلان عن سقوط نظامه، كانت محاولات ملء الفراغ الذي تسببت فيه تدور بشكل كبير بين جهازي المخابرات العامة بقيادة الجنرال الراحل عمر سليمان، وجهاز المخابرات الحربية بقيادة اللواء عبدالفتاح السيسي.
كان الإرث الذي يتنافس عليه جهازي المخابرات هو الحلول محل جهاز أمن الدولة والاستيلاء على كنوز الجهاز الذي كان من أهم أجهزة الأمن في العقد الأخير من حكم المخلوع، وهو ما جعل الجهاز شوكة في خاصرة كافة قيادات النظام، باستثناء عمر سليمان الرجل الأقوى في النظام، ولهذا، كانت محاولات القوات المسلحة حثيثة من أجل الإسراع في مهمة الاستيلاء على كنوز جهاز أمن الدولة من مستندات، بعد أن دبر جهاز المخابرات الحربية واقعة اقتحام مقر الحزب الوطني الرئيسي على كورنيش النيل أيام الثورة من أجل الاستيلاء على ما بداخله من مستندات و"سيديهات" تدين أسماء كبيرة في الجيش المصري.
ومن أجل حسم الأمور سريعا مع العقرب عمر سليمان، كانت محاولة اغتياله في أحد شوارع القاهرة، من فعل جهاز المخابرات الحربية التي كان يقودها السيسي نفسه، المحاولة كانت كارت إرهاب للرجل، في ظل سيطرة القوات المسلحة فعليا على كل مقاليد الحكم.
ثم جاءت الخدعة التي انطلت على الثوار وقتها، ألا وهي اقتحام مقار جهاز أمن الدولة، التي تمت تحت سمع وبصر الشرطة العسكرية التي سهلت الاقتحام وساعدت الشباب وقتها في تكسير الأبواب، كجزء من خطتها من أجل الاستيلاء على كنز المستندات والمعلومات التي بحوزة أخطر أجهزة الأمن الداخلي في عهد المخلوع مبارك، وهو ما تم في نهاية الأمر، وبستار من الثوار أنفسهم!!

اقرأ أيضا: جهات سيادية تجبر الجمعيات الخيرية على حشد المواطنين أيام الاستفتاء

ترتيب الأجهزة الأمنية بعد الثورة

تمكنت المخابرات الحربية في الأخير من حسم الأمور لصالحها، وأثبت تفوقها وقدرتها على السيطرة على كافة مجريات الأمور ومقاليد الحكم، بعد أن أرهبت الداهية عمر سليمان، واستولت على مستندات وملفات الحزب الوطني وجهاز أمن الدولة الذي انهار وقتها جزئيا، والسيطرة التامة على الإعلام المصري واتحاد الإذاعة والتلفزيون منذ اللحظة الأولى للثورة، لتبدأ مرحلة جديدة في خريطة ترتيب الأجهزة الأمنية في مصر.
قبل ثورة يناير، كانت المخابرات الحربية تقريبا هلى الحلقة الأضعف والأخيرة في ترتيب الأجهزة الأمنية في مصر، فكل مهامها ومسئولياتها تنحصر داخل إطار القوات المسلحة بشكل كبير، ولا تهتم كثيرا بالعمل في داخل المجتمع المصري، وهو ما كان من اختصاصات جاهز أمن الدولة.
كان جهاز أمن الدولة في العقد الأخير من حكم مبارك أهم أجهزة الأمن في مصر، نظرا لاعتماد المخلوع مبارك عليه بشكل أساسي في إرهاب المواطنين وإدارة العمل السياسي والإعلامي في مصر، ولعل الفضل في هيه القوة التي اكتسبها الجهاز ترجع إلى حبيب العادلي الذي تولى منصب وزارة الداخلية قادما من جهاز أمن الدولة.
على الناحية الأخرى، كان جهاز المخابرات العامة رغم عدم ظهوره بشكل كبير في الصورة، إلا أنه كان من أهم الأجهزة المؤثرة في مصر في عهد المخلوع مبارك، والفضل في ذلك يرجع أيضا إلى الرجل القوي الذي تولي الجهاز في مطلع التسعينات، ألا وهو عمر سليمان. 
كان جهاز المخابرات العامة له كلمة مسموعة وقوية في تحديد العديد من الأمور الداخلية، بالإضافة إلى توليه كافة المهام الخارجية لنظام المخلوع مبارك، وخاصة العلاقات مع أمريكا وإسرائيل والخليج، وهو ما جعله الجهاز الأقرب إلى قلب مبارك، وصاحب النصيحة المسموعة في المف الخارجي وأيضا في الملفات الداخلية، وعلى رأسها اختيار الوزراء في الحكومات.
كما كان لجهاز المخابرات العامة رجاله في السياسة والأحزاب والإعلام، التي كانت تساعد في حشد وتعبئة الرأي العام فيما يريد الجهاز ويرغب في تصويره للناس وللنظام على حد السواء، ولعل أبرز الأسماء التي كانت محسوبة وقتها على الجهاز، الصحفي عادل حمودة والصحفي إبراهيم عيسى.
إذن، كان ترتيب الأجهزة الأمنية كالتالي: المخابرات العامة تتولى كل الملفات الخارجية ولها رأي مسموع في أي ملف داخلي، جهاز أمن الدولة له إدارة الملفات الداخلية مع أفضلية في تحديد كيفية التعامل معها، وأخيرا جهاز المخابرات الحربية الذي لم تساعده طبيعة عمله في تكوين شبكة مصالح وعلاقات بقوة الجهازين السابقين، لكن هذا كان قبل تولي عبدالفتاح السيسي المسئولية.
بعد ثورة 25 يناير تغيرت الخريطة تماما، وأصبحت المخابرات الحربية هي أول وأهم الجهزة الأمنية في مصر، بعد أن استولت على كل ملفات جهاز أمن الدولة، وباتت المستفيد الأول والأوحد من جهد سنوات من الجهاز من التجسس وجمع  المعلومات عن كل كبيرة وصغيرة في الملف المصري الداخلي، كما استفادت بشكل كبير من خروج عمر سليمان من جهاز المخابرات العامة، وحشدت القوات المسلحة بشكل أو بآخر الرأي العام ضد ترشحه في انتخابات الرئاسة الأولى بعد الثورة، بل وساهمت في تزوير توكيلاته ما تسبب في إقصائه نهائيا من مصر ثم اغتياله لاحقا في دبي، وبالتالي سهل من مهمة الاستيلاء على جهاز المخابرات العامة، وهو ما تم بعد انقلاب 2013.

اقرأ أيضا: النظام يُجبر أصحاب المحلات على دعم التعديلات الدستورية

لماذا عاد أمن الدولة؟

كان من أهم الأدوار التي يقوم بها جهاز أمن الدولة خلال حكم المخلوع مبارك، هو تنظيم العمليات الانتخابية سواء كانت استفتاءات الرئاسة أو الانتخابات البرلمانية، وهو ما أكسب الجهاز خبرة كبيرة في تزويرها وتصويرها بشكل غير مزعج للنظام مع العالم الغربي.
وكان من أهم أسباب تفوق جهاز أمن الدولة في هذه المهمة هو كون الجهاز يتعامل بشكل رئيسي مع المواطنين على مختلف انتماءاتهم وفئاتهم، وبالتالي فهو الأقدر على فهم ومعرفة طرق التأثير والحشد، سواء حشد المواطنين، أو التأثير على الطراف القادرة على حشدهم، مثل الجمعيات الخيرية والأحزاب ودعاة السلفيين وحتى الكنيسة، كانت كلمة أمن دولة مرعبة وكافية في آن واحد لامتثال الجميع للأوامر.
بكن، وبما أن المخابرات الحربية هي التي تولت مهام وملفات جهاز أمن الدولة، وأثبت قدرتها على إدارة ملفات عديدة أهمها اختيار أعضاء البرلمان وإدارة الإعلام، فقد حازت أيضا على ثقة السيسي في إدارة الانتخابات الرئاسية في 2014 و2018.
في المرة الأولى في 2014، كانت مهمة المخابرات الحربية تبدو سهلة وبسيطة، فالانقلاب كان في عامه الأول، والعديد من الأقنعة لم تسقط بعد عن نظام الانقلاب وفي القلب منه السيسي الذي كانت شعبيته لا تزال كبيرة وقتها، كما أن التيار المدني استمر في رهانه الخاطئ وانطلت عليه خدعة 30 يونيو مجددا، وظن أن ترشح اسم حمدين صباحي يعني قدرته على حسم الأمور والفوز في الانتخابات أمام السيسي، وبالتالي لم تجد المخابرات الحربية أي مشقة أو عناء في الحشد لمسرحية الانتخابات وقتها.
لكن، وبعد انتهاء الفترة الأولى، وظهور الوجه القبيح للسيسي، ومع انهيار شعبيته التي تزامنت مع الانهيار الاقتصادي لمصر، كانت المهمة صعبة جدا، بداية من العثور على مرشح يقبل بدور الكومبارس في المسرحية، مرورا بظهور اسم سامي عنان كأحد الذين يهددون عرش السيسي، واخيرا القدرة على حشد المواطنين في المسرحية الانتخابية.
قد تكون المخابرات الخربية نجحت في الأولى، بعد ان وجدت الكومبارس، وقد تكون أنجزت الثانية بقوة البلطجة، بعد اعتقال سامي عنان، لكنها فشلت فشلا ذريعا في الثانية، وكان عزوف المواطنين عن مسرحية انتخابات الرئاسة كارثيا ومقلقا في آن.
وفي خضم هذا الفشل، وجد السيسي نفسه مجبرا على إعادة الحياة إلى الجهاز الأقدر على إدارة مثل هذه المسرحية.. إنه جهاز أمن الدولة صاحب الخبرة الكبيرة في إدارة الانتخابات والحسد لها وتزويرها وتصويرها على أنه "عرسا ديمقراطيا".
كانت مسرحية انتخابات 2018 بداية عودة جهاز أمن الدولة إلى الصورة مجددا، ونجح الجهاز ولو جزئيا في حشد المواطنين في اليوم الأخير من المسرحية التي حدد لها السيسي 3 أيام (تعلم الدرس من مهزلة 2014) وهو ما كان إيذانا بادار أخرى أكبر في ملف الاعتقالات والتحريات الأمنية على المعارضين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تكليف الجهاز بإدارة مسرحية تعديلات الدستور العبثية التي تجرى الآن.
وخلال الأيام الماضية، كانت ملامح وبصمات جهاز أمن الدولة واضحة بشكل جلي في التجهيز لمسرحية الاستفتاء، مثل إجبار أصحال المحال التجارية على دعم التعديلات الدستورية، عبر إجبارهم على طباعة لافتات دعاية مؤيدة لها، ثم إجبار الجمعيات الأهلية والخيرية على حشد المواطنين في أيام الاستفتاء.
كما نفذ جهاز أمن الدولة نفس طريقته التي لجأ إليها في مسرحية 2018، عبر تواصله مع أعضاء البرلمان من أجل تقديم الرشاوى الانتخابية العينية والمادية للمواطنين، واستغلال ظروف المعيشة الصعبة من أجل إرغام المواطنين البسطاء على المشاركة في الاستفتاء، وهو ما ظهر بوضوح في مهانة "كرتونة رمضان" التي حددها جهاز أمن الدولة كثمن ومقابل للمشاركة في الاستفتاء أو بالأحرى المشاركة في جريمة تدمير ما تبقى من مستقبل مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب

عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب 14/10/2024|آخر تحديث: 14/10/20...