لماذا اختفت المسلسلات الدينية والتاريخية في رمضان؟
منذ 81 يوم
عدد القراءات: 2451
لم يعد شهر رمضان الفضيل مجرد شهرا للصوم والعبادة، بل صار شهرا للتنافس الدرامي أيضا، وباتت تكلفة إنتاج مسلسلات رمضان تناهز الملياري جنيه، في بلد يعاني اقتصادا متعثرا ومعيشة أكثر صعوبة!!
ومن الملاحظ خلال السنوات الماضية أن المسلسلات الرمضانية باتت تخلو من أي أعمال تاريخية أو دينية، بعد أن كانت ركن رئيس في الدراما الرمضانية لأعوام متتالية.
وهناك أسباب عديدة وراء خلو المسلسلات الرمضانية من الأعمال الدينية والتاريخية، على رأسها بالطبع انعدام القدرة لدى غالبية الممثلين حاليا على إتقان اللغة العربية بشكل صحيح يمكنهم من أداء الأدوار الدينية والتاريخية، ناهيك عن افتقار غالبيتهم للموهبة من الأساس.
نظرة على المسلسلات التاريخية
شهدت الدراما التاريخية رواجا كبيرا بفترة الثمانينيات والتسعينيات، نظرا لوجود دعم الدولة المتمثل في شركات الانتاج التابعة لماسبيرو، إلى جانب إقبال كبار النجوم على هذا النوع من الدراما، التي قدمت دراما حملت سيرة رجال دين وقادة بالإسلام وسياسيين وقادة بارزين وعلماء مشاهير.
ومن أشهر كتاب الدراما التاريخية والدينية بمصر الراحل عبدالسلام أمين، ومحفوظ عبدالرحمن، ويسري الجندي، ومحمد جلال عبدالقوي، وأسامة أنور عكاشة، وغيرهم.
وقدمت مصر مسلسلات تاريخية هامة مثل "محمد رسول الله" 5 أجزاء عام 1985، و"موسى بن نصير" 1983، و"عمرو بن العاص" 1994، و"الفرسان" 1994، "عمر بن عبد العزيز" 1995.
وفي الوقت الذي يشاهد فيه ملايين العرب من المحيط للخليج الدراما التاريخية التركية مثل "قيامة أرطغرل" و"السلطان عبدالحميد" و"محمد الفاتح"، ومن قبلهما "حريم السلطان" وغيرها، إلا أن ذلك النجاح منقطع النظير لم يثر حفيظة صناع الدراما العربية لتقديم أعمال بحجم الإنتاج التركي.
فلماذا غابت الدراما التاريخية والدينية عن رمضان هذا العام؟ وهل هذا توجه حكومي بعد غياب شركات الإنتاج الحكومية بمصر؟ أم أنه لضعف إمكانيات القطاع الخاص؟ أم أنه بسبب الانحدار الفكري وقلة وجود كتاب مثل هذا النوع من الدراما؟
عزوف المنتجين
يرى بعض النقاد أن المسلسلات التاريخية والدينية غير مغرية للمنتجين لعدة أسباب، على رأسها أن الأعمال الدينية تتطلب تكاليف إنتاجية كبيرة للغاية، وتتطلب ديكورات "مصروف عليها"، وهذا الأمر غير متوفر لدينا بمصر، ولهذه الأسباب لا تظهر هذه الأعمال بالشكل الجيد على المستوى البصري، بعكس الأعمال السورية.
كما أن جمهور المشاهدين في مصر جرى "تسطيحهم" عبر سنوات من أفلام "المخدرات والبلطجة" بشكل أفسد الذوق العام للمشاهدين، وجعله يميل أكثر إلى مسلسلات رفاعي الدسوقي وكفر دلهاب، بعد أن كان مرتبطا لسنوات بالإعمال الدينية والتاريخية في رمضان، بل إنه لا يزال يشاهد غالبية هذه الأعمال رغم مرور سنوات على ظهورها، ولعل مسلسل مثل عمر بن عبدالعزيز للراحل نور الشريف خير دليل.
وبسبب هذه السطحية التي أصابت غالبية المشاهدين وميلهم لمسلسلات "المقاولات" إن جاز التعبير، فإن جمهور الأعمال الدينية والتاريخية بات قليلا جدا، وأبح إنتاج مثل هذا العمل مخاطرة غير محسوبة لا يجرؤ المنتجون على خوضها.
هذه السطحية جعلت الدراما الدينية بلا قوة شرائية، وهي لا تُباع الآن مثلما كان يحدث بالثمانينات والتسعينات، وأغلب الممثلين يبتعدون عن الأعمال الدينية لأنهم يدركون جيدا أنها ليست أعمال جماهيرية.
أزمة سيناريو
الإنتاج ليس وحده السبب، فالعنصر الأهم في صناعة السينما والدراما والمسرح هو الكتابة، الفكرة، السيناريو، وللأسف، غالبية الكتاب المصريين حاليا مجرد مسوخ لأفكار غربية، أو كتاب ملاكي لفنانين بأعينهم، أو في أحسن الأحوال كتاب عاديين لا يقدرون على كتابة سيناريو تاريخي أو ديني (قد يكون عبدالرحيم كمال هو الاستثناء الوحيد، وإن كان هو الآخر لم يقدم عملا تاريخيا او دينيا بالمعنى الحرفي، باستثناء مسلسل شيخ العرب همام، وهو لا يقارن بالطبع بمسلسل عمر بن عبدالعزيز كمثال على الدراما التاريخية).
سيناريو العمل الديني لابد أن يُكتب باحترافية وبطريقة متميزة، حتى لا يتحول العمل الديني لحلقات من الوعظ والإرشاد، دون أن يكون لها علاقة بالدراما. وحاليا لا يوجد بمصر هؤلاء الكتاب المتميزين الذين يكتبون هذه النوعية من الدراما.
بالإضافة للمحاذير الرقابية، فلو حاول أحد تقديم شخصية تاريخية مثيرة للجدل، فسوف تُقدم بشكل ملائكي، أو بشكل فيه انحياز ضد هذه الشخصية - على حسب موقف النظام منها أو مما تمثله أفكارها-.
وبعد غياب عدد من كتاب السيناريو الذين احترفوا الكتابة التاريخية عن الساحة، مثل يسري الجندي ومحفوظ عبدالرحمن، لا تجد كاتبا يستطيع العمل على سيناريو تاريخي، يحتاج لسنوات من العمل والبحث في المراجع، فمعظم الموجودين حالياً يعملون 3 أشهر فقط في السنة، ويتباهون بما قدموه، وكأنهم كتبوا الإلياذة.
فتش عن الممثل الجيد
كما قلنا، فإن كل ممثلي مصر حاليا لا يوجد بهم من يتقن اللغة العربية بشكل صحيح، واللغة العربية هو عماد المسلسلت الدينية والتاريخية، فلا يمكن مثلا ان تثدم عملا تاريخيا أو دينيا ويتحدث أبطاله لغةعامية، او لغة عربية ركيكة.
لا يوجد في جيل الوسط وجيل الشباب من يتقن اللغة العربية، ولو شاهدت المسلسلات الاجتماعية الرمضانية، ستجد من ينطق القاف كاف، والطاء تاء، والثاء سين، والذال زاي، وهم يتحدثون بعامية مصرية عادية، كذلك لو تابعنا في الدراما كيف يتحدثون اللهجة الصعيدية، ويدمجون معها النطق القاهرة لحرف الجيم وغيره، فهم حتى لا يتقنون تقديم لهجة الصعيد، فما بالك بمسلسل تاريخي لا يمكن تقديمه إلا بلغة عربية فصيحة، لا خلل فيها.
أيضا، غالبية الممثلين في مصر يفقترون للموهبة، وكل اعتمادهم على جماهيرية اكتسبوها من أفلام سابقة، في ظل تفشي إفساد الذوق العام للمشاهدين.
مخرجون "على قدهم"
من ضمن أسباب غياب المسلسلات التاريخية والدينية في مصر مؤخرا، تدني مستوى الإخراج في مصر، بالتوازي مع تدني مستوى الممثلين وكتاب السيناريو، فلا يوجد في مصر يستطيع العمل مع سيناريو تاريخي باحترافية.
لو شاهدنا مسلسلات رمضان التي تقدم حدثاً من 20 سنة فقط، مثل مسلسل "الزيبق" ستجد أخطاء كارثية، تصل لدرجة الجرائم الدرامية، لأشياء ومنتجات صدرت منذ اقل من 10 سنوات، والمخرج أرادها في عام 1998، فتخيل نفس النموذج من المخرجين يعمل على مسلسل يحكي تاريخ من 1400 سنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق