العالم العربي مهدد بموجة جديدة من الثورات
13/08/2013
وضع الانقلاب العسكري الأخير في مصر المجتمع الدولي أمام سؤال عسير.
فالغرب، بما في ذلك روسيا، لم ينتظر وقوع ثورة 2011، ولكنه أيّدها، مؤمناً
بالشعارات الديمقراطية التي صدحت في ميدان التحرير. وبعد ذلك، كان على هذه
البلدان تصديق الأحزاب الإسلامية في دعواها الديمقراطية. أما الآن، فقد
وضعنا الانقلاب الجديد أمام أزمة منطقية: فإذا كان محمد مرسي رئيساً
منتخباً ديمقراطياً فذلك يعني أنه كان يتوجب علينا الدفاع عنه، إلا أننا لا
نريد فعل ذلك ولن نستطيع مساعدته حتى لو أردنا.
ولكن
لا بأس بنا، فأمامنا فرصة بعد لإيجاد صيغة جميلة تثبت أن الانقلاب العسكري هو أيضا
وببساطة صيغة ديمقراطية للتعبير عن طموحات الشعوب. نحن بحاجة إلى هذه الصيغة
كحاجتنا إلى الهواء. ويعود ذلك إلى سبب بسيط هو أن الانقلاب الأخير قد لا يكون
أخيراً: فمشكلات مصر الاجتماعية والاقتصادية معقدة للغاية، وما ينتظره الشعب ويطمح
إليه كبيرٌ جدّاً، كما أن الاستقطاب ضمن المجتمع المصري في أقصاه.
لكننا مع ذلك، بحاجة إلى الصيغة إياها لأسباب أخرى، فمن المحتمل إلى حدّ بعيد أن تكون موجة ثورية ثانية قد بدأت تتصاعد في مصر، وأن تونس تنتظر دورها. فمن هناك، تتناهى أصوات، يزداد وضوحها وصخبها يوماً عن يوم، مطالبة حزب النهضة الإسلامي بالتنحي عن السلطة.
أحداث الأشهر الأخيرة، توحي بوضوح بأن تونس في طريقها إلى تكرار الأحداث المصرية. فلم تكن صدفة استقالة رشيد عمار، ذلك الجنرال نفسه الذي طرد بن علي عن كرسي الرئاسة في الرابع عشر من يناير/كانون الثاني 2011، وحظي بحبّ الجماهير. إن استقالة هذا الجنرال تمت بالتوازي مع تبدل السلطة في قطر وتصاعد الموجة المعادية للإسلاميين في مصر.
ولكن، على ما يبدو، من خلال استقالة الأخير التي أعقبها تصاعد في الأعمال الإرهابية واشتداد الشارع المعارض مؤخراً، فليس من المؤكد أن تنتهي الأمور في تونس إلى أخذ العسكر زمام الأمور بيدهم كما حدث في مصر. فهناك في تونس احتمالات لسيناريوهات أخرى، هي التالية:
السيناريو الأول: معزوفة تعبيرية
كانت هناك تناقضات معروفة بين الجنرال عمار ورئيس الوزراء. كما أن تصاعد العمليات الإرهابية كان متوقعاً إلى حدّ بعيد. إضافة إلى أن الاستقطاب الاجتماعي كان واضحاً للعيان، مثله مثل الاستياء الذي عمّ أوساط معظم السكان فخرجوا يعبّرون عن عدم رضاهم عن السلطات الجديدة. وإذا بالعامل المصري يدخل على الخط. وهنا بلغت الانفعالات ذروتها. إلا أن الخوف من حرب أهلية جعل حسابات اللاعبين أكثر مسؤولية وسلوكهم السياسي أكثر اعتدالاً. فها نحن نرى رشيد الغنوشي يعرض إجراء استفتاء عام من أجل الوصول إلى مصالحة وطنية.
السناريو الثاني: حفلة للمؤذن مع أوركسترا عسكرية
يمكن لـ(الصقور) الإسلاميين أن يسيروا، إلى حدّ بعيد، نحو الديكتاتورية. ولكن ينبغي عليهم لتحقيق ذلك، السيطرة على نسبة كبيرة من قطاع الأعمال (استيراد المواد الغذائية، على وجه الخصوص)، والسيطرة في المجال الإداري (تم خلال عامين، تعيين عدة آلاف من المسؤولين الجدد على مستويات محلية)، وعلى قوات الأمن، وبصورة خاصة على الشرطة والمخابرات. وعليهم، إضافة إلى ذلك، حلّ مسألة الجيش، ومعرفة كيفية التعامل معه. فمع أن الجيش في تونس ليس قوياً كحال جيش مصر، إلا أن هناك جنرالاً شهيراً جدّاً فيه، ولا بدّ من تنحيته. وأمّا بعد ذلك، فإذا تعذّر الاحتفاظ بالسلطة بوسائل سلمية، فيمكن، تحت شعار "ازدياد العمليات الإرهابية"، إعلان حالة الطوارئ وتأجيل الانتهاء من المرحلة الانتقالية وبالتالي إرجاء الانتخابات إلى وقت أكثر ملاءمة في المستقبل.
السناريو الثالث: تانغو للجنرال والليبرالي
هذا السيناريو، يتناقض مباشرة مع سابقه. فالمثال المصري والاستياء المجتمعي، قادران على تفعيل القوى المدنية التي ستحاول الاعتماد على الجيش. وفي هذه الحالة، يمكن لرشيد عمار أن يصبح زعيماً رائعاً للقوى المضادة لـ"النهضة".
أمّا سلبية هذا السيناريو، فتتمثل في ضرورة فهم تفضيلات قوات الأمن وخياراتها، وهذا الفهم غير متوافر عند أحد بعد. ولكن، على ما يبدو، لو صح السنياريو الثاني، فإن اللحظة الأنسب لإنجاز الانقلاب الإسلاموي كان يمكن أن تتواقت مع رمضان. إلا أن رمضان انتهى. وإذا ما كان السيناريو الثالث هو المرجح فإن ما يحول دونه هو أن القوى العلمانية تفتقر لإنجازه إلى الأدوات وكذلك إلى الإرادة السياسية. فهنا، تجد نفسها هذه القوى مضطرة للاكتفاء بضغط الشارع وبمفاوضات مستمرة مع السلطة، فيما حسم الجيش المصري الأمر مع مرسي وسلطة الأخوان. أخيراً، يمكن أن يكون هناك خيار رابع مؤلف من الخيارات الثلاثة السابقة مدمجة.
معزوفة دموية مفتوحة
يمكن للنخب السياسية أن تتبين عجزها أمام ضغط الشارع، مع إدراك هذه النخب ضرورة الإطاحة بنظام "النهضة". وفي مواجهة ذلك، قد تلجأ النهضة إلى التوحد مع الجهاديين. ذلك بالمحصلة يعني نشوب حرب أهلية.
ولكن، وبصرف النظر عن التركيبة التي يمكن أن نسمع عنها، فإن علينا بالمحصلة أن نعترف كمستمعين بأن آذاننا لم تُوّلف بعد على النغمة العربية. فنحن طوال الوقت نلجأ إلى أطروحتين متناقضتين: الشمولية في مواجهة الديمقراطية؛ والعلمانية في مواجهة الإسلاموية. وكلا هاتين الثنائيتين تعيقنا عن سماع المعزوفة الرئيسة. فجوهر المسألة في شيء آخر، أكثر تعقيداً. تونس كما مصر، تواجه اليوم مشكلات اجتماعية اقتصادية بالغة الحدة. وبالتالي، فلا يمكن الوصول إلى أي صيغة من صيغ استقرار النظام السياسي دون حل هذه المشكلات الاجتماعية الاقتصادية.
ولفهم هذه المشكلات، قد يكون مناسباً، إلى درجة بعيدة، تطبيق نهج الماركسية الجديدة (نيو ماركسيزم). فما نشهده اليوم، هو صراع طبقي يواكبه صراع ضد الاستعمار الجديد. علماً بان خطورة الاستعمار الجديد تكمن في أنه استعمار ذكي. فالطاقة التي يسلبها هذا الاستعمار من المستعمرات هي طاقة الأدمغة. نزيف العقول، يؤدي بالنتيجة إلى نقص في الكفاءات عند البلدان، من نمط تونس ومصر، يعوقها عن إيجاد حلول إبداعية لمشكلاتها الاجتماعية الاقتصادية.
وهذا النقص في الطاقات الذهنية، يقود على المستوى السياسي، إلى أن تتصدر المنابر مجموعة ممن آن لهم أن يتقاعدوا منذ زمن بعيد. فالصراع السياسي في تونس الحديثة (وفي مصر جزئياً)، هو صراع بين النخبة القديمة التي تسمي نفسها قوىً مدنية والنخبة المضادة أي الإسلامية وهي قديمة أيضا. وهؤلاء وأولاء، بعيدون بالدرجة نفسها عن مشاكل الناس الحقيقية وعن الواقع ومتطلباته. ومن شأن انتصار الفوضى والعنف أن يفاقم نقص الأدمغة الذي تعاني منه هذه البلدان، مما يجعل حلّ المشكلة أمراً مستحيلاً. وبالتالي فسيكون علينا في المستقبل أن نصغي إلى المزيد من معزوفات الثورات.
فاسيلي كوزنيتسوف:أستاذ مساعد في جامعة موسكو الحكومية وباحث في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية
لكننا مع ذلك، بحاجة إلى الصيغة إياها لأسباب أخرى، فمن المحتمل إلى حدّ بعيد أن تكون موجة ثورية ثانية قد بدأت تتصاعد في مصر، وأن تونس تنتظر دورها. فمن هناك، تتناهى أصوات، يزداد وضوحها وصخبها يوماً عن يوم، مطالبة حزب النهضة الإسلامي بالتنحي عن السلطة.
أحداث الأشهر الأخيرة، توحي بوضوح بأن تونس في طريقها إلى تكرار الأحداث المصرية. فلم تكن صدفة استقالة رشيد عمار، ذلك الجنرال نفسه الذي طرد بن علي عن كرسي الرئاسة في الرابع عشر من يناير/كانون الثاني 2011، وحظي بحبّ الجماهير. إن استقالة هذا الجنرال تمت بالتوازي مع تبدل السلطة في قطر وتصاعد الموجة المعادية للإسلاميين في مصر.
ولكن، على ما يبدو، من خلال استقالة الأخير التي أعقبها تصاعد في الأعمال الإرهابية واشتداد الشارع المعارض مؤخراً، فليس من المؤكد أن تنتهي الأمور في تونس إلى أخذ العسكر زمام الأمور بيدهم كما حدث في مصر. فهناك في تونس احتمالات لسيناريوهات أخرى، هي التالية:
السيناريو الأول: معزوفة تعبيرية
كانت هناك تناقضات معروفة بين الجنرال عمار ورئيس الوزراء. كما أن تصاعد العمليات الإرهابية كان متوقعاً إلى حدّ بعيد. إضافة إلى أن الاستقطاب الاجتماعي كان واضحاً للعيان، مثله مثل الاستياء الذي عمّ أوساط معظم السكان فخرجوا يعبّرون عن عدم رضاهم عن السلطات الجديدة. وإذا بالعامل المصري يدخل على الخط. وهنا بلغت الانفعالات ذروتها. إلا أن الخوف من حرب أهلية جعل حسابات اللاعبين أكثر مسؤولية وسلوكهم السياسي أكثر اعتدالاً. فها نحن نرى رشيد الغنوشي يعرض إجراء استفتاء عام من أجل الوصول إلى مصالحة وطنية.
السناريو الثاني: حفلة للمؤذن مع أوركسترا عسكرية
يمكن لـ(الصقور) الإسلاميين أن يسيروا، إلى حدّ بعيد، نحو الديكتاتورية. ولكن ينبغي عليهم لتحقيق ذلك، السيطرة على نسبة كبيرة من قطاع الأعمال (استيراد المواد الغذائية، على وجه الخصوص)، والسيطرة في المجال الإداري (تم خلال عامين، تعيين عدة آلاف من المسؤولين الجدد على مستويات محلية)، وعلى قوات الأمن، وبصورة خاصة على الشرطة والمخابرات. وعليهم، إضافة إلى ذلك، حلّ مسألة الجيش، ومعرفة كيفية التعامل معه. فمع أن الجيش في تونس ليس قوياً كحال جيش مصر، إلا أن هناك جنرالاً شهيراً جدّاً فيه، ولا بدّ من تنحيته. وأمّا بعد ذلك، فإذا تعذّر الاحتفاظ بالسلطة بوسائل سلمية، فيمكن، تحت شعار "ازدياد العمليات الإرهابية"، إعلان حالة الطوارئ وتأجيل الانتهاء من المرحلة الانتقالية وبالتالي إرجاء الانتخابات إلى وقت أكثر ملاءمة في المستقبل.
السناريو الثالث: تانغو للجنرال والليبرالي
هذا السيناريو، يتناقض مباشرة مع سابقه. فالمثال المصري والاستياء المجتمعي، قادران على تفعيل القوى المدنية التي ستحاول الاعتماد على الجيش. وفي هذه الحالة، يمكن لرشيد عمار أن يصبح زعيماً رائعاً للقوى المضادة لـ"النهضة".
أمّا سلبية هذا السيناريو، فتتمثل في ضرورة فهم تفضيلات قوات الأمن وخياراتها، وهذا الفهم غير متوافر عند أحد بعد. ولكن، على ما يبدو، لو صح السنياريو الثاني، فإن اللحظة الأنسب لإنجاز الانقلاب الإسلاموي كان يمكن أن تتواقت مع رمضان. إلا أن رمضان انتهى. وإذا ما كان السيناريو الثالث هو المرجح فإن ما يحول دونه هو أن القوى العلمانية تفتقر لإنجازه إلى الأدوات وكذلك إلى الإرادة السياسية. فهنا، تجد نفسها هذه القوى مضطرة للاكتفاء بضغط الشارع وبمفاوضات مستمرة مع السلطة، فيما حسم الجيش المصري الأمر مع مرسي وسلطة الأخوان. أخيراً، يمكن أن يكون هناك خيار رابع مؤلف من الخيارات الثلاثة السابقة مدمجة.
معزوفة دموية مفتوحة
يمكن للنخب السياسية أن تتبين عجزها أمام ضغط الشارع، مع إدراك هذه النخب ضرورة الإطاحة بنظام "النهضة". وفي مواجهة ذلك، قد تلجأ النهضة إلى التوحد مع الجهاديين. ذلك بالمحصلة يعني نشوب حرب أهلية.
ولكن، وبصرف النظر عن التركيبة التي يمكن أن نسمع عنها، فإن علينا بالمحصلة أن نعترف كمستمعين بأن آذاننا لم تُوّلف بعد على النغمة العربية. فنحن طوال الوقت نلجأ إلى أطروحتين متناقضتين: الشمولية في مواجهة الديمقراطية؛ والعلمانية في مواجهة الإسلاموية. وكلا هاتين الثنائيتين تعيقنا عن سماع المعزوفة الرئيسة. فجوهر المسألة في شيء آخر، أكثر تعقيداً. تونس كما مصر، تواجه اليوم مشكلات اجتماعية اقتصادية بالغة الحدة. وبالتالي، فلا يمكن الوصول إلى أي صيغة من صيغ استقرار النظام السياسي دون حل هذه المشكلات الاجتماعية الاقتصادية.
ولفهم هذه المشكلات، قد يكون مناسباً، إلى درجة بعيدة، تطبيق نهج الماركسية الجديدة (نيو ماركسيزم). فما نشهده اليوم، هو صراع طبقي يواكبه صراع ضد الاستعمار الجديد. علماً بان خطورة الاستعمار الجديد تكمن في أنه استعمار ذكي. فالطاقة التي يسلبها هذا الاستعمار من المستعمرات هي طاقة الأدمغة. نزيف العقول، يؤدي بالنتيجة إلى نقص في الكفاءات عند البلدان، من نمط تونس ومصر، يعوقها عن إيجاد حلول إبداعية لمشكلاتها الاجتماعية الاقتصادية.
وهذا النقص في الطاقات الذهنية، يقود على المستوى السياسي، إلى أن تتصدر المنابر مجموعة ممن آن لهم أن يتقاعدوا منذ زمن بعيد. فالصراع السياسي في تونس الحديثة (وفي مصر جزئياً)، هو صراع بين النخبة القديمة التي تسمي نفسها قوىً مدنية والنخبة المضادة أي الإسلامية وهي قديمة أيضا. وهؤلاء وأولاء، بعيدون بالدرجة نفسها عن مشاكل الناس الحقيقية وعن الواقع ومتطلباته. ومن شأن انتصار الفوضى والعنف أن يفاقم نقص الأدمغة الذي تعاني منه هذه البلدان، مما يجعل حلّ المشكلة أمراً مستحيلاً. وبالتالي فسيكون علينا في المستقبل أن نصغي إلى المزيد من معزوفات الثورات.
فاسيلي كوزنيتسوف:أستاذ مساعد في جامعة موسكو الحكومية وباحث في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية