يعكس الصراع الدائر بين رجل الأعمال «نجيب ساويرس»، ورئيس البنك المركزي طارق عامر حول صفقة استحواذ الأول على بنك الاستثمار «سي آي كابيتال» التابع للبنك التجاري الدولي، صراعًا أكبر على الموارد المالية بين المؤسسة العسكرية والنخبة الرأسمالية، والتي بدورها تدعم السيطرة السياسية لكلا الفريقين.
الصراع الذي كشف عنه رجل الأعمال في مقال منشور له منذ أيام عن تدخل جهات أمنية أمام الصفقة المالية التي كان قد وصل إلى الخطوات الأخيرة لإتمامها، يبدو أنه خرج من الغرف المغلقة إلى دائرة العلن.
حقيقة الصراع بين «ساويرس» و«عامر»
ساويرس إنشر
بدأ «ساويرس» في تمديد إمبراطوريته المالية نهاية العام الماضي بصفقة استحواذ مالي لصالح شركته أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا، المملوكة له، بصفقة استحواذ على «بولتون القابضة». قام رجل الأعمال المصري الشهير بتعزيز هذه الصفقة بعرض استحواذ آخر على بنك الاستثمار «سي آي كابيتال»، بعد أشهر من استحواذه على «بولتون القابضة»، وهو الأمر الذي يثير، حال إتمام الاستحواذ الجديد، مخاوف لدى الدولة من سيطرة الشركتين على أكثر من 30 في المائة من سوق تنفيذات البورصة المصرية، خاصة بعد اتجاه الحكومة المصرية إلى طرح حصص من شركات وبنوك في البورصة الفترة المقبلة.
ما يُعزز هذه المخاوف أيضًا هو حقيقة أن المنافسة الشديدة هو أن «سي آي كابيتال» يعد هو ثاني أكبر بنك استثماري في مصر، ما يعني أن هناك حجمًا هائلًا من الأرباح المالية المتوقعة جراء اكتمال الصفقة التي يتوقع أن تتضاعف قيمتها المالية بعد عام، لارتباط ذلك بعدد الشركات المطروحة في البورصة المصرية خلال المرحلة المقبلة بالتزامن مع برنامج الحكومة الذي يحمل خطةً هيكليةً صادمةً للطبقة الفقيرة والمتوسطة في المجتمع المصري، حيث يعتمد على إعادة هيكلة الشركات الحكومية، وطرح حصص منها في البورصة.
المخاوف التي عبر عنها «ساويرس» في مقاله السابق الإشارة إليه حول تدخل أحد الأجهزة الأمنية لمنع استكمال الصفقة، تأتي ضمن صراع أكبر بين النخبة الرأسمالية، والمؤسسة العسكرية التي كانت راغبة في الاستحواذ على هذه الأصول لحاجة الحكومة لبنوك استثمار في المرحلة المقبلة بعد خطة الخصخصة من أجل إدارة الأسهم وصناديق الاستثمار الخاصة بها. ويتوقع خبراء أن تنتهي هذه الأزمة بفض للاشتباك بين الطرفين، عن طريق شراكة سرية تتجاوز الأزمة الحالية، وهو الأمر الذي تعززه خبرة «ساويرس» في الشراكة الدائمة مع الديكتاتوريات بهدف الحفاظ على إمبراطوريته المالية ومنحها قدرًا من الاستقرار.
المنهج الاستثماري لـ«ساويرس».. الشراكة مع الأنظمة الاستبدادية
اعتاد «ساويرس» منهج الشراكة مع الأنظمة الديكتاتورية خارج مصر كسبيل لحماية استثماراته وإمبراطوريته المالية المترامية في دول العالم، مُعتمدًا على منهج المغامرة في شراكات من هذا النوع.
كوريا الشمالية
في عام 2010، بدأت الشراكة الفعلية بين «نجيب ساويرس» مع الزعيم الكوري الراحل ، «كيم جنغ إيل»، حيث نشرت وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية، صورًا للملياردير المصري، «نجيب ساويرس»، واقفًا إلى جانب الزعيم الكوري الراحل وممسكًا بيده في ود، احتفالا بتوقيع شراكة بين شركة أوراسكوم تيلكوم المصرية، والحكومة الكورية الشمالية لإنشاء شبكة المحمول الأولى في البلاد المحاصرة بالعقوبات الاقتصادية الغربية.
انتهت هذه الشراكة نهاية مؤلمة لـ«ساويرس» في نهاية المطاف، حيث رفضت كوريا الشمالية قيام الشركة بتحويل مكاسبها بسعر الصرف الرسمي للدولار، وأصرت أن يكون ذلك بأسعار السوق السوداء، لتتقلص مكاسب الشركة من حوالي 450 مليون دولار إلى 8 ملايين فقط، قبل أن تبدأ إجراءات تأميم الشركة المملوكة له.
وتتنوع استثمارات «ساويرس» في كوريا الشمالية بين شركة كوريو لينك للاتصالات التي يملك فيها نسبة 75 %، إلى الشراكة في مصنع سانج وون للأسمنت بقيمة 115 مليون دولار، إضافة إلى المساهمة في بناء فندق ريو كيونج، الذي قيل وفقًا لوسائل الإعلام الكورية الشمالية، إنه تم استكمال بنائه الخارجي في يوليو (تموز) عام 2011.
وقد بلغت تكلفة إنشاء كوريو لينك المشتركة بين أوراسكوم، وحكومة كوريا الشمالية حوالي 400 مليون دولار، بحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات.
سوريا
شارك «ساويرس» في تأسيس شبكة المحمول الأولى في سوريا، مع رجل الأعمال السوري «رامي مخلوف»، ابن خال الرئيس السوري «بشار الأسد»، والذي ارتبط اسمه بالفساد وأصبح هدفًا للمحتجيّن السوريين، والذي يسمونه في أروقة الاقتصاد « Mr five percent».
بدأت شراكة «ساويرس» مع «مخلوف» في سنة 1998، حيث طرحت وزارة المواصلات السورية مناقصة «صورية» لتشغيل قطاع الهاتف الخلوي، ظهر فيها «رامي مخلوف» شريكًا لشركة «أوراسكوم» المصرية.
لكن هذه الشراكة بين الطرفين قد انتهت أيضًا إلى مصادرة أموال الشركة المصرية في سوريا، حيث وضع عليها حارسان قضائيان هما «إيهاب مخلوف» (شقيق رامي)، و«نادر قلعي» (مدير أعمال رامي)، ما دفع «ساويرس» لخيار التهديد باللجوء إلى التحكيم الدولي قبل أن يتم التوصل إلى «حل ودي» للخلاف في يوليو/ تموز 2003، حيث باتت شركة «سيرياتل» التي يمتلكها «مخلوف»، إحدى شركتين تشغلان الهاتف المحمول في سوريا.
الجزائر
امتدت استثمارات «ساويرس» إلى دولة الجزائر، حيث أسس شركة «جيزي» التي حصدت أرباحًا طائلةً كانت عاملَ إغراء للحكومة الجزائرية في تأميمها لصالحها، حيث أعلنت الحكومة الجزائرية رسميًّا بيع الشركة إلى مجموعة «فيمبلكوم» بسعر أقل كثيرًا من قيمتها الفعلية، بعد أن تدخلت لعرقلة صفقة بيعها لمجموعة «MTN» في عام 2010.
قام «ساويرس» بتقديم دعوى للتحكيم الدولي يطالب بتعويضات قيمتها 5 مليارات دولار أمريكي ضد جمهورية الجزائر عن الأضرار التي لحقت به، وقد سُجِلت الدعوى لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.
أفغانستان والعراق وبورندي وبنغلادش وروسيا تمددت إمبراطورية «ساويرس» لتشمل استثماراتٍ في مجال الاتصالات في بعض البلاد الأكثر سلطويةً وفسادًا، والأقل استقرارًا.
المصدر: ساسة بوست