قالت داخلية العسكر فى بيان رسمى لها منذ ستة أشهر، أنها "ضبطت تشكيلًا عصابيًا تخصص في سرقة واختطاف الأجانب، وإنها عثرت على متعلقات جوليو ريجيني بحوزتهم". وأوضحت الداخلية في بيانها إنها تمكنت، من استهداف تشكيل عصابي بنطاق القاهرة الجديدة، تخصص فى انتحال صفة ضباط شرطة، واختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه، ومصرعهم جميعًا عقب تبادل إطلاق الأعيرة النارية مع قوات الشرطة.
بعد 5 شهور من البيان الأول للداخلية وما تبعه من بيانات وتصريحات تحاول تحميل المصريين الخمسة المقتولين، جريمة قتل جوليو ريجيني خرج بيان النيابة العامة يوم 9 سبتمبر من الشهر الجاري، ليقول إن: "الشكوك حول تورطهم في مقتل الباحث الإيطالي ضعيفة".
ما بين البيانين انتقلت البداية لمسرح الجريمة، مرتين، للتحقق من الروايات الرسمية حول ما أسمته الداخلية بعصابة قتل الأجانب وملابسات قتل 5 مصريين وحقيقة المزاعم حول علاقة كل ذلك بمقتل ريجيني.
المرة الأولى، كانت عقب الحادثة وبينما تتصاعد الحملة الرسمية ضد القتلى الخمسة، والمرة الثانية، بعد بيان النائب العام الذي خرج ليفتح الباب واسعًا أما تبرئتهم مما حاولت الجهات الأمنية نسبه لهم.
أوضح بيان الداخلية الأول إنه تم: "إعداد الأكمنة اللازمة لضبط المتهمين المذكورين وحال سيرهم بالسيارة رقم ( ق ف 871 ميكروباص ) بدائرة قسم شرطة أول القاهرة الجديدة ولدى مشاهدتهم للقوات قاموا بإطلاق الأعيرة النارية تجاه قوات الشرطة فبادلتهم مما أسفر عن مصرعهم وحدوث تلفيات بسيارات الشرطة من جراء إطلاق الأعيرة النارية.
المفاجأة التي كشفتها زيارة مسرح الجريمة، بحسب ما أكده شهود عيان، أن كل الطرق المؤدية إلى شارع "طه حسين" حيث عملية قتل الخمسة، يوجد بها كمائن ثابتة، سواء شارع "التسعين" أو طريق الدائري، والذين أكدوا أن لا طريق ثالث يؤدي إلى الشارع المذكور.
عبدالرحمن فراج، طالب بالجامعة البريطانية، من سكان المنطقة، حاول وضع خريطة لخط سير الميكروباص قائلًا: "العربية لو جاية من شارع الـ90 هتمر على كمينين ثابتين". أما أحد العمال بالمنطقة قال لنا: "العربية لو جاية من طريق الدائري هتمر على ما يقارب من 4لـ5 كمائن قبل أن تصل لشارع أكاديمية الشرطة".
وطرح الشابان تساؤلا هامًا وهو: "سواء كان خط سير الميكروباص من الدائراي أو من شارع الـ90 ولا ثالث لهما، فهم مروا على كمائن، لماذا لم تستوقفهم قوات الأمن، وتم تصفيتهم في شارع طه حسين، تقاطع صينية مصر-2000".
وأوضح فراج، أن أكاديمية الشرطة لم تضم أى كمائن من قبل، سوى الشهر الجاري، ويواصل أنه لم يحدث تبادل إطلاق نار بين الميكروباص وقوات الأمن وانهم كانوا عزل، وقامت قوات الأمن بتصفيتهم فور إيقافهم، وأن الحادثة وقعت في الصباح الباكر وظلّت الجثث حتى الـ12 ظهرًا، لافتًا إلى أنه كان يوجد جثتين على الأرض بجانب الميكروباص.
وفي المرتين التي نزلنا فيها لمسرح الجريمة، أكد شهود العيان على أن: "الميكروباص كان يسير في الشارع بشكل طبيعي، ولم يكن هناك أى مطاردات بين الميكروباص وقوات الأمن، وكان يسير خلف الميكروباص، سيارة تابعة للشرطة (بوكس، ودورية)، وأن عدد المتواجدين داخله 5 أفراد، وقبل أن يخرج الميكروباص من الشارع، قامت قوة أمنية مكثفة من القوات الخاصة الملثمة، بعمل (كماشة) على الميكروباص من ناحية (صينية مصر-2000) وقامت بإطلاق الأعيرة النارية، دون تبادل لإطلاق النار، ودون إصابات في صفوف الشرطة".
طالب شهود العيان الذين تحدثوا لـ "البداية" بعدم نشر اسمائهم أو الاشارة إلى هويتهم، حيث انهم آتوا من الاقاليم بحثًا عن "لقمة العيش" في القاهرة ولا يريدون التعرض لأذى :"بنجرى وراء اكل عيشنا وفي رقبتنا كوم لحم".
وقال لنا سائق تاكسي، ويعمل خفير بإحدى الفيلات: "الساعة 6 ونص صباحًا، خارج للشارع، لقيت شرطة ملثمة بتقولي خش جوه، بعدها لقيت ميكروباص أبيض، يسير خلفه دورية شرطة، وفجأة اتعمل عليهم كماشة قبل خروجهم من الشارع عند تقاطع صينية مصر 2000". وأضاف: "المتواجدين داخل الميكروباص عددهم خمسة، كانوا عزل ولم يحملوا أي اسحلة وضرب النار كان من اتجاه قوات الأمن".
ولفت الشاهد إلى: "جثتين كانوا متواجدين في الأرض والدم مغرق المنطقة بشكل بشع، وأحد الضباط كان بيقلب الجثث برجله".
وقالت الداخلية في بيانها الأول إن عناصر التشكيل الذين قتلتهم الداخلية بالكامل هم 5 ، قتلوا جميعهم في مواجهات مع قوات الأمن – إلا أن البيان الذي نشرته الوزارة في نفس الليلة، كشف عن تراجع حول أعداد القتلى من المتهمين، حيث قالت الوزارة أن عناصر التشكيل 4 وليس 5 وقتلوا جميعا، وأنه تم العثور على جثة مقتولة برصاصة في الرأس وهي جثة مجهولة الهوية جاري البحث للتوصل إلى شخصيته.
وكانت الجثة المجهولة التي تقصدها الداخلية هي، جثة إبراهيم فاروق سائق الميكروباص، "العريس اللي بدلته بتجهز" على حسب وصف والدته.
إبراهيم، هو خريج معهد سياحة وفنادق، يعمل سائق على ميكروباص أجرة، ملك لوالد زوجته، يحمل رقم (ق.ف.ر. 871). ويحمل رخصة قيادة سارية حتى تاريخ 16 أكتوبر 2025.
روت والدته تفاصيل يوم الحادث، وبدايتها بعد محاولة الاتصال به في منتصف اليوم لكنه لم يرد عليها: "إبراهيم مبيردش على موبايله غير لو نايم"، ما أثار قلقها عليه، حتى استقبلت مكالمة من هاتفه تخبرها "إن صاحب ذلك الهاتف اسمه (سيد) وفي المشرحة".
وأعلنت الأسرة إنها تلقت عدة اتصالات، من هاتف إبراهيم، بروايات مختلفة حول مصيره، إحداها أن صاحب الهاتف تعرض لحادث بسيارته في القاهرة الجديدة، وأخرها أن هذا الهاتف بجانب جثة في المشرحة تدعى طارق.
توجهت الأسرة بعد رحلة من البحث عن ابنهم في قسم التجمع، للمشرحة، وهناك وجدوا 5 جثامين، إلا أن المشرحة رفضت دخول والدته للتعرف. عليه: "مرضيوش يدخلوني، ومشفتوش غير في الصور".
وأوضح والد إبراهيم أنه دخل للمشرحة 7 مرات للتعرف عليه وعندما فشل استدعى عمه كي يتعرف عليه: "عرفناه من التشيرت بتاعه".
ووصف أحمد فاروق، شقيقه الأكبر، جثة إبراهيم للبداية قائلًا: "إبراهيم وجهه مقسوم نصفين، من الرصاصة"، مضيفًا: "كانوا كاتبين على يده اسمين وهما أسعد وسعد، واعترضنا على ذلك وأخبرناهم أنه يدعى إبراهيم فاروق، فرد عليه أحد العاملين بأنها غلطة منهم وذلك لأن الجثة دخلت للمشرحة بدون أي أوراق رسمية".
وقال أحمد، إن شقيقه كان معه محفظة بها بطاقته ورخصته وكل أوراقه الرسمية التي تثبت هويته، مضيفًا: "استغربنا من رواية الداخلية عن قتلها لأربعة أشخاص وجدت معهم جثة مجهولة الهوية داخل السيارة رغم أن شقيقي هو سائق السيارة".
واستبعد شقيق إبراهيم صحة رواية الداخلية عن تبادل إطلاق النار ومحاولة السيارة لكسر والهروب من الكمين، وطرح تساؤلًا: "لو العربية كسرت الكمين وجريت ليه مفيش ولا طلقة في ضهر العربية؟ ولو في تبادل إطلاق نار ليه مفيش أي إصابات مثلا في صفوف قوات الأمن".
وبداخل إحدى الفيلات، بمسرح الجريمة، امتنع الخفير في المرة الأولى عن الرد بسبب الخوف، حيث انه آتي من بلدته بحثًا عن الرزق وليس المشاكل، ولكن عندما تحدثنا إليه في المرة الثانية بعد بيان النائب العام، قرر أن يحكى ما رأه قائلًا: "خرجت للشارع الساعة السابعة الإ خمسة صباحًا، كالعادة انتظارًا لأطفالي للذهاب بهم إلى المدرسة، إلا انني سمعت صوت قوى كأنه انفجار.
وتابع: "يا دوب بصيت تجاه الصوت، لقيت ميكروباص ابيض متحاصر بناس لابسة زي اسود وملثمة، وضرب نار في كل حتة ومن الخضة جريت استخبيت تحت عربية". مضيفًا: "افتكرت داعش نزلت المنطقة".
وأوضح أنه أثناء فترة تواجده تحت العربية، والتي دامت لمدة ثلاثة دقائق، شاهد رجلين عزل نزلا من الميكروباص أحدهم شاب رافعًا يده وحاول الحديث لقوات الأمن والآخر رجل عجوز حاول الركض إلا ان قوات الأمن قامت بتصفيتهم".
بحسب وصف الخفير، يبدو أن الشاب الذي حاول التحدث لقوات الأمن رافعًا يده هو القتيل (سعد طارق).
رشا طارق، أبنة طارق وشقيقة سعد وزوجة صلاح.. ثلاثة من أسرة واحدة ضمن الـ 5 المقتولين في منطقة التجمع الخامس وأشارت إلى ان مكالمة هاتفت فيها زوجها وفُتح فيها الخط ولكنها لم تسمع غير صوت شقيقها سعد من بعيد يقول: "خلاص يا باشا، اللي انت عاوزه يا باشا، طيب يا باشا قولى عاوز مني إيه، اهدى طيب يا باشا واللي انت عايزه هاعملوا".
تقول رشا: "كانت أول مرة تسمع فيها عن قضية (ريجيني) بعد حادثة الميكروباص ومقتل من فيه، قائلة: "الوقت اللي بيقولوا ريجيني مات فيه، خالتي كانت متوفية وأنا ووالدي وأشقائي وزوجي، ووالدتي كنا في العزاء، ثم مرضت والدتها واتحجزت بغرفة العناية المركزة، بمستشفى العبور، بمركز كفر صقر، فازاي يتورطوا في قتل ريجيني؟".
تؤكد رشا أن لديها شهود وإثباتات على أنهم كانوا يتلقون العزاء، بالتزامن مع مرض والدتها في الفترة التي اختفى فيها ريجيني.
وعن تواجد أسرتها بالقاهرة تقول رشا، "أتوا للقاهرة يوم السبت، الموافق 19 مارس، أي قبل الحادثة بخمسة أيام، ووالدتي كانت تستعد للذهاب لأداء مناسك العمرة وكانت تريد شراء ملابس الإحرام".
وأضافت أن والدها قضى عقوبة حبس في قضية نصب ولكن ذلك منذ عشر سنوات، وعندما خرج والدها من السجن قرر أن يتوب، وبالفعل فتح محل بيع وتأجير سيارات يدعى "الامبراطور" بمركز كفر صقر بالشرقية، وكان مسئول عنه هو وشقيقها سعد، وكان والدها يرعى المحل، وسعد يأتي للقاهرة لشراء أو بيع سيارات، لتثبت أقوالها بصور من عقود بيع وشراء سيارات حديثة ومدونة بتواريخ 9 فبراير 2016 و15 فبراير 2016 و10 مارس 2016.
وقالت رشا: "زوجي سبق حبسه في قضية نصب قبل سبع سنوات، وأيضا قضية تعاطي بسبب سيجارة حشيش قضى فيها سنة، وبعدها قرر أن يتوب خاصة وأن أول مولود لنا كان قد أتى إلى الدنيا، مشيرة إلى أن زوجها بالأساس يعمل مقاول نقاشة ويوم الحادثة كان ذاهب للقاهرة الجديدة ليتفق على تشطيب شقة دوبليكس واتفق مع شقيقي ووالدي أن يشطبا تلك الشقة معًا ويقسمًا الأجر بينهم".
وفسرت سبب رشا تواجد مصطفي بكر والسائق إبراهيم فاروق مع ذويها يوم الحادث، قائلة: مصطفى بكر صديق لنا وأنا من هاتفته ليلة الحادث وطلبت منه أن يتواجد مع زوجي حيث ان تلك الفترة من علاقتنا كانت متوترة لانى علمت بأنه على علاقة بإمراة آخرى، وتبينت محررة "البداية" من صحة التسجيلات التي كانت بينها وبين المذكور مصطفى على "واتس آب" بتاريخ 23 مارس.
وعن السائق إبراهيم، تقول رشا: "لا تربطنا اى سابق معرفة ولكنه سواق وبيجري على أكل عيشه وهاتفه زوجي واتفق معه على أن يوصلهم القاهرة الجديدة كمشوار مخصوص، بدل ما يفضل واقف يحمل في الموقف وأهو يطلع له بـ200 جنيه"، مضيفة: "زوجي متعود أنه يروح بعربية مخصوص لأي موقع عمل لأنه أحيانا بينقل عمال وعدد بيشتغل بيها".
وعن يوم الحادث أشارت إلى أن أول مكالمة بينها وبين زوجها، قال خلالها: "إنه رايح على التجمع خلاص وإنه هيتفق على الشغل ويوم السبت هيقوم بإرسال العمال"، موضحة أن رقم صاحب تلك الشقة موجود على هاتف زوجها الذي تحفظت عليه الداخلية، وطالبت رشا بأن تستدعيه النيابة للشهادة.
وقالت الداخلية في بيانها الأول: "بالتنسيق مع قطاع مصلحة الأمن العام ومديرية أمن القليوبية، تم إستهداف محل إقامة شقيقة المتهم الأول "رشا سعد" ومقيمة بالقليوبية، وعثر بداخل المسكن على حقيبة هاند باج حمراء اللون عليها علم دولة إيطاليا بداخلها ( محفظة جلد بنية اللون بها جواز سفر بإسم / جوليو ريجينى مواليد 1988 ، كارنية الجامعة الأمريكية الخاص به وعليه صورة الشخصية ومدون به باللغة الإنجليزية باحث مساعد، كارنيه جامعة كامبريدج خاص به ، فيزا كارت خاصه به ، 2 هاتف محمول – كما عثر على حافظة جلدية حريمى مدون عليها باللغة الإنجليزية عبارة LOVE ، ومبلغ 5 آلاف جنيه ، قطعة داكنة تشبه مخدر الحشيش وزنت 15 جرام ، ساعة يد حريمى سوداء اللون ، ثلاث نظارات شمسية .
وعن تلك المضبوطات، كشفت رشا، أن كل ما عرضته الداخلية على أنها تخص ريجيني هي بالأساس تخص شقيقها سعد، بما فيها النضارة والسماعة، كما قالت "إن الشنطة اللي عليها علم إيطاليا ليس دليلاً على تورط أسرتي في مقتل ريجيني، خاصة إننا لدينا من تلك الشنطة واحدة أخرى تخص شقيقي سامح وهي في شقتنا بالشرقية"، مضيفة أن 5 آلاف جنيها التي عثر عليها الأمن داخل الشنطة تخص شقيقها وكذلك ساعة اليد الحريمي ومحفظة الجلد الحريمي تخص والداتها.
ويشير الخفير إلى مُلاك الفيلا التي يعمل بها، وقد ذهب أحد سكانها، للنيابة للإدلاء بشهادتها. حاولت "البداية" التحدث إليها، خرج لنا زوجها قائلًا: "معندناش جديد نقولوا في القضية دي تحديدًا، الى شفناه قولناه في النيابة، ومن فضلك مش عاوزين مشاكل".
وقبل طرح أى تساؤل قال :"من الآخر أنا لواء شرطة، واللى عندنا قلناه في شهادة أمام نيابة أمن الدولة وغير مصرح لنا التحدث للإعلام ولو عندنا أى جديد عن الحادثة مش هنقولوا للصحفيين".
رجل في الأربعين من عمره، يلف أطراف جلبابه حول وسطه، ويتحرك بخفة ليسقى الزرع، وهو يدندن أغنية "يا بدع الورد"، تلك الحالة سرعان ما تبدلت عندما سألناه عما رأه يوم 24 مارس، سادت حالة من الصمت ثم هرول مسرعًا تجاه بوابة الفيلا قائلًا: "احنا مكناش موجودين، انا والاولاد والمدام كنا في حفل زفاف احد أقاربي".
وفي تلك اللحظة كذبته زوجته، التي اقرت بانهم كانوا متواجدين وشهدوا على ما حدث، وأن هناك أثنين من قتلى الميكروباص سقطوا امام بوابة الفيلا التي يعملون بها ولكن الخوف هو ما دفع زوجها لنكران انهم كانوا متواجدين من الأساس.
وقال لنا: "كنت قاعد في حديقة الفيلا وسمعت صوت ضرب نار، فسارعت بإتجاه البوابة ونظرت من خلفها، رأيت ميكروباص أبيض، به خمس أشخاص، اثنين في الكرسي الأمامي واثنين في الكرسي خلف السائق أحدهم شاب والآخر كبير السن، وشخص واحد في الكرسي الثاني، كبير السن".
ومن خلال وصف الخفير نستطيع القول بأن ترتيب القتلى الخمس كالآتي: "السائق ابراهيم وإلى جانبه صلاح، وفي الكرسي الذي يليهم طارق سعد وإلى جانبه سعد ابنه، ومصطفى بكر يجلس وحده في الكرسي الثاني".
وتابع: "أثنين نزلا من السيارة، الأول هو الشاب المتواجد بالكرسي خلف السائق وحاول الحديث للقوات الأمنية الإ ان الرصاص اصابه وسقط مكانه بجانب الميكروباص، والثاني هو العجوز المتواجد بالكرسي الثاني داخل الميكروباص وحاول الجرى للطريق المعاكس بخلف السيارة محاولًا الفرار من الموت الإ انه سقط أيضًا".
ورغم أن بيان الداخلية الأول يشير إلى عثورهم على :" بندقية آلية عيار 7,62×39 - 12 طلقة من ذات العيار - طبنجة عيار 9 مللى، طلقتين من ذات العيار". الإ أن الخفير والذي شاهد الحادثة كاملة لأن الميكروباص تم إيقافه أمام الفيلا التي يعمل بها يؤكد للبداية: "المتواجدين داخل الميكروباص كانوا عزل، لم يكن هناك تبادل لإطلاق للنار وأن ضرب النار كان اتجاه واحد وهو الأمن".
وتابع الخفير: "الدم غرق المكان قصاد الفيلا وأنا نضفته بإيدي ومن ساعتها وأنا بترعب لما بتيجي سيرة الحادثة، أنا من بنى سويف وهنا بأكل عيش ومش عاوز أذيه ليا ولا لعيالي، ولو كان في أمل أن حق أى مظلوم يجي، مش هنكتم الشهادة، بس من الآخر كلنا عارفين أن إلى الدولة هتقول عليه هيبقى هو الحقيقة المُسلم بيها عشان منوجعش قلبنا ودماغنا".
سيدة أربعينة تعمل بإحدي الفيلات قالت: "اليوم دا أنا فاكراه كويس، لأني كنت في الصينية بشتري فول من عريبة الفول، وفجأة لقيت عربيات أمن بها قوات خاصة، قاموا بإطلاق النار على سيارة ميكروباص آتيه من شارع طه حسين المقابل للصينية".
وتابعت السيدة: "ضرب النار كان من صف الأمن بس، وشهادة اتحاسب عليها أن اللي جوه العربية مكنش معاهم سلاح، ومافيش صف عسكري من قوات الأمن اتصاب".
وأضافت: "اثنين من المتواجدين داخل الميكروباص، حاولوا الهروب، أحدهم رفع يده في إشارة منه لقوات الأمن بالاستسلام والآخر جرى في الاتجاه المعاكس". واختتمت السيدة بأن:"الأمن قال لهم أن ركاب الميكروباص مجرمين وتم التعامل معهم، وحذرهم من التحدث للإعلام أو الحديث عن الواقعة".
وأختتمت: "احنا فضلنا ساكتين لاننا خايفين، كلنا هنا بناكل عيش، واللي ماتوا شكلهم غلابة، فدا الى مخوفنا اكتر، ان الغلبان مالوش دية".
وأمام فيلا آخرى، رأينا سيدة من سكان المنطقة تنقل امتعة سفرها لسيارتها، حاولت البداية استقيافها ولكنها رفضت عندما علمت أن الموضوع بخصوص حادث 24 مارس، قائلة: "لسه فاكرين تسألوا، كنتوا فين وقتها، خلاص الى حصل حصل، ومش ناوية احكي عن اي حاجة شوفتها، كفاية إني قدرت اتخطى اليوم دا".
وبسؤال خفير فيلا آخرى، قال: "باختصار الدولة لو عاوزة تعرف الحقيقة، تتفرج على الكاميرات الى في الشارع وفي مداخل الفيلل وانا هنا بأكل عيش ومش عاوزين مشاكل ينوبك ثواب".
سيدة آخرى تعمل بإحدي الفيلات تقول: وقت ضرب النار، اتخضدينا وافتكرنا أن اسرائيل بتحاربنا، جرينا وفتحنا الباب عشان نشوف في إيه بس قوات أمن لابسة أسود دخلونا بالعافية".
أما القتيل الخامس فهو مصطفى بكر، ومن الشهادات يبدو أنه الرجل الثاني الذى نزل من الميكروباص محاولًا الركض في الاتجاة المعاكس.
وقالت أم ياسر طلقيته: "مصطفى خرج من السجن يوم 3 يناير الماضي، بعد حبسه في قضية تعاطي، كان مشغول في استخراج أوراق عمل كشك لبيع الخضار بس ملحقش".
وعن يوم الحادث، قالت طليقته: "قوة آتت من قسم السلام لمنزل مصطفى وقامت بكسر الباب وتفتيش متعلقاته، وأخذت أوراقه الخاصة من ضمنها ورق الكشك الذي كان يسعى لاستخراجه".
وتابعت: "القوة ظلت متواجدة من عشرة صباحًا حتى الخامسة مساءً". وفي تلك الفترة حاولت الاتصال بطليقها مصطفى ولكنه لم يجب، وعندما سألت القوة عن سبب تواجدهم، أخبروها أنه مطلوب ضبطه وإحضاره ولم يخبرها أحد أن تم قتله منذ عدة ساعات".
مصطفى لديه من الأولاد ثلاثة، ولدان في عمر العشرين، وبنت في سن المراهقة، وقال ابنه الأكبر"طارق": "إن آخر مرة رأى فيها والده يوم الحادث صباحًا، حيث ذهب لإحضار فطار له، ثم انطلق والده دون أن يخبره عن وجهته".
وبحسب ما شاهده طارق في المشرحة يقول: "والدي مصاب برصاصتين في رأسه وثلاثة في صدره واثنين في يده، فضلاً عن كسر بذراع، ولاحظت علامات تشبه الحز عند كف يديه"، مرجحًا أن يكون والده مات ويداه "متكلبشة".
وقال طارق إن والده تم حبسه في قضايا تعاطي وليس له أي سجل إجرامي في قضايا السرقة والنصب، مشيرًا إلى أنه مريض بالقلب.
كل الشهادات تشير إلى جريمة "قتل غير مبرر" وقعت في حق القتلى الخمسة، خاصة مع تأكيد جميع من شاهدوا الحادث عن قرب، على أن القتلى لم يكونوا مسلحين من الأساس، بالإضافة إلى تأكيد الشهود على نزول اثنين من الخمسة واستغاثتهم لعدم قتلهم قبل أن تطلق الداخلية النار على رؤسهم.
ويؤكد جريمة القتل غير المبرر أيضا، شهادة الطالب الذي يسكن في المنطقة على وجود العديد من الكمائن في كافة الطرق المؤدية إلى شارع "طه حسين"، أي أنه لم تحدث واقعة كر وفر وهروب ومطاردة بحسب ما جاء في بيان الداخلية الأول.
كما يفتح التحقيق، باب السؤال حول من يقف وراء الزج باسم ومتعلقات الطالب الإيطالي "جوليو ريجيني"، في قضية قتل الخمسة، ومن يجب محاكمته ومحاسبته في هذه الواقعة، خاصة بعد اتهامات الداخلية للخمسة بقتله، قبل أن يخرج بيان النيابة جهة التحقيق وتكذب ما قالته الداخلية.
التساؤلات جميعها تدور حول كيف وصلت متعلقات "ريجيني" إلى منزل الرجل الكبير في السيارة الميكروباص، ولماذا أخفت الداخلية ما كشف عنه منذ أيام عن تلقيها بلاغا من قيادي نقابي ضد ريجيني وإخضاع الأخير لتحريات أمنية، ومن المسئول عن قتل الخمسة الآن.
***