فى صورة جديدة من شرح واقع الشارع المصرى وما يحدث به فعليًا وما تؤول إليه الأمور، أكد الكاتب الصحافى، عبدالناصر سلامة -رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" الأسبق - أن هناك ثورة كبيرة قادمة على "السيسى"، مشيرًا إلى أنها تفوق ما حدث فى 25 يناير، حسب قوله.
وقال "سلامة": أنه قبيل ثورة يناير توقع وعدد من أصدقائه حدوث أمر جلل على الرغم من تأكيد كافة الأجهزة الأمنية - وقتها - عدم وجود ما يدعو للقلق.
وأشار "سلامة": إلى أن جلسة جمعته قبل أيام بنفس من جلسوا معه قبيل ثورة يناير وتنبأوا بنفس الأمور .. مضيفًا: "بل أكثر وأكثر" .
وأوضح سلامة: إن الاحتجاجات فى الذاكرة المصرية ارتبطت: "دائمًا وأبداً بالجوع والأسعار، وتردى أوضاع الخدمات والمرافق، لم تكن أبداً عملية الديمقراطية والحرية والكرامة ضمن الأسباب، على الرغم من أنها كانت الشعارات فى معظم الأحوال، لم تتطور هذه الذاكرة بتطور وسائل التواصل الاجتماعى، ولا بالانفتاح على الثقافات الأخرى، ولا باختلاف الأجيال الحالية جذرياً من وجوه كثيرة، ظلت المخاوف كما هى من الأحياء الشعبية، والمناطق العشوائية، هذا ما توارثته وورَّثته الأجهزة المختصة، من الأعلى إلى الأدنى، بمعنى أدق من الآباء الى الأبناء".
وقال سلامة أيضًا: أذكر قبل تاريخ 25 يناير بشهر واحد بالتمام والكمال، كنت أتحاور مع صديقى المحامى بمكتبه، حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجارية آنذاك، فى وجود صديق ثالث، ووسط حالة مزاجية حياتية مضطربة، توصلنا فى النهاية إلى نتيجة واحدة، وهى أن هناك شيئاً ما فى الأفق، هناك أمرًا ما جللاً فى الطريق، هناك حدثًا ما لابد منه، بمعنى أن الأوضاع لا يمكن أن تستمر على هذا المنوال، لا يمكن أن تظل تسير بهذا الشكل أكثر من ذلك، إلا أننا اختلفنا حول ذلك المجهول، أو طبيعة ذلك المنتظر، أو كيفية وقوعه.
وأضاف: كان السؤال، هل هى ثورة، هل هى مظاهرات صاخبة، هل هى انتفاضة، هل هو انقلاب، هل هو التغيير بنفس طريقة المرة السابقة، هل هو ذلك الذى لا نستطيع الكتابة فيه، هل هو أمر آخر تماماً لا نتوقعه، هل وهل وهل، كانت الأسئلة كثيرة والتوقعات أيضاً كثيرة، إلا أننا كنا نتحدث بصوت عالٍ، رغم أننا كنا قد أصبحنا بعد منتصف الليل، الهدوء يسود المكان، والأصوات عالية، نتحدث ونتحاور، ونطرح كل الاستنتاجات دون خوف، أو دون قلق، بما يؤكد أن الأوضاع كانت قد خرجت عن المألوف المصرى الذى اعتدنا عليه سنوات طويلة فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى بصفة خاصة.
وأوضح: ربما كانت هناك عوامل عديدة فى ذلك التوقيت تؤدى إلى مثل هذه النتائج، أهمها ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتزايد البطالة، على الرغم من معدل التنمية المرتفع، وعلى الرغم من قيمة الجنيه المرتفعة نسبياً آنذاك أيضاً، وعلى الرغم من ارتفاع معدلات السياحة وارتفاع معدلات الاستثمار، كانت هناك حكومة أزعم أنه ليس بالإمكان تعويضها الآن.
أى أنه على الرغم من السلبيات التى كانت واضحة إلا أنه فى الوقت نفسه كان هناك من الإيجابيات الكثير، لكن هذه كانت توقعاتنا، الأوضاع لا يمكن أن تستمر، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار ذلك الاحتقان السياسى، فى وجود أحزاب حقيقية، مقارنة بالأوضاع الجارية حالياً، ووجود حركات وائتلافات حصلت على حرية وحق الاحتشاد بصفة دورية، وفى أى مكان، وهو ما أصبحت تحلم به الآن.
وتابع الكاتب الصحافى: المفاجأة كانت بعد شهر واحد، كان ما كان من أحداث، وهو ما يؤكد أن حاسة الشارع هى الأصدق على الإطلاق، من كل تلك التقارير الصادرة عن أجهزة ومكاتب تنفق الكثير من المال والجهد، على الرغم من أنها فى النهاية تستمد معلوماتها من الشارع أيضاً، إلا أنه بدا واضحاً أن هناك شيئاً ما خطأ فى هذا الإطار، يجب أن نضيفه إلى الأشياء الكثيرة الأخرى التى تسببت فيما حدث، وهى أنه لم يكن هناك تحليل مضمون لهذه المعلومات، بذلك القدر من الكفاءة التى كنا نتوقعها دائماً، نتيجة أن القائمين على مثل هذه الأمور أيضاً قد خضعت عملية تعييناتهم فى السنوات الأخيرة إلى نفس طريقة التعيين فى كل إدارات وأجهزة الدولة، الطريقة القائمة على التوريث والمحسوبية، وهو ما أفقدها عامل الكفاءة.
وأشار الكاتب إلى أنه قبل أيام قليلة، كنت أتحدث مع أحد رموز الحزب الوطنى، فى ذلك الوقت، حول هذه القضية تحديداً، المتعلقة بحاسة الشارع آنذاك، الناس كانت تدرك وتتوقع، أين كنتم إذن، إلا إذا كنتم بالفعل فى واد آخر بعيداً عن الشارع، أو بمنأى منه، أو ربما لم تكونوا تعيرون اهتماماً لمثل هذه الاستطلاعات التى تؤكد أن الشارع يئن ويغلى، وهذا ما أتوقعه بصفة شخصية، كانت الإجابة هى نفس إجابة كل الأجهزة، وكل المكاتب، وكل الإدارات، لقد قلنا، ولقد كتبنا، ولقد حذرنا، ولقد توقعنا، ولقد ولقد ولقد، إلى غير ذلك من إجابات رددها كثير من المكلومين خلال الأعوام القليلة الماضية.
وتابع قوله: بالتأكيد كان هناك التعويل على الأمن المركزى وقوات الأمن، وقدرتهما الفائقة على فض المظاهرات والاحتجاجات، بالتأكيد كان هناك التعويل على التجارب السابقة فى هذا الصدد، وكيف أن الناس تتجمع وتنفض قبل نهاية اليوم، كان هناك التعويل الأهم على أن التيارات الإسلامية هى الوحيدة التى تمثل خطراً، ونحن نستطيع السيطرة عليهم باعتقالهم على الفور، جميعهم معلومون لنا، لم تكن الأنظار تتجه أبداً للشباب الخنافس، ولا لفتيات الاستريتش، ولا لظاهرة الروشنة بصفة عامة.
واختتم رئيس تحرير الأهرام السابق قوله: ارتبطت الاحتجاجات فى الذاكرة المصرية دائمًا وأبداً بالجوع والأسعار، وتردى أوضاع الخدمات والمرافق، لم تكن أبداً عملية الديمقراطية والحرية والكرامة ضمن الأسباب، على الرغم من أنها كانت الشعارات فى معظم الأحوال، لم تتطور هذه الذاكرة بتطور وسائل التواصل الاجتماعى، ولا بالانفتاح على الثقافات الأخرى، ولا باختلاف الأجيال الحالية جذرياً من وجوه كثيرة، ظلت المخاوف كما هى من الأحياء الشعبية، والمناطق العشوائية، هذا ما توارثته وورَّثته الأجهزة المختصة، من الأعلى إلى الأدنى، بمعنى أدق من الآباء الى الأبناء.
على أى حال، جمعتنا قبل عدة أيام، نفس الجلسة، بنفس الأصدقاء، فى نفس المكان، بنفس الحالة المزاجية السيئة، وجدنا أننا نردد نفس الكلام الذى رددناه قبل ستة أعوام، الأسباب فى ذلك أيضاً كثيرة، بل أكثر وأكثر، كل الذى اختلف هذه المرة، هو أننا قمنا بإغلاق باب المكتب والنافذة قبل بدء الحوار، الأكثر من ذلك أننا أغلقنا الهواتف تماماً، وهى ظاهرة مصرية جديدة، إلا أنها تُشير أيضاً إلى الجديد فيما هو قادم.. إنها حاسة الشوارع يا سادة.