هل تعلم أن وزارة الخارجية المصرية شعارها "الطرطور"
02/02/2017 01:51 م
كتب: سيد توكلمن "الطرطور" المستشار عدلي منصور الذي وضعه العسكر على كرسي رئيس الجمهورية بعد انقلاب 30 يونيو 2013، إلى "طراطير" وزارة الخارجية وشعارهم الساخر "end of text"، ابتلع جنرالات الجيش المصري منذ نشوئه وظائف الدولة المدنية، وخاض صراعات داخلية لبناء جمهورية العسكر التي تدير كل شيء، وتكفَّل من جهة أخرى بإدارة ملفات وزارة الخارجية، لكن يبدو أن تكلفة الجمع بين الصفة العسكرية والمدنية لم تعد تحتملها مصر المُنهارة تحت بيادة العسكر.
«بالزي المدني وليس ببدلته العسكرية»، ظهر الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش، في مهمة كلفه بها رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي مع بعض أعضاء مجلس النواب الليبي أثناء زيارتهم للقاهرة، في رسالة واضحة على تهميش وزارة الخارجية المصرية، وتلخيص دورها في أنها مجرد سكرتارية للعسكر.
المهمة الدبلوماسية لرجل المخابرات الحربية وصهر السيسي، جاءت تحت مسمى "رئيس اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي"، وفق الفيديو المنشور على موقع وزارة الدفاع في موقع "يوتيوب" أواخر عام 2016.
ويبدو أن العسكر لا يثقون إلا في أنفسهم، حتى ولو كانت حكومة الانقلاب "المدنية" جميع وزرائها من جهات أمنية، لكن ثقة السيسي ليس لها حدود في عناصر المخابرات الحربية، حيث يحرص دائمًا على توطيد أقدام ذلك الجهاز الذي ينتمي إليه في كافة الملفات الحساسة والحيوية ومنها الخارجية المصرية.
تشابك العسكري والمدني
وعلى مدار الـ185 عامًا الماضية، تبدو السلطوية متجذرة في سياسة العسكر؛ في ظل الضباط المرتدين للزي المدني؛ أي أولئك الذين استبدلوا ببزاتهم العسكرية البزات المدنية، ووزارة الخارجية أو ملف الدبلوماسية المصرية هو أحد الملفات التي ابتلعتها "المخابرات" خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى أن السيطرة الفعلية انتقلت للجيش، وتحديدًا للمخابرات الحربية في عهد رئيس الانقلاب الحالي.
وبرز خلال العشر سنوات الأخيرة دور المخابرات في العلاقات المصرية الخارجية، وأصبحت تدير بشكل شبه كامل علاقات مصر بالفصائل الفلسطينية وإيران وإفريقيا، فضلا عن مشاركتها في باقي الملفات، مثل العلاقات مع الولايات المتحدة وتركيا وقطر.
يشار إلى أن المخابرات العامة تأسست عام 1954 بقرار عسكري من عبدالناصر، حيث كلف زكريا محيي الدين بإنشائها، ثم تعاقب على رئاستها خلال الستين عاما الماضية كل من "علي صبري وصلاح نصر وأمين هويدى ومحمد حافظ إسماعيل وأحمد كامل وأحمد إسماعيل علي وأحمد عبد السلام توفيق وكمال حسن علي ومحمد سعيد الماحي ومحمد فؤاد نصار ورفعت جبريل وأمين نمر وعمر نجم ونور الدين عفيفي وعمر سليمان ومراد موافي ومحمد رأفت شحاتة ومحمد فريد التهامي وأخيرا خالد فوزي"، وكل هؤلاء الجنرالات أداروا وزارة الخارجية من خلف ستار مدني.
عسكرة وزارة الخارجية
الخطوة التي بموجبها سيطر "حجازي"، صهر السيسي، على الملف الليبي أثارت جدلًا واسعًا وعلامات استفهام حول السبب في إصدارها.
ولتمرير المهمة، أنشأ السيسي ما يعرف بـ"اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي" وأوكل لـ"حجازي" إدارتها، وهي لجنة تختص بإدارة كل ما يتعلق بالملف الليبي، وله حرية التصرف والقرار دون الرجوع للخارجية المصرية، التي بدورها تخضع لقرارات تلك اللجنة!.
مصادر دبلوماسية مصرية كشفت، في أغسطس 2016، عن أن السيسي قرر وضع كل الدوائر الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية المكلفة بمتابعة الملف الليبي مباشرةً تحت قيادة رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق محمود حجازي.
المصادر أكدت أن وزارة الخارجية المصرية وجهاز الاستخبارات العامة، هما من كانا يتوليان الإشراف على الملف الليبي قبل أن يتخذ السيسي قراره بتكليف صهره حجازي بإدارة الملف برمته، ليكون المسئول الأول عنه بشكل مباشر. فهل كانت تلك اللجنة بديلا عن حضور الخارجية المصرية في الأزمة الليبية والملفات الدبلوماسية الأخرى؟.
موسى ونبيل العربي
ومن ليبيا إلى السودان وإثيوبيا، تظهر بشكل واضح تداخلات المخابرات في ملفات وزارة الخارجية المتشعبة، بداية من رعاية ورش شركاء نيفاشا في القاهرة، مرورا بالسعي لتوحيد حركات دارفور المسلحة أكثر من مرة، عبر جولات حضرها قادة من هذه الحركات في العاصمة المصرية.
وبرغم أن كل هذه التحركات لم تؤتِ أكلها أو تحقق أهدافها المعلنة، فإنها تؤشر إلى انغماس قيادات المخابرات في الملف السوداني، إلى حد يثير التساؤلات عن قدرة دبلوماسيي الخارجية في الاضطلاع بهذا المهام، حتى جاء إسناد حقيبة الخارجية إلى مندوب مصر السابق في الأمم المتحدة نبيل العربي، وهو ما أعطى انطباعا زائفا بالحد من هيمنة المخابرات على ملفات السياسة الخارجية، ومن أدائها إزاء قضايا السودان على وجه التحديد.
وكشف مدير المخابرات السوداني "قطبي المهدي"، فى ندوة أقامها منبر السلام العادل عن الثورة المصرية والتونسية، أن الأمن المصري اضطلع من خلف واجهة الخارجية إبان رئاسة عمرو موسى، في تحريض المجتمع الدولي على إصدار إدانات وفرض عقوبات على السودان من خلال مجلس الأمن خلال حقبة التسعينيات.
لكن ثمة ملفات إقليمية أخرى تمتد إليها سيطرة المخابرات الحربية غير الملف الليبي والسوداني والقطري والتركي والسعودي.
مرسي رفض العسكرة
مصادر سيادية أكدت، في وقت سابق بحسب "الوطن"، أن الرئيس المنتخب محمد مرسي رفض طلب المخابرات الحربية بأن تتولى هي رئاسة المفاوضات الخاصة بأزمة سد النهضة الإثيوبي.
مراقبون أكدوا أن شواهد عدة تؤكد انتقال ملف "سد النهضة" بالكامل بعد انقلاب السيسي إلى المخابرات الحربية، وهو ما تسبب في تأزم كبير انتهى بإقرار القاهرة لحق أديس أبابا في إنشاء السد الذي يؤثر على حصة مصر من مياه النيل.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد اتهمت نظام السيسي بدعم جبهة "الأورومو" المعارضة، والتي تعاني الاضطهاد من جانب النظام الإثيوبي، بهدف إثارة القلاقل في البلاد.
سوريا واليمن
الملف السوري والملف اليمني هما أيضا ضمن الملفات التي لا يديرها "طرطور" وزارة الخارجية سامح شكري، والموكل إدارتها للمخابرات الحربية، حيث تدير المخابرات هذه الملفات في سرية تامة، وتقوم بالتواصل المباشر مع السيسي في كافة القضايا دون الرجوع للخارجية، بحسب مراقبين.
موقف مصر من سوريا على سبيل المثال تغير بشكل كبير بعد الانقلاب، وحتى إدارة الملف خارجيا وإعلاميا شهد تطورًا ملحوظًا، حيث تحولت مصر من مساندة ثورة شعب أعزل يواجه الموت، إلى انحياز كامل لنظام بشار الأسد.
فيلم "الرهينة" كشف الصراع
مراقبون أكدوا أن الصراع في إدارة ملفات وزارة الخارجية الحساسة هو صراع قديم، لكنه غالبًا كان يجري بين "المخابرات العامة" والخارجية، في حين أن المخابرات الحربية كان تفضل اللعب في مساحة الملفات الداخلية المتعلقة بالأمن القومي، غير أن الوضع تغير بعد انقلاب السيسي.
وبحسب تقرير قديم نشرته صحيفة "روزا اليوسف"، في مارس 2011، فإن الحديث عن العلاقات بين وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة فى مصر وحقيقتها، كان بمثابة المشي بمنطقة ألغام قبل ثورة يناير، خصوصًا وأن الحديث كان في مجمله يدخل دائمًا في دائرة إعلاء هذه المؤسسة على تلك أو العكس، بما يظهر ضعف إحداهما وقوة الأخرى.
التقرير أشار إلى أن الصراع بين الخارجية والمخابرات العامة، كان قد امتد من أحاديث الشارع السياسى إلى السينما والأدب المصرى أيضًا، فتجد على سبيل المثال في فيلم "الرهينة" الشخصية الأكثر ظهورًا فى البعثة الدبلوماسية هو "المستشار الأمنى للسفارة"، وكذلك تجد في رواية "شيكاغو" للأديب علاء الأسواني تصويرًا لدور رجل المخابرات في البعثة المصرية بالولايات المتحدة وهكذا.
وظلت مؤسسة الرئاسة في عهد المخلوع مبارك متوازنة في علاقتها بالخارجية والمخابرات حتى فترة التسعينيات ومحاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا، وبزوغ نجم اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية ورئيس جهاز المخابرات العامة السابق.
حصل "سليمان" على ثقة مبارك بشكل لا محدود، حتى بات يشكل أزمة لوزراء الخارجية "الطراطير"، بعد أن قام مبارك بسحب العديد من الملفات الهامة من هؤلاء الطراطير وأسندها للمخابرات العامة، على غرار ما يفعل رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي حاليًا، لكن مع جهاز المخابرات الحربية.