د. رفيق حبيب: الثورة المضادة الدولية.. ضد المشروع الإسلامي
09/06/2014 06:38 م
• الثورة والحرية والنهضة إذا حملها حراك ثوري نضالي يفشل التحالف الدولي للثورة المضادة، ويعود الربيع العربي من جديد
• الدول العربية التي خشيت من الربيع العربي، خاصة دول الخليج، وفرت دعما هائلا للثورة المضادة في كل مراحلها
• تحالف الثورة المضادة قد قرر إدخال المنطقة في مرحلة اضطرابات واسعة ومتتالية
أعدها للنشر: الحرية والعدالة
كشف
المفكر والباحث السياسي د.رفيق حبيب أن مسارات المعركة بين الثورة والثورة
المضادة تسارعت حتى باتت عمليا حربا دولية ضد الربيع العربي برمته. وانتقلت
معركة الثورة المضادة من النطاق المحلي إلى الإقليمي إلى الدولي، لتختصر
كل معارك المنطقة عبر تاريخها الحديث.
ومع
توسع الثورة المضادة، حتى وصلت إلى المستوى الدولي، تركزت المعركة على كبش
فداء، تختصر كل المعارك ضده، حتى يتم القضاء على الربيع العربي، من خلال
القضاء عليه. فأصبحت المعركة ضد الحركة الإسلامية عامة، هي معركة ضد الربيع
العربي.
وأضَاف
في دراسة حديثة له عنوانها: "الثورة المضادة الدولية..ضد المشروع الإسلامي"
أنه قد توجهت كل مخططات الثورة المضادة إلى الحركات السياسية الإسلامية،
بوصفها الهدف المركزي في المعركة ضد الربيع العربي، فأصبحت جماعة الإخوان
المسلمين في بؤرة الحركات المستهدفة بالثورة المضادة الدولية. أصبحت
المعركة مع الحركات الإسلامية المسلحة هي المبرر والغطاء الذي يستخدم لخلط
الأوراق، والتغطية على الهدف الرئيس لحرب الثورة المضادة، وهو استهداف
الحركات الإسلامية المعتدلة والسلمية.
• الإدارة الأمريكية توكل مهمة إجهاض الربيع العربي، لوكلائها في الإقليم، وتوكل لهم مهمة تمويل مخطط الثورة المضادة |
موضحا
أن الحركات المسلحة بكل أنواعها، هي المعادل الموضوعي للاستبداد والهيمنة
بكل أشكالها. فكلما انتشر الاستبداد، انتشرت أيضا الحركات المسلحة، والتي
تمثل مقابلا موضوعيا لتحول النظم الحاكمة إلى نظم تحكم بقوة السلاح.
وبحسب
"حبيب" الانقلاب العسكري في مصر، مثل عاملا يستدعي ظاهرة العنف بقوة، وكان
هذا متوقعا، بل وكان معلوما لدى قادة الانقلاب. ولكن السلطة المستبدة
تستدعي ظاهرة العنف، لتبرر وجودها وتفرض حكم الحديد والنار على الجميع.
وفي حرب
الثورة المضادة، أصبح استدعاء العنف وتفجير ظاهرة العنف، من أهم أدوات
الحكم العسكري، ليبرر حربه على الحركات الإسلامية عامة، من خلال التضليل
المعلوماتي، لأنه لا يقدر على مواجهة الحركة السياسية الإسلامية بالفكر،
ولا يقدر على مواجهة المشروع السياسي الإسلامي.
وأكد
"حبيب" أنه تحت عنوان مضلل، هو الحرب على الإرهاب، تستهدف الحركات السياسية
السلمية، ويستهدف الاعتدال الإسلامي كله، بل وتستهدف كل المشاريع
الإسلامية، كما يستهدف المشروع الحضاري الإسلامي.
وحرب
الثورة المضادة، تريد تحقيق الانتصار على الحركة السياسية الإسلامية
برمتها، كما تريد الانتصار على الربيع العربي، في حين أنها عمليا لا تريد
حسم ملف العنف، حتى تقضي أولا على الربيع العربي كله.
وفيما يلي عرض لأهم القضايا التي تناولتها الدراسة:
الاستبداد الدولي
تحت
عنوان "الاستبداد الدولي" قال "حبيب": إن الاستبداد المحلي جزء من منظومة
إقليمية ودولية. ولهذا تمددت معارك الربيع العربي إقليميا ودوليا. فأصبحت
عملية التحرر تهدد الأنظمة العربية الأخرى. ولم يكن الربيع العربي من نوع
الثورات التي تصدر، ولكنه من نوع الثورات التي تنتشر بالعدوى.
استطاعت
الدول الإقليمية بناء تحالف الثورة المضادة، باعتبارها أنظمة تابعة
للمنظومة الغربية، فأصبحت منظومة التبعية الغربية كلها في حرب مع الربيع
العربي، خوفا من نجاحه في أي دولة من دول الربيع العربي، وخوفا من انتشاره
بعد ذلك في الدول العربية الأخرى.
لأن
منظومة الاستبداد دولية وليست محلية، لهذا أصبحت الثورة المضادة دولية
وليست محلية، لأنها واقعيا عملية إسقاط للربيع العربي، من أجل مصالح
إقليمية ودولية. ولو كانت طبقة الحكم المستبد المحلية هي التي تخوض الحرب
ضد الربيع العربي لكانت الثورة المضادة أضعف بكثير.
ولفت
"حبيب" إلى أن البعد الإقليمي مثل عاملا مهما، لأن الدول العربية التي خشيت
من الربيع العربي، خاصة دول الخليج، وفرت دعما هائلا للثورة المضادة في كل
مراحلها، مما أكسبها العديد من الأدوات والفرص في مواجهة الحراك الثوري.
والدور
المباشر للدول الإقليمية خاصة دول الخليج، وفر للغرب عامة وللإدارة
الأمريكية خاصة، فرصة القيام بثورة مضادة دون تورط مباشر، وبتكلفة أقل.
فأصبحت الإدارة الأمريكية توكل مهمة إجهاض الربيع العربي، لوكلائها في
الإقليم، وتوكل لهم مهمة تمويل مخطط الثورة المضادة.
مشكلة الربيع العربي
رصد
"حبيب" أنه لأن الربيع العربي، في أوله لم يكشف عن مسارات ما بعد التحرر،
لذا ظلت الدول الغربية ترقب الربيع العربي، متصورة أنه قد ينتج علمانية
ليبرالية يمكن أن تتحالف معها، وعندما ظهر أن الربيع ينتج ديمقراطية
إسلامية، بدأت الثورة المضادة الدولية.مشكلة الربيع العربي، أنه حركة
تاريخية تنهي مرحلة الحكم المستبد في المنطقة العربية والإسلامية، وهو أيضا
مرحلة تاريخية تنهي الهيمنة الغربية على المنطقة، كما أنه عملية تحرر تنهي
فصول التغريب والعلمنة، وتستعيد الهوية الإسلامية.
خيار الثورة المضادة
ورصد
"حبيب" أنه قد نمت حركة الثورة المضادة تدريجيا، خاصة عندما وصل الربيع
العربي إلى سوريا، فبدأت عملية الثورة المضادة، تنتقل من دولة إلى أخرى من
دول الربيع العربي. ففي سوريا حولت الثورة إلى حرب أهلية، بفعل القوى التي
يفترض أنها ساندت الثورة، وأيضا القوى التي ساندت النظام.كما اتفق الكل على
تحويل الثورة السورية إلى حرب أهلية، اتفق الكل أيضا على تحويل الثورة
اليمنية إلى نصف ثورة ونصف انقلاب عسكري، ثم دفع اليمن إلى مرحلة الاضطراب
والحرب الأهلية.أما في ليبيا فقد تم تأسيس عوامل الحرب الأهلية منذ اللحظة
الأولى للمواجهة بين الثورة والنظام.
• الثورة المضادة حولت الثورة السورية لحرب أهلية و"اليمنية" لنصف ثورة وبمصر انقلاب فج وتونس عليها ضغوط لتقديم تنازلات |
في مصر
وتونس بدت الصورة مختلفة لفترة، فقد تحركت عجلة التحول الديمقراطي، وأفشلت
معظم مخططات الثورة المضادة، فجاء الانقلاب العسكري الفج في مصر تعبيرا عن
خوف تحالف الثورة المضادة من أن تتقدم مصر أكثر من ذلك في مسارها
الديمقراطي. وأصبح الانقلاب العسكري في مصر، هو ورقة ضغط على شركاء الثورة
في تونس لتقديم المزيد من التنازلات، حتى لا تتعرض تونس لسيناريو العنف
والفوضى، ما دام الجيش يرفض سيناريو الانقلاب العسكري.
وفي
تونس يطلب من القوى الإسلامية التراجع للخلف، ثم يظهر أن قوى النظام السابق
تتقدم خطوات، ثم يتأكد أن القوى العلمانية تكسب من ضغوط سيناريوهات العنف
والفوضى، كما كسبت من سيناريوهات الانقلاب العسكري والحروب الأهلية. فندرك
أن الثورة المضادة، هي تحالف الاستبداد العسكري العلماني المدعوم غربيا،
ومدعوم من قوى الإقليم المستبدة.
مشيرا
إلى أن مخطط الثورة المضادة إذن اعتمد على التمدد على خريطة الربيع العربي،
ثم توسع ليشمل كل الربيع العربي، ثم توسع ليشمل القوى السياسية الإسلامية،
عدا القوى الإسلامية التي تمثل الذراع الإسلامي للاستبداد، فأصبحت الحركة
الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، في حرب عالمية.
حرب مضادة شاملة
ومسار
مخطط الثورة المضادة، يؤكد برأي "حبيب" على أنه يستهدف القضاء كليا على
الربيع العربي، وعبر فترة زمنية قصيرة، كما يستهدف تشويه مرحلة الربيع
العربي ونزعها من الذاكرة. فالثورة المضادة تستخدم تكنيك الحرب القصيرة
الشاملة المدمرة.
ومتابعة
مخطط الثورة المضادة تكشف أن تحالف الثورة المضادة يخشى من أي تقدم يحرزه
الربيع العربي، أيا كان قدره، وفي أي بلد كان. مما يعني أن موجة الربيع
العربي إذا استمرت بأي درجة، يمكن أن تبلغ هدفها في النهاية، ويمكن أن
تراكم نتائج متتالية تجعلها غير قابلة للإجهاض.
وفكرة
الحرب المضادة الشاملة، تؤكد أن تحالف الثورة المضادة قد قرر إدخال المنطقة
في مرحلة اضطرابات واسعة ومتتالية، وأنه قرر خسارة الاستقرار في المنطقة
لمرحلة، حتى يقضي على الربيع العربي، أي أن تحالف الثورة المضادة قد قرر
الرهان على تحمل مخاطر الاضطراب لفترة.
• تحالف الثورة المضادة الدولية تشن حربا شاملة على جماعة الإخوان المسلمين لإجهاض ثورات الربيع العربي |
والحرب
الشاملة التي تشن على جماعة الإخوان المسلمين، يفهم منها أن تحالف الثورة
المضادة يستهدف تحقيق أكبر تراجع في شعبية ونشاط الجماعة، حتى لا يكون لها
تأثير في أي مستقبل قريب، مما يؤكد أن تحالف الثورة المضادة، يراهن على أن
سيطرته على السلطة لفترة، سوف يجهض الربيع العربي لعقود طويلة.
رهان الثورة المضادة
يرى
"حبيب" أن تحالف الثورة المضادة يراهن على مرحلة من العنف والفوضى
والاضطراب، وعلى قدرته على تحمل فترة اضطراب عميقة، دون أن ينتج عنها آثار
سلبية عليه.
وتعني
أن تتحمل الكتل التي تعطي غطاءً للثورة المضادة، أو المستفيدة منها، تلك
المرحلة. كما أن فترة الاضطراب، التي يمكن أن يتحملها تحالف الثورة
المضادة، لا يمكن أن تطول خوفا من انكشاف التضليل الإعلامي الذي تقوم به
الثورة المضادة. وتراهن على أن نشر العنف والفوضى والحروب الأهلية، يمكن أن
تكون حالة مرحلية، تضعف كل الأطراف، وتقضي على الثورة، وتنهك طبقة الحكم
المستبد التي تقود محليا الثورة المضادة، فتصبح تابع ضعيف.
وبين
"حبيب" أن الرهان على مرحلة من العنف والفوضى، يفترض معه أن هناك من يظن
أنه قادر على التحكم في مسار العنف والفوضى ووقفه عند الحاجة، رغم أن كل
تجارب أمريكا في الفوضى التي سميت خلاقة، أكدت أن الإدارة الأمريكية قادرة
على نشر الفوضى، وغير قادرة على التحكم فيها.
ويعتمد
رهان الثورة المضادة على دفع فاتورة مرحلة الاضطراب ومخططات العنف والفوضى،
ودفع فاتورة دعم الانقلاب العسكري في مصر، وبسبب خوف حكام الخليج على
سلطتهم، لذا أوكل لهم دفع فاتورة مخططات الثورة المضادة. ومخطط الثورة
المضادة يقوم على افتراض، بأن مرحلة إجهاض الربيع العربي، سوف تستمر لفترة
محددة ولها تكلفة محددة، وبعد ذلك لن يحتاج الأمر لمزيد من الإنفاق.
والملاحظ في مصر أن الحراك الثوري أجبر تحالف الثورة المضادة عدة مرات، على
إعادة تقدير الفترة الزمنية اللازمة لاستقرار الحكم العسكري، وإعادة تقدير
التكلفة أيضا.
الرهان على الفكرة
• الهدف الرئيس لحرب الثورة المضادة استهداف الحركات الإسلامية المعتدلة والسلمية |
يراهن
تحالف الثورة المضادة على وأد فكرة الربيع العربي، وجعل الثورة مرادفا
للفوضى، حتى ينفض عامة الناس عن فكرة الثورة والحرية بالكامل، مما يمكن
الحكم العسكري والمستبد في فرض سلطته مرة أخرى. وتحالف الثورة المضادة يعمل
أولا على تشويه فكرة المشروع الإسلامي، حتى يقلص حجم الكتل المؤيدة له
والمؤيدة للمرجعية والهوية الإسلامية للدولة. وتقليص قاعدة المشروع
الإسلامي، تستهدف تفريغ حركة المجتمع من أي مضمون ثقافي وحضاري، يمكن أن
يجعل التحرر بداية للنهضة.
كما أن
تشويه المشروع الإسلامي يستهدف أساسا ضرب أي مشروع للاستقلال الحضاري عن
الغرب، ولأن المشروع الإسلامي كان وما زال هو مشروع الاستقلال الحضاري
الوحيد عن الغرب، لذا أصبح تشويه هذا المشروع في قلب مخطط الثورة المضادة.
لأن
تشويه المشروع الإسلامي أمر صعب، وربما مستحيل، وعرض هذا المشروع على
حقيقته ثم محاولة نقده أمر غير ممكن، لأنه جزء من جينات الثقافة والحضارة
الإسلامية المنتشرة بين عامة الناس، لذا يصبح تشويه الإسلامي متاحا أكثر.
وإذا تم التركيز على إسلامي بعينه، وتشويهه، تكون المعركة أسهل، لذا كانت
الحرب الدولية على جماعة الإخوان المسلمين. وإذا كان المشروع الإسلامي هو
منتج التحرر، فإن تحالف الثورة المضادة يراهن على تشويه وسيلة ممارسة
الحرية، أي الديمقراطية.
فإن
تحالف الثورة المضادة يعمل على تشويه فكرة الثورة، حتى لا تنمو الفكرة مرة
أخرى، فتنتج ديمقراطية من جديد، ثم ينتج عنها عودة للمشروع الإسلامي. لهذا
يصبح تشويه الثورة، أهم رهان لتحالف الثورة المضادة.
الخلاصة
وانتهى
"حبيب" إلى أنه عندما تمر فترة الاضطراب والفوضى، التي يمكن لتحالف الثورة
المضادة الدولي تحملها وتحمل تكلفتها، وتستمر حالة عدم الاستقرار العميق،
التي تهدد أنظمة الحكم المستبدة الإقليمية، وتهدد مصالح الغرب وأمريكا
الاقتصادية في المنطقة، يكون المخطط الزمني للثورة المضادة قد أفشل.
• في حرب الثورة المضادة استدعاء العنف، وتفجير ظاهرة العنف، من أهم أدوات الحكم العسكري، ليبرر حربه على الحركات الإسلامية |
وعندما
تصل الثورة المضادة إلى المرحلة التي يفترض فيها استقرار الحكم المستبد
العسكري من جديد، وتستمر كتلة ثورية صلبة في الحراك الثوري الصامد، ويستمر
الطلب على الديمقراطية، ويستمر تأييد المشروع الإسلامي، وتستمر الكتلة
الصلبة الإسلامية الثورية في تحقيق حضور بارز، يكون مخطط تحالف الثورة
المضادة قد فشل. الثورة والحرية والنهضة، هي فكرة في النهاية، فإذا بقيت
الفكرة وبقي من يدافع عنها، وحملها حراك ثوري نضالي، يفشل التحالف الدولي
للثورة المضادة، ويعود الربيع العربي من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق