الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

جنون عسكري.. 800 قاعدة عسكرية حول العالم هل تجلب السلام لأمريكا؟

جنون عسكري.. 800 قاعدة عسكرية حول العالم هل تجلب السلام لأمريكا؟

 منذ 13 دقيقة
 عدد القراءات: 91
جنون عسكري.. 800 قاعدة عسكرية حول العالم هل تجلب السلام لأمريكا؟
بعد سحب الجيش الأمريكي للكثير من القوات، من العراق وأفغانستان، فإن الأمريكيين معذورون لعدم علمهم بأن التواجد الأمريكي ما زال متفشيًا، عن طريق مئات من القواعد العسكرية، ومئات الآلاف من القوات المتمركزة فيها. لا يدرك الكثيرون هذا، لكن الولايات المتحدة تستعمر الكوكب كما لم تفعل أية دولة أخرى في التاريخ، والدلائل على ذلك واضحة للعيان، من الهندوراس إلى عُمان، اليابان إلى ألمانيا، سنغافورة إلى جيبوتي.
مثل معظم الأمريكيين، نادرًا ما كنت أفكر في أمر القواعد العسكرية الخارجية. يصف أمثالي الباحث ومستشار CIA السابق، (تشالمرز جونسون)، حيث كتب عام 2004 قائلًا:
    بخلاف الآخرين، لا يدرك الأمريكيون – أو لا يريدون أن يدركوا – أن الولايات المتحدة تسيطر على العالم باستخدام قوتها العسكرية، لاعتبارات السرية الحكومية، يجهل مواطنونا غالبًا هذه الحقيقة: حامياتنا العسكرية تطوّق الكوكب بأسره.
لا توجد قواعد عسكرية أجنبية دائمة على أرض الولايات المتحدة، الفكرة نفسها مرفوضة تمامًا، في المقابل، هناك حاليًا 800 قاعدة عسكرية أمريكية في الدول الأجنبية. بعد 70 عامًا من الحرب العالمية الثانية، و62 عامًا من الحرب الكورية، لا تزال هناك 174 قاعدة عسكرية أمريكية في ألمانيا، 113 قاعدة في اليابان، و83 في كوريا الجنوبية، طبقًا للبنتاجون. تتواجد مئات القواعد الأخرى حول العالم في أكثر من 80 دولة: في أوروبا وأستراليا، في البحرين وبلغاريا، في كولومبيا، في كينيا، في قطر، تمتلك الولايات المتحدة قواعد أجنبية أكثر من أي شعب، دولة أو إمبراطورية في التاريخ.
الغريب حقًا أن الإعلام الأمريكي نادرًا ما يعلّق على الأمر، أو يجري أية تقارير أو تحقيقات حوله. في تلك الأعوام التي دار فيها النقاش حول إغلاق سجن جوانتنامو، المتواجد في القاعدة العسكرية الأمريكية في كوبا، بالكاد تساءل أي سياسي أو محلّل عن السبب الذي أقامت من أجله أمريكا قاعدة عسكرية في كوبا، وهل وجودها ضروري من الأساس أم لا. نادرًا ما تُطرح الأسئلة حول جدوى هذه القواعد من الأصل، أو ما إذا كانت ميزانيتها المقدّرة بحوالي 156 مليار دولار أمريكي – أو أكثر – تتسبب في عرقلة الاقتصاد الأمريكي، وبالتأكيد لا أحد يتساءل عن إحساس الشعب الأمريكي إن قامت الصين، روسيا أو إيران ببناء قواعد عسكرية أجنبية بالقرب من حدود الولايات المتحدة، ناهيك عن داخل حدودها، بالطبع.
إنّ أمريكا الآن، كما كانت على مدار العقود السبعة الماضية، دولة قواعد استعمارية، تتمدد حول العالم، وقد تأخرنا كثيرًا في مواجهة هذه الحقيقة بالأسئلة.
ما مدى انتشار القواعد الأمريكية حول العالم؟
تأتي القواعد الأمريكية بكل الأشكال والأحجام، بعضها بحجم مدن كاملة، “ولايات متحدة صغيرة”، منها قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، وقاعدة كادينا الجوية، في أوكيناوا، والقاعدة البحرية والجوية المغمورة المقامة على جزيرة دييجو جارسيا في المحيط الهندي، تتمتع كل من هذه ببنية تحتية هائلة، من مدارس ومستشفيات ومحطات طاقة، أمّا القواعد الأصغر فمنها ما يسمّى بالوسائد Lily pads، والتي تعرف أيضًا بالمواقع الأمنية التعاونية، تمثّل هذه محطات لاستقبال طائرات الدرونز Drones، وطائرات الاستطلاع، وتحوي بعضًا من الإمدادات والأسلحة، يكثر تواجدها في أفريقيا وأوروبا الشرقية.
لكن تواجد البنتاجون الفعلي في الخارج أكبر من هذا، وأعمق. هناك قوات أمريكية، أو أفراد عسكريون في أكثر من 160 أرض أجنبية، منهم قوات المارينز التي تحمي السفارات، والمدربين والمستشارين العسكريين، الذين بلغ عددهم 3500 في الجيش العراقي وحده، هذا بالإضافة إلى حاملات الطائرات التي تمثل نوعًا من القواعد العسكرية العائمة.
صحيحٌ أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تمتلك قواعد عسكرية خارجية، فبريطانيا العظمى ما زالت تمتلك سبعًا منها، وفرنسا تمتلك خمسًا في مستعمراتها السابقة. روسيا لديها حوالي ثمانٍ في أراضي الاتحاد السوفييتي سابقًا، وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، أصبح لليابان قاعدة عسكرية في جيبوتي، في القرن الأفريقي، بجانب قواعد أمريكا وفرنسا هناك. دول أخرى مثل كوريا الجنوبية، الهند، تشيلي، تركيا وإسرائيل لدى كل منها على الأقل قاعدة واحدة، لكن عدد هذه القواعد مجتمعة لا يتجاوز الثلاثين قاعدة، مما يعني أن الولايات المتحدة تستحوذ على 95% من حصة القواعد العسكرية الخارجية في العالم.
على الرغم من أن الولايات المتحدة قد امتلكت قواعد عسكرية خارجية منذ ما بعد الاستقلال بقليل، فإنه لم يكن متخيّلًا أن الأمر سيصل إلى الشبكة العملاقة من التواجد العسكري، القائمة الآن، حتى اشتعال الحرب العالمية الثانية. في 1940، وبجرّة قلم، وقّع الرئيس فرانكلين روزفلت اتفاقية “المدمّرات مقابل القواعد” مع بريطانيا العظمى، والتي أعطت الولايات المتحدة حقوق انتفاع تدوم لتسعة وتسعين عامًا، لبناء منشآتها على أراضي المستعمرات البريطانية حول العالم، وبحلول نهاية الحرب، كان للولايات المتحدة أكثر من ألفي موقع عسكري عالمي. خمسة أعوام كانت كافية لتنشئ الولايات المتحدة شبكتها الهائلة من القواعد العسكرية على أرض الإمبراطورية البريطانية التي “لا تغيب عنها الشمس”.
بعد الحرب، أعادت الولايات المتحدة نصف هذه المنشآت، لكنّها احتفظت بشبكتها الواسعة برغم كل شيء، ارتفعت أعداد القواعد خلال حربي كوريا وفييتنام، لكنها انخفضت بعدها مجددًا.
منذ بداية الحرب الباردة، أصبحت فكرة امتلاك مجموعة كبيرة من القواعد العسكرية الدائمة جزءًا شبه مقدّس من السياسة الأمنية الوطنية والخارجية، يرجع ذلك إلى الفكرة ذات السبعين عامًا التي تدعم هذا الاعتقاد، والتي تسمّى بـ “استراتيجية التقدم إلى الأمام Forward Strategy”. تقضي هذه الاستراتيجية بأن الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بتكتلات هائلة من القوات العسكرية على مقربة من أراضي الاتحاد السوفييتي، لاحتواء نزعة الاتحاد إلى التوسع.
لكن انهيار الاتحاد السوفييتي لم يؤثر على هذه الفكرة، وقد بدأ تشالمرز جونسون بالقلق حول القواعد الأجنبية حين لاحظ أن اختفاء الاتحاد لم يغيّر كثيرًا من هيكل شبكة القواعد الخارجية، على الرغم من اختفاء العدو الذي أوجدت هذه القواعد لاحتوائه.
ما زال دعم هذه الاستراتيجية هو الرأي الجامع لسياسيي الحزبين، خبراء الأمن القومي، ضباط الجيش، الصحفيين وكل أركان السلطة في واشنطن. وتمّ التشهير بأية محاولة لمعارضتها على أنها “مثالية سلميّة” و”انعزال” مماثل لذلك الذي سمح لهتلر من قبل باحتلال أوروبا.
كم يكلّف أمريكا استعمار العالم؟
كما يرينا جونسون، فإن هناك العديد من الأسباب للتساؤل حول الوضع الحالي للقواعد الخارجية، أبرزها التكلفة الاقتصادية. القواعد الخارجية مكلّفة للغاية، طبقًا لشركة راند للأبحاث (RAND)، فإن دافعي الضرائب الأمريكيين ينفقون من 10 آلاف إلى 40 ألف دولار إضافية سنويًا لتسكين فرد واحد من الجيش خارج الولايات المتحدة بدلًا من داخلها، حتّى عندما تتحمل الدول المضيفة مثل اليابان وألمانيا بعضًا من النفقات. تكاليف الانتقال، والمعيشة، والمدارس والمستشفيات والإسكان تجعل الأمر مكلّفًا حقًا، خاصة وأن العدد يبلغ أكثر من نصف مليون من الجنود، وأفراد عائلاتهم، والموظفين المدنيين.
بحساباتي المتواضعة، كلّف الأمر 85 مليار دولار في عام 2014م، وهو ما يفوق ميزانية كل الهيئات الحكومية مجتمعة فيما عدا وزارة الدفاع نفسها بالطبع، وإن أضفنا التواجد الأمريكي في أفغانستان والعراق، تصل الفاتورة إلى 156 مليار دولار، أو أكثر.
لكن هذه القواعد مربحة – للشركات المستفيدة من الحروب بالطبع، مثل دينكورب إنترناشونال – يقول جونسون:
    منشآتنا في الخارج تدر أرباحًا طائلة للصناعات المدنية”، التي تجني المليارات من العقود السنوية “لبناء وصيانة مواقعنا العسكرية البعيدة.
في نفس الوقت، لا ترى الكثير من المجتمعات المضيفة شيئًا من النعيم الاقتصادي الذي يعد به المسؤولون الأمريكيون والمحليون جراء إقامة هذه القواعد. ربّما يشهد الاقتصاد انتعاشًا على المدى القصير، لكن على المدى الطويل، فإن أشكالًا أخرى من النشاط الاقتصادي، مثل المدارس والمستشفيات والأسواق، تعدّ أكثر إفادة للاقتصاد المحلي، القواعد العسكرية هي استخدام غير منتج للأرض، يوفّر عددًا قليلًا من الوظائف نسبة إلى تكلفته، ولا يساهم كثيرًا في دعم الاقتصاد المحليّ.
من الأولى إذن أن يتم استثمار أموال دافعي الضرائب في مجالات مثل التعليم، النقل، الإسكان والرعاية الصحية؛ فهذه المجالات تساهم في النمو الاقتصادي الكلي، وتخلق مزيدًا من فرص العمل بالمقارنة بالإنفاق العسكري.
التكلفة البشريّة
ما هو أفدح من التكلفة الاقتصادية، هي التكلفة البشرية! من ضمن هؤلاء الذين يعانون هم عائلات الجنود، حيث يتنقلون كثيرًا، ويبتعدون عن الوطن، ويتعرّضون غالبًا للانفصال. أسهمت القواعد الخارجية أيضًا في المعدلات الصادمة للاعتداء الجنسي في الجيش: حوالي 30% من النساء العاملات في الجيش يتعرّضن للاعتداء خلال عملهم، ونسبة غير قليلة من هذه الجرائم تقع في القواعد الخارجية، أمّا خارج أسوار القاعدة، فهناك شبكات دعارة مخصصة لجنود الولايات المتحدة، كما في كوريا الجنوبية.
أما على المستوى البيئي، فقد تسببت القواعد في العديد من تسريبات المواد السامّة، الحوادث وفي بعض الأحيان الإلقاء العمدي للمخلفات في البيئة المحيطة، ولطالما ارتكب الجنود الأمريكيون جرائم أغضبت المحليين، ففي أوكيناوا، وغيرها، وقعت جرائم اغتصاب مروّعة بحقّ النساء المحليّات، وفي جرينلاند، ودييجو جارسيا، قام الجيش بتهجير السكان المحليّين ليتمكن من بناء قواعده.
وفي تناقض واضح مع الخطاب الرسمي الداعي لنشر الديمقراطية، فإن الولايات المتحدة تنشئ قواعدها في أماكن غير ديمقراطية، ومستبدّة في أغلب الأحيان، مثل قطر والبحرين. أمّا في العراق، أفغانستان والسعودية فإن التواجد الأمريكي خلق أرضًا خصبة لتربية مشاعر العنصرية والمعاداة لأمريكا. فتواجدها بالقرب من المقدسات الإسلامية في السعودية كان أحد أدوات القاعدة لتجنيد الشباب، بل وحافزًا لهجمات 11 سبتمبر التي شنّها أسامة بن لادن.
هل تتسبب القواعد في حرب باردة جديدة؟
جعلت القواعد من شنّ الحروب أمرًا سهلًا، مما جعل من التدخّل العسكري حلًا مغريًا – والحل الوحيد الممكن تخيّله في كثير من الأحيان – لصانعي السياسة الأمريكية، وكما تقول عالمة الأنثروبولوجيا، كاثرين لوتز، فإنه عندما يكون كل ما في جعبة السياسة الخارجية لديك هو مطرقة، فإن كل شيء يبدو لك كمسمار. لقد زادت القواعد الخارجية من احتمالات وقوع الحرب بدلًا من تقليلها.
هناك بعض الأدلة أن القوات العسكرية المتمركزة خارجيًا يمكنها ردع بعض الأخطار، بالطبع. لكن الأبحاث لم تثبت أن القواعد الخارجية وسيلة فعالة للردع طويل المدى. تشير دراسات أجرتها إدارة بوش، وشركة راند – بالتأكيد هؤلاء ليسوا يساريين سلميين – أن التقدم في تكنولوجيا النقل أزال كثيرًا من الأفضلية التي كانت القواعد العسكرية توفرها في الماضي، يمكن للجيش في حالات الحرب الدفاعية أو حفظ السلام أن ينقل جنوده من القواعد العسكرية الداخلية إلى أماكن القتال، بسرعة وفعالية مماثلة لمعظم القواعد الخارجية الحالية، وسائل النقل السريع بالإضافة إلى اتفاقيات تسمح باستخدام منشآت الدول الحليفة العسكرية، هو حل أقل تكلفة بكثير وأقل خطرًا من قواعد عسكرية دائمة، ناهيك عن أن التواجد الأمريكي يمكن أن يجعل من الدولة المضيفة هدفًا محتملًا للقوى الخارجية والمسلّحين.
بالمثل، فإن القواعد العسكرية لا تساهم في استقرار الأوضاع في مناطق النزاع، بل تزيد من حدة التوترات العسكرية وتثبط من الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة. جدير بالذكر أن أخطر لحظات الحرب الباردة – أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 – تمحورت حول منصات إطلاق الصواريخ النووية السوفييتية في كوبا، التي تبعد 90 ميلًا عن حدود الولايات المتحدة.
كثرة القواعد الأمريكية الخارجية قد تدفع إلى سباق دولي لإنشاء القواعد الخارجية، لتبدأ حرب باردة جديدة. قد يجادل المسؤولون بأن مزيدًا من القواعد ضرورية لحفظ السلام في شرق آسيا، لكن الصين غير مقتنعة بذلك، رد فعل القادة الصينيين يظهر بوضوح كم يمكن لهذه القواعد إثارة التوترات وزيادة احتمالات نشوب الحرب. هذه القواعد نبوءة ذاتية التحقق، تصنع نفس الخطر الذي أنشئت من أجل محاربته.
خلف الأسلاك الشائكة
في خطاب الوداع الذي ألقاه الرئيس آيزنهاور عام 1961، قبيل مغادرته للبيت الأبيض، حذر الرئيس الأمريكيين من التأثيرات الخفية، الاقتصادية والسياسية والروحية، لما أسماه بـ “المركّب العسكري – الصناعي – التشريعي”، هذه الدولة الأمنية القومية المتداخلة التي ولدتها الحرب العالمية الثانية. الآن يذكّرنا تشالمرز جونسون في القرن الواحد والعشرين، بأن قواعدنا العسكرية ذات السبعين عامًا هي دليل على حالة الحرب الدائمة التي دخلتها الولايات المتحدة، باقتصاد وحكومة ونظام قوىً عالميّ، كلها تتحضَر من أجل الحرب القادمة.
القواعد الأمريكية هي نافذة على التأثير العسكري لأمريكا في العالم، وفي حيواتنا جميعًا. لقد جعلتنا نعيش جميعًا، في العقود السبعة الماضية “خلف الأسلاك الشائكة”، كما يقول رجال الجيش.
ربّما نظنّ أن هذه القواعد تسهم في عملية السلام، لكنّها في الواقع تحبسنا داخل مجتمع عسكري يجعل كل من في الكوكب أقل أمنًا، ويضرّ بحياته داخل وطنه وخارجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب

عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب 14/10/2024|آخر تحديث: 14/10/20...