جيرمي كوربين رئيسا لـ"العمال البريطاني".. قراءة في الدلائل والنتائج
لماذا يطلق عليه "نصير العرب والمسلمين"؟ وماذا يقلق اليهود من نجاحه؟
منذ 8 ساعة
عدد القراءات: 831
>> الزعيم اليساري: يجب ألا نكون جزءا من السياسة الخارجية الامريكية.. وبلير جر بريطانيا إلى الصراع على أساس الخديعة
>> أجندة كوربين الاقتصادية: إعادة تأميم شبكة السكك الحديدية وفرض ضريبة 75% على أصحاب الدخل العالي وخفض سعر القسط التعليمي في الجامعات
>> كوربين: لن أرحب بالسيسي لهذه الأسباب.. وهذه أول دولة عربية أزورها
>> ما موقفه من داعش وسوريا والعراق والنووي الايراني وغزة وأفغانستان وليبيا؟
خاص - الشعب
جيرمي كوربين رئيسا لحزب العمال البريطاني.. خبر قد لا يعني الكثير لأغلبية عالمنا العربي الذي يعيش في كوارث وازمات.. لكنه قد يعنى الكثير للمهتمين بسياسات الغرب تجاه المنطقة.
ففي خطوة قال عنها المراقبون أنها قد تجعل خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي أكثر ترجيحاً، انتخب الإشتراكي العتيد جيريمي كوربين زعيماً جديداً لحزب العمال البريطاني المعارض. وحصل كوربين على 251417 صوتا تمثل 59.5 بالمئة من الأصوات من الجولة الأولى. وبمجرد إعلان النتائج قوبل بالهتاف والعناق حتى من بعض منافسيه.
وهزم كوربين 66 عاماً وزيرين سابقين من حزب العمال هما إيفيت كوبر وآندي برنام كما هزم ليز كندال والتي تعتبر ممثلة للسياسات التي يؤيدها رئيس الوزراء السابق توني بلير، وذلك بفضل المساندة التي حظي بها كوربين من جانب النقابات العمالية، نتيجة وعوده بزيادة الإستثمارات الحكومية من خلال طبع الأموال وإعادة تأميم قطاعات واسعة من الإقتصاد. فأجندة كوربين تعتبر يسارية أكثر من ميليباند، مع إعادة تأميم شبكة السكك الحديدية، فرض ضريبة بنسبة 75% على مدخولات تفوق المليون جنيه إسترليني وخفض سعر القسط التعليمي في الجامعات، جميعها هي جزء من حملته الانتخابية.
تاريخ كوربين يوحي بأنه لن يكون شخصية موحدة داخل حزبه أيضاً. فلديه خبرة سياسية فعلية محدودة، ولم يشغل أي منصب وزاري أو منصب وزاري خفي بالرغم من عقود من الخدمة كعضو برلمان. وبين الأعوام 2005 وحتى 2010، تحدى مواقف الحزب 238 مرة: نحو 25% من جميع القرارات.
غير أن الصحف العالمية وبخاصة الصحف البريطانية اهتمت بخبر فوز كوربين، ليس بحكم الانتماء لنفس البلد فقط، ولكن كل التغطيات التي تعرضت لفوز كوربين تحدثت عن مواقفه الداعمة للعرب المعارضة للعدو الصهيوني، وكيف لمثل هذه المواقف ان تؤثر على بريطانيا بالسلب او بالايجاب؟
الكثير من الأجوبة يمكن أن تتنبأ بما قد يتغير في مستقبل السياسة البريطانية، وخاصة السياسة الخارجية. جيريمي كوربن من السياسيين الذين أخذوا على عاتقهم الدخول في السياسة بهدف التغيير، لا من اجل لعبة السياسة التقليدية فقط كما يقول، فهو معارض لسياسات بلده الداخلية والخارجية، قديماً وحديثاً. وحتى قبل دخول البرلمان كان من الناشطين في الشارع ضد الظلم وتم اعتقاله عدة مرات.
في لندن 2011، في اطار «تحالف أوقفوا الحرب» (Stop the war coalition)، أدلى كوربين حينها بخطاب ناري، لا بالصوت والنبرة ولكن بالكلمات والتنبؤات بما سيحصل في العالم بسبب شن الحروب على منطقة الشرق الأوسط. كان يحذر الحكومة البريطانية من الدخول في لعبة حروب الولايات المتحدة في المنطقة. وكان بارزاً وجود المؤيدين له، ومنهم شخصيات بارزة في التحالف مثل جورج غالاواي وكريس ناينهام وغيرهم من الناشطين المعارضين.
ماذ نعرف عن كوربين ومواقفه؟
في لقاء أجراه تشارلز أنتوني من موقع "ميدل إيست آي"، قال زعيم حزب العمال الجديد جيرمي كوربين، إن حقوق الإنسان عادة ما تهمش عندما تتفق الدول حول التعاون العسكري والمالي. ويقول في هذا السياق إنه لن يرحب برئيس مصر عبد الفتاح السيسي في لندن؛ بسبب قلقه حول أحكام الإعدام، ومعاملة المسؤولين السابقين في حكومة منتخبة، واستمرار سجن الرئيس محمد مرسي، موضحا أن هذا لا يعني تقديم حكم على الإخوان المسلمين أو أي حزب آخر، ولكن الحكم على الديمقراطية وما تعنيه.
وحول موقفه من الدولة الاسلامية، أكد كوربين أن تنظيم الدولة لم يات من فراغ، مشيرا إلى أن لديه مبالغ هائلة من الأموال التي جاءته من مكان ما، بالإضافة إلى إمدادات عسكرية جاءت من مكان آخر، ويجد أنه نتاج التدخل الغربي في المنطقة.
ويضيف كوربين أن "كل ما سأفعله هو عزلهم، وتوحيد الجماعات في المنطقة ضدهم، ومنح جماعات مثل الأكراد حكما ذاتيا". مبينا أن ضرب سوريا لن يخلف سوى الدمار، وسيجعل من الوضع أسوأ.
موقفه من ضرب العراق وسوريا
ويشير زعيم حزب العمال في المقابلة إلى أنه عارض ضرب سوريا في التصويت التاريخي عام 2013، في البرلمان البريطاني، ويقول: "سآواصل موقفي". وكان كوربين قد تعهد بالاعتذار عن حرب العراق التي شاركت فيها بريطانيا عام 2003، إبان حكم رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، في حالة فوزه برئاسة حزبه.
ونقلت صحيفة الـ"غارديان" البريطانية عن كوربين قوله، إنه إذا أصبح زعيما للحزب سيعتذر عن "حرب العراق التي شاركت فيها بريطانيا في العام 2003 والتي تسبب بمعاناة الشعب العراقي"، متهما بلير بـ"جر بريطانيا إلى الصراع على أساس الخديعة".
وأشار إلى أن "قرار بلير بدعم الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بالانضمام إلى الغزو قد كلف حزب العمال الملايين من أصوات الناخبين"، مضيفا "لن نضع أبدا قواتنا تحت النار في وضع لا داعي له، ونعرض مكانتنا في العالم للخطر، ولن نقبل بالخطأ مرة أخرى وانتهاك القانون الدولي".
الأكراد وغزة ونووي إيران
وتحدث كوربين عن وضع الأكراد في تركيا، الذين قال إنهم يعانون أوضاعا صعبة، وهو ما توصل إليه من زياراته إلى تركيا عبر السنين. وأشار إلى أن الحرب أدت إلى خسارة الكثير من الأرواح، ودعا إلى وقف إطلاق النار بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. كما دعا إلى الاعتراف بحقوق الأكراد، وهو ما كان يحدث حتى وقت قريب من حكومة رجب طيب أردوغان.
وينقل الموقع عن كوربين قوله إن الموضوع معقد، ويجب التعامل معه ومع قضايا جدية مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة غياب إعمار غزة، واستمرار الاستيطان في الضفة الغربية، واستمرار الاحتلال، لافتا إلى أنه يجب على الحكومات الغربية أن تكون جادة في التعامل مع القضية.
ويبين الكاتب أن كوربين قد رحب بالاتفاق النووي، الذي سيخفف من قدرات إيران النووية، مشيرا إلى أن هناك معركة طويلة لتمريره في الكونغرس الأمريكي، خاصة أن الجمهوريين مصممون على إفشاله. ولكنه كان يتمنى لو شمل الاتفاق بنودا حول حقوق الإنسان في إيران. وأشار إلى زيارته إلى إيران العام الماضي، التي كانت ضمن وفد الأحزاب البريطانية، ونوقش في الزيارة الملف النووي، لكنه طرح موضوع حقوق الإنسان، الذي يراه مرتبطا بالموضوع النووي.
موقفه من أمريكا
ويقول كوربين إنه كونه زعيما لحزب العمال يمكن أن يوفر الأمن للمواطنين الأوروبيين ويحميهم من الإرهاب، من خلال الابتعاد عن أمريكا، ويضيف أنه يجب "ألا نكون جزءا من السياسة الخارجية الامريكية، وينبغي أن نحمي أنفسنا من خلال فهم التنوع الديني والتطلعات الدينية في أنحاء العالم كله، وأن نتحول إلى قوة للدفاع عن حقوق الإنسان لا قوة للتدخل العسكري".
أفغانستان وليبيا
ويتابع كوربين: "منذ حرب أفغانستان أصبحت الحكومات أكثر ميلا لتشريع قوانين مشددة في مجال حقوق الإنسان، وصارت الحكومات تتجه نحو تطبيق الاعتقال الإداري وكل ما ينتج عنه من مخاطر. أؤمن بأنه يجب أن تكون المحاكم مستقلة وبعيدة عن التأثير السياسي، حيث تمنح كل شخص الفرصة لمحاكمة عادلة ومفتوحة".
وتعليقا على سياسة حكومة ديفيد كاميرون فيما يتعلق بمكافحة التشدد، دعا كوربين إلى النظر إلى المجتمع كاملا، وليس من خلال تفسير معين للإسلام. ويقول: "يجب أن نشجب أي اعتداء على أي مكان للعبادة، سواء كان كنيسا أو مسجدا أو كنيسة"، مشيرا إلى أن هناك هجمات في الوقت الحالي على المساجد والكنس اليهودية.
ودعا كوربين في المقابلة التي ترجمتها "عربي21"، إلى خلق مجتمع متماسك، وقال: "أفخر انني أمثل جزءا ثقافيا متنوعا من لندن، وآمل أن يمنحني نقاشي ومشاركتي وزياراتي لأماكن العبادة فهما لعقلية الناس".
ويفيد الموقع بأن زعيم حزب العمال قد انتقد الحملة البريطانية على ليبيا، لافتا إلى أن القصف الذي قام به الناتو جاء بناء على طلب من الجماعات التي تعارض القذافي، وتم دون تخطيط لما سيكون بعده، كما حدث في العراق، ويقول: "لهذا انتقلنا من بلد متماسك، ولكن بسجل مروع في مجال حقوق الإنسان، إلى بلد يعيش حربا أهلية، ويتدفق منه السلاح للمنطقة كلها، بما فيها مالي ودول الجوار. اليوم يوجد في ليبيا نصف مليون لاجئ".
وينوه كوربين إلى ما تتركه الحرب من آثار من لاجئين وأطفال يخسرون طفولتهم وناس يغرقون في البحر. ويقول: " من هنا يجب أن نفكر بروية قبل أن نبدأ القصف الجوي".
أول دولة عربية يزورها
وردا على سؤال عن أول دولة سيزورها بصفته زعيما لحزب العمال، قال إنه يرغب بزيارة تونس، حيث زارها العام الماضي مرتين، ويشعر بالحزن للطريقة التي عومل بها التونسيون ولوضعهم الاقتصادي، ويضيف: "سأكون سعيدا لزيارة فلسطين وإسرائيل ولبنان والأردن".
ويورد الكاتب أن اختياره لهذه البلدان لا علاقة له بالسياسة، بل بشغفه بثقافة المنطقة، وقد أشار كوربين إلى اتفاقية سايكس بيكو، التي لا تزال آثارها واضحة، ويقول: "عندما يجلس الناس للتفاوض عليهم قراءة التاريخ أولا".
ويقول كوربين عن السياسة الخارجية التي سينتهجها حزب العمال في فترة زعامته، "إنها سياسة تعمل على الحفاظ على حقوق الإنسان، وسياسة تتعامل بجدية مع الجوع في العالم، وغياب المساواة والكوارث البيئية".
ويرد زعيم حزب العمال عمن يقول من زملائه في حزب العمال بأنه لن يكون مرشحا جيدا لرئاسة الحكومة، بالقول: "الأمر ليس بيدنا لكن بيد الناس، هم من سيقررون، دعنا ننظر إلى المستقبل بتفاؤل"، مؤكدا مبادئ حزب العمال الذي قام على مبادئ المساواة، وأنشأ دولة الرفاه والنظام الصحي، ويجد أن توفير الأمن يقوم من خلال خلق فرص العمل، وتوفير بيوت وتعليم، لا أن يكون مجتمعا تصبح فيه أقلية غنية على حساب الغالبية.
واستبعد كوربين أن يحدث انقسام في حزب العمال، ويقول: "أريد أن يكون الناس جزءا من الحزب، أريد حزبا ينضم إليه الناس ويخوض حملات ولا يخشى أحد منه" .
ويخلص زعيم حزب العمال إلى أنه "يجب أن يحل السلام، من خلال الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، ويجب وقف المستوطنات والاحتلال، وفك الحصار عن غزة، ولا يمكن الاستمرار في خسارة الأرواح، حيث أنه لم يتم إعمار غزة بعد".
ماذا يقلق اليهود من كوربين
بمجرد انتقاله من هوامش حزبه الى البروز القومي أدى الى تدقيق أدق بماضيه. في الأسابيع الأخيرة، نشرت انباء في وسائل الاعلام المركزية تربط كوربين مع عدة "متطرفين"، بعضهم يعبر بشكل علني عن مواقف معادية للسامية، معادية للولايات المتحدة ومعادية للغرب، ام الذي يحاول الان التخفيف من أهميته.
هنالك مثلا قضية دعمه المالي المزعوم لبول ايسين، ناكر للهولوكوست، ودعوته الحارة لرائد صلاح، رجل الذي ادعى ان اليهود يستخدمون دماء الأطفال في طعامهم، لينضم اليه لشرب الشاي معه في مبنى البرلمان. في كل مرة، أصر كوربين على انه لم يكن على دراية بآراء هؤلاء الأشخاص المغلوطة.
جوناثان اركوش، رئيس مجلس النواب اليهود، يلخص قلق العديد من يهود بريطانيا: "الأشخاص الذي كان كوربين بعلاقة معهم في الماضي تقلقني جداً. وعليه الإجابة عن بعض الأسئلة الجدية"، ولكنه يعترف بأنه في حال فاز كوربين بالتصويت، فإن اليهود سيواجهونه. "كممثل الجالية اليهودية، ان شئت وان ابيت، سيكون علي التعامل معه بطريقة ما. ويمكنك ان تكون متأكداً تماما بأني سأطرح هذه القضايا"، يقول اركوش.
ولكن ليس فقط الجالية اليهودية قلقة من أصحاب كوربين. فقد تمت مواجهته في القناة التلفزيونية الرابعة لوصفه حركة حماس وحزب الله "بالأصدقاء". ميثاق حركة حماس يعبر بشكل واضح عن نوايا التنظيم بإبادة اليهود مع ذلك فإن كوربين وصف الحركة على انها "منظمة تسعى لمصلحة الشعب الفلسطيني وإحلال سلام طويل الأمد والعدالة الاجتماعية والسياسية في المنطقة بأكملها"، بدلاً من وصفها بالتنظيم الإرهابي. بالرغم من كل ذلك، يصر كوربين على انه مناهض للعنصرية طوال حياته.
نجاح كوربين لم يكن صدفة
نستهل التحليلات والتقارير التي تحدثت عن كوربين، بما قاله الكاتب الصحفي ديفيد هيرست إن فوز جيريمي كوربن بزعامة حزب العمال البريطاني ليس صدفة ولا حدثا عارضا، "بل جاء نتيجة لحالة من الغليان استمرت اثني عشر عاما".
وأوضح هيرست، في مقال نشرته صحيفة "هافنغتون بوست"، أن كوربن نجح في الحصول "على دعم وتأييد جيل جديد وفتي من المقترعين الذين سئموا السياسيين الذين يتصرفون كما لو كانوا آلات لا شعور لها".
وأفاد أن الذين صوتو له "لا تعنيهم الكاريزما ولا الشعارات ولا الكلمات الرنانة، وإنما يطلبون زعيما قادرا على تغيير الأمور نحو الأفضل، ويتطلعون إلى كلام صريح صادق، وإلى زعيم يثبت لديه الالتزام والأمانة والاخلاص والاستقامة".
وأضاف أن لدى كوربين "فيض من هذه الخصال"، وتساءل "هل تتاح له الفرصة لاستخدامها؟"، واستدرك قائلا "يعتبر وصوله إلى زعامة المعارضة داخل البرلمان البريطاني نقطة تحول مهمة ستلهب وتعيد توجيه ما يعتبر في العادة رأي التيار العام أو السائد".
وقال هيرست إن كوربين لم يكن يتوقع فوزه، بزعامة حزب العمال، فبالأحرى فوزه بأغلبية ساحقة. ولفت الكاتب البريطاني إلى أن "كوربين هو أول زعيم لحزب العمال يحتل موقع الراعي لحملة التضامن البريطانية مع فلسطين". إذ كان "أسلافه من زعماء حزب العمال يحرصون على العضوية في جمعية أصدقاء إسرائيل داخل حزب العمال".
تأثير كوربين على سياسة بريطانيا
نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا حول أثر فوز المرشح جيريمي كوربين في انتخابات رئاسة حزب العمال البريطاني، عرض فيه آراء كريس دويل، مدير مجلس الحوار العربي البريطاني، حول التأثيرات المحتملة لصعود كوربين على سياسات المملكة المتحدة تجاه قضايا الشرق الأوسط.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن فوز جيريمي كوربين يطرح تساؤلات عديدة، حول الموقف البريطاني من قضايا بيع الأسلحة لدول الشرق الأوسط، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتدخل في سوريا.
ونقل الموقع عن كريس دويل، أن "رئاسة كوربين لحزب العمال تعد في حد ذاتها تغيرا كبيرا، إذ لم يكن أحد يتوقع أن هذا الرجل البسيط سينجح في هذه المهمة الصعبة. ولكن الأسئلة المطروحة الآن: هل سيتمكن كوربين من الترشح لمنصب رئاسة الوزراء في سنة 2020؟ وهل سيتمكن من فرض آرائه داخل مجلس العموم البريطاني وداخل حزبه، خاصة فيما يخص التدخل في سوريا؟".
واعتبر دويل أن "نجاح كوربين سيؤدي لتغيير واضح في السياسة البريطانية تجاه الشرق الأوسط. فهذه المرة الأولى التي ينتخب فيها حزب العمال زعيما؛ يتبنى مواقف تختلف بشكل جذري وواضح عن مواقف حزب المحافظين ومواقف المعارضة التقليدية". ومن المرجح أن كوربين سيجعل حزبه يتخذ مواقف مشابهة لتلك التي اتخذها الحزب الوطني الأسكتلندي، المساند لفلسطين والمعادي للاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف دويل أن "الحزبين الرئيسيين في بريطانيا حافظا خلال السنوات الماضية على مواقف مشتركة من قضايا الشرق الأوسط، ونجح في التقيد بسياسة موحدة بعيدا عن التجاذبات الحزبية. وحتى إبان غزو العراق في سنة 2003، حصل توني بلير على الدعم الكامل لحزب المحافظين. ولكن من هنا فصاعدا سيظهر تيار جديد، يتبنى مواقف مختلفة من قضايا المنطقة، وخاصة فيما يخص القضية الفلسطينية".
وأضاف دويل، في هذا الحوار الذي أجرته معه دانيا عقاد، أن "جيريمي كوربين يعارض بشدة التدخل العسكري البريطاني في سوريا، وقد كان من أبرز المشاركين في حملة "أوقفوا الحرب". ومن المؤكد أن الآراء الجديدة التي سيطرحها كوربين ستؤدي إلى فتح حوار جدي ومعمق في بريطانيا حول الظروف التي يمكن أن تبرر التدخل العسكري في الشرق الأوسط".
وبحسب دويل، "فإن كوربين يمكن أن ينجح في دفع بريطانيا نحو مراجعة سياساتها فيما يخص بيع الأسلحة للأنظمة التي تحفل سجلاتها بانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما سيضع بلاده في موقف حرج جدا، بما أن اقتصادها يعتمد كثيرا على بيع الأسلحة لدول في الشرق الأوسط، وهو يعرضها لانتقادات كبيرة من المنظمات الحقوقية".
وقال دويل إن "كوربين سيطرح تساؤلات جدية حول سياسة الأمر الواقع التي تعتمدها بريطانيا، في مواجهة سياسة القيم والمبادئ التي ينادي هو بها. ولكنه سيواجه صعوبات كثيرة، بسبب وجود أصوات داخل حزبه تعارض أفكاره، خاصة وأن صناعة السلاح في بريطانيا توفر فرص شغل لآلاف العمال، وهو أمر لا يمكن لهياكل حزب العمال التغاضي عنه".
وتوقع دويل أن "جيريمي كوربين سيحقق الوعد الذي قدمه قبل انتخابه، بالاعتذار للشعبين البريطاني والعراقي، عن مشاركة بريطانيا في غزو العراق في سنة 2003. إذ لطالما عارض كوربين هذه الحرب واعتبرها من أكبر الأخطاء في التاريخ البريطاني الحديث، وهو موقف أصبح قسم هام من الساسة والمواطنين البريطانيين يتبنونه، بعد تبين الكارثة التي سببتها هذه الحرب".
وحول دعوة جيريمي كوربين لإشراك حزب الله وحماس في مباحثات السلام في الشرق الأوسط، فقد قال دويل إن "كوربين بصفته زعيما للمعارضة لا يستطيع فعل الكثير في هذا الشأن، ولكن بإمكانه القيام بتحركات ذات دلالة كبيرة، مثل لقاء أعضاء في حماس وحزب الله بصفته رئيسا لحزب العمال".
وبحسب دويل، "ستفتح هذه التحركات الباب لطرح إمكانية الجلوس على طاولة واحدة مع تنظيمات كانت دائما في خلاف مطلق مع بريطانيا، من أجل إيجاد حلول للصراعات التي تعصف بالشرق الأوسط، خاصة وأن سياسيين آخرين، حتى من أقصى اليمين، نادوا في السابق بإشراك حزب الله وحماس على أمل أجل إيجاد حلول سياسية لمشاكل المنطقة".
وذكر دويل أن "كوربين كان دائما معارضا للسياسات الأمريكية، ومطالبا بفصل السياسة الخارجية البريطانية عن واشنطن، خاصة فيما يخص قضايا الشرق الأوسط. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستشهد تقاربا مع حزب المحافظين، فيما ستتوتر العلاقة مع حزب العمال بوجود كوربين على رأسه".
أما فيما يخص تأثير كوربين على موقف بريطانيا من قضية استقبال اللاجئين السوريين، فقد قال دويل إن "حزب العمال رحب سلفا بقبول المزيد من اللاجئين القادمين من سوريا، ولذلك فإن كوربين لن يضيف الكثير في هذا الشأن. ولكن من الواضح أن الخلافات بين العمال والمحافظين ستكون كبيرة، فيما يخص سياسات منح حق اللجوء، واللجوء السياسي وقبول المهاجرين".
كوربين في الصحافة البريطانية
رأت الصحف البريطانية القريبة من المحافظين، أن انتخاب الاشتراكي جيريمي كوربن رئيسا لحزب العمال سيبقي هذا الحزب في المعارضة لفترة طويلة، في حين أشادت وسائل الإعلام اليسارية بالفوز الساحق الذي حققه.
وعنونت صحيفة "صنداي إكسبريس": "وداعا حزب العمال!".. بينما نشرت صحيفة "ميل أون صنداي" صورا لـ"كوربن" المعارض للتقشف مع عبارة تشير إلى أنه سيتم نسيانه قريبا.
من جهتها، كتبت "صحيفة صنداي تلغراف" افتتاحية بعنوان "موت حزب العمال الجديد" في إشارة إلى سياسة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بدءا من تسعينيات القرن الماضي. وكتبت الصحيفة أن "حزب العمال لم يمت لكن (البليرية) ماتت. لكن جيريمي كوربن قتله في نهاية المطاف".
وركزت صحيفة "صنداي تايمز" أيضا على الانقسامات داخل حزب العمال الذي أعلن عدد من شخصياته أنهم لن يعملوا بقيادة كوربن. وعنونت الصحيفة: "كوربن أشعل حربا أهلية في حزب العمال".
من جهتها، أشارت صحيفة "ذي إندبندنت أون صنداي" إلى الدعوة التي أطلقها كوربن لمؤيديه الشباب الجدد وللأعضاء السابقين في عنوان "أهلا بكم في الحزب نرحب بعودتكم".
ووصف رافايل بير في افتتاحية في صحيفة "الغارديان" انتخاب كوربن، بأنه "زلزال أقوى من مقياس ريختر السياسي"، مشيرا إلى دور الشباب الذين لم يعملوا في السياسة من قبل.
وقال بير في الصحيفة القريبة من حزب العمال، إن "البليرية دفنت تحت الأنقاض وكشف انقسام بنيوي وثقافي مختلف". وأضاف أن الأمر يجري بين "حزب العمال القائم.. وحزب عمال متمرد هو مزيج من ضربة منظمة شارك فيها أعضاء قدامى صامدون في اليسار وانتفاضة أعضاء جدد عفويين ومثاليين".
وخصصت صحيفة "مورنينغ ستار" الاشتراكية عددها لتحتفي بـ"كوربن". وكتبت: "جيريمي انتزع النصر". وركزت على حصول كوربن على 59.5% من الأصوات مقابل 57% فاز بها بلير في 1994. وفاز بلير لثلاث ولايات على رأس حزب العمال، لكنه لا يتمتع بشعبية في الجناح اليساري للحزب بسبب إشراكه بريطانيا في الحرب على العراق.
بانتخاب كوربين لن تعود السياسة في بريطانيا أبدا كما كانت
قال رغم أن توني بلير استطاع إعادة حزب العمال البريطاني إلى قلب السياسة في البلاد نهاية تسعينات القرن الماضي، لم يستطع الرجل التخلص من الجناح اليساري في حزبه، ظل هذا الجناح نشطًا بشكل نسبي في النقابات العمالية وفي نقاشات البارات مع العمال والموظفين وفي السجالات الداخلية في الحزب.
وبحسب تقرير أعده فريق تحرير نون بوست، فانه رغم أن حزب العمال من المفترض أنه حزب يساري بطبعه، يدافع عن العمال ويدعم المساواة، إلا أن الحزب منذ فوزه في انتخابات 1997 لم يعد يهتم بالأمر، لم يعد الحزب حتى يذكر عدم المساواة كمشكلة يجب حلها في أدبياته وبرامجه.
اليوم، أعلن الجناح اليساري عن انتصار ساحق في الانتخابات الداخلية لحزب العمال، إذ فاز مرشحه الكاريزمي جيريمي كوربين برئاسة الحزب من الجولة الأولى بنسبة تقارب 60% من أصوات الناخبين.
وكوربين يساري وبرلماني محنك له باع طويل من التصويت ضد مشروعات قوانين طرحها حزبه، وقد فاز بزعامة الحزب بناء على وعود بزيادة الاستثمارات الحكومية من خلال طبع الأموال وإعادة تأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد.
وطرح برنامج كوربين تحت عنوان الاقتصاد فى 2020 عدة مفاصل لسياسة اقتصادية جديدة، منها التأميم وزيادة الضرائب على المداخيل العالية والثروة، واستحداث مصرف للاستثمار العام، وغيرها من السياسات التي تطيح ما اتفق عليه العمال الجدد والمحافظون في الثلاثين سنة الماضية.
العديد من المتابعين قلقون من تبعات انتخاب كوربين، فالمحرر السياسي بهيئة الإذاعة البريطانية جيمس لانديل كتب يقول إن العمال انتخبوا أكثر قادتهم يسارية، وثورية، وقلة خبرة على الإطلاق، وتساءل لانديل عما إذا كان
انتخاب كوربين سيعني بداية حرب أهلية داخل حزب العمال قد تفضي إلى انشقاقه. وعادة ما يتم التعليق على مجموعة الانحيازات السياسية التي التزم بها كوربين طوال حياته كنائب برلماني بكونها طوباوية أو خيالية كآرائه فيما يخص تأميم الشركات وحماية القطاع العام وأنظمة التكافل الاجتماعي ودولة الرفاه، وأيضًا آرائه المعادية للناتو والتسليح النووي والمناصرة للقضية الفلسطينية، وتظل هذه التعليقات هي عصب الهجوم الهستيري الذي تقوم به عدد من المنصات الإعلامية البريطانية على شخص كوربين قبل مشروعه، وعلى رأس هذه المنصات كلًا من جريدة التليغراف المعروفة بتحيزها لسياسات حزب المحافظين، ومجلة الإيكونومست رسول الاقتصاد النيوليبرالي للعالم.
اعتمدت هذه المنصات بجانب المنشورات التحريرية المعتادة على مجموعة من مقالات الرأي لقيادات سابقة للحزب، من ضمن هذه القيادات كان توني بلير وغوردون براون آخر رئيسي حكومة من حزب العمال، كان عنوان مقال بلير في الجارديان يشبه سياسات كوربين بـ "فانتازيا أليس في بلاد العجائب"، بينما حذر براون أن انتخاب كوربين كفيل بتحويل الحزب إلى كيان لا يجيد سوى الاعتراض، وهو ما حذرت منه الإيكونوميست التي ذكر أحد تقاريرها أن انتخاب كوربين سيعني أن الحزب لم يعد قابلاً للانتخاب مرة أخرى قائلة "السيد كوربين ليس قابلاً للانتخاب، والأسوأ من ذلك، أنه ممل".
سياسته الخارجية، مصدر تهديد آخر للساسة في بريطانيا، ذلك أنه يمكن أن يعكس كل ما يخالف مبادئ السياسة الخارجية البريطانية المنتهجة منذ عقود طويلة. هو مُعارِض لاجتياح العراق، وعد منذ فترة بالاعتذار عن "الخداع" الذي سبق الحرب، وبعدم الخوض في أي تدخل عسكري لا طائل منه، ورغم الضغوط، لم يخجل كوربن من توضيح الوصف الذي أطلقه على "أصدقائه من حزب الله وحركة حماس" في مقابلة مع القناة الرابعة، قال إنه رحّب بأعضاء من حزب الله في اجتماع في البرلمان "لمناقشة الأزمة في الشرق الأوسط"، وإنه كان يريد أن تكون حركة "حماس" جزءًا من النقاش، أمس، أكمل تحديه لكل " الموروثات" السياسية القائمة و"الإنجازات" التي يفاخِر بها الغرب، فقال إنه "كان يجب محاكمة بن لادن لا اغتياله".
آراء كوربين كانت دومًا سابقة سياسات بلاده، فقد عارض الرجل الحرب على أفغانستان والحرب على العراق، وطالب بفتح حوار مع الجيش الجمهوري الإيرلندي (الآي آر إيه) قبل سنوات طويلة من تحول ذلك إلى سياسة رسمية، وتعرض للسخرية والانتقاص بسبب تحدثه إلى كل من حماس وحزب الله، والآن من المفارقات العجيبة أن يكون طوني بلير منهمكًا في محادثات مع خالد مشعل رئيس حركة حماس، وبدعم كامل من رئيس الوزراء المحافظ دافيد كاميرون.
الكثيرون يتوقعون ألا تظل السياسة في بريطانيا على حالها مع انتخاب كوربين زعيمًا لحزب العمال، كوربين نفسه يقدم نفسه كمعاد للأمر الواقع، ويبدو أن قول كوربين "إن هدفنا ليس إصلاح الرأسمالية بل إنهاء الرأسمالية"، لن يكون أمنية فحسب، لكنه قد يسم الصراعات في السياسة البريطانية لسنين قادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق