د."مجدي قرقر" يكتب.. "عادل حسين".. باعث الأمل في زمن الانبطاح
وفاءً منا لفارس الكلمة "عادل حسين" فى الذكري 83 لميلاده
منذ 12 ساعة
عدد القراءات: 441
في الذكري 83 لميلاد المفكر الإسلامي والمجاهد "عادل حسين" رئيس تحرير جريدة "الشعب" وأمين عام حزب العمل (الاستقلال حاليا) السابق نعيد نشر مقال المجاهد الدكتور "مجدي قرقر" والذي نشره في جريدة الأحرار بتاريخ 4 مايو 2001م ، وفاءً منا لروحه الطاهره ومسيرة كفاحه المشرفه.
نص المقال
]أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[. [النحل: 1] قضى الله أمره فلا راد لقضائه.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..
في معركة الأمة أكرم الله أستاذنا عادل حسين بالشهادة ولم يمهله قدره حتى نظفر بالنصر التام، إرادة الله أن يدخر له جزاءه كله في الآخرة، فلتنعمه بها فأنت الأحق بها إن شاء الله جنة الخلد مع الأنبياء والصديقين والشهداء، أما النصر الذي شاركت في وضع لبناته فندعو الله أن يجزي أمتك به ويكون من نصيبها، ندعو الله أن يكون النصر حليف مشروعك الحضاري الذي استهدف نهضة الأمة من كبوتها.. هذا المشروع الذي نذرت فيه أعوامك الخمسة عشر الأخيرة لتنزيله على أرض الواقع المعاش منذ غادرت برجك المفكر إلى ساحة الدعوة والنضال.. كنا أرض الواقع المعاش منذ غادرت برجك المفكر إلى ساحة الدعوة والنضال.. كنا نرى قسوة الواقع وكنت تصر على رؤية نصف الكوب الملآن وتبصر ما به.. تبحث عن شعاع أمل وتضمه إلى الآخر ثم تضمها إلى شعاع ثالث.. وهكذا لا تكل ولا تمل حتى تتحول الأشعة الدقيقة إلى حزمة ضوء تنير لنا مستقبلنا.. كنت دائمًا تعترض.. لا وقت للبكاء على اللبن المسكوب.. فلتضيء شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام.. أبهذه السهولة ترحل عنا؟.. ليس سؤال اعتراض فاللهم لا اعتراض ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ليس سؤال استنكار فمعًا ارتشفنا حلاوة الإيمان.. أبهذه السهولة ترحل عنا؟.. إنه سؤال تعجب من أن يرحل عنا فجأة من كان يعمل لدنياه وكأنه سيعيش أبدًا.. كلا لم يكن يعمل لدنياه.. بل لدنيا وطنه وأمته وأمته ستعيش أبدًا إن شاء الله.. فلم التعصب إذن؟.. كما أنه أيضًا كان دائم العجلة، ويعمل لآخرته كأنه سيموت غدًا.. فلم العجب إذن؟.. كان يلاحقنا ويطاردنا.. الأمر لا يحتمل.. "على بال ما تتكحل العمشة!!".. يبدأ اجتماعاته دائمًا بمراجعة التكليفات.. لا ينتظر موعد الاجتماع.. يلاحقنا هاتفيًا.. ماذا تم في هذا؟ ماذا تم مع ذلك؟.. "أنا مش قاعد لكم كتير.. إحنا جيل بيلم أوراقه".. فيم العجب إذن؟.. الرجل لم يفاجئنا.. وكأنه كان يشعر بدنو أجله رحمه الله.
مع بداية التسعينيات كانت حرب الخليج الثانية وكان ضرب الكويت والعراق معًا وضرب الأمة جميعًا وتمكن الأعداء منها.. ثم كان مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو وضرب الانتفاضة الأولى في فلسطين المحتلة نتيجة منطقية لكل هذه التداعيات.. وساد الشعور بالإحباط.. ومع هذا الشعور لم يرد الكثيرون بارقة الأمل التي كانت تبدو هنا أو هناك.. وكنت أنا من بين هؤلاء.. وفي عام 96 وبدعوة كريمة من النقابات المهنية بدمياط كان لي شرف صحبة الأستاذ عادل حسين والتحدث في المؤتمر الذي انعقد في نقابة المهندسين.. وكان دوري في الحديث سابقًا للأستاذ.. وتحدثت عن حتمية نصر الأمة في صراعها ضد الحِلف الصهيوني الأمريكي من منظور عقائدي، وأن هذه الحتمية لا تتعارض مع حالة الوهن التي تمر بها الأمة الآن مستشهدًا بحديث القصعة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فيما معناه "توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.. قالوا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟.. قال بل أنتم كثير ولكن كغثاء السيل.. وينزع الله المهابة من قلوب أعدائكم ويقذف في قلوبكم الوهن.. قيل وما الوهن يا رسول الله؟.. قال حب الدنيا وكراهية الموت".. وفي حديث الأستاذ عادل انتقد استشهادي بالحديث، وأنه ليس في موضعه مدللاً بأن موازين القوى بمفهومها الشامل أضحت في صالح الأمة وبالحساب العلمي الدقيق.. وفي رحلة العودة كان عتابه.. ووافقت لعلك تريد أن تبث الأمل في نفوس الحضور.. ويحتد بشدة.. بل إنها حسابات دقيقة وستثبت الأيام ذلك وأخذ يستفيض في الشرح.. ولأنك هكذا يجب أن نترجم هذا لخطة عمل يشارك فيها كافة أعضاء الحزب.. مؤتمر جماهيري في الحزب لتأييد مقررات قمة القاهرة.. بعض الندوات المغلقة في الحزب يحضرها المتخصصون من السياسيين والعسكريين والمهتمين.. وتبدأ الندوات من حيث كنت أنا وتنتهي أقرب ما تكون إليه.. وفي قمة القاهرة.. قامت الدنيا ولم تقعد منتقدة قرارات القمة، وكان عادل حسين نسيج وحده عندما وضع يده على النقاط الإيجابية في هذه القرارات.. وكانت مباركته لانتفاضة الأقصى ورأى فيها ما يؤكد وجهة نظره في أن موازين القوى في صالحنا، وإلا لما استمرت الانتفاضة هذه الفترة الطويلة.. ثم كانت كتبه الأخيرة كلها في هذا الاتجاه وكان آخرها "بلغنا حافة الحرب.. إسرائيل تحت الحصار والتهديد" والذي أصر على أن يهديه لأغلب قيادات الحزب مع إهداء رقيق منه.
تلك كانت قضيته المحورية في سنواته الأخيرة استنهاض الهمم، ومحاولة التقييم الصحيح لقوتنا الذاتية ومحاولة تعظيمها، والتصدي لقوى الخنوع والاستسلام والانبطاح في زمن يضرب فيها أهلنا في الأرض المحتلة، وفي الجنوب اللبناني أروع أمثلة التضحية والفداء بما يقرب من ساعة النصر.
هذا ما قدمه عادل حسين للأمن القومي المصري والعربي.. فهل قدر أهل الحكم دوره – والذي يتبنون الآن – أم انتصروا لجماعة الخنوع والاستسلام والتطبيع والانبطاح؟
يوم عزائك يوم عرس في إسرائيل
لا إله إلا الله.. كل مفارق وهو الباقي.. كل زائل وهو الدائم.. كل ميت وهو الخالد.. قتله القتلة حيًا.. مات ذودًا عن وطنه وأمته.. مات كمدًا شهيدًا مدافعًا عن مشروعه الذي صاغه لانتشال الأمة من كبوتها قتلة القتلة حيًا.. ولأن مبادئه لا تموت فإنهم مصرون على قتله ميتًا لأن شبحه ما زال يطاردهم ويطارد حِلفهم الصهيوني الأمريكي.
ونحن أيضًا أصدقاؤه وتلامذته – شاركنا في قتله رغم حبنا له.. كان في أعوامه الأخيرة يدفع لنا ببعض مسئولياته فنأبى لأننا نوقن أنه يتخلى عنها زاهدًا.. ويرى ونرى معه في تحميله لنا بها نوعًا من التكريم وهذه حقيقة، ولكنها كانت نصف الحقيقة فقط.. لأن نصف الحقيقة الآخر أن جسده كل وتعب والفارس لا يعلن ولا يشتكي ولا يتألم.. يتخفف من بعض الحمل ويحملنا إياه، ولكننا نفاجأ بأنه يحمل نفسه المزيد بديلاً عما تخفف منه.. وكيف للجسد المكلول أن يتحمل كل هذا؟.. وكيف لمن يتفاعل مع كل قضية مهما كان حجمها بكل جوارحه ومشاعره وأعصابه أن يتحمل؟.. وكيف لمن يفكر بعقله ومشاعره وأعصابه أن ينجو من نزيف الدماغ كما يقول أحد المفكرين العرب في رثائه؟.. هل نرثي عادل حسين المفكر والمنظر.. أم الصحفي ورئيس التحرير؟.. هل نرثي عادل حسين السياسي والقائد والمحرك للجماهير.. أم عادل حسين الإنسان؟ رثاؤنا أن يوم عزائك كان يوم عرس في إسرائيل، ولكنه عرس لن يدوم طويلاً إن شاء الله، ففكره وتلاميذه ومبادئه باقية حجر عثرة ضد الحِلف الصهيوني الأمريكي وضد التطبيع والمطبعين.. رحم الله أستاذنا رحمة واسعة وتقبله قبولاً حسنًا وأسكنه روضة من رياض الجنة.
] الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا [ [ النساء: 175].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق