يُخوِّفك عبد الفتاح السيسي، طوال الوقت، من "أهل الشر"، يستخدمهم فزاعةً مضمونة التأثير على الأطفال والكبار: لا تتكلم، لأن"الغولة" ستسمعك وتفترسك. لا تخرج، لا تتحرّك، لا تذهب أبعد مما حدده لك القائد الحارس، لكي لا تنهش لحمك وتنهي حياتك.
على هذا المنوال، تشتغل ماكيناته السياسية الإعلامية والأمنية، استباقاً لدعوة تظاهرات 11/11، بل يمكنك القول إن أيام شرم الشيخ الثلاثة التي أطلقوا عليها "مؤتمر الشباب" لم تكن إلا مناسبةً لإنعاش احتياطي الخوف والفزع في صدور المصريين، وتهديدهم بالهلاك، إن هم استجابوا لنداءات "أهل الشر" الذين يرفضون استمرار نزيف مصر، على يد الحاكم الأكثر فشلاً في تاريخها، والأعتى مسخرةً، بما يضعه في صدارة ترتيب عتاة المهرّجين، مبتعداً بكثير عن حواديت "قراقوش" والحاكم بأمر الله، ومحطماً أرقاماً قياسية على مستوى العالم.
قلت سابقاً إننا بصدد نظامٍ تفوق على كل قصص الطغاة التي أوردها المفكر المصري، إمام عبد الفتاح إمام، في كتابه "الطاغية"، والذي يتحدّث فيه عن النظام السياسي السيىء: "يعمل على تدمير الإنسان، وتحطيم قيمه وكرامته، ليتم تحويل الشعب إلى جماجم وهياكل عظمية، تسير في الشارع منزوعة النخاع، شخصيات تافهة تطحنها مشاعر العجز والدونية واللاجدوى".
ليس ما سبق خلاصات أبحاث أستاذ فلسفة، وضعت بين دفتي كتاب، وإنما هو واقع قديم متجدّد، يروي لنا بعض فصوله واحدٌ من ضحاياه، إسلام خليل، أحد شباب ثورة يناير، وصاحب واحدة من أبشع قصص الاختفاء القسري، والتعذيب المنهجي في سلخانات عبد الفتاح السيسي.. أنقل لكم طرفاً من خبر الجحيم، كما عاشه إسلام خليل، في شهور اعتقاله وإخفائه قسريا، يقول "فجأةً، تم رفعى بالحبل المربوط فى قدمي، لأصبح معلقاً مقلوباً رأساً على عقب. أصبحت غير قادر على النطق. لا أقوى على المقاومة. كنت مستسلماً تماماً لما أظنه قادماً (الموت). تم صعقي عدة صعقاتٍ كان يعلو معها صراخي، وفجأة شعرت بعصا ترفع عضوي الذكري (آسف)، ثم شعرت بحبلٍ يمسكه من بدايته، ويشدّه، وصوت الضابط يضحك بجنون، وهو يقول "أنت كدا كدا قاعد معانا 30 سنة، يعنى دا مش محتاجه تاني". ثم يقوم بصعقي فيه، ويتحرّش بي بعصا، كان يمسكها مهدداً باغتصابي. فقدت الوعي أخيراً، لأفيق، وأنا ممدّد على البلاط خارج المكتب، وجسدي يرتعش، وأحدهم يرشّ الماء علي، فطلبت منه أن أشرب، فوضع الزجاجة على فمي، وما إن لامس الماء شفتي، حتى قام برفعها مجدداً، وهو يقول: كفاية كدا، علشان المياه بعد الكهرباء غلط".
إسلام خليل من شباب الثورة المعروفين، ظلت قضيته مشتعلةً في فضاء التواصل الاجتماعي شهوراً، وتداولتها الميديا العالمية، حتى تم إخلاء سبيله، قبل أن يعاودوا اعتقاله، ثم يخلى سبيله مجدّداً. يمكنك الآن أن تتخيّل مصير عشرات الآلاف من معتقلين لا يعرفهم أحد، ولا تصل حكاياتهم إلى الميديا، ولا يدوّن من أجلهم المدوّنون، ويغرد المغردون.
مجدّداً، يرتدي عبد الفتاح السيسي وجه إيون أليسكو، زعيم الثورة المضادة في رومانيا، ويتكلم ويخطب في الجماهير، ويبتزّها ويدغدغ مشاعرها، ويستصرخ غريزة الخوف لديها، من خطورة "أهل الشر" أعداء الخارج، وأعداء الداخل الذين هم المتمسكون بحلم ثورة 25 يناير، ويصفهم، هو وإعلامه، بالعملاء المخرّبين، ويصفيهم بالتعذيب القاتل، وبالفضائح والقضايا الماسّة بالشرف، المصنعة في مطابخ النظام، ثم يجمع كل "فرق الكذب" في خيمةٍ واحدة، وينهال بالميكروفون على رؤوس الجماهير، بحواديت الثلاجة الخالية، والمؤامرة العالمية.
يقدّم عبد الفتاح السيسي كل يوم دليلاً إضافياً على أنه زعيم تنظيم أهل الشر، ويؤكد أن مركز الشر يقع هناك، حيث يستوطن، في قصر الاتحادية، وينشر رجاله في كل مفاصل الحياة في البلاد.
أهل الشر الحقيقيون هم الذين يقتلون التاريخ، وينسفون الحاضر ويجفّفون منابع المستقبل، ويدفعون العدو الإسرائيلي إلى التحرّك دولياً، لمساعدتهم وانتشالهم اقتصادياً وسياسياً.. أهل الشر هم الذين يدفعون مواطناً لمحاولة الانتحار حرقاً، ثم يعتقلونه ويحققون معه، لأنه يفضل دخول القبر ميتاً على أن يدفن فيه حياً.
أهل الشر هم الذين أراقوا الدماء في ميادين مصر، وعاقبوا الناس على أحلام الخلاص، وحرقوا الجثث، ونهشوا الأعراض في أقبية التعذيب، وباعوا التراب والمياه.
أهل الشر هم إعلام ساقط، يحرّض على القتل، ويهتف من أجل مزيدٍ من سحق إنسانية الإنسان، كي تعيش الأوطان عالةً على عدو، يبذل الغالي والنفيس، كي تستمر في بلادتها ودمويتها وحربها على نفسها.