حسن نافعة ومعتز مطر: عجيبة!!

بقلم: د.م عاصم الفولى*

 منذ 11 ساعة

 عدد القراءات: 6925

إستمعت الأربعاء الماضى إلى حوار معتز مطر مع حسن نافعة، ولم أملك نفسي طوال الحديث من استعادة ذكريات  الحوارات العديدة التي ظهر فيها حسن نافعة على قناة الجزيرة في برنامج "ما وراء الخبر" ليمثل المدافع عن النظام الإنقلابي في مواجهة واحد من أنصار الشرعية .. هاهو اليوم يظهر مع معتز مطر "لنتف فروة" هذا النظام الذي كان يدافع عنه .. سبحان من لا يتغير ولا يتبدل.

ومعتز مطر محاور شديد الذكاء، وهو يجبد أسلوب تسخين الحوار لشد المستمعين، محاور محترف بمعنى الكلمة (وهذا ليس تقييما للمحتوى الفكري لما يقدمه، فلهذا مجال آخر، ومعتز مطر ليس موضوع هذا المقال، لكنه غالبا يطرح قضايا مهمة ويقدم ملاحظات ذكية تخدم قضية ثورة مصر الديمقراطية)، المهم أن هذا المحاور العتيد لم يلجأ، ولو تلميحا، لطرح السؤال المثير: ماذا تقول لنفسك الآن يا دكتور نافعة وأنت كنت واحدا من الذين نظروا للإنقلاب وطالبوا الشعب المصري بدعمه؟ هل تلوم نفسك؟ هل ترى أنك تتحمل، شأنك شأن كل رموز يناير الذين روجوا للإنقلاب، قدرا من المسئولية عما وصلت إليه الأمور الآن؟ .. هذه عجيبة، لكنها ليست العجيبة المهمة.

سنتجاوز عن اللهجة الناعمة التي استخدمها الدكتور نافعة عند نقده لموقف النظام الانقلابي من قضايا مصيرية في غاية الحساسية، كتيران وصنافير وقرار الإستيطان وغيرهما، لن نقول أنه يستخدم لغة ديبلوماسية ليحافظ على حظوظه مع النظام عندما يستدعيه، سنصدق أنها مجرد لغة باردة لرجل أكاديمي لا يريد أن يستخدم عبارات مشحونة برسائل وجدانية، مع أن معتز مطر لم يقدمه كأكاديمي يعرض تحليلا علميا، ولكنه قدمه كأحد رموز ثورة يناير .. لا بأس .. سنتجاوز عن اللغة "الحنينة" التي تكلم بها نافعة عن تفريطات السيسي، وعن تهربه من كل محاولات مطر لاستدراجه إلى صياغة الإنتقادات في صورة إدانة بالخيانة، لكني سأتوقف عند ملحوظة تثير العجب عندما تصدر من أستاذ علوم سياسية، ناهيك عن أن يكون رمزا ثوريا.

يتعجب الدكتور نافعة من أن الجماهير المصرية باتت تترحم على زمن حسني مبارك عندما تشكو من معاناتها الحالية، وكأنها تحمل ثورة يناير مسئولية هذه المعاناة، ويخرج الدكتور نافعة بتفسير يريح به ضميره: هذا من تأثير الدعاية الإعلامية .. يا سلام !!!.

يتجاهل الدكتور، وأنا متأكد أنه أعلم من أن يجهل، أن الجماهير لها كل الحق اليوم في أن تتشكك في أي دعوة للثورة، لا لأنها كفرت بها، ولكنه لأنها فقدت الثقة في قدرة كل الداعين لها على قيادة ثورتها نحو وضع أفضل، فثورة يناير كانت ثورة ديمقراطية بامتياز، تتمحور مطالبها حول إعادة السلطة للشعب، وكان للثورة جناحان، الإسلاميين، ومن سموا أنفسهم "مدنيين"، واختار الشعب الإسلاميين للحكم، فكان أول ما فعلوه هو أن "ركنوا" الشعب جانبا، واعتمدوا على مناورات ظنوها ذكية، مع العسكر والأمريكان، وكانت لهم أخطاؤهم ولا شك، لكن المدنيين بدلا من أن يسلكوا السبيل الديمقراطي ويلجأوا للشعب كي يحصلوا على ثقته، لجأوا إلى العسكر ليزيحوا لهم الإخوان من السلطة، لكن العسكر لن يعمل لحساب أحد، وخرج المدنيين من المولد بلا حمص، لكن الشعب تعلم من هذه التجربة درسا قاسيا .. كل هؤلاء الثوار يستدعونه للفعل الثوري، لكنهم لا يشركونه في تحديد مسار الثورة، ويريدون منه شيكا غلى بياض ليتكفلوا هم بالمطلوب نيابة عنه، والأخطر من ذلك: تكفل المدنيين بتشويه صورة الإسلاميين، وفي تحطيم المثل الديمقراطي للصراع السياسي بقبولهم عزل الرئيس المنتخب بقوة العسكر، وبعدها فقدوا هم أنفسهم ثقة الشعب بعد أن اتضح له أن النظام الذي تمخض عن 30 بونيو هو الأسوأ بين الثلاثة (مبارك والإخوان والانقلاب) .. والشعب أذكى منا جميعا، الشعب يعرف أن انتصار الثورة لا يكون إلا بأن تتسلم قيادتها السلطة، وبدون قيادة يثق في قدرتها على تسلم السلطة والاحتفاظ بها لتحقيق أهداف الثورة فلن يثور .. معه حق .. يثور ليطالب بنقل السلطة لمن وقد حطمتم بأنفسكم كل الرموز التي كان يمكن أن يسير خلفها؟.

هل هذه دعوة للإحباط؟ على العكس .. هذه رسالة طمأنة .. المشكلة ليست في الشعب، المشكلة في النخبة، والقضية ليست في اصطفاف الرموز القديمة، فلا أظن أن الشعب مستاء من تفرقها، لكنه مستاء منها جميعا، مجتمعين أو متفرقين .. الشعب يطلب خطابا يطمئنه على أنكم تعلمتم الدرس، وأنكم ستسلكون معه سبيلا آخر يمكن أن يكتب له النجاح .. الشعب يريد منكم أن تتجاوزوا التاكتيكات التي أثبتت فشلها، وأن تطرحوا عليه تاكتيكا يضمن أنه سيثور ليحصل هو على السلطة لا لكي يقدمها لكم، فقد فعل ذلك من قبل، فأضعتموها وجلستم تبكون على اللبن المسكوب.

* الخبير الاقتصادى وعضو المكتب القيادى لحزب الاستقلال