عساكر الأمن المركزي.. هل تتمرد عصا النظام الغليظه على أوامره ؟!
منذ 8 ساعة
عدد القراءات: 3738
يعتبر جنود الأمن المركزى ، حائط الصدام الاول بين الشعب والسلطه فى مصر على مر الثورات ، فهم المعاقبون على فشل الحكومة وغلاء الأسعار ، وهم المغضوب عليهم لكونهم العصا الغليظه لوزارة الداخلية ، لكنهم في الأصل أبناء المعدمين والفقراء في الريف ، وأهل المدينة يشعرون ببؤس حياتهم كبقية الجماهير من العمال والفلاحين لكنه للأسف ليس له حق في أي شيء، فلا يُسمع له رأي ولا يُقبل منه نصح.
يخاف من أقل رتبة ، كل دوره أن يقال له اضرب فيبطش ، حتى وإن كان المضروب أخيه أو أبيه ، يثير الفزع بملابسه السوداء والشومه الذى يقبض يديه عليها ، لكن لايستثنى تاريخهم من حوادث التمرد.
فنحن على موعد ، خلال أيام ، مع الذكرى الحادى والعشرين لانتفاضة جنود الامن المركزى ، حيث كان التمرد الأشهر لجنود الأمن ، في فبراير من عام 1986 ، عندما تمردت فرق متعددة من قوات الأمن نتيجة توزيع منشورات تحوى أنباء كاذبة عن مد الخدمة للمجندين سنة أخرى لتكون ثلاث سنوات بدلاً من سنتين.
ويذكر الصحفى "إبراهيم الصحارى" ، أن انتفاضة جنود الأمن المركزي انفجرت في منطقة الأهرامات مساء يوم الثلاثاء 25 فبراير 1986 وتطورت على نحو واسع فوجئ بها الجميع ،
حيث كان طبيعيًا أن يثير خبر مد فترة التجنيد ثائرة جنود الآمن المركزي ، الذين تراوح عددهم الإجمالي في تلك السنة بين 300 و400 آلف جندي ، معظمهم من أبناء معدمي الريف وفقراء الفلاحين الذين تفضل القوات المسلحة إحالتهم إلى قوات وزارة الداخلية لقضاء تجنيدهم الإجباري بها.
وطبقًا لتصنيف القوات المسلحة لهؤلاء المجندين فهم من اللائقين صحيًا وثقافيًا وتنظر لهم وزارة الداخلية على أنهم يد عاملة رخيصة ، حتى أن تقريرًا رسميًا للوزارة وصفهم بأنهم "عمالة معدومة الأجر" وقد دفع ذلك وزارة الداخلية إلى التوسع في أعداد الملتحقين بقوات الأمن المركزي ، خاصة مع تزايد حدة الصراع الطبقي في السبعينات.
ولكن مع الرغم من كونهم هم أداة النظام للبطش ، فأن لهم علامات لا تزال تحيي الأمل فى النفوس ، وفي خضم الذكرى القادمه للانتفاضة، من الممكن أن نجدهم يتمردون مرة أخرى علي النظام وينضمون للجماهير في حركة تهدف للتغيير الثوري بشرط أن يجدوا من يبلور المطالب التي تعبر عن مصالحهم ويقنعهم بوحدة المصير بينهم وبين جموع الجماهير الثائرة. وتلك مهمة لا تقدر عليها سوى حركة جماهيرية جذرية تطالب بالخبز والحرية.
انتفاضه الأمن المركزي
وفى مساء يوم الثلاثاء 25 فبراير خرج الآلاف من الجنود من معسكرين للأمن المركزي في منطقة الأهرامات مندفعين بخوذاتهم ورشاشاتهم وبنادقهم في مظاهرات مسلحة إلي فندق "الجولي فيل" ، وهو واحد من أحدث واضخم فنادق القاهرة ويقع في مواجهة أحد المعسكرين الذين بدأ منهما التحرك مباشرة ، وتتيح واجهاته الزجاجية الفرصة ليشاهدوا ما يجري من ورائها ليدركوا مدى بؤس حياتهم في قراهم وداخل المعسكر.
حيث حطم الجنود هذه الواجهات الزجاجية ثم اقتحموا الفندق ، وبدءوا يحرقون كل ما فيه ، كما قاموا بإحراق فندق هوليداي سفنكس ، ومبنى قسم شرطة الهرم، وفندق ميناهاوس ، وبعض المحلات التجارية الكبيرة في المنطقة.
وخلال ساعات استطاع الجنود احتلال منطقة الهرم بأكملها بما في ذلك مداخل طريق الإسكندرية الصحراوي وطريق الفيوم وترعة المنصورية ، وفي الثالثة من صباح الأربعاء 26 فبراير أعلنت حالة الطوارئ وتم فرض حظر التجول في تلك المنطقة ،
وفي حوالي السادسة صباحًا انتشرت قوات الجيش واحتلت عددًا من المواقع التي يتواجد فيها الجنود المتمردون، وبدءوا في حصار الجنود ، وبعد معارك ضارية استطاعت قوات الجيش أن تسيطر علي المنطقة.
وحتى ذلك الحين لم يكن ما يجرى في منطقة الأهرام قد امتد إلي بقية العاصمة، وما كادت ساعات صباح الأربعاء الأول تمر حتى بدأت الانتفاضة في أغلب معسكرات الأمن المركزي الأخرى في العاصمة، في شمالها وشرقها وجنوبها الغربي ، وتعالت أصوات اشتباكات الرصاص مع قوات الجيش التي كلفت بسحب السلاح من جنود الأمن المركزي في كافة المعسكرات ، بعد أن تزايدت الشكوك من اختراق سياسي واسع داخل جهاز الأمن المركزي.
عند هذا الحد انتاب الذعر الطبقة الحاكمة وتم إعلان حظر التجول في كافة مناطق العاصمة، وتم تحذير المواطنين من البقاء في شوارع المدينة بعد ساعتين من قرار الحظر، خوفًا من أن تشجع حركة الجنود فئات أخرى علي التحرك ضد النظام ، خاصة أن عناصر من المهمشين والعاطلين بدأت تشارك جنود الأمن المركزي الفارين في الهجوم علي السيارات والمحلات التجارية في منطقة الدقي.
كان الوضع خارج القاهرة أقل حدة بكثير، حيث انحصرت انتفاضة الجنود في القليوبية والإسماعيلية وسوهاج داخل المعسكرات، واستطاعت قوات الجيش أن تحاصرهم وتنزع أسلحتهم بسهولة ، وكان الاستثناء الوحيد في أسيوط حيث كانت الأحداث أشد عنفًا ، ويقال أن محافظ أسيوط آنذاك "زكي بدر" - الذي أصبح وزيرا للداخلية مكافأة له علي دوره في مواجهة الأحداث - قد فتح الهويس "القناطر" في أسيوط للحيلولة دون وصول جنود الأمن المركزي من معسكرهم في البر الشرقي الذي أحرقوه وخرجوا منه، وذلك علي غرار حادثة كوبري عباس الشهيرة.
تمرد 2009
لم تكن هذه الحادثة الأخيرة ، ففى ديسمبر عام 2009 ، اعتقلت أجهزة وزارة الداخلية مجموعة من ضباط الأمن المركزي وأحالت 250 منهم إلى الاحتياط وذلك بعد تزعمهم تمردًا بمعسكر ناصر للأمن المركزي بمنطقة الدراسة ، حيث رفض الضباط تنفيذ أوامر القيادة العليا بالتوجه إلى رفح بعد تردد أنباء عن مصرع مجند أمن مركزي بنيران صهيونية وتكتم الوزارة على الخبر وهو ما دفع رئيس العمليات بالمعسكر وباقي أفراد الكتيبة البالغ عددها 4200 مجند لإعلان رفضهم التوجه إلى حدود رفح المصرية، وهو أول تمرد يقوم به مجندون منذ أحداث عام 1986.
في الشهر ذاته احتوت وزارة الداخلية ثورة 6 آلاف مجند وعسكري ضد رؤسائهم في معسكر التشكيلات لقوات أمن القاهرة ، حيث بدأت أحداث التمرد أثناء طابور التمام حينما فوجئ القائمون على السجن العسكري بمنطقة رمسيس بتمرد جميع المجندين بالمعسكر ضد قائديهم ، وتحطيمهم مباني إدارة المعسكر، والاستراحة المخصصة للضباط، وصالة الألعاب والسجن العسكري، وقد أرجعت تحقيقات النيابة العسكرية ثورة الجنود إلى قسوة الضباط معهم، إلى جانب تأجيل حصول الجنود على إجازاتهم، وإرهاقهم في العمل في غير الأوقات المخصصة لذلك، الأمر الذي دفع 14 من كبار المجندين إلى قيادة ثورة داخل صفوف زملائهم انتهت بتهريب 6 من المساجين.
طرق حصار الأمن المركزي للتظاهرات
يتم حصار المتظاهرين في أضيق رقعة ممكنة بالجنود ، على شكل كماشة مغلقة من جميع الجوانب ، وبعدة صفوف من الجنود ، ووضع سياج من عربات الترحيلات العالية حول مكان المظاهرة ؛ لحجب رؤية المتظاهرين عن المارة في الشوارع.
إذا كانت المعلومات لدى ضباط أمن الدولة أن المظاهرة لن تتعدّى حدود خمسمائة متظاهر، يتم حشد ثلاثة آلاف جندي بمنطقة المظاهرة، ويتم حشد أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بالشوارع المحيطة على شكل مجموعات على النواصي والمداخل المهمة، في شكل عربات محملة بالجنود، وعربات محملة بفرق الكاراتيه، وبعض العربات المحملة بالكلاب البوليسية فقط.
بالإضافة إلى ذلك تكون هناك فرق من جهاز الأمن العام، ومن مديريات الأمن ، حسب الموقع الجغرافي للمظاهرة وأقسام الشرطة التابعة لها ، هذا علاوة على وجود عناصر من جهاز الأمن القومي ، يمكنك تمييزهم بسهولة ؛ لأنهم لا يحملون لاسلكيا مثل الداخلية، بل يحملون تليفون أشبه بالمحمول ، له رأس مدببة كالأيريال.
ليس الهدف من كل ذلك هو حصار الخمسمائة متظاهر فقط، ولكن هناك أهداف أخرى، أهمها بث الرعب في نفوس المواطنين خارج المظاهرة، وجعل هذه القوات في حالة استنفار دائم ومستمر؛ لأن النظام يعلم جيدًا أن السخط والغليان ومعاداة النظام الحاكم والدولة أصبح حالة عامة، لا ينقصها سوى كسر حاجز الخوف بشكل جماعي".
ونضيف إلى ذلك ، أن أخطر أفراد هذه القوات هم فرق الكاراتيه التي ترتدي دائمًا ثيابًا مدنية ذات زي موحد ، يتكون من بنطلون جينز وحذاء كوتشي وقمصان إما صفراء أو برتقالية وأحيانًا رمادية ، وهم واضحون؛ لأنهم مخولون بالاندساس بهذه الثياب المدنية وسط الجماهير لفض المتظاهرين ، فالملابس مميزة ومحفوظة الأشكال والأنواع، حتى لا يضرب أحدهما الآخر.
جوله فى الحياه داخل المعسكر
الحياة في المعسكر بالنسبة لجندي الأمن المركزي تشبه السجن تمامًا ، ويعمق إحساسهم بالظلم التناقض المخيف بين بؤس حياتهم في المعسكرات والرفاهية البادية في الأماكن التي يكلفون بحمايتها ، من بنوك وشركات وسفارات وفنادق وملاهي وكازينوهات.
وعلى حد قول "لينين" في مقاله "جوله فى الحياه داخل المعسكر والثورة": "إن روح الحرية تتسرب إلى الثكنات في كل مكان، فالثكنة في روسيا أسوأ من سجن، وهم لا يقمعون الشخصية في أي مكان كما في الثكنة ولم يصل الضرب والتعذيب وإهانة الإنسان في أي مكان لهذه الدرجة ، هذه الثكنات ستصبح بؤرة للثورة".
أغلب جنود الأمن المركزي لفترة التجنيد على أنها عقوبة وتمر بأية صورة، فالمعسكرات بالنسبة لهم سجن، حيث يعيشون في معسكرات ضخمة من الخيام لا تتضمن أية مرافق مريحة، وهم ينامون على الأرض ولا تتوافر لهم دورات مياه آدمية ، كما أن التغذية التي تصرف لهم لا تتناسب مع ما يبذلون من جهد شاق - وصل متوسط ثمن الوجبة عن اليوم الواحد شاملاً الإفطار والغداء والعشاء 93.7 قرشًا طبقًا لعقد توريد أغذية 1989 \ 1990 وذلك بعد ما تحسنت التغذية كثيراً بعد أحداث فبراير 1986 - وهم لا يحصلون على الوجبة الساخنة الوحيدة إذا جاء موعدها وهم في دورياتهم.
ولا يحصل جنود الأمن المركزي على إجازات إلا لمدد قليلة وعلى فترات متباعدة وهم يتعرضون إلى تدريبات شاقة ولا إنسانية ويتعامل معهم الضباط كأنهم آلات صماء بلا مشاعر أو إرادة ، فمن بين أساليب تدريبهم إجبارهم على الوقوف ثماني ساعات لا يتحركون خلالها ولو لقضاء الحاجة فضلًا عن شحنهم ضد أي مشاعر إنسانية قد تنتابهم أثناء أداء مهمتهم بتدريبهم على ضرب بعضهم البعض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق