في مئوية «الغزالي».. غابت مصر العسكر وحضرت تركيا
24/12/2017 03:30 م
كتب سيد توكل:
كان طبيعيًا ألا تحتفل "مصر العسكر" بمئوية عالم جليل وإمام من أئمة الهدى مثل الشيخ محمد الغزالي، فمصر التي اغتصبها العسكر تحارب الإسلام وعلماءه وإن كانوا في قبورهم أمواتًا، وأمام هذا التراجع تقدمت تركيا التي يقودها نظام يحتفي بالإسلام ويعلي قدر علمائه، وشارك كتاب وباحثون من شتى الأقطار الإسلامية في مئوية الشيخ "الغزالي" وقدموا أبحاثا شملت غالب عطاءاته رحمه الله ومنها بحث (الغزالي وأثره في الجزائر)، التي قال عنها الغزالي -رحمه الله- "قضيت فيها أجمل الأيام".
يقول الدكتور محمد الصغير، مستشار وزير الأوقاف بحكومة الدكتور هشام قنديل: "في ختام الندوة الدولية بمناسبة مئوية الشيخ محمد الغزالي تكفلت إحدى الجهات الداعمة في إسطنبول بترجمة كل مؤلفاته وترجمتها إلى اللغة التركية".
مضيفًا: "رأيت الجزائر أكثر الدول حضورا في الرجال والنساء كما شارك د.حسن يشو من كبار علماء المغرب والشيخ عبد الوهاب إكنجي رئيس فرع اتحاد العلماء في تركيا".
وفيما يلي أهم ملامح المشروع الفكري للغزالي:1- يعكس مشروع الشيخ الغزالي الفكري بمراجعته الجادة لمعظم مساحات واتجاهات الفكر الإسلامي وجود أزمة فكرية حقيقية في نطاق المعرفة الإسلامية، وهو ما أثر سلبا في محاولات الانعتاق الشامل وبرامج الاستنهاض والتغيير والإقلاع الحضاري، كما يعكس في الوقت نفسه الإمكان الفعلي للعقل المسلم -إذا توافرت المعطيات المناسبة والشروط الضرورية- لتجاوز المعوّقات والنقائص الموروثة وإعادة بناء وتأسيس الأنساق الفكرية وتأهيل وترقية المعرفة الإسلامية كي تصبح قادرة على إنشاء وصياغة البدائل في شتى الحقول التي يحتاج إليها المجتمع المسلم.
2- القضية الجوهرية والمركزية في مشروع الغزالي الفكري تتمثل في الكيفيات المنهجية لإعادة صياغة الشخصية المسلمة المتوازنة والمتكاملة، الشخصية القادرة على تخطي أسباب وعوامل تراجع المسلمين الحضاري وسقوطهم المريع في هاوية التخلف والهوان والانحطاط، وهذا سر معالجة الغزالي مثلا لمشكلة الانفصام التاريخي بين القيادة السياسية والقيادة الفكرية، أو تركيزه على بعث وإحياء عوامل الوحدة بين المسلمين، وتهميش الخلافات التاريخية والمذهبية وتحييد أثرها في الواقع الإسلامي، ومحاربته الشديدة لظاهرة الخلط العشوائي بين تعاليم الإسلام في مصادرها المعصومة وبين العادات والتقاليد الموروثة تلك التي تتحكم في توجيهها الأعراف البيئية والأوضاع الخاصة أو المنحرفة أو الجاهلية.
3- لقد حاول مشروع الغزالي الفكري الإجابة عن مجمل الإشكالات والتساؤلات المثارة في الأفق الفكري الإسلامي، التي تثير التوتر والضجر باستمرار في فضاء ومحيط تفكير وتأمل العقل المسلم، ولم يكتف الغزالي بالإجابة النظرية المجردة، بل جعل حياته وشخصيته وكيانه كله سياجاً لحماية تلك الأفكار والإجابات، ووقوداً ينفث فيها الحياة والحركة ويدفع بها إلى الواقع الماثل، وهذه الميزة الرائعة في الالتزام والتماهي الصادق مع المبدأ يُحسب لمشروع الغزالي الفكري، ويضفي على خصائصه قدراً هائلاً من الجدوى والقيمة النظرية والعملية.
4- إذا قيست المشروعات الفكرية بأهمية ووزن القضايا التي تعالجها وتبحث لها عن حلول مناسبة، وبالغايات والأهداف التي تروم تحقيقها، فإن مشروع الغزالي الفكري يعتبر وفق هذا المعيار من أثرى وأنضج وأينع المحاولات الاجتهادية التي أنتجها العقل المسلم المعاصر، فقد نجح هذا المشروع في استدعاء معظم أو جل اللبنات التي ما تزال صالحة لإعادة البناء المذخورة في التراث الإسلامي، وذلك بواسطة منظور نقدي له أسسه ومحدّداته المنهجية، وإقامة علاقة حيوية دائمة لمناقشة ومجادلة زخم الموروث الثقافي الإسلامي واستنطاق العناصر الحية في هذا الموروث، قصد تجديد أساليب أداء العقل المسلم واستكمال الأدوات المنهجية الضرورية لبلورة مرجعيته القائمة على مبدأ "فكريّة الإسلام الكليّة".. سواء تعلق الأمر بالمنهج أو بالمعرفة أو الواقع.
5- إن مشروع الغزالي الفكري يشرح ويبرهن في الوقت نفسه على كون أزمة الأمة الإسلامية الأولى ليست أزمة عقيدة أو قيم ومبادئ، وإنما هي أزمة فكرية، وأنّ كل الأزمات هي في حقيقتها مظاهر وانعكاسات طبيعية لهذه الأزمة، وأن العلاج والحل يجب أن يبدأ بتصحيح فكرها وترشيد مسار ومنهج العقل المسلم، وبذلك نستطيع القول بأنّ مشروع الغزالي الفكري يهدف أساساً إلى وضع الأمة وفكرها ومؤسساتها في بداية الطريق الصحيح.
6- إن المراجعة المنهجية الدقيقة لجهود الغزالي الفكرية ولقسمات مشروعه الفكري بما في ذلك معالم شخصيته وخصائص خُلقه وسلوكه، تجعل الباحث والدارس يقتنع بأن هذه الجهود وهذا النموذج وهذه الاجتهادات والرؤى والمرئيات التي قدمها الغزالي تمثل مدرسة رائدة متميزة في الفكر الإسلامي المعاصر، لا سيما أن فكر الغزالي له تأثيرات واضحة سواء على صعيد الامتدادات الأفقية للمجتمعات الإسلامية أو على صعيد النخبة المفكرة والواعية من أبناء هذه الأمة.. فهذا المشروع الفكري -فيما أعتقد- قد نجح في تحديد المنطلقات الصحيحة وبناء الرؤية السليمة لمنهج النظر والاستنباط والتفكير الإسلامي المتوازن.
مسئولية الأجيالمن جانبه يقول المفكر الجزائري الدكتور إبراهيم نويري: "إن الجهود اللاّحقة والمتفاعلة مع هذا المشروع، تقع عليها مسؤولية تبنّي معطيات وثمرات هذا المشروع الفكري، والبناء على أسسه وتطوير برنامجه ومفرداته في الإصلاح الفكري والتغيير الاجتماعي والتأسيس الحضاري على ضوء إفرازات ومستجدّات تدافع الوقائع والظروف والأحداث، وطوارئ ونوازل الصراعات والمدافعات والعلاقات".
مضيفاً:"حتى يسترجع العقل المسلم المعاصر عافيته النهائية ويستردّ دوره التاريخي والإنساني في الشهود الحضاري، ويستأنف مسيرته المبدعة الخلاّقة في نفع الإنسانية والكائنات والكون بعطاءات رسالة الاستخلاف الصحيح، وفيوضات الخير الحقّ، والرحمة الصحيحة المنبثقة من المنهج الأقوم والهداية الأزلية".
وتابع:"رحم الله المفكّر المجدّد المجتهد الشيخ محمد الغزالي في ذكرى مئوية مولده الأولى، لقاء ما قدم لدينه وأمته وأجيال الصحوة الإسلامية، والله وليّ كلّ توفيق وسداد ورشاد".
جدير بالذكر أن الندوة الدولية لمئوية الشيخ محمد الغزالي، حضرها وحاضر فيها الدكتور علي القرادغي الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، ود.حسن يلماز مفتي إسلامبول، والدكتور عمر قرقماز المستشار الأول لرئيس وزراء تركيا. بالإضافة للكاتب الصحفي صلاح عبد المقصود وزير الإعلام بحكومة الدكتور هشام قنديل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق