كم تساوي رأس مبارك؟
في الصفحة الأخيرة ليلة ثورة 25 يناير 2011 كتب في صحيفة الأهرام الخبر التالي: «280 ألف دولار مقابل رأس الملكة فيكتوريا» فسرحت وأنا أرد مع نفسي: ترى كم تساوي رأس مبارك؟
انتبهت إلى الجملة، والحقيقة وعلى الرغم من عشرات المقالات التي سطرتها ضده في عهده إلا أني كنت أشك في أن يترك مبارك حكم مصر، ولا كان في ذهني ذلك، كان كل حلمي إقالة الحكومة بما فيها السفاح حبيب العادلي وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية الحقيقية، وأن يتم محاسبة قتلة خالد سعيد، وإلغاء الطوارئ والتوريث وتعديل الدستور.
تصفحت المصري اليوم لأجد أربع محاولات انتحار لمواطنين، وأخبار عن اعتصامات في القاهرة والجيزة كبروفة مبكرة ليوم الغضب، وكذلك عن مشاركة القوى السياسية في يوم الغضب ومنهم حركة 6 أبريل التي نظمت ورشة عمل لخمسين ناشطًا عن كيفية التحرك ومواجهة قوات الأمن والإسعافات الأولية، وقام عدد من ممثلي القوى الوطنية بالبحيرة بتوزيع بيانات في شوارع دمنهور للدعوة للمشاركة في فعاليات 25 يناير، وكذلك «الجبهة الحرة للتغيير السلمي، وأصدر شباب حزب «الوفد» بيانًا حول مشاركتهم في يوم الغضب، وهاجم أعضاء الحزب الوطني «إن الوقفة الاحتجاجية تستهدف إشاعة الفوضى وزعزعة الاستقرار الذي تنعم به مصر الآن»، أما الدكتور هاني الناظر، أمين الحزب الوطني بمحافظة 6 أكتوبر فقد وصف الوقفة الاحتجاجية بـ «الوقفة العشوائية»، ثم كانت الرؤية الصائبة التي أمتعتني لجلال عامر وحسن نافعة وبلال فضل ومحمد أمين.
أقرأ «الأهرام المسائي» من الصفحة الأخيرة حيث مقال أنور الهواري، فأقرأ آخر جملة في مقاله «أجدد التذكير بكلمات مبارك: سوف نتعقب الإرهاب في الخارج وسنواجه المحرضين في الداخل»!
لا جديد في جريدة «روزاليوسف» في ليلة الثورة المصرية.
الساعة جاوزت الخامسة صباحا.
في جريدة اليوم السابع، وجدت تحذير البابا شنودة الثالث للأقباط من المشاركة في أي مظاهرات، وحتى لا يتسمم بدني أكثر نحيتها جانبًا وأمسكت بجريدة الشروق حيث توقفت أمام صورة في الصفحة الخامسة لجنود الأمن المركزي كتب فوقها «الداخلية تستعد في العاصمة بـ 3 آلاف جندي و1000 شرطي سري»، ابتلعت ريقي، جف حلقي، قررت ألا أكمل القراءة، وعدت إلى مقال وائل قنديل الذي يدعو فيه الشرطة لأن تتعامل بشكل حضاري مع المتظاهرين لأن التظاهر حق مشروع، ثم وجدتني فجأة أحترق، شيئًا ما يلسعني، ولم أنتبه إلى أنني نمت إلا حين لسعني الضوء حيث كانت الشمس قد ألقت بظلالها على رأسي الملقاة على المكتب واكتشفت أن الساعة تخطت العاشرة والنصف صباحًا، تحركت تجاه الشرفة، سمعت جلبة وأصواتًا متداخلة، لكن المميز بيادات عساكر الأمن المركزي المتواجدة في ضجيجها.
خرجت إلى الشرفة فوجدت السفير السويسري وزوجته قبالتي مباشرة حيث تطل الشرفة على السفارة السويسرية ونقابة الصحفيين وشارع عبد الخالق ثروت، لمحت محمد عبد القدوس ومجموعة من الصحفيين أمام نقابة الصحفيين بينما شاهدت عساكر الأمن المركزي وضباطهم يتقدمون من شارع شامبليون من ناحية نادي القضاة، وآخرين منهم من ناحية منطقة «معروف»، فأدركت مبكرًا خطتهم لتطويق المتظاهرين ووضعهم في دائرة تضيق عليهم حتى يدخلوهم مبنى نقابة الصحفيين.
وأنا أغسل وجهي رحت أفكر في الطريقة التي أصل بها إلى ميدان التحرير، هبطت درج السلم حيث لا يتم سحب المصعد إلى الطابق الخامس، التقاني عم إبراهيم حارس العمارة وحذرني بأن هناك مشاكل في الشارع وعليَّ ألا أخرج، وفي المدخل وجدت الأستاذ مجدي والأستاذ إدوارد من سكان العمارة وهما أعضاء اتحاد الملاك أيضًا، أبديا انزعاجهما حيث عرفا أنني ذاهب للميدان، وكان يريان في البداية أنها ثورة إخوان مسلمين.
حاولت الابتعاد عن شارع عبد الخالق ثروت وتقاطعه مع طلعت حرب، اتجهت إلى شارع عدلي، وقفت أمام كافيه «اكسلسيور» لدقيقة ثم تحركت إلى شارع شريف، في نهايته لمحت عساكر الأمن المركزي تسد الطريق إلى الميدان، عدت أدراجي حتى وصلت البنك المركزي ثم غيرت اتجاهي ناحية قصر عابدين لأعود منه مرة أخرى إلى باب اللوق فالتحرير، الحمد لله وجدت أعدادًا كبيرة من الشباب الذي يبهج النفس ويسر القلب، كان أول هتاف أسمعه «تونس هي الحل»، ثم انضممت إلى الهتاف الذي رحنا نوجهه للناس الذين ملؤوا شرفات وسط البلد «يا أهالينا انضموا إلينا» و «انزل.. انزل» في دعوة لأن يشارك الأهالي في هذه المظاهرات، فجأة وكنا حوالي 150 شابًا وجدنا عساكر الأمن المركزي تتجه ناحيتنا في زيها الأسود المخيف، وقفنا ننظر لبعضنا البعض، هتفنا فجأة «الشرطة والشعب إيد واحدة»، لكن على الرغم من الهتاف كانوا يتقدمون بعصيهم الغليظة ودروعهم المخيفة، (عمرهم ما كانوا إيد واحدة)، نظرنا خلفنا فوجدنا مجموعة كبيرة من الشباب تتراجع وأمامها عساكر أمن مركزي أيضًا، وفجأة قال شاب: كده هايحاصرونا من عبد الخالق ثروت وشريف ادخلوا عدلي. دخلنا شارع عدلي ووصلنا أمام سينما ميامي، فوجدناهم قادمين من شارع 26 يوليو أيضًا، ومن شارع طلعت حرب، باءت كل محاولات وصولنا إلى ميدان التحرير بالفشل.
كانت الوجوه مفعمة بالأمل ومصرة على تحقيق أهدافها.. مصرة على قهر المستحيل، على إسقاط نظام غاشم، أن يتم التخلص من ركود مجتمع ارتاح للركود، تلقيت عدة رسائل على هاتفي وأعدت إرسالها لزملائي الذين قرروا المشاركة قبل الثورة بأيام، جمعتنا عدة جلسات لكيفية الاستعداد ومواجهة الشرطة وطريقة التصرف معهم، كان عليَّ أن أتخلص من طريقتي الصعيدية في التحطيب أثناء التعامل مع عساكر الأمن المركزي.
@samykamaleldeen
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق