7 ـ في إطار النموذج المركب يمكن استخدام المجاز كوسيلة تعبيرية تحليلية مشروعة، فالمجاز هو اعتراف
ضمني بتركيبية العالم واستحالة رده إلى عالم / . الطبيعة المادة الحادي والمجاز ليس مجرد زخرفة وإنما هو
أداة لغوية مركبة طورها النسان لتساعده على إدراك حالت إنسانية بعينها ل تستطيع اللغة النثرية العادية
. ا أو غير مألوف، فنحن حين نتحدث عن
أن تحيط بها واستخدام المجاز ليس أمرً «النسان ا جديدً
القتصادي أو رجل أوربا المريض نستخدم صورً » « » ا مجازية تتسم بقدر من التركيب من وجهة نظر صاحبها
. كما تتسم بمقدرتها التفسيرية للواقع وقد استخدمنا « ا في صياغة المصطلحات، فبجوار رجل
المجاز أيض ً
» « أوربا المريض وضعنا رجل أوربا » « » النهم ، كما أن اصطلح التركيب الجيولوجي التراكمي هو صورة
مجازية تقف بين ثنائية « » العضوي واللي، واصطلح العربي الغائب هو اصطلح يستند إلى قدر من المجاز.
8 ـ حاولنا بقدر المكان التيان بمصطلحات تتسم بقدر من الحياد وتتجاوز التحيزات الغربية والصهيونية .
فبدلً « » « من كلمة يهود أو الشعب اليهودي » « » استخدمنا مصطلح جماعات يهودية ، وأسقطنا مصطلحات
« » متحيزة مثل العبقرية اليهودية و « » « » المؤامرة اليهودية و عداء الغيار الزلي لليهود وهي مصطلحات
تمتلئ بها كتب « » الصهاينة وأعداء اليهود، فكنا نتحدث عن العباقرة من أعضاء الجماعات اليهودية أو
« ». المجرمين من أعضاء الجماعات اليهودية وبالطبع واجهنا قضية محاولة نقل وجهة نظر العدو للقارئ .
وفي هذه الحالة كان علينا أن نورد المصطلح كما هو، ترجمة مباشرة ودقيقة من العبرية أو النجليزية أو
« اللمانية فـ الفولك Volk » «هو الشعب العضوي»، « و الجويش بيبول People Jewish » «هو الشعب
اليهودي وقد ع ّ ». رفنا هذه المصطلحات لنبّ . ين للقارئ مضمونها اليديولوجي الصهيوني وكلما وردت في
إحدى نصوصنا فإننا ننسبها للعدو ولمرجعيته ونخلق مسافة بيننا وبينها.
9 ـ تبنينا نفـس المنطق في ترجمة المصطلحات:
العبرية لم نترجمها حرفيً ) « أ فكلمة إكزايل exile » «النجليزية و جالوت» " " « » « » ا إلى منفى أو شتات إذ أن
هذا يعني تبني المرجعية . « والتحيزات الصهيونية وكلمة أنتي سيمتيزم semitism-anti «لم نترجمها إلى
«معاداة » « » . السامية وكلمة هولوكوست لم ننقلها بمنطوقها العـبري بل أشرنا للظاهرة الولى بعبارة
« » « انتشار الجماعات اليهودية في العالم ، وللظاهرة الثانية بعبارة معاداة » « اليهود ، والثالثة بعبارة البادة
». النازية لليهود وما فعلناه هو ما فعله الفلحون الفلسطينيون في نهاية القرن الماضي إذ نظرنا للظاهرة
ودرسناها ودرسنا المفاهيم الكامنة وراءها ثم سميناها بمصطلحات تقع خارج نطاق التحيزات الغربية
والصهيونية ولم َ . « » « » ترد كلمات مثل منفى و جالوت إل في محاولة نقل وجهة نظر الخر للقارئ العربي.
) ب وفي بعض الحيان كنا نترجم المصطلح إلى العربية ثم نضع المصطلح البولندي أو اللماني أو العبري
ّ بر عن ظواهر : « ( ل من الخصوصية التعجيل بالنهاية دحيكات
ٍ بين قوسين لن المصطلحات ُتع
تتسم بقد ٍر عا
)» « هاكتيس ـ شال الصلة ( )» « ( )» « ( طاليت ـ الشعب العضوي فولك ـ طبقة النبلء البولنديين شلختا) ».
) جـ ومع هذا هناك كلمات لم نتمكن من تطبيق هذا المنطق عليها:
* ( ) فالختصارات على سبيل المثال الهستدروت ـ ويزو تم نقلها كما هي.
* بعض الصطلحات العجمية التي شاعت مثل الكيبوتس و المشناه و الجيتو « » « » « ».
* حاولنا قدر استطاعتنا استبعاد صيغة الجمع العبرية الكيبوتسيم ، وبدلً « » من ذلك نقول «الكيبوتسات».
) د فيما يتصل بأسماء العلم:
* اليهود الذي نشأوا خارج فلسطين ترجمنا أسماءهم من لغاتهم الصلية مباشر ً « » ة فموسى هس هو
« موسى هس» « » « » « » « » وليس موشيه هس و إسحق لمدان ليس يتسحاق لمدان وإنما إسحق وحسب.
« » نا أسماءهم لن هذه هي لغتهم فموسى ديان هو « » موشيه ديان و
* اليهود المولودون في فلسطين عبرّ
ُيع ّ إسحق رابين هو يتسحاق رابين ، ورغم أن اسم موسى عاد ً « » « » « » ة ما ( « » رب موزيس النجليزية تصبح
موسى إل أننا عبرّ « ») نا أسماء العلم السرائيلية حتى نكون متسقين مع أنفسنا ولن أسماءهم العبرية قد
شاعت.
هـ) « أدخلنا أداة التعريف العربية على المصطلحات التي لم يمكن ترجمتها مثل الهاجاناه»، ولكن حينما يرد
المصطلح العجمي بين قوسين بعد الترجمة فهو يرد دون أداة التعريف.
) و حاولنا قدر المكان اسـتخدام كلمات عربية وتفعيل إمكانيات المعجم العربي استخدام المثنى ـ النحت ( ...
بالحروف اللتينية أوردنا قبلها نطقها بالحروف العربية حتى ). كتبت
إلخ وحينما كانت ترد كلمة أعجمية ُ
يستطيع القارئ العربي أن . لد في نفسه الرهبة ومع أنه ل توجد
يتعامل مع الكلمة بشيء من اللفة ول ُتوَ
قواعد محددة لطريقة كتابة نطق الكلمات العجمية بالعربية، فقد أخذنا بهذه الطريقة من باب الدعوة إلى
أن ُ يفتح باب الجتهاد في هذه الناحية.
) ز لكن مذهبنا في تناول الكلمات الجنبية لم يكن يعني بالضرورة النغلق، فحينما وجدنا مثلً صعوبة في
ً النجليزية ع ّ « » ا إلى جنب « توليد كلمة لتقابل كلمة إثنيك ethnic «ربنا الكلمة واستخدمنا كلمة
إثني جنب .
) ح لكن كل هذا ل يعني بطبيعة الحال أننا رفضنا كل الصطلحات والتعريفات القائمة، فقد أخذنا بكثير منها
ولكن بعد أن وضحنا ُبعدها المعرفي والنهائي.
حدود الموسوعة
الحديث عن إنجازات الموسوعة أمر . سنتركه للمفكرين والنقاد والقراء ومع هذا، قد يكون من المفيد أن
نشير إلى ما تحاول الموسوعة إنجازه وما لم تحاوله، حتى يستطيع القارئ تحديد مستوى توقعاته منها
وحتى تمكن محاكمتها من هذا المنظور وداخل الحدود التي وضعتها لنفسها.
1 ـ الموسوعة ليست موسوعة معلوماتية، ومن ثم فهي ل تهدف إلى حشد أكبر قدر ممكن من المعلومات.
ًا ما ُيق ّ دم في
الموسوعات المعلوماتية، إل أن كم ا كبيرًا من المعلومات يفوق أحيان
ورغم أنها تق ّدم قدرً
المعلومات ليس همها الساسي، كما أنها ل تزعم أنها ستق ّ " " دم للقارئ آخر ما تم التوصل إليه في حقل
الدراسات التي ُتع َنى باليهودية والصهيونية والجماعات اليهودية مع أن مؤلفها قد استفاد بكل ما أتيح له من
دراسات، ومن ذلك أحدثها.
ا
كما أنها ل تحاول أن تق ّدم عرضً للظواهر التي تناولتها، رغم تأكيدها الُ بعد التاريخي، ورغم رفضها أن ا تاريخيً
ُتن َزع الظواهر . . من سياقها التاريخي وهي ل تزعم لنفسها الشمول فعلى سبيل المثال لم تضم الموسوعة
كل العلم اليهود، وإنما حاولت تقديم أهمهم مع التركيز على الجوانب النماذجية من . حياتهم كما أن بعض
( ) الشخصيات الهامشية من منظور النماذج السائدة تم التركيز عليها . بسبب أهميتها النماذجية وحينما تعاملنا
مع النظام السياسي السرائيلي، لم نقم بتغطيته تغطية شاملة بكل عناصرة، بل ركزنا وحسب على بعض
الموضوعات الساسية.
2 ـ الموسوعة، قبل كل شيء، دعوة إلى إعادة التفكير في طرق التفكير حتى ُنح ّ سن من أدائنا التنظيري
ا
ً
والتفسيري الذي يجعلنا ندرك الواقع بشكل أكثر تركيب دون الستنامة للمقولت الختزالية العامة الجاهزة .
وتطرح الموسوعة فكرة النماذج التحليلية باعتبارها طريقة أكثر كفاءة من الطرق الخرى في عملية رصد
الواقع ودراسته وفي تنظيم المعلومات وتصنيفها وفي كيفية استخلص النتائج والتعميمات منها، أي أن
( ) الموسوعة ل ترفض المعلومات ول تبدأ من العدم فهذا مستحيل وإنما ترى ضرورة البحث عن المعلومات
ّ هم أن المعلومات هي . المعرفة ولو لم تكن المعلومات
والتعامل معها شريطة عدم الستسلم لها وَتو
ا بالمجلد الول الذي
ً
أساسية لكتفى المؤلف منطقي يوضح فيه نماذجه التحليلية.
3 ـ حين تناولت الموسوعة الدولة الصهيونية تعاملت مع النماط المتكرة والثوابت الستراتيجية وحسب
ا ما
وركزت على الُ بعد الصهيوني للظواهر السرائيلية وعلى تلك الظواهر السرائيلية التي استقرت نوعً
وأصبـحت ذات طابع بنيوي مثل عنـصرية المجتمع السرائيلي باعتباره مجتمع ً « » ا استيطانياً إحلليًا، ووظيفية
الدولة الصهيونية.
ّ ( ) دد دراسة الواقع من خلل نماذج تفسيرية وإنما تحاول أن
4 ـ ل تكتفي الموسوعة بتقديم شرح منهج مح
ُتق ّدم دراسة حالة اليهود واليهودية والصهيونية وبعض جوانب التج ّ : . مع الصهيوني في هذا الطار حاولت
ا للعقيدة اليهودية والحركة الصهيونية ودراسـة
متكاملة على مسـتوى عالمي ا عام ً
الموسوعة أن تقدم تاريخً
( ) زماني ومكاني يضم الصين والهند وغرب أوربا وشـرقها، قبل عصر النهضة وبعدها؛ وهي دراسة تبرز
التنوع وعدم التجانس بين الجماعات اليهودية.
5 ـ تحـاول الموسـوعة أن تقدم الظواهر اليهـودية من خلل مجموعة من النماذج ( والسياقات التاريخية ـ
تعريف المفاهيم والمصطلحات السائدة تعريف ً ) الجتماعية ـ القتصادية ـ الدينية المختلفة التي تساهم في ا
أكثر تفسيرية وتبرز جوانبها الشكالية وتبتعد بذلك عن الواحدية السببية التي ُتف ّ سر كل الظواهر في إطار
( سبب واحد مادي عاد ً). ة واعتراضنا على المادية ليس بسبب ماديتها، فهناك من الظواهر ما ل يمكن
تفسيره إل من خلل نماذج مادية، وإنما بسبب زعمها الشمولية التفسيرية التي تؤدي إلى الختزالية
. والواحدية فعلى سبيل المثال، حينما تتعرض الموسوعة لظاهرة مثل يهود التحاد السوفيتي فإنها تفعل ذلك
ّزعهم الوظيفي وأعدادهم وأسباب هجرتهم وانتماءاتهم السياسية
من خلل عدة مداخل عن تاريخ اليهود وَتو
والفكرية والدينية في ك ّ ل من روسيا القيصرية وروسيا السوفيتية والمشاكل المادية والمعنوية التي قابلوها .
كما ( توجد عدة مداخل أخرى عن أنواع يهود التحاد السوفيتي القراءون ـ الكرمشاك ـ الجورجيون ـ يهود
مداخل عن موقف ماركس وإنجلز .. ). ا
اليديشية ـ يهود الجبال ـ يهود بخارى إلخ وتضم الموسوعة أيض ً
والبلشفة من المسألة اليهودية، وعلقة اليهود بالفكر الشتراكي، وتطور الرأسمالية الغربية، وتطور
العلمانية.
6 ـ تقوم الموسوعة . باستخدام النماذج التحليلية والنماذج هي ثمرة عملية تجريد بحيث يمكن النظر
للظاهرة . في علقتها بظواهر أخرى مماثلة وهذه قضية في غاية الهمية في حالة دراسة اليهود، إذ يمكن
من خلل النماذج التحليلية الخروج بالظواهر اليهودية من جيتو التف ّ (الصهيوني المعادي لليهود واليهودية ) رد
. بحيث يتم ربطها بظواهر مماثلة فاشتغال اليهود بالتجارة في الحضارة الغربية يتم ربطه باشتغال الصينيين
بالتجارة في جنوب شرق آسيا، ( ) وظاهرة اليهود المتخفين المارانو في شبه جزيرة أيبريا يتم ربطها بظاهرة
ين
المسلمين المتخفين الموريسكيين ونحن بذلك ل َ ( ). نس ُقط في أية عنصرية تفسيرية أو فعلية، كما أننا نبّ
بذلك أن اليهود بشر وأن مفهوم النسانية المشتركة مفهوم له مقدرة تفسيرية.
7 ـ ط ّ ورت الموسوعة مفهوم الجماعات الوظيفية باعتبارها مفهوماً تحليليًا مركبًا، كما بّ ينت أهمية الدور
الوظيفي للجماعات اليهودية وإدراك ا ُيل َ عب داخل مجتمع
دى ودورً
الجماعات اليهودية باعتبارها وظيفة ُتؤ ّ
. الغلبية ومن خلل هذا المفهوم، أمكن لنا أن ندرك الستمرارية بين المفهوم الغربي لليهود باعتبارهم
جماعات وظيفية وبين الرؤية الغربية للدولة الصهيونية باعتبارها دولة ( وظيفية قاعدة للستعمار الغربي
التحـليلي الهـمية التاريخـية لتجربة أعضـاء الجـماعات ا إستراتيجيً ). ا له وأبرز لنا هذا المفهـوم
وحليف ً
اليهودية في بولندا في إطار القطاع الستيطاني.
8 ـ ط ّ ورت الموسوعة نموذج الرؤية العلمانية المبريالية الشاملة كنموذج تفسيري شامل، وبّ ينت العلقة بين
العلمنة الشاملة والمبريالية وأثر كل هذا على الجماعات الوظيفية في الغرب والعالم.
9 ـ ط ّ . ورت الموسوعة نموذج الحلولية الكمونية الواحديةكنموذج تفسيري وفي ضوء هذا، أعدنا كتابة تاريخ
المحورية لظهور القّباله باعتبارها نسق ًا غنوصيً اليهودية وتاريخ أعضاء الجماعات اليهودية وبّ ينا الهمية ( ا
ا
ًا كمونيً
حلولي متطرفاً).
10 ـ أبرزت الموسوعة التمييز البديهي بين اليهود واليهودية، أي التمييز بين المثالي والمعياري من جهة،
والفعلي والمتحقق من جهة أخرى؛ بين أحلم البشر وأشواقهم من جهة، وأدائهم وواقعهم من جهة أخرى.
ّ يز الموسوعة بين التاريخ المق ّ دس الذي ورد في العهد القديم والتاريخ الزمني الذي يعيش في إطاره
11 ـ تم
وعالمي مستقل عن تواريخ ا من هذا، بّ . ينا أنه ل يوجد تاريخ يهودي عام
أعضاء الجماعات اليهودية وانطلق ً
البشر ومن ثم، حاولت الموسوعة أن ُ . تعيد كتابة تواريخ أعضاء الجماعات اليهودية بطريقة أكثر تركيبية
كتب من
ّ . ين أنه ل يوجد تاريخ ليهود مصر ُ
وتفسيرية، ومن ثم أكثر إنسانية عما تواريخ اختزالية وحاولنا أن ُنب
بمعزل عن تاريخ مصر، ول تاريخ ليهود بابل بمعزل عن تاريخ بابل، ول تاريخ ليهود الوليات المتحدة بمعزل
عن تاريخ بلدهم.
ّ ين الموسوعة أنه ل يوجد تاريخ للصهيونية مستقل عن تاريخ الحضارة الغربية الحديثة، ول تاريخ
12 ـ ُتب
للصهيونية غير اليهودية منفصل عن تاريخ الصهيونية بين اليهود، ول تاريخ للصهيونية منفصل عن تاريخ العداء
لليهود، . ول تاريخ للفكر اليهودي الغربي بمعزل عن تاريخ الفكر الغربي ورغم إدراكنا للوحدة النهائية، إل أننا
ّ ب استقللية كل ظاهرة
ط ّورنا مفهوم ً عن الخرى. ا للوحدة الفضفاضة ل يَ ُج
13 ـ حاولت الموسوعة ضبط المستوى التعميمي والتخصيصي، فقامت بتأكيد الُ بعد النساني العام في
الظواهر اليهودية، ذلك الُ بعد الذي تحرص الدراسات الصهيونية والمعادية لليهودية على إخفائه، وحاولت أن
الخصوصية والتف ّ تبتعد عن اليقنة وتأكيد ( رد الذي تحرص الدراسات الصهيونية والمعادية لليهودية على
إبرازه). ولكنها، في الوقت نفسه، لم تسقط في التعميم الذي ُ يفقد الظاهرة ملمحها وقسماتها ومنحناها
الخاص وقد بّ . ينا أن هذا الخطاب التحليلي السائد في تلك الدراسات التي ُتع َ نى باليهود واليهودية والصهيونية
يتأرجح بين التعميم الشديد والتخصيص الشديد. فالبادة النازية لليهود إن هي إل تعبير عن نمط متكرر عام
من ق َبل الغيار ويمكن أيضً لليهود هو العداء الزلي لليهود ا المغالة في التخصيص، ف ُ . يقال إن البادة النازية
. إن هي إل جريمة ألمانية خالصة ضد اليهود وحدهم وذهبنا في هذا إلى أن البادة النازية لحظة نماذجية
فريدة ولكنها تعبير عن نمط عام هو استخدام البادة (بصورة عامة من ق َ ) بل التشكيل المبريالي الغربي
كآلية إمبريالية لعادة صياغة العالم ونقل الفائض السكاني الغربي خارج القارة الوربية وإحلله محل
العناصر . البشرية التي تتم إبادتها ولذا فإن إبادة اليهود على يد النازيين تشبه إبادة سكان أمريكا الصليين
الذي كان يهدف إلى نقل الفائض ا عن المشروع الصهيوني
على يد المستوطنين البيض ول تختلف كثيرً
السـكاني اليهودي خارج القارة الوربية وتوطينه في فلسـطين ليحل محل الفلسـطينيين الذين يتم طردهم
. ا ومع هذا،
وإبادتهم أحيان فالبادة النازية لها خصوصيتها إذ أنها عملية البادة الوحيدة التي تمت داخل أوربا ً
. وليس خارجها، على عكس عمليات البادة الخرى كما أنها تمت بمنهجية صارمة لم تتسم بها عمليات
البادة الخرى.
ا لعلم مقارنة الديان يبتعد عن
14 ـ من خلل نموذج الحلولية، تحاول الموسوعة أن تطرح أساسًا جديدً
الرصد البراني للشعائر ظن التفاق،
َ
والعقائد ويحاول أن يصل للنماذج الكامنة التي تبين الختلف حين يُ
. ظن الختلف ففي ضوء نموذج الحلولية الكمونية أمكن إعادة تحديد
والتفاق حين يُ علقة اليهودية َ
بالمسيحية، كما أمكن إعادة تعريف العلقة بين المسيحية واليهودية والسلم بحيث يتضح التقارب بين
( المسيحية والسلم والتباعد بين السلم ور في كثير من الدراسات ) .
واليهودية على عكس ما هو ُمتص َ
وتحاول الموسوعة تفسير ( ) ا
ظاهرة الصلح الديني وما صاحبها من حركات صوفية متطرفة باعتبارها تعبيرً
عن . تزايد معدلت الحلولية الكمونية ومن ثم تصاعد معدلت العلمنة وبهذه الطريقة، أمكن الربط بين
البروتستانتية والنسانية الهيومانية رغم تعارضهما الظاهر.
15 ـ ارتبط بهذا تطوير مصطلحات جديدة تعّبر عن مفاهيم جديدة فبدلً . « من الصهيونية » العالمية نتحدث
« ( )» « ( عن الصهيونيتين التوطينية والستيطانية و العلمانيتين الجزئية والشاملة وُيل َ )». حظ أن المصطلحات
ال باليهود واليهودية والصهيونية ُتج ّ سد التحيزات الصهيونية ُمستخ َدمة في حقل الدراسات التي ُتع َنى
إحلل مصطلحات أكثر حيادً » والغربية، ولذا فقد تم ا محلها؛ فتم مثلً « استبعاد مصطلح مثل الشعب اليهودي
( الذي يفترض أن اليهود يشكلون وحدة عرقية ودينية وحضارية متكاملة المر الذي يتنافى ) مع الواقع ليح ّل
محله مصطلح الجماعات اليهودية ، وبدلً « » « من كلمة الشتات» اسُ « » تخدمت العبارة المحايدة أنحاء العالم ،
وبدلً « » من التاريخ اليهودي تشير « ». الموسوعة إلى تواريخ الجماعات اليهودية والمصطلحات البديلة
وحسب وإنما أكثر دقة وتفسيرية. ا
ليست أكثر حيادً
رف عليه في الوساط
َ
16 ـ حاولت الموسوعة أن توضح أن المؤشرات ل تشير بالضرورة إلى ما هو ُمَتعا
. العلمية فهجرة يهودي إلى ا عن انتمائه الصهيوني، وبناء معبد يهودي ل يعني
إسرائيل ليست بالضرورة تعبيرً
بالضرورة تزايد معدلت التمسك بالعقيدة اليهودية.
ا بحقل الدراسات الخاصة باليهود واليهودية، إل أن تعميمها
17 ـ والعناصر السابقة، رغم أنها مرتبطة أساسً
على حقول معرفية أخرى أمر ممكن، فقضية النماذج الختزالية في مقابل النماذج المركبة يواجهها كل
الدارسين في حقل الدراسات النسانية.
18 ـ من خلل نموذج الحلولية، حاولت الموسوعة أن ُ تلقي أضواء جديدة على تاريخ العلمنة والعلمانية
الشاملة وعلى َتط ّ ) ( الحداثة ودور الترشيد في ( ور الحضارة الغربية الحديثة من التحديث والحداثة إلى ما بعد
). الطار المادي وطرحت الموسوعة فكرة التراكم المبريالي بدلً من التراكم الرأسمالي .
19ـ تحاول الموسوعة أن تبّ ين علقة مفهوم ( الحلولية بمقولة التجاوز والنسانية المشتركة باعتبار النسان
مقولة متجاوزة / للطبيعـة المــادة رغـم أنهـا تتبــدى من خــللها، وباعـتبار ثنـائية النسان والطبيعة صـدى
ّ ين الدللت المعرفية والمكانات
). لثنائية الخـالق والمخـلوق وتعبير عن نموذج التوحيد كما تحاول أن تب
البحثية لهذه العلقة.
( والدال عن المدلول، والكل عن الجزء، والمطلق عن النسبي، والنموذجي عن ). الواقع وأن تطرح حلّ 20ـ تحاول ( ) الموسوعة أن تشـرح مفهـوم المسـافة الحـيز النســاني التـي تفصل الخالق عن المخلوق
لمشكلة القيمة في العلوم الجتماعية؛ فالقيمة الخلقية معيارية ومثالية يحتكم إليها الفاعل النساني ولكنها
ل تتجسد بالضرورة في الواقع، ومن ثم فهي ل تخضع للبحث المبريقي رغم تب ّ ديها في سلوك الناس
وطموحاتهم وأشواقهم.
ا جديدة للتعريف وإعادة التعريف: « التعريف من خلل دراسة الحقل
21 ـ حاولت الموسوعة أن تطرح طرق ً
الدللي لمجموعة من المصطلحات المتداخلة المتشابكة» « و التعريف من خلل التفكيك وإعادة التركيب في
ضوء الثوابت البنيوية والمسلمات الكامنة».
22 ـ بل تحاول الموسـوعة توسيع نطاق علم الجتماع من خلل ربطه بمسـتويات جديدة من الوعي
والنشـاط النساني، بحيث ل ُيستب َ عد المجهول ويبقى المعلوم، ول ُيستب َ ( ) عد المعرفي الكلي والنهائي ويبقى
السياسي والقتصادي والملموس، ول ُيستب َ عد النساني المركب ويبقى المادي الواحدي.
23 ـ تحاول الموسوعة أن تستعيد الفاعل النساني وتركيبيته، وأحد العناصر الساسية هنا هو النسانية
( المشتركة كبديل لمفهوم الطبيعة البشرية الجامد والنسانية الواحدة). وتقترح الموسوعة إمكانية توليد
معيارية من هذه النسانية المشتركة وتذهب إلى أن رفض العلوم النسانية الغربية لمفهوم النسانية
. المشتركة والثوابت النسانية العالمية ا العدمية
أ ّدى بها إلى السقوط في النسبية والسيولة والعمومية وأخيرً
24 ـ ( تطرح هذه الموسوعة نفسها كمحاولة أولية لعادة تأسيس أحد حقول الدراسة دراسة اليهود
يمكن محاكاتها أو الستفادة منها ) . ا من رؤية عربية إسلمية ونحن نذهب إلى أنه
واليهودية والصهيونية انطلق ً
في محاولة تأسيس علوم إنسانية عربية بشكل منهجي. والموسوعة، كشكل من أشكال التأليف، تحاول
تغطية المصطلحات والمفاهيم والعلم في . ( ) تخصص ما وتحاول الموسوعة في جانبها التفكيكي أن تقوم
بتفكيك المفاهيم السائدة، وهي في أغلب الحيان مفاهيم غربية، ثم تحاول بعد ذلك في جانبها التأسيسي ( )
تأسيس نماذج تحليلية تتفرع عنها مفاهيم ومصطلحات نابعة من التجربة العربية والسلمية، ومن زاوية
رؤيتنا.
25 ـ يمكن القول بأن الموسوعة ككل هي موسوعة كتبها مؤلف ( يشعر أن الحداثة الغربية التي تدور في
إطار العقلنية واللعقلنية المادية والعلمانية الشاملة قد أدخلت الجنس البشري بأسره في طريق مسدود ) .
وتطرح الموسوعة ( ): أسئلة معرفية كلية ونهائية ماذا يحدث للنسان في عالم بدون إله؟ وماذا يحدث
للنسان في عالم نسبي ل توجد فيه ثوابت ول مطلقات ول قيم عالمية؟ وماذا يحدث للنسان في عالم
توجد فيه حقائق بل حقيقة ول حق؟ وما هو مصير النسان في عالم انفصل فيه العلم عن القيمة وعن
. الغائية النسانية؟ واليهودي الذي تم تهجيره إلى إسرائيل تحت مظلة المبريالية الغربية وتم تحويله إلى
شخصية داروينية شرسة حتى يتسنى توظيفه في خدمتها، والذي تتم إبادته في ألمانيا النازية بطريقة
منهجية، وتم دمجه في الحضارة الستهلكية حتى لم يبق من ماضيه وهويته سوى القشور وتم قمعه
وترشيده من الداخل والخارج أليس هذا اليهودي مثلًصارخً الحداثة والعقلنية : ا لما يحدث للنسان في عصر
واللعقلنية المادية؟ ومن هنا، فإن الموسوعة تطالب بالبحث عن حداثة جديدة ل تنتهي إلى موت النسان
والطبيعة بعد أن أعلنت بصلف وخيلء موت الله.
ا برنامج بحثي وطرح لسـئلة وإثارة
26 ـ ومع أن الموسـوعة حاولت إنجاز الكثير، إل أن ما تقدمه هو أساسً
لشكاليات، أي أنها ورقة عمل بشأن الموضوعات التي تناولتها أكثر من كونها إجابات مح ّ . ددة وقد حاولنا أن
دد بعض . معالم الجابات وأن نوضح المنهج الذي استخدمناه في الوصول إلى هذه الجابات ومع هذا،
ّ
ُنح
ا
. ا أوليً
تظل الموسوعة في نهاية المر جدول عمل، أي اجتهاد ً
وبقية مداخل هذا المجلد هو محاولة توضيح الطار النظري الذي تنطلق منه الموسوعة فيتناول الجزء الول
نموذجنا التحليلي، وما نسميه ا من
الساس الفلسفي، فنتناول المفردات الساسية التي نستخدمها انطلق ً
« ». إشكالية النساني والطبيعي والموضوعي والذاتي أما الجزء الثاني فيتناول النموذج كأداة تحليلية .
( وتتناول بقية الجزاء الثاني والثالث ) : والرابع النماذج الساسية الثلثة المستخدمة في الموسوعة الحلولية ـ
العلمانية . الشاملة ـ الجماعات الوظيفية وبقية مجلدات الموسوعة هي محاولة لتطبيق هذا الطار النظري
على حالة محددة هي حالة اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل.
: الباب الثانى مفـردات
المرجعية النهائية، المتجاوزة والكامنة
« » « » « كلمة مرجع من رجع بمعنى عاد». ُ « » « » « » « يقال رجع فلن من سفره أي عاد منه ، و المرجع هو محل
» « الرجوع وهو الصل». وفي التنزيل العزيز إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون المائدة " " ( 105. (
« » ومن هنا كلمة مرجعية التي تعني الفكرة الجوهرية التي تشكل أساس كل الفكار في نموذج معين
والركيزة النهائية الثابتة له التي ل يمكن أن تقوم رؤية العالم دونها ( ). فهي ميتافيزيقا النموذج والمبدأ الواحد
ول ُير ّد هو أو ُين َ الذي ُتر ّد إليه كل الشياء وُتن َ . سب إليها ومن هنا، يمكن القول بأن المرجعية هي سب إليه
المطلق المكتفي بذاته الذي يتجاوز كل الفراد والشياء والظواهر وهو الذي يمنح العالم تماسكه ونظامه
ومعناه ويحدد حلله وحرامه وعاد ً . ة ما نتحدث عن المرجعية النهائية باعتبار أنها أعلى مستويات التجريد،
. تتجاوز كل شيء ول يتجاوزها شيء ويمكننا الحديث عن : مرجعيتين مرجعية نهائية متجاوزة ومرجعية نهائية
كامنة.
1 ـ المرجعية النهائية المتجاوزة:
المرجعية النهائية يمكن أن تكون نقطة خارج عالم « الطبيعة متجاوزة لها وهي ما نسميها المرجعية
» ( المتجاوزة للطبيعة والتاريخ ). والنسان هذه النقطة المرجعية المتجاوزة، في النظم التوحيدية، هي الله
ّ . إليهما ووجوده هو
الواحد المن ّزه عن الطبيعية والتاريخ، الذي يحركهما ول يحل فيهما ول يمكن أن ُيرد
ضمان أن المسافة التي تفصل النسان عن الطبيعة لن ُتخَ تزل ولن ُ . تلغى فالنسان قد خلقه الله ونفخ فيه
من روحه وك ّ واستخلفه فيه، أي أن النسان أصبح في مركز الكون بعد أن حمل رمه واستأمنه على العالم
عبء المانة . والستخلف كل هذا يعني أن النسان يحوي داخله بشكل مطلق الرغبة في التجاوز ورفض
. الذوبان في الطبيعة، ولذا فهو يظل مقولة مستقلة داخل النظام الطبيعي كما أنه يعني أن إنسانية النسان
. وجوهره النساني مرتبط تمام الرتباط بالعنصر الرباني فيه ومع هذا فبإمكان النظم النسانية الهيومانية
( ) التي ل تعترف بالضرورة بوجود الله أن تجعل النسان مركز الكون المستقل القادر على تجاوزه ومن ثم
تصبح له أسبقية على / الطبيعة المادة.
2 ـ المرجعية النهائية الكامنة:
يمكن أن تكون ( ) المرجعية النهائية كامنة في العالم الطبيعة أو النسان ، ومن هنا تسميتنا لها بالمرجعية
الكامنة وفي إطار المرجعية الكامنة، يُْ . نظر للعالم باعتبار أنه يحوي داخله ما يكفي لتفسيره دون حاجة إلى
. اللجوء إلى أي شيء خارج النظام الطبيعي ولذا، ( ) لبد أن تسيطر الواحدية المادية ، وإن ظهرت ثنائيات
فهي مؤقتة يتم محوها في نهاية المر وفي التحليل الخير، ففي إطار المرجعية الكامنة ل يوجد سوى جوهر
واحد في ( الكون، مادة واحدة يتكون منها كل شيء، وضمن ذلك المركز الكامن نفسه ومن هنا إشارتنا
أحيان » « المادية أو المرجعية الواحدية ً « » « ا إلى المرجعية النهائية الكامنة باعتبارها المرجعية الكامنة
»). المادية ونحن نذهب إلى أن كل النظم المادية تدور في إطار المرجعية الكامنة، ومن هنا إشـارتنا إلى
المادية باعتبارها وحدة الوجود المادية.
وفي إطار المرجعية المادية الكامنة، فإن النسان كائن طبيعي وليس مقولة مستقلة داخل النظام الطبيعي،
ا في
قبضة الصيرورة، فتسقط المرجعية النسانية وتصبح ا فيه، ويسقط تمام ً
وإنما هو ُمستو َعب تمام ً
/ الطبيعة المادة هي المرجعية الوحيدة النهائية.
ويذهب دعاة المرجعية المادية الكامنة إلى أن رغبة النسان في التجاوز رغبة غير طبيعية، ومن ثم غير
( إنسانية باعتبار أن الطبيعي والنساني ) مترادفان ، وإلى أن الجدر بالنسان أن يذوب في الكل الطبيعي
بحيث يظهر النسان . ا على النسان
الطبيعي وبهذا المعنى، فإن المرجعية الكمونية المادية تشكل هجوم ً
/ ككيان حر مستقل عن الطبيعة المادة وعلى مركزيته في الكون.
وقد ُوصفت ( الوثنية بأنها محاولة إنزال اللهة من السماء إلى الرض وإدخالها في نطاق المرجعية المادية
) / الكامنة بحيث تخضع لقوانين الرض الطبيعية المادية، ومن ثم يخضع النسان هو الخر لهذه القوانين، إذ
كيف يمكنه تجاوزها إذا كانت اللهة نفسها خاضعة لها؛ ا في الواحدية المادية الكونية؟
مستو َعبة تمام ً
( والنزعة الوثنية ل تختلف في هذا عن النزعات العلمانية المادية الطبيعية التي ترجع كل شيء إلى
/ الطبيعة المادة وتنكر أي ). إمكانية للتجاوز النساني أما الديانات التوحيدية، فهي نوع من محاولة الصعود
( ). بالنسان إلى الله في السماء وإدخاله في نطاق المرجعية المتجاوزة فالنسان، بما فيه من رغبة في
. التجاوز، له قانون خاص ووجود مستقل عن المادة وعن الطبيعة ومن ثم ُ تطرح أمام النسان إمكانية أن
ّ ( بر عما بداخله من طاقات غير مادية ربانية إن ) شئت ، وأن يتجاوز قوانين الطبيعة والمادة ويحقق القانون
يع
( اللهي أو الجوهر ) النساني المختلف عن القانون المادي الطبيعي.
( الرد رد إلى)
» « » « » « ». د الشيء إلى الشيء أرجعه إليه والرد في اصطلح
ّ الشيء أي ح ّوله من صفة إلى صفة ، و ر ّ
«رد
الفلسفة إرجاع الشيء إلى ما نتصور أنه عناصر أساسية وتخليته من العناصر . " الغريبة عنه كأن نقول رد
". المذهب إلى نقاطه الساسية وفي إطار المرجعية المادية الكامنة يتم رد كل الظواهر إلى المركز الكامن
/ في الكون وهو الطبيعة المادة وهو ما يؤدي إلى هيمنة الواحدية المادية، على عكس المرجعية المتجاوزة إذ
ل يمكن رد . النسان في كليته إلى شيء كامن في الكون، فهو يحوي داخله النزعة الربانية وأية عملية
ّ د التفاصيل الكثيرة الظاهرة إلى الوحدة الكامنة غير الظاهرة.
تفسيرية تحليلية تتضمن عملية رد، إذ ُتر
المسافة والحدود والحيز النسانى
المسافة هي البُْعد وهي أيض ً «مسافة يوم أو شهر ». ا المساحة ، وقد ُتستخ َ « » « » « » دم في الزمان ف ُيقال
. والمسافة مرتبطة تمام الرتباط بفكرة الحدود والحد في اللغة « » يعني المنع والفصل بين الشيئين ،
ّ َ : « ق عليه
ب
« » « » ( و منتهى كل شيء هو حده المعنى النطولوجي). والحد هو أيضًا تأديب المذنب كقولنا طُ
» « » الحد ، و حدود الله تعالى هي الشياء التي بّ ( ). « » « ين حرامها وحللها المعنى الخلقي و الحد هو التعريف
يز
الكامل» « » « » « أو تحليل تام لمفهوم اللفظ المراد تعريفه ، و حد الشيء هو الوصف المحيط بمعناه الممّ
يزه ( ). وهويته المعنى النفسي فكأن ا ح ّ » ( ). « » د الشيء هو
ّ
له عن غيره المعنى الدللي وأخيرً مصدر تم
الحدود مرتبطة كل الرتباط بوجود الشيء وبمضمونه الخلقي وبإمكانية معرفته ودللته وهويته.
ونحن نذهب في هذه الموسوعة إلى ( أن المنظومات المعرفية التي تدور في إطار المرجعية المتجاوزة مثل
العقائد ) التوحيدية نظم تحتفظ بالحدود الفاصلة بين الخالق العلي المتجاوز ومخلوقاته، فهو مركز النموذج
. المفارق والمتجاوز له ولذا، تظل المسافة والحدود قائمة بين الخالق والمخلوق ل يمكن اختزالها مهما
كانت درجة اقتراب المؤمن من الله ومن هـنا، ل . " " يمكن في الطار التوحيدي أن يصل المتصـوف إلى
اللتصاق بالله أو التحاد به، فثمة مسافة جوهرية ثابتة ولذا، فإن رسول الله نفسه صلى الله عليه وسلم . ( )
" لم يصل"، . بل ظل قاب قوسين أو أدنى في أقصى حالت القتراب وهذا ما سماه أحد الفقهاء « » البينية ،
" " أي وجود حيز بين الخالق والمخلوق.
ووجود الحدود بين الخالق ا أنه له حيزه
والمخلوق يعني أن المخلوق له حدوده ل يتجاوزها، ولكنها تعني أيضً
النساني المستقل، ولذا يظل النسان صاحب هوية محددة وجوهر مستقل، ومن ثم فهو كائن حر مسئول.
والمسافة بين الخالق والمخلوق يمكن أن تصبح ثغرة أو هوة إن ابتعد المخلوق عن خالقه وانعزل عنه
( ) ونسي خصائصه النسانية المرتبطة بأصله الرباني التي . تميزه عن بقية الكائنات ولكن إن حاول النسان
وأبعاده الربانية التي تميزه عن الكائنات الطبيعية، فإن المسافة تتحول إلى كر أصوله
ّ
التفاعل مع الله وتذ
ا في الرض يشغل المركز، وذلك بسبب القبس اللهي
ُمستخَلف ً
مجال للتفاعل ويصبح النسان نفسه كائناً
داخله وبسبب تفاعله مع الخالق.
أما في المنظومات التي تدور في ( ) إطار المرجعية الكامنة مثل النظم الحلولية ، يحاول المخلوق، أي
النسان، أن يضّيق ا إلى أن يصل إلى الله ويلتصق به ثم يتوحد معه،
ً
المسافة بينه وبين الخالق تدريجي وبذا
ا في النسان وفي كل
يصل إلى مرحلة وحدة الوجود حين يصبح المركز كامن المخلوقات وفي العالم ً
النساني ويصبح الخالق ومخلوقاته واحدً المادي، إذ ُ تلغى المسافة بين الخالق ومخلوقاته ويختفي الحيز ا،
ًا صلبً ( ا أو ذرياً
ًا عضوي
ّ د الكون بأسره إلى مبدأ واحد ف ُتلغى المسافات وُتسد الثغرات، ويصبح الكون كيان
وُير
ّيزه عن ً) ا تسوده
مفتت الواحدية المادية وهنا يصبح النسان جزءً . / ا ل يتجزأ من الطبيعة المادة ليس له ما يم
بقية الكائنات، وتضيع الحدود بين الخير والشر وبين الدال والمدلول.
المركز
« » « » " كلمة المركز من فعل ركز ، ويقال ركز السهم في الرض " « » « بمعنى غرزه و ركز الله المعادن في
» « الرض أو الجبال بمعنى أوجدها في باطنها». « » « » و المركز هو المقر الثابت الذي تتشعب منه الفروع ،
« » و مركز الدائرة هو نقطة داخل . الدائرة، تتساوى الشعاعات الخارجة منها إلى المحيط ونحن نستخدم
الموسوعة بمعنى مطلق مكتف بذاته، ل ُين َ « » كلمة مركز في هذه : سب لغيره، واجب الوجود، ل يمكن أن
ّ زه عنه، أما في
تقوم . رؤية للعالم بدونه وفي إطار المرجعية المتجاوزة، فإن مركز الكون متجاوز للكون من
. إطار المرجعية المادية الكامنة فمركز الكون كامن فيه والمركز عاد ً ة موضع الكمون والحلول أو النقطة
التي تتحقق فيها أعلى درجاته، ومن ثم فإن ( ) العنصر المادي الذي يشغل المركز في المنظومات الكمونية
تكون له أسبقية على بقية العناصر.
المبدأ الواحد
« » المبدأ الواحد عبارة تتواتر في هذه الموسوعة وتشير في المنظومات الحلولية الكمونية الواحدية
( ) الروحية والمادية إلى مصدر وحدة الكون وتماسكه وهو القوة الدافعة التي تضبط وجوده، قوة سارية في
الجسام، كامنة فيها، وتتخلل ثناياها وتضبط وجودها، قوة ل تتجزأ ول يتجاوزها شيء ول يعلو عليها . أحد وهي
النظام الضروري الكلي للشياء؛ نظام ليس فوق الطبيعة وحسب، ولكنه فوق ا، ل يمنحه أو أي
النسان أيضً
. كائن آخر أية أهمية خاصة هذه القوة قد يجسدها الموجود ويصل إلى كماله الطبيعي من خللها، ولكنها هي
أيض ً . « » تكترث بالتمايز الفردي وهذه القوة يسميها دعاة وحدة الوجود الروحية الله ، بينما ا قوة غير متعينة ل
« » . يطلق عليها دعاة وحدة الوجود المادية قوانين الحركة ، أو أية عبارات أخرى وحيث إن المبدأ الواحد كامن
في الظواهر الطبيعية فنحن نشير إليه أحيان المادي الواحد والمبدأ الواحد هو عاد ً ». ة مركز ً « ا باعتباره المبدأ
النسق، وهو يأخذ أشكالً مختلفة « / » « أهمها الطبيعة المادة ، وتنويعات أخرى عليها نسميها المطلقات
العلمانية».
المعنى والهدف والغاية
«المعنى هو ما ُيق َ » « » « صد بشيء ، و معنى الكلم» فحواه ومضمونه وما يدل عليه القول أو اللفظ أو الرمز
أو الشـارة ومن هنا . ُتستخ َدم « » « » عبارة معنى الوجود أو معنى الحياة ، أي أن الوجود له هدف وغاية
(باليونانية: ) « » ( « تيلوس ، و الغائية هي اليمان بأن العالم له معنى وغاية وعكسها هو العدمية»)، وهذا ما
تفترضه الديانات التوحيدية ربنا ما خلقت هذا باطلً (" " سبحانك آل عمران 191 (فإن كان للوجود معنى،
فحياة كل إنسان لها معنى، ول يمكن تص ّ تسود فيه الصدفة، وتتم عملية خلقه بالصدفة ور معنى لعالم
المحضة، أو تكون حركته حركة مادية آلية . مثل حركات الذرة فإذا كانت حركة النسان هي نفسها حركة
المادة، وكانت حركة المادة حتمية وتتم خارج وعي النسان وخارج أية غائية إنسانية، فإن كل ما يحدث
سيحدث، ول يمكن أن تنطبق عليه معايير خارجة عنه، أي أن كل المور تصبح نسبية بل حتمية وتتم تسوية
. النسان بالشياء والعلم الطبيعي الذي يتعامل مع الشياء أو مع النسان بمنطق الشياء ينتج معرفة منفصلة
عن القيم الخلقية، بل إن َتق ّ دم العلم مرتبط ( تمام الرتباط بانفصاله عن القيمة والغائية إلى أن تنفصل
النزعة العقلنية تمام ً مرتبط النزعة التجريبية عن ). « » « » ا ومن هنا التمييز بين المعنوي و المادي ، فالمعنوي
بالهدف والغاية وهما يتجاوزان المادة، أما المادي فل هدف له ول غاية. ونل ِ حظ أنه في الحضارات المادية
( ) سواء الوثنية القديمة أو العلمانية الحديثة التي تعلي شأن المادة وترى أسبقيتها على النسان، أي ترى
« » « » بر عنها بتعبيرات مثل الغتراب أو
ّ أسبقية المادي على المعنوي، مى أزمة المعنى التي يعّ
يظهر ما ُيس
«اللمعيارية النومي و التشيؤ و التسلع وغيرها ويعّ ( )» « » « » . بر الدب الحداثي عن أزمة المعنى التي يواجهها
النسان الغربي.
ا، فهي ل تنكر إمكانية الوصول إلى المعنى، وإنما تطرح
وُيل َ حظ أن النسبية الحديثة تأخذ شكلًجديدًا تمام ً
. إمكانية الوصول إلى معان كثيرة كلها متساوية في الشرعية وهي تنكر من ثم فكرة الحقيقة الكلية، فالكل
ا متجاوز للجزاء، ومن ثم يشير
بطبيعته، مادي . إلى ما وراء الجزاء وما وراء المادة فوجود الكل ًا كان أم روحيً
المتجاوز للجزاء يعني أن الجزاء خاضعة للكل، وهي خاضعة له حسب فكرة ما ومعنى ما، لوجوس ثابت
متجاوز، مطلق، وفي نهاية المر ميتافيزيقا، أي الله، وهنا ل يمكن الستمرار في إنكار القصد والغاية
. والمعنى وهرمية الواقع وفكر ما بعد الحداثة هو تعبير عن هذا التجاه الذي يشكل في ا
ً
واقع المر إذعان
كاملً لزمة المعنى وعملية تطبيع اللمعيارية التي يواجهها النسان الحديث.
( التجاوز والتعالى مقابل الحلول والكمون)
«التجاوز والتعالي ُتتر َ » « جم بالنجليزية بكلمة الترانسندانس transcendence ، «وهي من : « اللتينية ترانس
كنديري transcendere » « » « » «من مقطعي ترانس بمعنى وراء ، و كنديري» « » « بمعنى يتسلق ، أي يذهب
وراء وكلمة تجاوز عاد ً ». « » « » « ة ما توضع مقابل كمون ، و حلول» ( وقد ترجمت الكلمة النجليزية إلى
ً : « » - « الكلمات العربية التالية صوري مفارق» - « » - « » - « »). ا جواني والتعالي هو
متسام ترانسندنتالي وأحيان
ّ
أن يعلو الشيء ويرقى حتى يصير فوق غيره؛ ولذا فهو شيء مفارق ليس فوقه شيء، وهو يجاوز كل حد
معلوم أو . مقام معروف والشيء المتعالي لهذا السبب يتحدى التجربة المادية والتفسير العلمي المادي.
. « وعكس التعالي والتجاوز الحلول والكمون بالنجليزية مانثيزم pantheism» ،«و إمننانس immanence«
( « انظر الباب المعنون الحلولية ووحدة الوجود الكمونية»).
وفلسفة التعالي تذهب إلى القول بأن وراء الظواهر الحسية المتغيرة جواهر ثابتة أو حقائق مطلقة قائمة
بذاتها مجردة من شروط الزمان والمكان، وأن هناك علقات ثابتة محيطة بالحوادث ومستقلة، أي أن
ّ دد ونسبية وسيولة وراءه نظام يتسم بالوحدة والثبات
ير وتع
النظام الطبيعي، بكل ما يتسم به من تغّ
والمطلقية، وثمة مركز ثابت ( « »). للظواهر العارضة متجاوز لها وهذا ما نسميه المرجعية المتجاوزة ولذا،
ً توصف أية ا تخضع فيه الحوادث للتصورات
فلسفة تذهب إلى القول بأن في العالم ترتيب والتصورات ًا تصاعدي
( للمبادئ بأنها فلسفة متعالية على عكس فلسفات الحلول والكمون الواحدية التي تأخذ شكل مسطح أفقي
تحوي مركزها داخلها أو تكون بغير مركز، ول يكون فيها أعلى أو أسفل وتتسم بالواحدية).
وفي النساق التوحيدية، التعالي الحق هو ارتقاء . يستمر إلى غير نهاية إلى أن يصل إلى اللنهاية والتعالي
زهه، النهائي، بهذا المعنى، ل رد إلى ما هو دونه لفقد تجاوزه وتعاليه
ّ
يمكن أن ُيرد إلى ما هو دونه لنه لو ُ وَتن
الموجودات الخرى، ومن ثم فهو سببها ا إلي أن وجود الله يسبق كل
أي أن فلسفة التعالي الحقة تصل دائم ً
النهائي ولكنه منزه عنها وله وجود مستقل، وهو . مركزها وهو الغاية التي تسعى نحوها فالله تعالى هو
المتعالي والعالي والعلي وهو « » الكبير المتعال البائن عن خلقه، أي أنه مركز الكون والمدلول النهائي
المتجاوز . للطبيعة والتاريخ المنزه عنهما ورغم وجود مسافة تفصل بين الكائن المتجاوز العلي وعالم المادة،
فإن له تجلياته في العالم المادي، فالمتجاوز والمتعالي هو اللمحدود اللمتناهي الذي يعّ بر عن وجوده داخل
التجليات تشكل انقطاعًا في النظام الطبيعي ولكنها تز ّ المحدود والمتناهي دون أن ُ . يرد إليهما وهذه وده
كذلك ب َق ْ در من التماسك وباتجاه متصاعد ل يمكن فهمهما أو تفسيرهما في إطار مادي محض.
والعلمنة هي / إنكار إمكانية التجاوز، فالعالم الطبيعي المادي مكتف بذاته، يحوي داخله كل ما يلزم لفهمه
( ). / مرجعية كامنة والنسان جزء من هذا العالم، فهو إنسان طبيعي مادي ل يمكنه / تجاوز الطبيعة المادة ول
القادر على التجاوز ل يمكن التحكم فيه تمام ً ( ) . تجاوز ذاته الطبيعية أو التحكم ضد التجاوز فالنسان ا، ول
يمكن تسويته بالكائنات الطبيعية إذ يظل داخله ما يتحدى القوانين الطبيعية المادية، ومن ثم فهو غير خاضع
لقوانين المادة ول يمكن حوسلته.
وُيل َ حظ أن تاريخ الفلسفة الغربية الحديثة هو تاريخ تصا ُ ( ) عد معدلت الحلول الكمون والنكار المتصاعد لي
تجاوز، ومن ثم فهو / تصاعد للواحدية المادية وتصفية لثنائية المتجاوز الكامن إلى أن نصل إلى الفكر
التفكيكي وفكر ما بعد الحداثة الذي ينكر أي تجاوز وأية مركزية لي شيء بل ينكر فكرة الكل نفسها باعتبار
أن الكل متجاوز للجزاء.
المطلق والنسبى
ُمط َلق» ( ) « » « » في المعجم الفلسفي هو عكس النسبي ويعني التام أو الكامل المتعرى عن كل قيد أو
«ال
حصر أو استثناء أو شرط، والخالص من كل تعّ ين أو تحديد، الموجود في ذاته وبذاته، واجب الوجود المتجاوز
للزمان والمكان حتى إن تجلى فيهما والمطلق عاد ً . ة يتسم بالثبات والعالمية، فهو ل يرتبط بأرض معّ ينة ول
ّ بشعب معّ ين ول بظروف أو . ي، والحقائق المطلقة هي الحقائق
ُمط َلق مرادف لل َق ْبل
ملبسات معّينة وال
ال َق ْ بلية التي ل يستمدها العقل من الحساس والتجربة بل يستمدها من المبدأ الول وهو أساسها النهائي .
ً « » ا بأنه المدلول المتجـاوز ، أي أنه ُمط َ « » لق ، ويشـار إليه
ويمكن وصف الله الواحد المتجاوز بأنه ال أحيان
ُمط َ المدلول الذي ل يمكن أن ُين َ لق بأنه الروح . « » سـب لغيره
فهو يتجاوز كل شـيء وقد ع ّرف هيجل ال
( : باللمانية جايست Geist (وُ « » ( ) « » ( يقال روح العصر أي جوهر العصر ومطلقه و روح المة جوهرها
ومطلقها). وَ تح ّقق المطلق في التاريخ هو اتحاد الضداد والنسجام بينها، والحقيقة المطلقة هي النقطة التي
دس ا من علم ودين، وهي النقطة
التي يتداخل فيها المق ّ
تتلقى عندها كل الضداد وفروع المعرفة جميع ً
( والزمني فهي وحدة وجود كاملة).
وفي مجال المعرفة، تعّ ( « ») بر المطلقية مصدر صناعي من المطلق عن الل نسبية وهي القول بإمكان
التوصل إلى الحقيقة واليقين المعرفي بسبب وجود حقائق مطلقة وراء مظاهر الطبيعة الزمنية المتغّيرة
. المتجاوزة لها والمطلقية في الخـلق هي الذهاب إلى أن معايير القيم أخلقي ًة كانـت أم جمالي ً - - ة مطلق ٌة
موضوعي ٌة خالد ٌة متجاوز ٌ ة للزمان . والمكان، ومن ثم يمكن إصدار أحكام أخلقية أما في السياسة، فهي
تعني سيادة الحاكم أو الدولة بغير قيد ول شرط والدولة المطلقة هي الدولة التي ل ُ . تنسب أحكامها إلى
غيرها فمصلحتها مطلقة وإرادتها مطلقة وسيادتها مطلقة.
ينُ َسب إلى غيره ويتوقف وجوده عليه ول يتعّين إل مقرون وهو ً « » أما النسبي ، فهو ا به، وهو عكس المطلق،
مقيد وناقص ومحدود مرتبط بالزمان والمكان يتلون بهما ويتغّ ير بتغيرهما، ولذا فالنسبي ليس بعالمي.
ونحن نذهب في هذه الموسوعة إلى أنه داخل المنظومات ( التي تدور في إطار المرجعية المتجاوزة مثل
) الرؤية التوحيدية ل ينقسم العالم بشكل ( حاد إلى مطلق ونسبي، فالمطلق النهائي الوحيد المطلق
) المطلق هو الله المتجاوز وهو مركز النموذج والنسق والدنيا الذي يوجد خارجها، أما ما عداه فيتداخل فيه
المطلق والنسبي، فالنسان يعيش في الطبيعة النسبية ولكنه يحوي داخله النزعة الربانية التي ل يمكن ردها
إلى العالم المادي النسبي، ولذا فهو يشعر بوجود القيم المطلقة ويهتدي ( ). بهديها إن أراد والكائنات نسبية
فهي ُتن َ ولذا ل يمكن قتل النفس التي حّ رم الله إل بالحق لنها سب لغيرها، ومع هذا لها قيمة مطلقة،
. ا وأقل المخلوقات في الكون هي من صنع الله، ا
مطلقة، ومن قََتل نفسً بغير حق فكأنما قتل الناس جميع ً
ولذا . فلها قيمتها المطلقة وتداخل النسبي مع المطلق ل يلغي المسافة بينهما، ولذا فهما ل يمتزجان ول
يذوب الواحد في الخر.
ويمكننا الحديث عن النسبية السلمية باعتبارها نسبية تنصرف إلى خطاب الخالق، فنحن نؤمن بأن ثمة
مطلقات نهائية ل يمكن الجدال بشأنها، نؤمن بها بكل ما تحوي من عقل وغيب؛ منها ننطلق وإليها نعود، أما
ما عدا ذلك فخاضع للجتهاد والحوار.
أما في المنظومات التي تدور في إطار المرجعية الكامنة، كالنظم الحلولية الواحدية والمادية، فإن مركز
العالم كامن فيه. ( ) ولذا، قد يتجسـد المطلق في أحد عناصر الدنيا يتجسد فيه ول يتبدى من خلله فيصبح هذا
نس.
العنصر المادي أو الملموس هو المطلق والمق ّ دس وأما ما عداه فمدّ
وأي نموذج مهما بلغ من مادية ونسبية يحتوي على ركيزة أساسية ت ّ دعي لنفسها المطلقية وال َق ْ بلية، ولذا
فإن النماذج المعرفية العلمانية التي تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة تحتوي على مطلق علماني
يفترض فيه أنه الركيزة الساسية . والمرجعية النهائية لكل الشياء، يمنحها الوحدة والتماسك وأهم مطلق
علماني هو / ... . الطبيعة المادة والتنويعات المختلفـة عليه مثل الدولة وحتمية التاريخ إلخ وكلمة « ُمط َ » لق هنا
« » « » « تكاد تكون مرادفة لكلمة ركيزة أساسية وكلمة مـركز أو المبدأ » « » الواحد أو اللوجوس ، فحينما
حل المركز في المادة وأصبح كامنً نقول لقد ح ّل ال " ا فيها غير متجاوز ُمط َ : " " " لق في المادة ، فنحن نعني لقد
لها.
المركب والبسيط
« » « » المركب هو الذي يشتمل على عناصر كثيرة متشابكة، ويقابله البسيط ، وهو الذي يشتمل على عناصر
. قليلة، وإن كانت كثيرة فهي غير متشابكة وفي إطار المرجعية الكامنة في الطبيعة والنسان، يظهر النسان
الطبيعي المادي الذي ُير ّ / ( / د إلى الطبيعة المادة) ( ) . وهو كائن يتسم بالبساطة العضوية أو اللية البالغة أما في
المتجاوزة، يظهر النسان الرباني حاوي النسق ً إطار المرجعية ( ا داخله القبس اللهي الذي يأتيه من خارج
ّ ) د إليه ، ولذا فهو يحوي السرار واللمحدود ا إلى جنب مع
والمجهول والغيب، جنبً الطبيعي ول يمكن أن ُير
العناصر الطبيعية الخرى، ويتشابك داخله المحدود مع اللمحدود، والمعلوم مع المجهول، والجسد مع الروح،
والبراني مع الجواني، والعقل مع القلب، وعالم الشهادة مع عالم الغيب ولذا، ل يمكن أن ُ . يرد مثل هذا
النسان إلى عالم الطبيعة المادة ول يمكن أن ُيخَ / تزل إلى صيغ مادية بسيطة، فهو قادر على تجاوزه، إذ ثمة
مسافة تفصل بينه وبينها.
( المجرد والعينى أو المتعين(
التجريد، في اللغة، هو التعرية من الثياب وهو التشذيب ، و جّ «ق ّ شره وأزال ما « » « » « » رد الشيء يعني
عليه ، و جّ » « » « » « رد الكتاب يعني عراه من الضبط والزيادات ، و جّرده من ثوبه يعني ع ّ » « » « راه ، و جّرد
وأتى عليه فلم يبق منه شيء ، ويقال أيضًا جّرد القح ُ الجرا ُد الر َ » « ط » « ض يعني أكل ما عليها من النبات،
الر َ» « ض أي أذهب نباتها».
ْ صر العتبار عليها،
مثلما ُيجّ التجريد، إذن، عزل صفة أو علقة عزلًذهني رد امتداد الجســم من كتلته، مع ًا، وقَ
أن هاتين الصفتين ل تنفكان عن الجسم في الوجود الخارجي، فهو عملية تفكيك لظاهرة ما ثم إعادة تركيب
لها بهدف عزل الصفة موضع الهتمام.
والهدف من التجريد توفير إمكانية النظر إلى ما يتص ّ أهم سمات ظاهرة ما وحدودها في صورتها ور المرء أنه
( ) النقية البحتة جوهرها بدون مراعاة مختلف . التأثيرات الثانوية والجانبية والعرضية وهي عملية تحديد
وفصل، أي تعيين حدود تتم من خللها استبعاد جزئيات وتفاصيل وصولً إلى الظاهرة التي يحاول العقل
فهمها، . فالتجريد من ثم إستراتيجية تحليلية أساسية والتجريد مسألة أساسية في عملية صياغة النماذج وفي
عملية استخدامها واكتشافها، فالتفكيك والتركيب هما في جوهرهما عمليتان تجريديتان.
ويرتبط التجريد بفكرة الكل، إذ ل يمكن الوصول إلى الكل المتجاوز للجزاء، والثبات الكامن وراء الصيرورة،
والجوهر الكامن وراء الظواهر . المتنوعة إل من خلل عملية تجريدية ولذا نجد أن فلسفة ما بعد الحداثة
المعادية تعادي التجريد لنها ترى أن فكرة الكل ملوثة بالميتافيزيقا باعتبارها شكلً ( من ) أشكال الثبات ولنها
تريد أن تدفع بكل شيء إلى قبضة الصيرورة حتى يختفي الكل والجوهر، بما في ذلك الكل والجوهر
النساني، وتؤدي إلى موت النسان بعد موت الله، ا من الكون، وتأخذ الفلسفة
بل وتزيل ظلل الله تمام ً
ا
ا، ا مغايرً
تمام ًا، فهي تزيد من معدلت التجريد إلى أن تصل إلى مستويات تجريدية عالية جدً البنيوية موقف ً
تصل إلى عالم الذرات والرقام مما يؤدي إلى اختفاء الكل والجوهر النساني، فتؤدي هي الخرى إلى موت
النسان.
ّ ي شيء
و العيني هو الشخصي ، وهو ما ُيدَ « » « » رك بالحواس، ولذلك ُنسب إلى العين، وهو أهم ما يمّيز أ
نوعي أو فردي وُ . يستخدم المصطلح ليشير إلى حادثة مفردة أو موضوع خاص، فيمكن أن نتحدث عن تفاحة
حمراء، وهذا شيء عيني، أما الفاكهة فهي شيء مجرد، أي أن المعّ ين أو المتعين أو العيني يقابل المجرد أو
المحسوس:
) أ يشير المجرد إلى كيفية من كيفيات الموجود، وإلى صفة من صفاته، أما العيني فيشير إلى الموجود
بالفعل.
) ب يشير المجرد إلى الوجود الذهني، أما العيني فيشير إلى الوجود الخارجي الحسي المتجسم.
) جـ يشير المجرد إلى ما هو عام ومتكرر في الظاهرة، أما العيني فيشير إلى صفاتها النوعية والفردية
والفريدة.
د لكل ما تق ّ ) دم، يتسم المجرد بالبساطة والوضوح ويتسم العيني بالتركيب والبهام.
ومع هذا، يمكن القول بأن المجرد ل يمكن فصله عن ا، فل توجد فكرة مجردة كل التجريد، ول
العيني تمام ً
شيء متعّين كل التعّ . ين فهذه حالت افتراضية نماذجية، إذ أن وجدان النسان وعقله يوجدان في المنطقة
التي يلتقي فيها المجرد بالمتعين ولذا إن تح ّ . دث النسان عن تفاحة حمراء بعينها فهو ل يستطيع أن يستبعد
فكرة الفاكهة المجردة، وإن تح ّ دث عن الفاكهة على وجه العموم فإنها تستدعي الثمرات المتعّينة المختلفة .
ومع هذا، تتطلب عملية الدراك ونحت النماذج ( وتشغيلها عملية تجريد تفكيك وتركيب).
السببية الصلبة واللسببية السائلة
« » « » السببية نسبة إلى السبب ، والسبب هو كل ما كان ذا تأثير وما يترتب عليه مسبب، وهو ما يتوقف عليه
وجود شيء، وما يحتاج إليه الشيء في ماهيته أو وجوده، ا
والسبب هو المبدأ الذي يفسر الشيء تفسيرً
. ا فالمقدمات الصادقة سبب صدق
ً
نظري النتيجة، وبعض الظواهر الطبيعية سبب ظواهر أخرى.
والسبب عند علماء الخلق : " ما يفضي إليه العقل ويبرره، وهو مرادف للحق، نقول فلن يبغضني بغير
" سبب ، أي "بغير وجه حق والسبب تام وغير تام، فالتام هو الذي ُيو َ ". جد المسبب بوجوده، وغير التام هو
الذي يتوقف وجود المسبب عليه، ولكن المسبب ل يوجد بوجود السبب وحده، والسبب هو المبدأ الذي
ً . « » ا و السببي هو المنسوب إلى
يفسر الشيء تفسيرً « » « » السبب ، و السببية هي العلقة بين السبب ا نظري
والمسبب.
والشكاليات التي تثار حول العقل هي نفسها التي تثار حول السببية، فهل السببية شيء كامن في الشياء
نفسها، ( ) بمعنى أن السبب شيء ما كامن في الظاهرة هو الذي يؤدي بالفعل إلى النتيجة المادية، أم أن
( ) ( ) السببية علقة اقتران مطرد وحسب، بمعنى أنه كلما حدث أ حدث ب دون أن تكون ( ) أ هي المؤدية إلى
( ) ( ) ( ) ب وبدون أن تكون ب ناتجة عن أ بالضرورة؟ وإن لم تكن - السببية كامنة في الشياء نفسها فهل هي،
إذن، أمر مفطور في عقولنا من قبل قوة ( ا لنها تخدم
حاكمة للعالم، أم أننا نفرضها على الواقع فرض ً
مصالحنا).
( والنظريات المادية التي تحاول أن ترد الكون بأسره إلى مبدأ مادي واحد أو ) مقولت مادية تتأرجح في
معظم الحيان بين افتراض السببية الصلبة وبين إنكار . ا أما السببية الصلبة، فهي اليمان بأن
السببية تمام ً
بسيطة أم مركبة سببًا واضحًا ومجرد ً ( لكل ظاهرة طبيعية أم إنسانية - ) ا وبأن علقة السبب بالنتيجة علقة
حتمية بمعنى أن أ تؤدي دائم ًا وبنفس الطريقة وحتم ً ( ) ( ). ا إلى ب كما أنها سببية مطلقة بمعنى أنها تغطي
كل المعطيات والظواهر بشكل مطلق في كل تشابكها وتداخلها وتفاعلها. ولحظة نهاية التاريح هي لحظة
إدخال كل شيء في شبكة السببية الصلبة المطلقة، وهي ا لحظة الستنارة الكاملة، حين تتم إنارة كل
أيضً
شيء وضمن ذلك النسان ف ُيستو َ عب في شبكة السبب ويدخل القفص الحديدي.
والسببية الصلبة المطلقة تؤدي إلى التفسيرية الصلبة المطلقة، بمعنى أن يحاول النسان التوصل إلى
/ الصيغة القانون . العام الذي يفسر الكليات والجزئيات وعلقاتها والسببية الصلبة المطلقة تترجم نفسها إلى
صورة مجازية آلية أو صورة مجازية عضوية مصمتة ل تحتوي على أي فراغات أو مسافات، ول تتحمل أي
. عدم استمرار، وتلغي أي حيز بما في ذلك الحيز النساني وتسود السببية الصلبة المطلقة في عصر المادية
( ) البطولي عصر التحديث والثنائية الصلبة والعقلنية المادية.
ولكن النماذج المادية تفشل، بطبيعة الحال، في إدخال العالم الطبيعة والنسان في شبكة السببية الصلبة ( ) .
كما أنه، مع تصاعد معدلت الحلولية الكمونية الواحدية، يتراجع المركز إلى أن يختفي ويسقط كل شيء في
قبضة الصيرورة ويصبح الواقع في حالة سيولة غير مفهومة، والعقل نفسه جزء من الصيرورة غير قادر على
تجاوزها، ومن ثم غير قادر على إدراك الواقع كسبب ونتيجة وهنا، بدلً . من السببية الصلبة المطلقة، تظهر
اللسببية السائلة واللعقلنية المادية والمادية ( الجديدة عصر ما بعد الحداثة).
وهناك بطبيعة الحال من يحاول الحفاظ على موقف وسط بين السببية الصلبة المطلقة واللسببية العدمية
( مثل كانط على سبيل المثال ولكنه موقف يستند إلى أرضية واهية، ولذا فعاد ًة ما تتفّ ) تت هذه الوسطية
( ) وتتحول إلى حتمية واحدية صارمة كما هو الحال في المنظومات الهيجلية أو إلى ( لسببية سائلة كما هو
[ الحال في النظم المعادية للهيجلية نيتشه وغيره]).
السببية الفضفاضة
تفترض النظم التوحيدية وجود المركز خارج العالم ولذا فالعالم مترابط ومن ثم بإمكان النسان أن يتوصل
إلى قدر معقول من المعرفة، ولكن ا إذ يتخلله الحيز
ًا مصمتً
ترابط العالم ليس صلبًا ول مطلق ًا ول عضوي
النساني وهو ما يسمح بوجود السرار والتركيب والثنائيات والنقطاع، فهو نظام يعترف بوجود قدر من
الستمرار ومن ثم بالسببية ولكنها سببية فضفاضة تؤدي فيها المقدمات إلى النتائج ولكن ليس بشكل حتمي
ا على معرفة . ا ولذا ل يستطيع النسان أن يصل إلى القانون العام
معروف مسبق ً والنهائي الذي يجعله قادرً
الكون معرفة كاملة ومن ثم يمكنه إدخال كل شيء شبكة السببية الصلبة، وعلى النسان أن يقنع بقدر من
التحكم في الكون والتوازن معه.
: / الواحدية الكونية المادية أو المثالية الروحية
« » د إلى أصل
ّ
َر
ّبر عن واقع تآصل ظواهر مختلفة وعن كونها تُ
« » الواحدية مصدر صناعي من كلمة واحد ، وُتع
بأنها مذهب يَُ أو جوهـر واحد وقد ع ّ ) ر ّ د الكون . « » ( رف المجمع اللغوي بالقاهرة كلمة الواحدية في الفلسفة
. كله إلى مبدأ واحد، كالروح المحض أو كالطبيعة المحضة أما « » « ». أحاد وهي، في
ُ
ُأحادية ، فهي من كلمة
مثل جاء الضياف ُ بعد واحد ، أي جاء الضياف واحدًا واحـدً » « ». ا فهي إذن تدل على أحا َد ، بمعنى واحدً « » « ا
. النفراد ومن هنـا، « » . ا للتعبير عن حالة النفراد وهي تعني،
فقد اسـُتخدم المصدر الصناعي في ُأحادية حديثً
( ) التعبير الفلسفي، رد الظاهرة وهي بطبيعتها متعددة الجوانب ، أو أية عملية، إلى أحد أوجهها دون أوجهها
في اعتبارها عنصرًا واحدً الخرى فيقال مثلً . « » النظرة الحادية ، أي النظرة التي تضع ا دون عناصر أخرى
في الظاهرة كان لبد من وضعها في . : . العتبار والختلف كبير بين المفهومين الواحدية والحادية ويمكن
الواحدية الكونية مفهوم مفهوم ُ القول بأن ( ) أنطولوجي وجودي ينسب الواحدية إلى الكون، بينما الحادية
( ) إبستمولوجي معرفي يرى أن الحادية خاصية تسم بعض طرق التعريف والتحليل والدراك.
« » وفي هذه الموسوعة، نستخدم عبارة واحدية كونية للشارة إلى الرؤية الحلولية الكونية القائلة بأن الكون
بأسره يمكن أن ُير ّ د إلى مبدأ واحد هو القوة الدافعة للمادة الكامنة فيها التي تتخلل ثناياها وتضبط وجودها،
ا للشياء ل يمنح
ًا كليً
وهي قوة ل تتجزأ ول يتجاوزها شيء ول يعلو عليها أحد، وهي تشكل نظام ًا ضروري
. النسان أو أي كائن آخر أهمية خاصة أو مركزية وهذا المبدأ الواحد هو الله في وحدة الوجود الروحية وهو
ً / ( الطبيعة المادة في وحدة الوجود المادية وهذا النمط ا
الخير هو الكثر شيوعًا، ولذا فنحن نخصص أحيان
« ونشير إليه بأنه الواحدية » « » « الكونية المادية أو الواحدية المادية أو الواحدية الموضوعية المادية»).
. مختلفة من الحلول فالواحدية ا مختلفة من الواحدية هي تعبير عن مستويات
ويمكن القول بأن ثمة أنواعً
الكونية هي حلول الله في الكون بأسره وهو عاد ً ( ة ما « »). يحتفظ باسمه وحدة الوجود الروحية ولكن يمكن
أن ينحصر الحلول في النسان ومن ثم « » تظهر الواحدية الذاتية التي تترجم نفسها إلى النزعة النسانية
الهيومانية (« ») . المتطرفة الواحدية النسانية وإلى الذاتية الفلسفية ولكن حينما يتركز الحـلول في جـنس
( ) « بعينه الجنس البيض ـ شعوب أوربا تتحول الواحدية الذاتية إلى واحدية ». إمبريالية وعنصرية وحينما ينتقل
« الحلول من النسان إلى الطبيعة تظهر الواحدية الطبيعية المادية أو الواحدية الموضوعية المادية » ( « »)
ويهتز مفهوم الطبيعة البشرية / . إذ يظهر النسان الطبيعي الذي يذعن للطبيعة المادة وتتصاعد معدلت
الكليات في الغياب والتفكك ويغيب مفهوم النسانية المشتركة تمام ً ما الحلول فتبدأ ا إلى أن نصل إلى
« » يمكن تسميته الواحدية الذرية حين ينتشر الحلول في كل أرجاء الكون وذراته فل يوجد فارق بين إنسان
ّ . نس والواحدية الذرية هي ( بطبيعة الحال واحدية سائلة على عكس
دس ومد
وحيوان، وذكر وأنثى، ومق ّ
أشكال الواحدية الخرى التي تتسم بالصلبة). وُيل َ حظ أن تصاعد معدلت الحلولية يعني تراجع الحيز
النساني وضموره ثم اختفاؤه ا بالنظام الطبيعي ويصبح الله هو القانون
الكامل حين يتو ّحد الله تمام ً
الطبيعي.
ّ حد الله بالنسان بالطبيعة ( ) وهذه هي الوثنية القديمة ؛ أما
ويمكن القول بأن الواحدية الكونية هي َتو
ّ حد النسان بالطبيعة ( ) بعد موت الله ؛ وهذه هي العلمانية الشاملة الحديثة واللحظة
الواحدية المادية فهي َتو
ورغم هذه التفرقة المبدئية، فإننا أحيان استدعى ً الجنينية الكاملة. « » ا نتحدث عن الواحدية الكونية المادية إذا
السياق ذلك لنبّ ين الوحدة الكامنة بين وحدة الوجود الروحية ووحدة الوجود المادية.
ونموذج الواحدية الكونية المادية هو نموذج يدور في إطار المرجعية الكامنة، فهو يفـترض أن مركز العالم
. كامن فيه ومن ثم، فإن الكون المادي ل يشير . إلى أي شيء خارجه فهو عالم ل ثغرات فيه ول مساحات ول
انقطاع ول غائيات، تم ( إلغاء كل الثنائيات الفضفاضة داخله وضمنها ثنائية الخالق والمخلوق، والنسان
وتم اختزاله كله إلى ) ا من المطلقات والقيم،
والطبيعة، والخير والشر، والعلى والدنى ، وتم تطهيره تمام ً
مستوى واحد يتسـاوى فيه النسـان بالطبيعة هو مستوى القانون / / الطبيعي المادي أو الطبيعة المادة
( ). المطلق العلماني النهائي وفي مثل هذا العالم الواحدي الملس ل يوجد مجال للوهم القائل بأن النسان
يحوي من السرار ما ل يمكن . الوصول إليه وأن ثمة جوانب فيه غير خاضعة لقوانين الحركة المادية بل
يمكن تطبيق الصيغ الكمية والجراءات العقلنية الداتية على النسان، كما يمكن إدارة العالم بأسره حسب
. هذه الصيغ ويتحول العالم إلى واقع حسي مادي نسبي خاضع للقوانين العامة ( للحركة ومن ثم قابل للقياس
) والتحكم الهندسي والتنميط وإلى مادة استعمالية يمكن توظيفها وحوسلتها.
في هذا الطار تصبح المعرفة مسألة تستند إلى الحواس وحسب، ويصبح العالم الطبيعي المصدر الوحيد أو
ّ ( د الخلق إلى العتبارات المادية القتصادية والجتماعية
الساسي للمنظومات المعرفية والخلقية، وُتر
الخلق و الغائيات ) ا عن القيمة، ويظهر العلم المنفصل عن
والسياسية ، وتنفصل الحقائق المادية تمام ً
النسانية والدينية والعاطفية والخلقية، وتصبح الحقائق ( ) المادية الصلبة أو السائلة المتغيرة هي وحدها
المرجعية المعرفية والخلقية ( ) المقبولة، وتصبح سائر المور المعرفية والخلقية نسبية صالحة للتوظيف
. والستخدام بل إن هذه الرؤية الواحدية المادية، في مراحلها المتقدمة، بإنكارهـا أي ثبات، ينتهي بها المر
إلى إنكـار وجـود الماهيات والجوهر، بل النسانية المشتركة ا أشكالً من الثبات
نفسها، باعتبارها جميع ً
. والميتافيزيقا عالم العلمانية الشاملة ا عالم الجماعة الوظيفية
والترشيد في الطار المادي وهو أيض ً
والواحدية الوظيفية والنسان الوظيفي.
شـيوعًا، إل أننا يمكننا أيضً « » ورغم أن الواحديـة الكونيـة الماديـة هي الكثر « ا الحديث عن الواحدية
» د إليه كل الظواهر
ّ
َر
ً » « المثالية أو الواحدية أ واحدًا في الكون تُ
الروحيـة ، أي اليمان بأن ثمة مبد النسانية
والطبيعية وهذا المبدأ قد يكون مثالي ( : باللتينية أنيموس موندي mundi animusً (ا خالصً . : ا الله ـ نفس العالم
؛ أو قد يكون شيئً ( : ـ الروح باللمانية جايست Geist (ـ ( : الروح الدافعة بالفرنسية إيلن فيتال vital élan (ا
ا
ًا فعلً : روح الشعب ـ روح التاريخ ـ جدلية التاريخ ـ البقاء للصلح ـ حب السيطرة والبقاء ـ ًا اسمً
روحي مادي
. ا
ً اللبيدو وسواء أكان المبدأ الواحد مادي ا فعلً ، ففي إطار الواحدية ًا خالصًا أو كان مثاليً
أو مثاليًا اسمًا مادي
يُ وتذوب الجزاء في الكل وتنتفي هويتها ويختفي التعدد ويختفي النسان ككيان َر ّ د كل شيء إلى هذا المبدأ
مستقل.
« » « » « » و الواحدية غير التوحيد أو الوحدانية ، فالوحدانية والتوحيد يدوران في إطار المرجعية المتجاوزة التي
ا
تفترض أن مركز الكون متجاوز له وأن الله ليس كامن في الكون وإنما متجاوز له، فهو الواحد الحد العلي، ً
ولكن وحدانية الله ل ُتلغي . التعدد والتنوع والهوية المتعينة للشياء بل هي على العكس ضمان لها، فهو
موضوعً المتجاوز الذي ل يمكن أن يتوحد معه شيء والنسان ليس ذات ا ً المركز . ا مطلقة ل حدود لها ول
ّ ينها من
ّينة يتضح َتع
. ا تماماً ا خاضع ًا تمام ًا للحدود، إذ يتمتع بهوية ُمتع
مطلق ً خلل الحدود والنسان ليس حرً
ا فالمركز المتجاوز هو ا على
يرًا تمام ً
ّ
في أفعاله، فالمركز المتجاوز يضع حدودً هذه الحرية، ولكنه ليس ُمس
ضمان حريته.
( – الثنائية الفضفاضة التكاملية التفاعلية)
« » الثنائية مصطلح يقابل « » . الواحدية وهي اليمان بوجود أكثر من مبدأ وأكثر من جوهر في العالم وفي
المرجعية الكامنة والحلولية الكمونية، فإن مركز الكون يكون كامن الخالق بمخلوقاته ً إطار ا فيه ويتوحد
وتختفي الثنائية المبدئية، ثنائية المتجاوز المتعالي والحا ّل الكامن، وتختفي معها كل الثنائيات الخرى لنصل
إلى عالم الواحدية المادية والكمون الكامل.
والثنائية الفضفاضة الحقيقية ل يمكن أن توجد إل في إطار المرجعية المتجاوزة حيث يوجد هذا العالم وما
: يتجاوزه، فتظهر الثنائية الساسية الخالق ( ) والمخلوق أو ثنائية المتجاوز والحال الكامن والتي تفترض
أسبقية الخالق على كل ما هو مخلوق وأن الخالق ل يمكن أن ُيرد إلى مخلوقاته أو يلتحم بها أو يذوب فيها .
وهي ( ) ثنائية فضفاضة تفاعلية ل تعادلية ، إذ أن الله مفارق للعالم ولكنه لم يهجره ولم ( يتركه وشأنه أي أنه
ليس مفارق ً ( مختلفة عن الستقطاب أو الثنائية الصلبة أو ). ا حتى التعطيل والثنائية التفاعلية الفضفاضة
) الثنينية حيث يقف كل طرف في الثنائية مقابل الطرف الخر وَتنُ . تج عن هذه الثنائية الفضفاضة ثنائية
تكاملية أخرى هي ( ) ثنائية النسان والطبيعة وثنائية النزعة الجنينية والنزعة الربانية وتفترض انفصال
النسان عن الطبيعة وأسبقيته وأفضليته عليها بسبب وجود المرجعية المتجاوزة، أي الله الذي يسـتخلفه
واحترامه لها، فهو ليـس بمركز الكون. ا وجوده فيـها واعتماده عليها
في الرض، ولكنها تفترض أيضً
( – الثنائية الصلبة الثنوية الثينية)
«الثنائية الصلبة وُ » ( « » « ») يقال لها الثنوية و الثنينية هي غير الثنائية الفضفاضة، فالثنائية الصلبة تفترض
تساوي عنصرين تساوي ) بينهما وهذا أمر غير ممكن إل في إطار المرجعية الكامنة ًا كاملً ( رغم وجود صراع
المرجعية المتجاوزة تجعل مثل هذا التساوي أمرً ( والحلولية الكمونية إذ أن ا مستحيلً لن وجود الله ـ
المتجاوز ـ يعطي للعالم شكلًهرمي وإن تساويا ً المدلول ا بحيث يصبح أحد عناصر الثنائية أفضل من الخر،
يكون ثمة تكامل بدلً ). من الصراع وأهم أشكال الثنائية الصلبة في النظم الحلولية الكمونية الروحية ثنائية
: الخير والشر، حيث يتصارع إلهان واحد هو إله . الخير والنور، والخر هو إله الشر والظلم وهي محاولة
حلولية لتفسير وجود الشر. ا، كما
وعاد ًة ما ُتح َسم قضية الشر بأن يلتحم إله الشر بإله الخير ويصبحان واحدً
أن الشر ُيف ّ سر بأنه مجرد وجه آخر للخير، أي أن الشر في جميع الحالت ليس له وجود . حقيقي أما في
إطار النظم الحلولية الكمونية المادية فأهم أشكال الثنائية الصلبة هي . ثنائية النسان والطبيعة إذ يحل الله
في الكون ثم يختفي ويصبح مركز الكون داخله يتأله النسان وتتأله الطبيعة، وهذا أمر مستحيل فتأله
النسـان يعني أنه يسـبق الطبيعة ويريد أن يهزمها ويسـخرها، وتأله الطبيعة يعني أنها تسبق النسان ومن
ّ . بر هذه الثنائية الصلبة عن نفسها في التأرجح بين الذات وبين الموضوع، وبين الواحدية
ثم فإنها تستوعبه وُتع
( الذاتية والواحدية الموضوعية كما هو الحال في الحالة ). الجنينية والثنائية الصلبة هي في واقع المر شكل
العنصرين المتصارعين ل يوجد بينهما اختلف جوهري وعاد ًة ما ُتح َ من أشكال الواحدية باعتبار أن . سم
الثنائية الصلبة باندماج العنصرين وهو أمر متي ّسر لنهما متساويان وتعارضهما عاد ً ( ة ناجم عن أن الواحد
) . مقلوب الخر ول يختلف عنه في البنية ، أو بانتصار العنصر القوى وفي حالة الصراع بين النسان والطبيعة،
فإن الطبيعة هي التي تنتصر لنها أكثر شمولً ومادية، وينتهي المر بعد مرحلة أولية من الواحدية النسانية
والتمركز حول الذات النسانية إلى الواحدية الموضوعية المادية والتمركز حول الموضوع المادي.
الطبيعة البشرية
يز
ّ
« » « » يشير مصطلح الطبيعة البشرية إلى طبيعة النسان ، أي جوهره وإلى السمات الساسية التي ُتم
النسان وتفصله عن غيره من الظواهر « » الكونية، ويرتبط بهذا المصطلح مفهوم النسانية الواحدة ، ونحن
نفضل استخدام مصطلح «النسانية المشتركة بدلً » من ذلك.
النسانية المشتركة
النساني ـ في تص ّ الكبرى، يتسم الوجود ورنا ـ بثنائية أساسية ل يمكن إلغاؤها هي صدى للثنائية الحاكمة
. / ثنائية الخالق والمخلوق وهي ثنائية الجوانب الطبيعية المادية في النسان مقابل الجوانب غير المادية، أي
تص ّ . الروحية أو الثقافية أو المعنوية فالله، في ( ) . ورنا، خلق العالم النسان والطبيعة ولم يحل فيه ونتج عن
هذا وجود مسافة بين الخالق ومخلوقاته، هذه المسافة هي في واقع المر الحيز النساني الذي يتحرك فيه
. النساني والمسافة ا مسئولًولكن داخل حدود، وهو الحيز الذي ُيح ّقق أو ُ ( ) يجهض فيه جوهره
النسان حرً
هي أيضً ( فهو ليس مركز الطبيعة، لن الله هو
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب
عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب 14/10/2024|آخر تحديث: 14/10/20...
-
محمد العمدة يكتب: السيسي والعسكر ونهب مصر (5) تحقيق جمعة الشوال ...
-
تداول نشطاء قطريون معارضون لنظام تميم بن حمد بن خليفة أل ثانى صورة لقطريين يتناولون مثلجات عليها صورة "ت...
-
00 :00 00 :30 نشرة أخبار 00 :30 01 :00 نشرة أخبار 01 :00 01 :05 نشرة أخبار 01 :05 02 :00 أفلام وثائقية 02 :00 02 :30 نشرة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق