كلمة "الشعب": "المكارثية العنصرية".. سلاح الثورة المضادة لقمع معارضي النظام
منذ 39 دقيقة
عدد القراءات: 123
خلال
فترة تولي الرئيس السابق محمد مرسي، وقبل 3 يوليه 2014 تاريخ انقلاب قائد
الجيش (السيسي) علي مرسي، شن عدد من المفكرين والكتاب الليبراليين
واليساريين حملة عنيفة علي المنتمين للتيار الإسلامي – باعتبارهم الحكام
الجدد - اتهموهم فيها بـ "المكارثية" وتحدثوا عن محاولتهم الانتقام فكريا
من كل المخالفين لهم علي الهوية وتولية المقربين فقط من الإسلاميين
للمناصب، بدعوي أنهم (الإسلاميين) عانوا من السجن والاعتقال والقتل في عهد
النظام السابق علي ثورة 25 يناير (نظام مبارك) ويسعون للانتقام من الجميع
بعده.
ومع هذا فلم يتم غلق صحيفة أو سجن أي مبدع أو فنان أو كاتب، ولم يتم غلق
فضائيات، وعلي العكس ظل هؤلاء يسبون الرئيس المنتخب بحرية ويشنون حملات
جماعية ممنهجة لتشوية صورته وشيطنته هو وكل التيار الإسلامي.
ولكن الوضع اختلف كثيرا بعد 3 يوليه 2013 عقب إزاحة حكم الإسلاميين وتولي
العسكريين للحكم بالتعاون مع الليبراليين واليساريين، حيث انطلقت نفس
التهمة - المكارثية – من أفواه الإسلاميين تتهم خصومهم الليبراليين
واليساريين بانتهاج سياسة إقصائية علي أساس الهوية (الانتماء للإخوان أو
أنصارهم)، ولكنها انتقلت من "الإرهاب الفكري" لهم، إلي الشك في ولائهم
للدولة وعزلهم من مناصبهم ومحاكمتهم وطلب سحب الجنسية منهم ومن كل من يعارض
النظام الجديد، ووصل لقتل المعارضين مباشرة.
فما هي المكارثية؟ وكيف تغلغلت إلي مصر وباتت سلاح ثوار 25 يناير ضد بعضهم
البعض بعدما انقسموا واختلفوا وسعي كل فريق منهم للاستعانة بأجهزة الدولة
ضد الفريق الأخر؟ وما هي الآثار التي تركتها في المجتمع المصري؟
«المكارثية (بالانجليزية: McCarthyism) اتجاه سياسي رجعي ظهر في الولايات
المتحدة الأميركية عام 1950 استهدف تشديد الرقابة على الشيوعيين الذين
يعملون في الدولة، وكانت من اختراع عضو مجلس الشيوخ الأميركي "جوزيف
مكارثي"، ولهذا نسب الاسم له، حيث اتهم عددا من موظفي الحكومة وبخاصة في
وزارة الخارجية أنهم شيوعيين، ونجح في سجن بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون
لمصلحة روسيا.
وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس، وأصدر المجلس في
عام 1954 قرارا بتوجيه اللوم إليه، ولكن ظل هذا المصطلح يستخدم للتعبير عن
الإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين.
وكانت أهداف المكارثية الأساسية هي مكافحة الشيوعية في المجتمع الأميركي،
وجرت محاربتها عن طريق: تشكيل لجان تحقيق لطرد العناصر المشكوك في ولائها
من الأجهزة الحكومية، واستحداث ملفات وإعداد تقارير لتحديد نسبة ولاء
الموظفين، وارتكزت المكارثية على عقدة الشك.
أما الأدوات المكارثية لتحقيق أهداف هذه الحملة فشملت:تضخيم الخطر وصناعة
ونشر ثقافة الخوف (SCAREMONGERING)، واعتماد أسلوب التشهير بالمعارضين
لتشتيت تفكير الناس عن قضايا ملحة كالفقر والبطالة والتلوث وانتشار الجريمة
والفساد، وتزوير المعلومات ونشر الشائعات، ووصم فئات معينة في المجتمع
بصفات غير محببة كوصم المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية بالإرهاب.
فضلا عن تلفيق الاتهامات، واحتضان النظام للعناصر المتطرفة فكريا التي ترفض
مبادئ التسامح والعدالة وترفض التغيير، وتبارك سيطرة فئة أو شخص معين على
السلطة التشريعية والمصالح الرئيسية والمؤسسات الحكومية.
ولاحظ مراقبون في دول الربيع العربي أن "استراتيجيات المكارثية" أخذت بعدا
أوسع لإنجاح حملة القمع وتعبئة الرأي العام لدعمها تكاد تكون متماثلة،
وركزت علي شيطنة الخصم وإعادة تخليقه في المخيلة العامة كوحش أسطوري كاسح
يتمدد خفية عن الأنظار، ويكبر إلى أن يصل للحظة افتراس المجتمع والدولة
وتحطيم الاثنين معاً ومن ثم ضرورة افتراسه أولا.
المكارثية خلال حكم الإخوان
كان أول من انتقد ما أسماه "المكارثية الجديدة والليبراليون المتأسلمون"
في عهد الإخوان، هو رئيس التلفزيون المصري السابق عبد اللطيف المناوى الذي
كتب في 23 أبريل 2012، منتقدا "سلوك وأداء وحديث معظم الإسلاميين الذين
سيطروا على معظم أركان الحياة السياسية في مصر"، وما أسماه "الحالة
الانتقامية"، سواء فيما يقوله بعضهم أو في مشروعات القوانين التي يناقشونها
في البرلمان، قائلا: "كأنهم بالفعل يعاقبون كل المجتمع على ما يعتقدون
أنهم عانوا منه ولم يحاول المجتمع أن يقف معهم".
وتحدث "المناوي" عن "ممارسات أخرى تهدف إلى إقصاء من يختلف معهم وإرهاب من
يفكر في الاختلاف، وقوائم لاستبعاد أو لعزل مجموعة من الصحفيين والإعلاميين
الذين لم يجمع بينهم عامل مشترك إلا عامل واحد هو أنهم يختلفون وينتقدون
سلوك ومواقف الحكام الجدد".
أيضا أشار لهذه المكارثية من جانب التيار الإسلامي، الكاتب والمفكر
الليبرالي جلال أمين، الذي كتب قبل انقلاب 3 يوليه بأسبوع تقريبا، عندما
كتب منتقدا وزير الثقافة آنذاك الدكتور علاء عبد العزيز الذي تولي منصبه
لمدة شهرين فقط (من مايو إلي يونيه 2013)، بدعوي أنه "شرع، بمجرد تعيينه،
في عزل وإنهاء انتدابات مثقف وفنان بعد آخر من مناصبهم، وتوعد الباقين
بالتنكيل وعظائم الأمور، مما لم يطقه بعض المسئولين عن هيئات ثقافية
فاستقالوا من مناصبهم، فإذا بالوزير يصف المفصولين والغاضبين والمستقيلين
بأفظع الصفات".
ومع أن الوزير لم يكن منتميا للإخوان وإنما هو عضو في حزب "التوحيد العربي"
- الاشتراكي التوجه - والمعادي للتطبيع مع إسرائيل، فقد اتهمه جلال أمين
في مقال بعنوان "المكارثية في مصر" 22 يونيه 2013 - بإتباع سياسية مكارثية
إقصائية لبعض المسئولين في وزارة الثقافة عبر اتهامهم بالفساد المالي
والإداري.
أيضا شنت حركات سياسية ليبرالية يسارية حملات ضد ما أسمته "أخونة الدولة"
متهمة جماعة الإخوان بمحاولة السيطرة علي كافة المصالح الحكومية وتعيين
أنصارهم بما فيها وزارة الأوقاف.
مظاهر المكارثية بعد الانقلاب
في سبتمبر الماضي، استضافت قناة "صدي البلد" يوسف سليمان، وكيل أول وزارة
التربية والتعليم للحديث حول لمناهج الدراسية الجديدة وتنقيتها من تأريخ
الإخوان، فقال المسئول في :"إن وزير االتعليم محمود أبو النصر، أمر بتشكيل
لجنة من أساتذة الجامعات لمراجعة كل سطر في الكتب الدراسية، بحيث تم حذف كل
ما يتحدث عن جماعة الإخوان، سواء بشكل صريح أو تلميحي ، وأعطي مثال بحديث
الرسول صلى الله عليه وسلم : «من جاءكم وأمرُكم جميعاً على رجل واحد يريد
أن يشق عصا الطاعة ويفرق (الجماعة) فاقتلوه".
وكانت هذه الواقعة أبرز دليل علي بلوغ المكارثية ضد الإخوان حالة من الشطط
لحد الدعوة لإزالة بعض أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم من مناهج
التعليم لو جاء بها عبارة (الجماعة) خشية أن يفهم أن المقصود (الإخوان) !.
وعلي نفس الطريقة المكارثية نشطت حملة في مصر عقب 3 يوليه 2013، يقودها
التيار الليبرالي واليساري بدعم من السلطة العسكرية الجديدة باعتبار كل
"إخواني" إرهابي، وبلغ الأمر حد رفع شعار "أمسك إخواني"، ورفع شعارات
إقصائية مثل: "الشعب يريد إعدام الإخوان".
وطال الاتهام غير الإخوان، والاستغناء عشرات الموظفين بالوزارات أو
اعتقالهم بتهمة "الانتماء لتنظيم محظور"، رغم أن بعضهم يساريين وليبراليين
ومسيحيين، ولم يقتصر وباء المكارثية علي فئة بعينها أو جهة أو مصالحة
حكومية دون غيرها.
فقد طالت الحملة الليبرالي عمرو حمزاوي، رئيس حزب "مصر الحرية" لنقده غياب
الحريات بدعوي أنه مدفوع من الإخوان لانتقاد السلطات الحالية في مقالاته،
وذلك على الرغم من أن حمزاوي هو أحد أبرز من دعموا تظاهرات 30 يونيو
المطالبة بإسقاط حكم الرئيس محمد مرسي، ولكنه عوقب ومنع من السفر لاحقا.
ولم يسلم من تلك التهمة محمد البرادعي، نائب الرئيس السابق عدلي منصور
للشئون الخارجية، وأحد الذين دعموا تظاهرات 30 يونيو الرافضة لحكم مرسي،
لأنه طالب بحل سياسي يتم بموجبه فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة ورفض
استخدام القوة في فضه، واستُخدم مع البرادعي، كما يقول مناصروه، وهو مؤسس
حزب الدستور المصري (حزب ليبرالي) كل أدوات المكارثية، من الشائعة إلى
التشويه والكذب مثل الزعم أنه شارك البرادعي في اجتماعات التنظيم الدولي
للإخوان، أو أنه تخابر مع "ضابط استخبارات أمريكي يدعى "دان بارمن".
أيضا طالب الصحفي عادل حمودة، العالم المصري أحمد زويل الحاصل على جائزة
نوبل بالاختفاء عن المشهد، لمجرد أنه وصف الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي
بأنه "عالم"،وطالب الشعب بمساندته عندما كان رئيسا.
أيضا صدرت قرارات جمهورية بإقالة رؤساء جامعات منتخبين وإلغاء مكسب الثورة
بانتخاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات منهم رئيس جامعة المنيا بتهمة أنهم
"إخوان".
وكذلك إلغاء انتداب عدد من الموظفين بدعوي الانتماء لجماعة الإخوان في عدد
من المصالح الحكومية، منهم 67 من موظفي وزارة الكهرباء بدعوي "قطعهم
الكهرباء عن المصريين ضمن مخطط إخواني"، رغم تأكيد مسئولي الوزارة والرئيس
السيسي نفسه أن هناك أزمة هيكلية في توفير الكهرباء تحتاج لـ 12 مليار
دولار لحلها.
بل أن بعض برامج التوك شو اتهمت وزير الكهرباء الحالي محمد شاكر بأنه من
"الإخوان" بعد أزمة انقطاع الكهرباء عن القاهرة وبعض أنحاء مصر يوم الخميس 4
سبتمبر الماضي، والمعروف إعلاميا باسم "الخميس المظلم"، ما دفع وزير
الكهرباء إلى إصدار بيان رسمي عن الوزارة نفى فيه انتماءه للإخوان، ثم فصل
عددا من الموظفين بدعوي انتماؤهم للإخوان ليثبت ولاءه للنظام.
وقبل بدء العام الدراسي الجديد بالجامعات يوم 11 أكتوبر الجاري، فوجئ
أستاذة جامعات بقانون جديد يمنح صلاحية لرؤساء الجامعة بعزل أعضاء هيئة
التدريس، ينص على أنه «يحق لرئيس الجامعة توقيع عقوبة العزل على كل عضو
هيئة تدريس يثبت تورطه في الاشتراك في مظاهرات تؤدى إلى عرقلة العملية
التعليمية أو تعطيل الدراسة أو منع أداء الامتحانات أو التأثير عليها أو
التحريض أو المساعدة على ذلك، أو إدخال أسلحة أو ذخائر للحرم الجامعي»، ما
أثار حالة من التوتر داخل الجامعات المصرية.
وقال الدكتور خالد سمير، عضو «تيار الاستقلال بالجامعات»، وحركة «9 مارس» -
من غير الإخوان - إن تطبيق قانون عزل عضو هيئة التدريس الذي وافق عليه
مجلس الوزراء مؤخراً، "سيحول الجامعات إلى قسم شرطة وسيشعلها ناراً، بسبب
إعطاء القانون لرئيس الجامعة سلطة مطلقة في العزل".
وقالت الدكتورة ليلى سويف، عضو حركة 9 مارس بجامعة القاهرة، إن التعديلات
التي تمنح رئيس الجامعة سلطة عزل أي عضو هيئة تدريس بالجامعة دون الخضوع
لمجالس تأديب، تشكل خطراً على أعضاء هيئة التدريس والجامعات والمجتمع ككل،
وأن فصل الطلاب سيضعف إمكانيات الجامعات وسيقف أمام عقد اتفاقيات مع جامعات
دولية.
وسبق هذا إجراء تعديلات أخري بقانون تنظيم الجامعات تمنح عمداء الكليات
سلطة فصل الطلاب المعارضين أو المتظاهرين، وإلغاء الانتخابات الجامعية
وجعلها بالتعيين.
تجسس الطلاب
وقد وصل الأمر - بحسب مصدر مسئول بوزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى
للجامعات، لجريدة "الشروق" الخاصة 23 سبتمبر الماضي – لإعداد قانون يسمح
بتجسس الطلاب داخل الجامعة علي بعضهم البعض وإبلاغ الأمن عن "زملائهم
المشاغبين".
وقال أن اجتماعا سيعقد مع بداية العام الدراسي الجديد بين نائب رئيس كل
جامعة لشؤون التعليم والطلاب وعمداء الكليات، مع طلاب الاتحادات بالكليات
وطلاب الأسر المؤيدين للسلطة لتحديد النقاط التي سيكلفون بها، والتي على
رأسها "مساعدة أفراد الأمن الإداري في الكشف عن الطلاب المشاغبين والذين
يحملون أسلحة وألعابا نارية ويكتبون على جدران وأسوار الجامعة، والإبلاغ عن
أي طالب يمارس النشاط الحزبي وتوزيع منشورات وتنظيم مظاهرات داخل الحرم
الجامعي بعدما صدرت قرارات من رؤساء الجامعات بحظر نشاط الأحزاب داخل
الجامعات.
أيضا تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بيانا نسب إلى إدارة الأمن
بمنطقة الإسكندرية الأزهرية، موجها لمسئولي الأمن في المعاهد الأزهرية على
مستوى محافظة الإسكندرية، يطالب فيه بالإبلاغ عن "أي طالب له انتماء سياسي
أيا كان".
وجاء في البيان تعليمات للأمن "بتنبيه شيخ المعهد بإبلاغ مدير الأمن
للمنطقة عن أي شخص له انتماءات سياسية، والتنبيه عليه أيضا بالإبلاغ عن أي
طالب له أي انتماء سياسي"، و"بالتنبيه على شيخ المعهد بتحري الدقة في دعوة
مجلس الآباء، وعدم دعوة أي ولي أمر له انتماءات سياسية، فضلا عن منع التحدث
في السياسة نهائيا داخل المعهد".
مكارثية إعلامية
ولم يقتصر الأمر – بحسب بيان لجماعة "صحفيون ضد الانقلاب" - علي قتل 9
صحفيين واعتقال واحتجاز 80 صحفيًا وإعلاميًا وإصابة 100 وغلق 12 فضائية و10
مكاتب إعلامية وإخبارية ومنع صحيفتين من الصدور منذ 3 يوليه 2013، ولكن
وصل الأمر لمنع وحجب أي كاتب معارض من الظهور في التلفزيون الحكومي أو
التلفزيونات الخاصة، وفرض قيود علي إعلاميين له وجهات نظر مستقلة تمنعهم من
الحديث في السياسية وتحويل برامجهم للحديث عن مظاهر اجتماعية مثل السحر
وتعدد الزوجات وغيره.
وسبق أن فوجئ مشاهدو أحد برامج "التوك شو" بقناة فضائية عربية تُبث من مصر
بانسحاب نائب وزير الرياضة والناشط السياسي الليبرالي "باسل عادل" من
البرنامج بعد أن رفض الجلوس على طاولة الحوار مع الصحفي "علاء البحار" مدير
تحرير جريدة "الحرية والعدالة" التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، بدعوي
"إن المصريين يرفضون التحاور مع جماعة إرهابية أطلقت عليهم النار واقتحمت
مراكز الشرطة ونشرت الفوضى"، ثم قيام مقدم البرنامج "تامر أمين" على فضائية
"روتانا مصرية" بمطالبة الضيف الانصراف من الحلقة، ثم منع ظهور أي منتمي
للإخوان إعلاميا.
وكما كانت "المكارثية" عابرة للانتماءات السياسية، كانت عابرة - أيضا -
للانتماء الديني، ووضع أصحابها على درجة أقل من الانتماء للإخوان، وهي
"التعاطف معهم"، وتحت هذه الدرجة طال الاتهام كل أعضاء حركة مسيحية مناهضة
للسلطة الحالية وهي "مسيحيون ضد الانقلاب" وتضم ناشطين مسيحيين منهم مايكل
سيدهم ورامي جان، فوصفوا في موقع إلكتروني هو "البوابة نيوز" الموالي
للسلطة، في 5 أكتوبر العام الماضي، بأنهم "حركة إخوانية لإثارة الفتنة"، ما
دفع بعضهم للهرب خارج مصر.
بل لقد صدر حكم بالإعدام على اثنين من المسيحيين هما "ياسر زكي وفيق"
و"بباوي مكرم" بتهمة القتل والتخريب خلال مشاركتهما في مسيرات الإخوان
بمحافظة المنيا، جنوبي مصر.
مكارثية رياضية
وانتقلت المكارثية للاعبي الكرة وخاصة بعد رفع بعضهم شعار رابعة عقب فوزهم
في بطولات دولية، حيث تم سحب جوائزهم وحرمانهم من مكافآت الفوز والتحقيق
معهم وعدم السماح لهم بتمثيل مصر في مسابقات دولية.
حيث والمفارقة المثيرة للانتباه أن الإعلامي الرياضي أحمد شوبير، والذي
كانت له مواقف واضحة لا تقبل الشك في رفضه للإخوان، حاول خصومه النيل منه
عبر إحدى درجات المكارثية وهي "القرابة لشخص متعاطف مع الإخوان".
وتم شن حملة ضد لاعب الكرة محمد أبو تريكة بتهمة "دعم الإخوان"، بدعوي أنه
أول من حرض على المؤسسة العسكرية بتجاهله مصافحة المشير حسين طنطاوي (رئيس
المجلس العسكري الذي كان يدير شؤون مصر بعد ثورة يناير/ كانون ثان 2011)،
أثناء استقباله لهم عقب عودتهم في 1 فبراير/ شباط عام 2012 من المباراة
الشهيرة في بورسعيد، والتي شهدت مذبحة أودت بحياة 72 مشجعا من النادي
الأهلي.
كما تم منع العديد من لاعبي منتخب الكرة في مصر من اللعب لإنتماءهم للإخوان
أو تعاطفهم معهم وظهورهم في اعتصام رابعة مثل اللاعب عبد الظاهر.
وواجه اللاعب السابق المؤيد للسلطة أحمد شوبير هذا الاتهام، بعدما روجت عبر
مواقع التواصل الاجتماعي صورة لشقيق شوبير المقيم في الولايات المتحدة
الأمريكية وهو يقف مع أبنائه في مسيرة رافضة لزيارة السيسي لأمريكا وأيضا
رافضة لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، الأمر الذي دعا شوبير للقول أنه
لا يملك أن يحجر على رأي أخيه.
وأمتدت المكارثية خارج مصر لتشمل مسئولين دوليين: حيث اتهم مسئولون مصريون
منظمة "هيومان رايتس ووتش"، بالعمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد
التقرير الذي أصدرته الأخيرة حول فض اعتصام رابعة العدوية، كما أتهموا
بريطانيا بأنها "تدعم الخونة" وأتهم مناصرون للسلطة على موقعي التواصل
الاجتماعي (فيسبوك) و(تويتر)، صحيفة "جارديان"، ومؤسسة "بي بي سي"
البريطانيتين، تابعين للإخوان لدفاعهم عن حرية المعارضين في مصر.
أيضا اتهمت تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق، "مالك حسين
أوباما" شقيق الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالانتماء للإخوان، خلال لقاء
تليفزيوني في أغسطس الماضي، وقيل أن أوباما نفسه إخواني لأنه عارض انقلاب
مصر في البداية، ونشرت له صور في مصر وهو بلحية طويلة تشير إلى دعمه
للجماعات الإسلامية والإخوان.
مكارثية ضد علماء الأزهر
أيضا قال وزير الأوقاف ومسئولي الأزهر أنه تم تطهير الأزهر ووزارة الأوقاف
ممن جرى الشك في انتسابهم للإخوان، ونتج عن ذلك فصل العديد من علماء
وأساتذة جامعة الأزهر المعتقلين أو الهاربين خشية اعتقالهم بدعوي أنهم
استنفدوا أجازاتهم، وحكم علي أساتذة أزهر مثل عميد معهد الدراسات الإسلامية
الأسبوع الماضي بالسجن 17 عاما بتهمة الانتماء للإخوان.
بحسب بيان جبهة "علماء ضد الانقلاب" قام وزير الأوقاف بسحب تراخيص 50 ألف خطيب وإيقاف خطبة الجمعة في آلاف المساجد.
كما تحدثت الصحف عن تطهير كلية الشرطة من أبناء عائلات الإخوان، ونوه بعضها
إلى أن ابن شقيقة الدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة
واحد من هؤلاء، وهو الآن طالب بالسنة الثالثة بالكلية، وصدرت تصريحات من
الشرطة تشير لصعوبات قانونية تمنع طردهم من كلية الشرطة، وتؤكد أنهم تحت
أنظار قادة الشرطة، وأنه سيتم تعيينهم في وظائف بعيده عن الجمهور.
وضمن هذه المكارثية والتشكيك في مؤسسات إعلامية كان تسمية كيانات إعلامية
وتصنيفها علي أنها إخوانية ومعادية لمصر منها ما ذكره الرئيس السيسي عن:
شركة «ميديا لميتد» التي قال أنها «تتخفى خلف شعار تشجيع الفن العربي»،
وجريدة «العربي الجديد» الإلكترونية، وفضائية «مصر الآن» التي تستعد
للانطلاق قريباً، إضافة إلى موقع Cultureالإلكتروني. وقد لفتت هذه
المكارثية العنصرية أراء خبراء وسياسيين، إذ قالت د.منار الشوربجي أستاذة
العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن ما يجري هو لب "المكارثية" التي تعني
التفتيش في عقول الناس واتهامهم بعدم الوطنية"، وأن المكارثية - في الحالة
المصرية - خرجت من النخبة حتى وصلت إلى المجتمع وأفراده عن طريق رسائل
إعلامية مكثفة.
وقال د.شريف عبد الرحمن، أستاذ العلاقات الدولية والنظم السياسية بجامعة
القاهرة، أن: "المكارثية المصرية صنعها المهووسون بالهاجس الأمني
والمعتقدون بأنهم هم فقط المصريون الحقيقيون وغيرهم محروم من حق المواطنة
والتعبير عن الرأي".
ويقول الحقوقي نجاد البرعي أن المكارثية كانت عنوان مصر منذ ثورة 25 يناير،
وأنه عندما أنهارت دولة الإخوان، انتفض «الليبراليون» وبعض من «الفلول»
ليقيموا محاكم التفتيش ضد كثير من المفكرين المرموقين بزعم أنهم إما «خلايا
إخوانية نائمة» أو «معادون للدولة المدنية وقيمها»، لا لشيء إلا أنهم دعوا
إلى التعقل في وقت اجتاح الجنون كثيرا ممن كنا نظنهم من العقلاء، بحسب
البرعي.
أما أحمد ماهر رئيس حركة 6 أبريل فقال أنه "بعد موجه 30 يونيو... بدأت
تنتشر دعوات فاشية لحظر وعزل كل من يدافع عن مبادئ الثورة الأصلية المجردة،
كحرية الرأي والتعبير أو التعايش أو التسامح تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت
المعركة".
وأضاف: "لا يجب أن تدفعنا دعوات الانتقام إلى أن نفقد إنسانيتنا ومبادئنا
ونقول عن المعارض أنه خلايا إخوانية نايمة، وقابض من الإخوان".
جريدة الشعب الجديد