واصلت وزارة الخارجية الأمريكية، أمس، نشر رسائل البريد الإلكترونى التى أفرجت عنها من البريد الخاص بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون، والتى تتضمن مراسلاتها على بريدها الإلكترونى الخاص خلال فترة توليها منصبها، وتضمنت رسائل عديدة تشمل مناقشة بعض الأوضاع، على رأسها مصر والشرق الأوسط. وفى رسالة إلكترونية تحمل تاريخ 10 فبراير 2011، تسلمت وزيرة الخارجية الأمريكية رسالة من شخص يُدعى «سيد»، دون الإشارة إلى هويته، وتبين فيما بعد أنه سيدنى بلومنثال، أحد مساعدى الرئيس الأسبق بيل كلينتون فى البيت الأبيض وأحد مستشارى الإدارة الأمريكية بشكل غير رسمى، جاء فيها تحليل للأحداث التى وقعت خلال الأيام القليلة السابقة للرسالة بناءً على لقاء هذا الشخص مع عدد من المسئولين المصريين، على حد قوله.
الساعات الأخيرة شهدت خلافات بين «مبارك» وقادة المجلس العسكرى حول من يخلفه فى السلطة.. والرئيس الأسبق طالب بضمانات حال ترك الحكم وفى رسالة من «سيد» إلى «كلينتون» بتاريخ 10 فبراير 2011 بعنوان «ما وراء خطاب الرئيس مبارك»، أشار «بلومنثال» إلى أن «أحدث معلومات استخباراتية تم الحصول عليها من مصادر استثنائية على أرض الواقع فى مصر، تشير إلى أن هناك صراعاً بين الرئيس الأسبق والمجلس العسكرى تسبب فى تأخير خطاب (مبارك) الذى كان من المقرر أن يذاع قبل ذلك، حيث طالب (مبارك) بضمانات بشأن ممتلكاته
وكذلك شرفه العسكرى فى حال ترك منصبه، وبما أن جمال مبارك لا يمكن أن يحل محل والده، فقد أصر (مبارك) على أن اللواء عمر سليمان يجب أن يخلفه فى السلطة، لكن اللواء حسن الروينى، قائد المنطقة المركزية وقتها، والمشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكرى آنذاك، عارضا خلافة (سليمان) لـ(مبارك)، حيث إنه مدير المخابرات وليس من الجيش، كما أنهم يرون (سليمان) امتداداً لـ(مبارك)».
وأشار «بلومنثال» إلى أن القادة العسكريين، قبل كل شىء، يريدون الحفاظ على المؤسسة العسكرية وسمعة الجيش، وكانوا يرغبون فى تجنب سفك الدماء ويميلون إلى رفع حالة الطوارئ، ما يعد نقطة شائكة أخرى. ويريد القادة أن يقوم «مبارك» بنقل السلطة خلال المرحلة الانتقالية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وليس إلى «سليمان»، فالصراع بين «مبارك» وشخصيات قوية فى الجيش توقف مؤقتاً بسبب وجود رئيس الأركان، الفريق سامى عنان، الذى أبدى استعداداً لقبول «سليمان» فى الوقت الحاضر، وقام «عنان» بالتواصل مع «مبارك» للعمل بشأن كيفية المضى قدماً، وذكرت سراً أنه حذر مستشارى الرئيس من أن العنف الشديد قد يسبب الفوضى. وأضاف «عنان» أنه يجب على الحكومة أن تعمل على توضيح الموقف، ويجب ألا يعتمد «مبارك» على الجيش لإطلاق النار على المتظاهرين لأى فترة من الزمن، كما كان «عنان» يعتقد أن «مبارك» لا يمكن أن يقول إنه سوف يرحل نظراً للضغوط. «عنان» لـ«مبارك»: الملك عبدالله وعد بتقديم ثروة شخصية حتى إذا جمدت البنوك الأجنبية ثروتك وفى رسالة أخرى من «سيد»، جاء أنه «خلال يوم 10 فبراير 2011، أطلع اللواء حسن الروينى قادته فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن مصادر تراقب المظاهرات أشارت إلى أن قادة الطلاب يخططون لمحاولة اقتحام القصر الرئاسى ومبنى البرلمان وقصر الإسكندرية ومبانٍ
حكومية أخرى، وأشار (الروينى) إلى أن جنوده سيضطرون لاستخدام القوة لحماية تلك المبانى، وهو ما قد يؤدى إلى مواجهات عنيفة تدمر
العلاقة بين الجنود والشعب المصرى». وتابعت الرسالة: «وخلال اليوم نفسه، التقى المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وقادة آخرون فى
المجلس العسكرى، الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونائبه عمر سليمان؛ فى محاولة لإقناعه بالتنحى عن الرئاسة وتسليم السلطة إلى المجلس
العسكرى، كما أن قادة المجلس كانوا يسعون إلى منع (سليمان) من أن يصبح خليفة (مبارك) فى الحكم. وقد اشتد النقاش وتركز على
رغبة الرئيس الأسبق فى المغادرة بشرف وكرامة، وضمانة أن الحكومة الجديدة لن تسعى إلى مصادرة ممتلكاته وحساباته الشخصية، وفى
نهاية النقاش تم التوصل إلى اتفاق بأن (مبارك) سينتقل إلى منزله فى شرم الشيخ، حيث سيتم توفير الحماية الكاملة له، والاحتفاظ بلقب
رئيس، بينما يدير (سليمان) المرحلة الانتقالية تجاه حكومة جديدة، تحت سيطرة المجلس العسكرى».
وأشارت الرسالة إلى أنه بعد خطاب «مبارك» فى مساء الـ10 من فبراير، أشارت مصادر «الروينى» إلى أن «الخطاب أثار ارتباكاً وعقّد المسألة،
حيث ترك الأمر مفتوحاً بأنه سيظل فى السلطة. وحذر (الروينى) مرة أخرى من المواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الجيش فى 11
فبراير، وتسلم (سليمان) معلومات مشابهة من مصادر استخباراتية، وفى 11 فبراير، جدد (الروينى) تحذيراته من تلك المواجهة، وأوضح أن
المجندين لن يطلقوا النار تجاه الحشود المتظاهرة، وهو ما يعنى أن السيناريو الإيرانى قد يحدث فى مصر إذا بدأت مواجهات بين الطرفين».
«الروينى» يحذر من المواجهة فى 11 فبراير ويؤكد: المجندون لن يطلقوا النار على المتظاهرين
وبحسب الرسالة، فإنه «فى صباح يوم 11 فبراير، حذر (سليمان) و(عنان) الرئيس الأسبق من الأزمات المتوقعة فى مساء اليوم، وأكد (
عنان) لـ(مبارك) أن الملك عبدالله، عاهل السعودية الراحل، سيضمن أنه سيحصل على ثروة شخصية كبيرة، حتى وإن حاولت البنوك
الأجنبية تجميد حسابات (مبارك) الشخصية. وأخبر (عنان) الرئيس الأسبق أيضاً أن (المجلس العسكرى) سيضمن سمعة وكرامة وشرف
(مبارك)، وأضاف أنه سيبقى شخصياً مع (مبارك) فى شرم الشيخ حتى تستقر الأمور لضمان أمنه، ووفقاً لأحد المصادر، فإن الهدف من
وعود (عنان) كانت أن يضمن أن (مبارك) لن يتراجع فى اتفاقه فى اللحظة الأخيرة، ووفقاً لهذه الوعود، وافق (مبارك) على إعلان (سليمان)
تنحيه عن الحكم».
وأضافت الرسالة: «وفقاً للمصادر نفسها، فإن الجيش المصرى حافظ بهذه الطريقة على دوره كأهم مؤسسة فى البلاد، وأصبح وزير
الدفاع، المشير حسين طنطاوى، أقوى شخصية فى الدولة. أما عن عمر سليمان، فإن وضعه لم يكن واضحاً، ولكن مصادر مطلعة قالت إن
مصر ستعود إلى نموذج عام 1952 للحكم من خلال مجلس عسكرى. والسؤال الآن: هو مدى مشاركة النخبة العسكرية للحكم مع
المدنيين؟».
حديث مجلس الشيوخ عن قطع المعونات خلق بعض الخوف فى هيئة أركان الجيش المصرى
وعن مدى مصداقية المجلس العسكرى فى تنفيذ وعوده بإجراء انتخابات فى سبتمبر من العام نفسه، قالت الرسالة إن «هذا الأمر متروك
للمستقبل لنرى مدى صحته»، مشيرة إلى أنه «فى حال إجراء الانتخابات، فإن الجيش ستكون له مشاركة سياسية لمواجهة قوى المعارضة،
خصوصاً الإخوان». وأضافت: «مع بقاء المجلس العسكرى كقائد للمرحلة الانتقالية، فإنه على الأرجح سيحتفظ بشخصيات عديدة من
الحزب الوطنى لإدارة تلك المرحلة».
وفى نهاية الرسالة، كتب مرسلها أن أحد المصادر لديه تعليق عن الوضع فى مصر، وكتب التعليق دون التدخل فيه على النحو التالى: «
تعليق من أحد المصادر: بعض الرموز السياسية المصرية، ومن بينهم ضباط بارزون فى الجيش، يشيرون إلى تغيير القيادة هذا على أنه
انقلاب عسكرى، بينما يشير آخرون إليه بأن النظام السياسى والجيش يحاولون الاحتفاظ بمناصبهم فى القيادة تحت تغيير طفيف على
طريقة معلمى (مبارك)، عبدالناصر والسادات، من خلال ثورة 1952. وبعض الضباط الشباب يدعون إلى (الحل التركى)، حيث يكون
الجيش مسئولاً عن السلطة فى وقت الأزمة، ويعمل كضامن للديمقراطية المدنية».
واختتم «سيد» رسالته بوضع عدة خيارات للإدارة الأمريكية، على النحو التالى: «أولاً أن المجلس العسكرى يجب أن يعد برفع حالة
الطوارئ فى أقرب وقت ممكن، والثانى أن الحل الأمثل هو النموذج التركى، حيث يحتفظ الضباط فى الجيش بمكانة اجتماعية مرموقة،
ولكن يبقون فى ثكناتهم تحت حكم نظام ديمقراطى. وهذا الأمر يتطلب اتفاقاً كاملاً بأن يكون الجيش ضامن الديمقراطية والانتخابات. وفى
المستقبل، سيكون الخوف من تدخل الجيش بشكل مباشر فى السياسة بمثابة عامل اعتدال يمكن استخدامه من قبَل القوى
الديمقراطية المعتدلة لإحباط محاولات القوى المتشددة والمتطرفة. وحينها ستكون قيادة الجيش راضية، ولن يكون الجنرالات يديرون
الدولة، خصوصاً بعد تجربة (مبارك)».
وفى رسالة أخرى بتاريخ 2 فبراير 2011، من «سيد» بناء على معلومات من تايلور دورمهيلر، الضابط السابق بالمخابرات المركزية ورئيس
شعبة أوروبا للعمليات السرية، ذكر «بلومنثال» أن «الجيش بقى بعيداً عن أى قتال فى شوارع القاهرة، كما أن المجموعة المؤيدة لـ(مبارك)،
التى تقوم باستفزازات للقيام بالعنف، هى مجموعة صغيرة تتشكل من بعض عناصر الأمن والشرطة السابقين، يتميزون بعنف شديد لكن
ذلك لن يؤثر على المسار السياسى، لكن الجيش لا يتورط فى ذلك، كما أن الجيش لا يريد إذلال (مبارك) ولن يجبره على فعل أى شىء،
ولكن نقطة اشتعال الموقف تلوح فى الأفق، فمصر يمكن أن تعانى من أزمة غذاء بعد أيام والجيش عنصر أساسى فى توزيع الغذاء، وخلال
أيام نتيجة لأزمة الغذاء سيشعر الجيش أنه يجب اتخاذ قرار فى هذه الأثناء، والجيش يريد لـ(مبارك) الخروج ولكن لن يفعل شيئاً ضده،
ولا يزال الجيش على اتصال مع الإخوان، وهم لا يقودون الثورة، ولا يزال الجيش مسيطراً على الأوضاع».
وفى رسالة أخرى، بتاريخ 4 فبراير 2011، أشار «سيد» إلى أن الحديث فى مجلس الشيوخ الأمريكى حول قطع المساعدات خلق بعض
الخوف فى هيئة أركان الجيش، مضيفاً: «الجيش المصرى قد أدخل وحدات أكثر خبرة حول ميدان التحرير لتأمين الميدان، ويبدو أن
البلطجية الذين يعملون لصالح (مبارك) قد أعطى لهم راتب يوم واحد ولن يتجدد (بعد موقعة الجمل)، كما أن الجيش لم يتوقع حشوداً
ضخمة الجمعة الماضى لكن ذلك كان نقطة تحول، كما أن الملحقين العسكريين المعينين فى السفارة المصرية ذكروا لمجلس الشيوخ أن
الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم ينهار، وسيتم تشكيل عدة أحزاب للخروج من المأزق، كما أن المتظاهرين يريدون التحرك نحو الإصلاح
الدستورى الفعلى والانتقال الحقيقى للسلطة».
ثورة 25 يناير
انطلقت شرارة ثورة 25 يناير نتيجة تفشى الفساد والقمع والعنف، إضافة إلى مقتل الشاب خالد سعيد وانتخابات مجلس الشعب فى
2010، التى شهدت وقائع تزوير عديدة.
بعد اندلاع الثورة المصرية بعدة أيام، وجهت عدة دول خطابات تنادى الرئيس الأسبق حسنى مبارك بالتنحى، إلا أنه أصر على الاستمرار فى
منصبه وعين رئيس المخابرات العامة السابق عمر سليمان نائباً له.
هاجم بعض السياسيين المصريين الولايات المتحدة واتهموها بالتخطيط لإسقاط نظام الحكم فى مصر، إلا أن الرئيس الأمريكى باراك
أوباما أعلن فى خطابه السنوى 2015 أن الولايات المتحدة لم تفرض «الربيع العربى» على دول المنطقة.
«خنفر» لـ«الإدارة الأمريكية»: رغم حظر «الجزيرة».. سنرتجل ونتكيف حتى نسُود
أشار جاكوب سوليفان مساعد هيلارى كلينتون فى رسالة بتاريخ 30 يناير 2011، إلى أنه قد استجاب لرسالة من وضاح خنفر المدير السابق
لقناة «الجزيرة» القطرية الذى دعا مراراً لحماية حرية الصحافة، كما أنه اتصل بـ«خنفر» وطلب معلومات إضافية عما يحدث لطاقم
الجزيرة، وتشير الرسالة من وضاح خنفر إلى جوديث مكيل مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية بعنوان «عاجل» أنه قد تم إرسال إشعار
إغلاق إلى شبكة الجزيرة (باللغتين العربية والإنجليزية)، ما يهدد برفع دعوى جنائية إذا استمر مراسلونا فى القيام بعملهم، وعلمنا أن وزير
الإعلام أمر شركة «نايل سات» بإزالة باقة شبكة الجزيرة من القمر الصناعى وترك جمهورنا فى شمال أفريقيا فى الظلام، ونحن نبحث عن
بدائل ونرحب باقتراحاتكم، وإذا كان لديكم أى مقترح بشأن كيفية أداء عملنا فنحن نقدر لك.
وأضاف «خنفر» أن قوات الأمن قطعت خطوط الهاتف لدى مكتب الجزيرة فى القاهرة ومنعت خدمة الإنترنت، ومراسلو الجزيرة على
خط النار ومجبرون على الارتجال، وكما هو الحال فى تونس، فإن الجزيرة سوف ترتجل وتتكيف ثم تسود (وذلك فى إشارة للشعار غير
الرسمى لقوات البحرية الأمريكية: ارتجل.. تكيف حتى تسود).