تصريح مهمش لمحافظ البنك المركزى طارق عامر، حول تفاوض "جهات سيادية" مع دولة قطر، لتأجيل مستحقاتها المالية التى من المفترض أن تدفعها القاهرة لها، بجوار ديون نادى باريس خلال يوليو القادم مما يجعل الأزمة التى تواجدت تنفرد بنفسها لتهدد البلاد بمخاطر الإفلاس نهاية العام الحالى.
فرغم دعم الكفيل الخليجى اللامتناهى للعسكر، بعد تدهور العملة المحلية أمام الدولار، والارتفاع الجنونى للأسعار، ونقص السيولة وتراجع الاستثمارات وتحويلات المصريين بالخارج بجانب الخسائر التى تكبدتها قناة السويس، بعد تراجع إيرادتها، إلا ان النظرة المستقبلية للاقتصاد فى البلاد جاءت "سالب"، نظرًا لتفاقم الأوضاع خلال الأشهر القادمة.
مؤشر سالب
فالتقرير الأخير الذى أصدرته وكالة"ستاندرد آند بورز" والذى أكد على النظرة السلبية للبلاد فى وضعها الاقتصادى طويل الأمد، ومؤكدًا أيضًا على تفاقم الأوضاع ووصفها بالخطرة فى الأشهر الإثنى عشر القادمة، جعل المخاوف تزداد رغم الدعايات الضخمة التى يطلقها العسكر عبر آلتهم الإعلامية بإن البلاد فى تقدم، على الرغم من التقارير الرسمية التى تكذب تلك الادعاءات.
فالحالة الاقتصادية فى مصر "السيسى"، شهدت تدهورًا عنيفًا بعد انقلاب 3 يوليو 2013، حيث تراجع حجم الاحتياطى من النقد الأجنبى، والتدهور الحاد في القطاع السياحى، واللجوء إلى الاقتراض الخارجى وتخفيض العملة المحلية وسط استمرار العمليات المسلحة للعسكر والجماعات التى ضربت السياحة وأفقدتها 600 مليار دولار، بدءًا من مقتل الوفد المكسيكى وسقوط الطائرة الروسية ومقتل المواطن الإيطالى، ودفع نقص العملة الأجنبية وارتفاعها مقابل الجنيه، البنك المركزى إلى تخفيض قيمة الجنيه بمقدار 14% ليضاعف مقابلها قيمة الديون الخارجية لمصر والتى بلغت 47.8 مليار دولار فى نهاية 2015، مقابل 41.3 مليار دولار بنهاية العام الأسبق، بزيادة 6.5 مليار دولار بنمو 16 %، وبحسب بيانات البنك المركزى المصرى، فقد بلغت زيادة القروض الخارجية خلال الربع الأخير من العام الماضى 1.6 مليار دولار، جاءت من الودائع الأجنبية والمؤسسات الإقليمية وتسهيلات أخرى.
سداد الديون ومخاطر الإفلاس
خبراء اقتصاديون قالوا إن مصر مقبلة على سداد أكثر من 2 مليار دولار لصالح نادى باريس وقطر وبعض المؤسسات الدولية، فى يوليو المقبل، ونقص العملة الدولارية قد يضعها فى مأزق إذا لم تستطع تدبير قيمة القسط، مؤكدين أنه فى حالة عجزت مصر عن سداد ديونها الخارجية البالغة 47,8 مليار دولار وفقًا للجدول المقرر له وفى ظل أزمة تدهور السياحة أكبر مصدر من مصادر الدولار، واستمرار العمليات المسلحة وعدم ترسيخ الحقوق، سيعرض مصر للإفلاس.
وأضافوا إن تراجع قيمة الجنيه فى السوق الرسمى، سوف يلقى بآثار سلبية على زيادة الدين الخارجى، الذى بلغ نهاية العام الماضى 47,8 مليار دولار ومن ثم سيضاعف الأعباء التى يجب أن تتحملها الحكومة فى توفير العملة الأجنبية لسداد ديونها الخارجية، وأن مصر ملتزمة بسداد أقساط ديون خارجية تقدر فى الوقت الحالي بنحو أكثر من2 مليار دولار، يجب سدادها فى شهر يوليو المقبل، لنادى باريس ودولة قطر وبعض المؤسسات الأخرى، لافتًا إلى أن نقص الدولار فى مصر قد يعرقل سداد مصر لأقساطها السنوية والتى من المنتظر زيادتها لأكثر من مليارى دولار بعد الحصول على قروض من البنك الإفريقى وكوريا الجنوبية، وفى حالة حدوث هذا العجز فقد تتعرض مصر لشبح الإفلاس، بجانب إصدار مؤسسات التصنيف الدولية لتقارير سلبية.
عجز البنك المركزى فى مواجهة الأزمة
وعلي الرغم من قيام البنك المركزي بتخفيض سعر الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بنحو 112 قرشًا، ليبلغ سعره الرسمي بالبنوك 8.85 جنيه للشراء، و8.87 جنيه للبيع، وقيامه بضخ ما يتجاوز الـ3 مليارات دولار خلال الفترة الماضية في عطاءات استثنائية ودورية للبنوك المحلية، لتوفير السيولة النقدية للمستوردين والمصانع لشراء السلع الاستراتيجية وخامات الإنتاج، إلا أن سعر الدولار بالسوق السوداء ما زال مرتفعًا بالمقارنة بالأسعار الرسمية بالبنوك وشركات الصرافة، وسجل سعر الدولار بالسوق السوداء نحو 11.40 جنيه للشراء و11.60 جنيه للبيع، ففي خلال أسبوع واحد زاد الدولار فيه جنيهًا و32 قرشًا.
والخفض الرسمي للجنيه، يشير إلى أن البنك المركزي لم يعد قادرًا على الدفاع عن قيمة العملة المحلية بسبب النقص الشديد في النقد الأجنبي، وأدى العجز الرسمي عن تلبية الطلب على الدولار إلى اتساع السوق الموازية، حيث تخطى سعر الدولار مؤخرًا الـ11 جنيهًا لأول مرة في تاريخ البلاد، وقال البنك المركزي في شرح قراره بخفض الجنيه إنه جاء في ظل “التحديات التي واجهتها الدولة، خاصة خلال الأشهر الأربعة الماضية، التي تمثلت في تراجع ملحوظ في تدفقات النقد الأجنبي، ومن أبرزها السياحة والاستثمار المباشر ومحافظ الاستثمار المالية وتحويلات المصريين بالخارج”، ويقترن خفض قيمة العملة المحلية بارتفاع معدل التضخم، لا سيما في بلد يستورد معظم احتياجاته الأساسية مثل مصر التي بلغ إجمالي وارداتها نحو ثمانين مليار دولار في عام 2015. ويبلغ معدل التضخم السنوي في مصر حاليًا نحو 10%.
رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية في القاهرة أحمد شيحة، قال إن خفض قيمة الجنيه قد يؤدي إلى رفع أسعار السلع المستوردة بما بين 35 و40%، وتنتظر مصر موجة غلاء قادمة، وقارات وصفت بالمؤلمة، وتساءل الخبير الاقتصادي في بنك "إتش أس بي سي" البريطاني سايمون وليامزعن قدرة البنك المركزي المصري على مواصلة هذا الاتجاه إذا تطلب الأمر خفضًا آخر في قيمة الجنيه، قائلاً "هل السلطات مستعدة لتحمل زيادة التضخم التي ستحدث حتمًا؟"